الشعب والديكتاتور، من يهدّد من؟
2013-07-24 - 12:21 ص
مرآة البحرين (خاص): مشهد (1): مداهمات يومية من قبل أجهزة أمنية ومدنيين ملثمين، نشطت منذ إبريل/ نيسان الفائت وحتى الآن، تم تكثيفها خلال شهر رمضان عبر مداهمات تتم غالباً قبل ساعة واحدة من وقت الإفطار واعتقال الشباب وهم صائمون.
مشهد (2): عشرات المطاردين الذين يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة وقاسية بسبب توسيع دائرة المطاردات والملاحقات الأمنية، وتزداد قسوة في شهر رمضان ووسط صيف ملتهب.
مشهد (3): منذ نحو أسبوعين، تشن السلطة ووسائل إعلامها حربا ضد المرجع الديني الشيخ عيسى قاسم وأمين عام الوفاق منذ نحو أسبوعين، و تمهّد لاعتقالهما بحجة دعم العنف وتوفير الغطاء الديني والسياسي له.
مشهد (4): في 24 يونيو استدعت إدارة الهجرة والجوازات 6 من أصل 31 تم إسقاط جنسيتهم وقامت بسحب جوازات سفرهم وبطاقات الهوية الخاصة بهم في إجراءات على طريق ترحيلهم من البلاد، فيما ساومت وزارة الداخلية المرجع الديني الشيخ حسين النجاتي بين إدانة المعارضة وربطها بإيران أو الترحيل إليها.
مشهد (5): آخر رقم كشفت عنه المعارضة لعدد المعتقلين في 1 يونيو/ حزيران الفائت، لا يقل عن 1800 معتقل ومعتقلة، فيما تتعرض النساء للتعذيب.
تعليق..
الناشطون المستهدفون في الساحة السياسية لا يخشون الاعتقال، يعلمون أن بينهم وبين الاعتقال مسافة (قرار) لا مسافة (جريمة). تجارب من سبقوهم إلى الاعتقال والتعذيب، وحتى القتل، ماثلة أمامهم. لكنهم يواصلون دون اكتراث بما يمكن أن يقع عليهم، طالما هم أصحاب هدف حقيقي ومصيري.
لا يفرق كثيراً بالنسبة لهؤلاء، أن يكونوا داخل المعتقل أو خارجه، إلا بمقدار الفرق في مساحة الحركة. أما بالنسبة للسلطة الديكتاتورية، فإنها تبقى متورطة بهم سواء أكانوا داخل السجن أو خارجه، وورطتها بهم داخل السجن أكثر.
تهديد السلطة للمعارضين باعتقالهم أو سحب جنسياتهم أو تهجيرهم، لا يوقف معارضتهم، بل يجعلهم خصوماً سياسيين أكثر، ومؤمنين أكثر بفسادها وضرورة تغييرها. أيضاً، تزيد مثل هذه التهديدات غضب الشارع المخنوق بها أصلاً، وتجبره على اليأس من إصلاحها سلمياً، وتحرضه على اللجوء إلى العنف، فالعنف هو اليأس من قدرة السلم على التغيير، والسلطة القمعية هي أكبر محرض على اليأس منها.
تظن هذه السلطة، أن توسيع دائرة الاعتقالات وفتحها على مصراعيها للمختلفين والمعارضين والناشطين هو علامة سيطرتها على الوضع، وفي حقيقة الأمر، هي علامة على عجزها عن احتواء الوضع. وجود آلاف المعارضين داخل السجون فشل لأي سلطة إن لم يكن انتحاراً لها. السيطرة التي تقام بالحديد والنار هي آخر أدوات الديكتاتور البائس، لأنه أعجز من أن يقنع الشعب بنفسه، أو يحتويهم بفعله.
من جهة أخرى، لا يمكن للبطش اجتثاث أصحاب القضية أو تصفيتهم، على العكس، يجعلهم يتكاثرون. يتكاثرون بحجم الألم الذي يخلّفه في حياتهم، كل شيء يفتر عبر الزمن إلا آثار البطش، تكبر وتتكاثر داخل نفوس الأفراد وتمتد حتى الأجيال. أجيال كاملة تتوالد، تحمل معها حِمل آبائها الذين عانوا من بطش السلطة واستبدادها واستفرادها وتمييزها واقصائها وتمزيقها للمجتمع والناس ونهبها خيراتهم.
الأجيال الجديدة التي تنمو في زمننا هذا بأسرع من أعمارها، يكبر معها ما عايشته في محيطها من لعنة البطش، وما ينقل إليها من حكايات محظورة، وتكبر فيها كراهية الأنظمة الباطشة، وتبقى على خط تماس من نار معها، لا تلبث أن تنفجر عند أية لحظة فارقة.
هذه اللحظة، لن تتأخر عن 10 سنوات، الفترة الزمنية اللازمة لانتقال الجيل الأصغر من مرحلة (المشاهدة والمعايشة) إلى مرحلة (التصدي والمشاركة)، وغالباً ما تأتي أسرع من ذلك. لذا، فإن النظام الباطش، لا أحد غيره، هو من يعيش التهديد الحقيقي بالزوال، والخوف الدائم من أن يلفظه الشعب، والقلق المستمر من الأيام التي تدول ولا تدوم.