نبيل رجب بعد عام من الاعتقال

سأبقى أخاطبكم من داخل السجن ومن خارجه

2013-07-09 - 1:20 م

مرآة البحرين (خاص): اليوم 9 يوليو 2013، يكمل نبيل رجب عاماً كاملاً وراء القضبان، في "ظروف سجن سيئة"، أُريد لها أن تكون انتقامية وعازلة ومذلة، فيما روحه "في أفضل حالاتها من القوة". هكذا وصف نفسه في الخطاب الذي سربه من خلف القضبان، ليُلقى بالنيابة عنه في اجتماع منظمة "ايفكس" للمدافعين عن حقوق الإنسان، في اجتماعها الأخير المنعقد في شهر يونيو الماضي.

قرر نبيل رجب أن يبقى متمرداً ومشاكساً ومزعجاً للسلطة، طالما أن هناك حريات منتهكة وحقوقا مسلوبة، اختار لصوته أن لا يعترف بالخطوط الحمراء سياسياً، ولا السقوف التي تحدد له مساحات الكلام، كل الكلام مفتوح على فضاء الفضح الحقوقي بلا مواربة ولا تلميع، ثمة مُنتهَك وثمة منتهِك، الأول ضحية والثاني مجرم، ليس في هذا مزايدة ولا استغفال.

لكن الأكثر من هذا، أن نبيل اختار لنفسه أن يكون نموذجاً مختلفاً من سجناء الرأي أيضاً، فعندما تم حبسه لمنع حضوره المشاكس، ولجم صوته ذي الشعبية الواسعة محلياً ودولياً، لم تتمكن السلطة من حبس أكثر من جسده، أما صوته فقط فبقي حراً طليقاً، وبقى مستمراً في مشاكسته، من داخل قعر السلطة هذه المرة، من داخل قعر السجن الذي يقضي فيه ممنوعاً من الاختلاط بباقي السجناء السياسيين. لقد تمكنت السلطة من حجز جسده لكن ليس خطابه.

أن تكون متمرداً على طريقة نبيل رجب، يعني أن تبقى عصياً على النيل منك حتى مسجوناً، ليس فقط من حيث عدم القدرة على حرف مبادئك، بل حتى عن عزل صوتك عن أن يصل الناس، أن يبقى يمدهم بالقوة والصمود ويحثهم على المواصلة، أن ينقل لهم من داخل السجن آراءه ووصاياه تجاه المستجدات في الساحة، هكذا أراد نبيل رجب أن يبقى خارج السجن بخطابه طوال عام كامل قضاها بجسده في داخله.

تحريض الأحياء في مقبرة الموتى

ففي 4 أكتوبر 2012، خرج رجب من السجن مؤقتاً بعد تردد كبير من وزراة الداخلية، لحضور مراسم تشييع ودفن والدته التي قضت وهي تأمل أن تراه، كان الحزن يفطر قلب الابن الذي تمدد بطول جثمان الأم على المغتسل باكياً، وكان يمكن أن يُسمح له بحضور باقي مجالس العزاء في الأيام الثلاثة، لو أنه بقي صامتاً عن الكلام في الممنوع، لكن من المؤكد أن نبيل ليس من النوع الذي يفعل ذلك. لقد حوّل المقبرة الساكنة بالموتى إلى مسرح خطابي للأحياء. بعد الانتهاء من مراسم الدفن، وقف مواجهاً لحشود المعزين الذين تجمعوا حوله بالآلاف، ووجهه لجة حزن، وراح يخطب فيهم: "أمي ليست أهم من شعبي"، ثم بدأ الكلام الممنوع، وراح يحث الناس على ضرورة استمرار الحراك المطلبي، والصمود رغم كلافة التضحيات. كانت الناس التي احتشدت في المقبرة، في عطش إلى روح نبيل التي لا تتزحزح عن تمردها لحظة. أُعيد نبيل إلى السجن، ولم يُسمح له بإكمال مجلس العزاء بحجة خطاب التحريض.


الحوار مع جريدة السفير

وفي 4 ديسمبر 2012، نشرت جريدة السفير اللبنانية أول حوار مسرّب لرجب من داخل السجن، تناول فيه وضعه داخل السجن ومأزق النظام مع الشعب وعبر فيه عن فخره بشعبه. وعلق على سجن النظام له: "أنا بداخلي حرٌ طليق، لأنّني تحررت منهم ومن استبدادهم، ولكنّهم هم السجناء الذين قيّدوا أنفسهم وسجنوا مصيرهم في سجن طمعهم وجشعهم، ولا أعلم متى سيخرجون من الأزمة التي زجوا أنفسهم فيها. أنا اليوم معزول عن العالم الخارجي، لا يُسمح لي بالاختلاط مع النشطاء الحقوقيين المسجونين ولا السجناء السياسيين. هم يحاولون قدر الإمكان عزلي لكسر عزيمتي ومعنوياتي، لكنّني أزداد كل يوم إصراراً على الاستمرار والمواصلة". فكان بذلك أول حوار لمعتقل رأي سياسي في البحرين، يكسر صمت السجن المفروض، بالكلام.* التحشيد ل14 فبراير

ومع اقتراب 14 فبراير 2013، ومرور عامين على بدء الثورة في البحرين، سرّب المشاكس، رسالة إلى "ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير" وإلى شعب البحرين الصامد، دعا فيها إلى إعادة الزخم إلى الثورة ونقلها إلى العاصمة المنامة، منبهاً إلى أن النظام يراهن على تعب الشباب وملله وخوفه من القمع والإرهاب، "فأثبتوا له أنّ إرادتكم الصلبة أقوى من كلّ ترسانته وإرهابه".

ووجه رسالته إلى الشباب "الأمل معقود عليكم في الذكرى الثانية للثورة بأنّ تعيدوا إلى ثورتكم السلمية زخمها وروحها، وأن تسترجعوا وهجها وعمقها الشعبي الكبير، وأن تنقلوها إلى الأماكن الأكثر إيلاماً للنظام وهي المنامة ومحيطها التجاري والدبلوماسي"، مشددا على أن "العالم لا يعترف بثورة إن لم تكن عاصمة الدولة هي مسرحها الرئيسي".

وكما هي عادة نبيل دائماً في الدعوة إلى الوحدة بين جميع أطراف المتحركين في الساحة، شدد على ضرورة الوحدة ونبذ الخلافات، محذراً أن : "النظام يراهن على تفرقكم وتشرذمكم".

لا تفاوضوا على الفتات
وفي الأيام نفسها، أي في فبراير 2012، وبعد تسريب إشاعات عن مفاوضات سرية تعقد بين بعض الأطراف مع النظام، سرّب نبيل رسالة شفوية نقلتها عنه زوجته سمية رجب بعد زيارته في السجن ونشرتها على حسابها في تويتر، حذّر فيها من التفاوض على الفتات، موجهاً أن "الحفاظ على تضحيات الناس مسئولية أخلاقية وإنسانية في المقام الأوّل، وثورة 14 فبراير أكبر بكثير من غرف التفاوض والمساومات". وحذّر البحرينيين من "التراجع الذي يبدأ عندما نقرر أن ما قدمناه من تضحية كاف ولا داعي للتضحية أكثر"، قائلاً "اعلموا أن للحرية ثمنا وعلينا دفعه".

nabil

محذراً من التفاوض مع النظام الذي يريد الناس القبول بالفتات، قائلاً إن "أي توقيع على توافق لا يشمل حل الملفات جميعها سيكون توقيع على إعدام الطائفة الشيعية والقضاء على مستقبلها في البلد". وأكد أن "ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير" والجمعيات السياسية هما جناحا هذه الثورة، فلا تتخلوا عن بعضكم لكي لا تضعفوا وهو هدف النظام الحاكم".

إلى المنظمات الحقوقية
وفي مارس 2013، سرّب رجب رسالة وجهها من سجنه إلى قادة وأعضاء والعاملين في المنظمات والمؤسسات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، أكد فيها أن المنظمات الحقوقية هي "الجانب المشرق والمضيء في هذا العالم الحر الذي يفضح هذا النفاق وازدواجية المعايير التي نحن وشعوبنا ضحاياها، ويؤسس للعدالة والسلام في العالم ومنطقتنا الخليجية".

ووجه بشكل خاص شكره لـ"نشاط المنظمات الدؤوب الذي لم يرَ الكلل من أجل نصرة قضيتي والتضامن معي فيما أتعرض له من ظلم واستبداد، وكذلك لعملكم المستمر من أجل وقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان في بلدي البحرين وكامل المنطقة الخليجية". مناشداً إياها مضاعفة جهودها في هذا الجانب.

حوار مع مرآة البحرين
وفي مارس 2013 أيضاً، كان لرجب حوار مسرّب مع مرآة البحرين حول (الحوار الوطني) الذي بدأ في الانعقاد، وجه فيه لبعض النصائح والمحاور وأكد على فريق المعارضة: لا تتحاوروا إلا مع النظام، ولا تتنازلوا عن إشراف دولي على الحوار، والشارع فخرنا وقوتنا". مشدداً أن "الحوار الحقيقي والجاد الذي يمكن أن يضمن أمن البلاد واستقراره، هو الذي يكون بين النظام الحاكم المتمثّل بالأسرة الحاكمة وبين المعارضة السياسية فقط لا غير. أمّا حشر جمعيات ناطقة باسم النظام وأفراد موالين فهو دليل آخر على عدم جدّية الحُكم في الوصول لحل. ثم أن الحوار الجاد عليه أن يناقش كل شيء وكل مسببات الأزمة دون استثناء ويفتح كل الملفّات الحسّاسة ولا يحاول الالتفاف على مطالب الناس"

تمردوا..
وفي شهر ابريل 2012، نشرت مرآة البحرين حوار آخر تم تسريبه من عزل السجن إلى فضاء الناس، دعى فيه رجب إلى التمرد: "أنا أدعو للتمرد على كل القوانين التي تنتهك حقوق الناس لأن القوانين يجب أن تُسن لإرساء العدالة والمساواة بين الناس وتحفظ حقوقهم التي كفلتها لهم القوانين الدولية وليس لتكريس الظلم والاستبداد"، مؤكداً حق التظاهر والتجمع للشعوب "ما مارسته من تجمع أو تظاهر هو حق من حقوقي الذي نصت عليه كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وممارستي لهذا الحق لم يكن هدفه الإخلال بالأمن بل النضال من أجل إرساء العدالة والديمقراطية ومناهضة ظلم النظام الحاكم وانتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان.

تعذيب وحشي
وفي مايو 2013، أثار الاتصال الذي قام به رجب من السجن ضجة كبيرة وردود أفعال قوية في الداخل والخارج، حين أوصل رسالة مفادها شهادته عن سماعه تعذيب معتقلين ومحكومين، وأنه قد شهد بعينه تعذيبا وحشيا لعدد 7 أو 8 أطفال وشباب يقضون أحكاما بالسجن هناك، وشاهد الدماء عليهم، وطالب بأن يزوره وفد من الصليب الأحمر بشكل عاجل لينقل له حقيقة ما يجري في السجون البحرينية.

اجتماع ايفكس
وكان آخر ما قام به رجب من اختراق لعزل السجن حتى الآن، هو تسريبه للخطاب الذي ألقي بالنيابة عنه في اجتماع منظمة "ايفكس" للمدافعين عن حقوق الإنسان، في شهر يونيو الماضي، الذي أشرنا اليه في بداية التقرير.
هكذا قضى نبيل رجب عام كاملا داخل العزل، لكنه عام كامل مليء باختراقات العزل، مارسها نبيل بوعي كامل للدور الذي يجب أن يكون عليه، لا الذي أريد له أن يُحصر فيه، "النظام البحريني راهن على عزلي عنكم ولكن تأكدوا أنّ خطّته في العزل فشلت، فها أنذا أخاطبكم هنا وسأبقى أخاطبكم وحين أخرج سأكون وسطكم"، وهكذا صاغ رجب نموذجه المتفرد للتمرد، خارج السجن وداخله.

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus