زيف الحرب الطائفية في البحرين.. رسالة من المنامة

2013-07-08 - 10:27 ص

رضا أصلان، فورين أفيرس
ترجمة: مرآة البحرين

ذهب محمد البوفلاسة إلى دوار اللؤلؤة في 15 شباط/فبراير 2011، في اليوم الثاني من الانتفاضة المستوحاة من الربيع العربي في البحرين. ما شاهده هناك كان حشدًا كبيرًا من السنة والشيعة يطالبون وبصوت واحد بالحقوق السياسية والحريات. ولغاية في نفسه، اعتلى المنبر، وخطب خطابًا مثيرًا شجب فيه الطائفية وحذر العائلة المالكة من أن محاولات تقسيم شعب البحرين سيلحق ضررًا كبيرًا بالبلاد.


الخطاب كان رائعا لأن البوفلاسة سني محافظ، وهو نقيب سابق في الجيش، وفي الوقت نفسه، موظف في بلاط ولي العهد. ينحدر البوفلاسة من قبيلة مقربة من العائلة الحاكمة، وأمضى سنوات من عمره وهو يدعم تعهدات الملك حمد بن عيسى آل خليفة بسن إصلاحات سياسية قبل أن يستنتج أنها كانت مجرد وعود فارغة. وجوده في المظاهرة ودعوته الحماسية للوحدة كان تحديًا مباشرًا لتصوير الحكومة الاحتجاجات بأنها طائفية بحتة.


بعد نزوله عن المنبر، اقترب منه أحد المحتجين الشباب ودعاه لتناول كوب من الشاي. أتبع الرجل حتى تخوم الدوار. وبينما كان ينتظر مضيفه ليصب له الشاي، أقبلت شاحنة محملة برجال الشرطة يرتدون ملابس مدنية وتوقفت. ألقى الرجال على رأسه كيسًا وبدأوا بلكمه وركله. وقبل أن يقوم أحدٌ من الحشد بردة فعل، ألقوا به في مؤخرة الشاحنة وأخذوه بعيدًا، ليصبح السجين السياسي الأول في انتفاضة البحرين.

وخلال الأسابيع الثلاثة التالية، وضع البوفلاسة في زنزانة منعزلة صغيرة. وكان يتعرض للضرب بشكل روتيني والتعذيب والإذلال على أيدي حراس السجن، والغريب، أن أحدًا لم يكترث ليقوم بالتحقيق معه. وفي وقت من الأوقات، قالت الشرطة لابنته البالغة من العمر 13 سنة أن والدها قد تعرض لسحر وقد وضع تحت تعويذة سحرية. وعدوها بأخذه إلى المستشفى لتلقي العلاج، ولكن فقط إذا أخبرت النيابة العامة بأنه تحرش بها. وعندما رفضت، اعتقلتها الشرطة، أيضا.


وعلى الرغم من أن التهم الموجهة إلى البوفلاسة كانت واضحة، إلا أنه أمضى سبعة أشهر في السجن. وعندما أطلق سراحه أخيرا، فقد وظيفته، وأصدقاءه، ومصدر رزقه. أخبروه بأنه من غير المسموح له فتح حساب مصرفي أو مغادرة البلاد. وبالرغم من حصوله على درجة رجال الأعمال، إلا أنه لم يتمكن من العثور على عمل حتى كحارس أمن منخفض الأجر.

حتى بالمعايير التي خلفتها ردة الفعل الوحشية من جانب الحكومة البحرينية لموجة الاحتجاجات التي هزت المملكة الجزيرة الصغيرة على مدى العامين الماضيين ( جماعات حقوق الإنسان الدولية وثقت الضرب والتعذيب والعقاب الجماعي، والاعتقالات التعسفية)، فإن معاملة البوفلاسة كانت معاملة استثنائية. بالنسبة لبوفلاسة، فله في الأساس علاقة بالتهديد الفريد الذي يشكله للحكومة، لأنه كذب الإدعاء بأن الانتفاضة في البحرين ليست أكثر من تمرد شيعي مستوحى من إيران ضد النظام السني المحاصر.

" كنت مثالا لما يحدث لسني يتحدث ضد الحكومة"، قال لي البوفلاسة، "الخطة هي معاملة أهل السنة بطريقة [تثبط مشاركتهم] وتجعل الأمر يبدو وكأنه انتفاضة شيعية".


إنها تؤكد حقيقة أن حكومة البحرين لديها تاريخ طويل من التعزيز المتعمد للصراع الطائفي بين الشيعة، الذين يشكلون نحو 70 في المائة من السكان، والسنة، الذين يسيطرون على الحكومة والكثير من شركات القطاع الخاص. يوثق تقريرالبندر الذي أشيد به كثيرًا، وهو وثيقة من 240 صفحة أصدر في عام 2006 من قبل مركز الخليج للتنمية الديمقراطية وبقلم أحد مستشاري الحكومة نفسها، خطط الحكومة البحرينية لتأجيج الطائفية في المملكة من خلال تشجيع تحويل الشيعة إلى سنة، وتزوير الانتخابات لصالح المرشحين السنة، وخلق جهاز استخباراتي سري للتجسس على المواطنين الشيعة - وكل ذلك لتهميش الأغلبية الشيعية. (وقد رُحل مؤلف التقرير، صلاح البندر، إلى المملكة المتحدة وحظرت استنتاجاته من النشر في البحرين.)


لكن الصراع الحالي ليس رد فعل مباشر ضد هذا التاريخ من القمع ونزع الملكية المادية. في الواقع، إذا كان لاستمرار الصراع في البحرين الآن طابع الصراع الطائفي، فذلك لأن الحكومة المؤلفة من الأقلية السنية، وليس من الأغلبية الشيعية، قررت، على سبيل السياسة، جعله كذلك. انتفاضة 2011 بدأت كحركة احتجاج وطنية واسعة تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن المملكة ردت على تلك الاحتجاجات بسياسات حادة وخططت لإذكاء التوترات الطائفية. على مدى العامين الماضيين، قامت القوات الحكومية بالحاق الضرر أو تدمير 43 مسجدًا شيعيًا. وطردت العشرات من الأساتذة الشيعة واستعاضت بالعديد منهم بسنة كنتيجة لسياسة الحكومة. وتعرضت أعداد كبيرة من الأطباء والممرضين الشيعة لمضايقات أو ألقي القبض عليهم من قبل قوات الأمن الحكومية بسبب معالجة المحتجين الجرحى. وأما القنوات التلفزيونية المملوكة للدولة فتعمل على نشر الدعاية البغيضة المناهضة للشيعة.


وفقا للمنفية لمريم الخواجة، نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، التي سجن والدها ووالدتها بسبب عملهم في مجال حقوق الإنسان، فإن هذه الإجراءات الحكومية تهدف إلى استثارة رد فعل عنيف من جانب الشيعة ضد السنة، وبالتالي إثبات نهج الحكومة بأن الانتفاضة ليست لأجل الحرية أو الديمقراطية، بل جزء من صراع طائفي إقليمي لا يعالج بالرد السياسي. وتجزم الخواجة: "الوضع الطائفي [في البحرين] هو نتيجة لسياسة الحكومة".
زميل الخواجة، سيد يوسف المحافظة، يوافقها الرأي: "حكومة البحرين تريد أن تجعل منه صراعًا طائفيًا" ويضيف:" وهم يحققون نجاحًا".

ويحدد المحافظة، الذي دوره الأساسي في مركز البحرين لحقوق الإنسان توثيق انتهاكات الحكومة، استراتيجية الحكومة هكذا: أولاً، التعامل بقسوة مع أي ناشط سني يجرؤ على الانضمام للمعارضة، وعلى سبيل المثال، البوفلاسة أو إبراهيم شريف السيد، رئيس حزب وعد، الذي حكم عليه بالسجن لخمس سنوات لدوره في الانتفاضة. هذا يثبط عزيمة المواطنين السنة عن المشاركة في المظاهرات. ثانيًا، إسكات جميع الأصوات العلمانية والليبرالية ومنهم نبيل رجب ووالد الخواجة،عبد الهادي، وكلاهما حكم عليهم بالسجن مددًا طويلة لعملهم في مجال حقوق الإنسان في البحرين.

عندما يزاح السنة والليبراليون من المعادلة، فإن الخطوة التالية تكون بتشجيع الاحتجاجات الشيعية. حكومة البحرين تفعل ذلك من خلال إصدار تصاريح التظاهر بحرية وفقط لجماعة المعارضة الشيعية الرئيسية، الوفاق، وفقط إذا تقيدت بالاحتجاجات داخل الأحياء الشيعية. هذا يجعل الأمر يبدو كما لو أن المظاهرات الحاشدة التي أصبحت حدثا أسبوعيا في البحرين وبشكل صارم شأنًا شيعيًا، والتي، في الواقع، كذلك منذ ذلك الحين. والباقي هو فقط مجرد مسألة السماح للطائفية المؤسسية في المملكة باستنزاف ذاتها. وكما يصفها المحافظة، إذا كنت مواطنًا شيعيًا واعتقلت من قبل قوات مسلحة سنية، وعذبت على يد شرطي سني، وطردت من عملك على يد ربيس سني، وحل مكانك موظف سني، واتهمك مدع عام سني، وحوكمت أمام محكمة سنية، وحكم عليك قاض سني، فبعد ذلك فإن الاستياء العميق الذي تشعر به حيال النظام السني سوف ينزلق بك في نهاية المطاف إلى العنف العلني. وهذا بالضبط ما تريده الحكومة أن يحدث لأن تحذيراتها من حصول حرب أهلية طائفية وخيمة يتحقق.

محمد البوفلاسة

ليس من الصعب أن نتصور لماذا الحكومة في البحرين تريد أن تزيد وبشكل مصطنع الأبعاد الطائفية للانتفاضة الحالية. الهدف هو لغرض واحد، وهو أنه يتيح للعائلة المالكة تصوير الصراع على أنه معركة ثيولوجية ترجع إلى قرون من الخلاف الديني، وهو ما قد يكون من الحكمة للعالم الخارجي تجنبه. وما هو أكثر من ذلك، من خلال التغطية المتعمدة لهذا الصراع السياسي بشكل أساسي بإيحاءات دينية / طائفية، يمكن للحكومة بسهولة صرف المسؤولية عنها فيما يتعلق بمعالجة المظالم المشروعة لمعارضيها. فلماذا تتكبد عناء اقتراح الإصلاح السياسي عندما يكون الشيء الوحيد الذي يرضي المحتجين هو الانقلاب الكامل على النظام الاجتماعي
ولكن الأهم من ذلك، هو وصف التحديات التي تواجه سلطتها بعبارات طائفية تسمح لحكومة البحرين ربط الصراع الداخلي بصراع جيوسياسي أكبر بين إيران والمملكة العربية السعودية، وبالتالي تشجيع اللاعبين الخارجيين مثل الولايات المتحدة تحديد أولويات مصالحها الأمنية الوطنية المتصورة فيما يخص تعزيز حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. يمكن أن ينظر إلى فعالية هذه الاستراتيجية في مدى سهولة غض إدارة أوباما الطرف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تجري في البحرين - حتى عندما دخلت القوات السعودية إلى البلاد في آذار/ٍمارس 2011 وبدأت تطلق الرصاص على المتظاهرين الآمنيين في دوار اللؤلؤة - لتحقيق الفائدة المتصورة للمصالح الإيرانية يجب أن ينجح المتظاهرون في تنفيذ التغيير السياسي في البلاد.

تقول الخواجة: "انهم يعرفون أنه بمجرد أن يجعلوا الأمر يبدو وكأنه قضية شيعية فإنهم لا يحتاجون حتى أن يقولوا ذلك"، وتضيف: " ستصبح مرتبطة تلقائيًا بإيران. وهذا هو بالضبط ما فعلوه".
في الواقع، نهج الحكومة في أن الاضطرابات في البحرين ليست أكثر من انتفاضة شيعية مدعومة من إيران أصبحت متجذرة تمامًا في كل وسائل الإعلام ودوائر السياسة الخارجية. هذا رغم الحقيقة التي خلص إليها تقرير لجنة البحرين المستقلة لتقصي الحقائق، الذي تم التكليف بها من قبل الحكومة نفسها، بأن ليس هناك على الإطلاق أي دليل على وجود دور إيراني في الاضطرابات. (كما ويكشف التقرير عن الطرق التي استهدف بها السنة خاصة من قبل الحكومة لمشاركتهم في الانتفاضة.)

والمشكلة هي أن إذكاء الطائفية لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل يمكن أن تكون استراتيجية خطرة ولا يمكن السيطرة عليها في نهاية المطاف، كما تعلم نظام الأسد في سوريا. وإذا ما جوبهت بما يتفق عليه تقريبا جميع المراقبين المحايدين بانه بدأ كاحتجاج غير طائفي وشعبي يطالب بالحقوق الأساسية والحريات، فقد وسمت حكومة الأقلية الشيعية في سوريا على الفور المظاهرات بالطائفية، ثم عملت على وضع سياسة تعزيز الانقسامات الطائفية في البلاد وذلك لتحقيق استنتاجاتها المحددة سلفا. والنتيجة بأنها أصبحت ساحة قتال مروع بين القوات الوكيلة، ولا نهاية للصراع في الأفق.

ويخشى البوفلاسة أن يحدث الشيء نفسه في البحرين. فيحذر قائلاً: "إن استمرار الحملة يخلق الكراهية بين المواطنين والحكومة"، ويضيف: "ستوصل إلى مستقبل قاتم. رد فعل المحتجين يمكن أن يكون المزيد من العنف. لا يمكن أن يكون هناك مصالحة بين الشيعة والسنة عندما يكون هناك طائفية مؤسساتية ممنهجة من جانب الحكومة".

عدم جعل السيناريو الحاصل في سوريا يحصل في البحرين يتطلب استجابة متطورة من جانب إدارة أوباما أكثر مما أثبتته حتى الآن. يمكن للبيت الأبيض أن يرفض علنا تلك الكذبة القائلة بأن الانتفاضة في البحرين ليس ثورة ديمقراطية بل مؤامرة شيعية لإنشاء دولة دينية على غرار إيران في المملكة الجزيرة الصغيرة. وبدلا من ذلك، ينبغي عليها الضغط على النظام لمعالجة المظالم المشروعة للمتظاهرين. وينبغي أن تطالب بالإفراج عن مئات السجناء السياسيين الذين يقبعون حاليا في السجون البحرينية، لا سيما تلك الأصوات العلمانية والمعتدلة (مثل نبيل رجب وعبد الهادي الخواجة) التي يمكنهما أن تتجاوز الحواجز الطائفية. كما يمكنها تشجيع العائلة المالكة لإقامة نوع من سياسة العمل الإيجابي - عكس ما أثبته تقرير البندر بأنها ما فتئت تقوم به - من أجل إعطاء الطائفة الشيعية المحرومة صوتًا أكبر في الحكومة، والمحاكم، والجيش، والقطاع الخاص. وأخيرًا، والأكثر أهمية، يجب أن تتوقف عن الاعتقاد بالخيار الزائف ما بين تأمين مصالحها الوطنية وما بين تعزيز قيمها.


وتقول مريم الخواجة: "إننا نتطلع إلى مجتمع متدين جدا يطالب بحكومة مدنية تعترف بحقوق الإنسان"، وتضيف:"هذا لا يحدث كل يوم. ولا يدوم. ولكن التقاعس الأمريكي بدأ يقلب الناس ضدهم. في البداية، عندما احتج الناس أمام سفارة [الولايات المتحدة]، خرج الموظفون وهم يحملون الدوناتس. والآن المتظاهرون يحملون صور أوباما في الاحتجاج ويساووه بالملك. لكثير من الناس، الولايات المتحدة لم تعد وسيطا. الولايات المتحدة اليوم متواطئة في الحملة".

مع كل يوم يمر، نبوءة الحكومة البحرينية بالحرب الطائفية التي تغذي نفسها بنفسها أصبحت أكثر وأكثر واقعية. وإذا ما حدث ذلك - وإذا ما انحدرت انتفاضة البحرين إلى هذا النوع من الحرب المقدسة الإقليمية بين السنة والشيعة - فإن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تجنب العواقب.


30 حزيران/يونيو 2013

النص الأصلي 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus