جستين غينغلر: صعود الخوالد في عهد حمد "3-5"

2013-08-02 - 9:22 ص

جستين غينغلر،

نشرة الدراسات العربية: شبه الجزيرة والخليج والبحر الأحمر

Journal of Arabian Studies 3.1 (June 2013), pp. 53–79

ترجمة، مرآة البحرين.

جستين غينغلر، باحث أول في هيئة المسح الاجتماعي والاقتصادي في معهد البحوث، بجامعة قطر، ومحاضر مساعد في جامعة نورث وسترن في قطر، يتتبع في هذه الدراسة المطولة بروز تكتل الخوالد في السلطة البحرينية، ويوضح كيف وضع هذا التكتل أزمة الشيعة في البحرين في إطار أمني لا سياسي وعليه عمد إلى اللجوء إلى حلول أمنية لنزاع سياسي. 

تنشر (مرآة البحرين) ترجمتها لهذه الدراسة على حلقات.

الملك حمد وصعود الخوالد

بدأ أحفاد الشيخ خالد بن علي، المعروفون اليوم باسم "الخوالد"(30) بالظهور مع خلافة الشيخ حمد بن عيسى بعد وفاة والده غير المتوقعة في شهر آذار/مارس من العام 1999. إذ أشرف الشيخ حمد ولا يزال يشرف على تعزيزهم، الأمر الذي يسبب إشكالية، حيث يبرز الخوالد ضمن الفريق المحافظ من آل خليفة الذي يقال إن حمد  الآن يعارضه. وخلال الأربعة عشر عامًا من حكم الشيخ حمد  تبنى الخوالد وساعدوا في تنفيذ أجندة سياسية معاكسة تمامًا لعملية الانفتاح والإصلاح الدستوري اللذين جاء بهما الأمير الصاعد ضمن زوبعة إعلامية، اللذين لا زالا يُذكر بها.(31)

تشكَل هذه التناقضات ركيزةً  اللغز المحيّر الذي لا يقبل الحل: لماذا يدعم الملك حمد مجموعةً من الأشخاص تتعارض معه أيديولوجيًا وتعمل بحماسة لإضعاف سياساته المعلنة، حتى بعد أن أصبح هذا الخلاف الأساسي واضحًا؟ هل كان ذلك تمكيناً غير مقصود لعصبة ماكرة من العائلة الحاكمة التي هزمته هو وإصلاحاته؟ أم أن الشيخ حمد ذئبٌ في ثياب حمل، ومبادرته للإصلاح في العام 2000 ما هي إلا ستار يخفي نوايا أقل من معتدلة بكثير؟ 

لا يقدم أي من الخيارين جوابًا مرضيًا. لا يمكن التصديق بأنّ الشيخ حمد لم يكن على علم بتوجهات الخوالد المضادة للإصلاح وغير الليبرالية بشكل عميق. إذ إنّ علاقته بالقائد العام لقوة الدفاع خليفة بن أحمد تعود لسنة 1973 على الأقل، عندما كان  خليفة بن أحمد رئيس هيئة أركان الشيخ حمد خلال حرب تشرين الأول/أكتوبر بين الدول العربية وإسرائيل(32). وكذلك هي علاقته مع وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد شقيق خليفة، الذي تم تعيينه في عام 2004 وهو من أقرب مستشاري الملك، تلك العلاقة الممتدة لعقود طويلة. عُيّن حمد كولي عهد في شهر حزيران/يونيو من عام 1964، بعد ستة أشهر فقط من عامه الرابع عشر. وبعد عام واحد، حسب بعض الروايات، تم اختيار الشيخ خالد البالغ من العمر واحدًا وعشرين عامًا لترؤس الديوان الملكي لولي العهد الذي كان آنذاك حمد، وكانت هذه بداية علاقة شخصية استمرت حتى يومنا هذا.(33)

وفي حال افترضنا أن الشيخ حمد لم يلتقِ بخالد بن أحمد حتى وقت متأخر من حياته كما يقول البعض، إنّ سياسة خالد واضحة بالنسبة له. ففي عام 1995، وبعد مرور عام على انتفاضة الشيعة التي استمرت حتى موت الشيخ عيسى في العام 1999، كتب خالد قصيدة سيئة السمعة يستعرض فيها بصراحة وبصورة مثيرة للاشمئزار، سياسة للتعاطي مع مطالب شيعة البحرين للإصلاح. وقد جاءت هذه القصيدة ردًا على قصيدة أخرى مشحونة سياسياً كان قد كتبها كاتب معروف من آل خليفة، تباهى خالد بأسلوب وإجراءات أسلافه قبل سبعين عام تقريبًا: 

"عندي دوا أولاد شبر ومرهون (أي الشيعة)...

تهجيرهم لحوار وجنان مع نون...

مع صارم يلمع وصقيل مسنون

ينثر دماهم من عليهم...

ويا المكر والمصايب نمنع عزاهم في الشوارع

يدورون شيلاتهم ترمى علينا سبايب

وكل مركز حساس منه يشلون...

يبغون حكم الدار بالعد يعنون كثرة عددهم...

عقب المراكز بالمراكز يمارون

من ذاقوا السلطة سعو للسبايب

ياشيخنا بو سلمان نفداك لا تهون 

شيفيد لي منها اوصلت للشرايب

دونك عيال في الشدايد يعدون ارخي عنان خيولهم للحرايب."(34)

ووفقاً لخلف، فإن الحوار بين الشاعرين الملكيين "نُشر في شتى أرجاء البلاد" وشكّل " جزءًا من  التعبئة السياسية-القبلية-العرقية والتعبئة المضادة" لموالي الحكومة ومناهضيها كرد فعل للانتفاضة(35). إن نشر الشيخ خالد لهذه الآراء العنصرية والبغيضة على العلن، تعني بأنه يكون أقل تحفظًا في الخفاء. وعليه لا بد أنه سيحث وبشكل صريح قيادات آل خليفة لاتخاذ الخطوات التى اقترحها – والتي مصادفة تتنبأ بالكثير من السياسات التي مورست في العقد اللاحق تحت حكم الملك حمد – لذلك يبدو من المستبعد أنه امتنع عن الضغط في سبيل تحقيقها في الخفاء.

فمن غير المقنع القول بأن مبادرة الشيخ حمد للإصلاح الشامل في أوائل عام 2000 كانت برمتها مبادرة ظاهرية وخادعة. وذلك على الرغم من عدم تنفيذ "المملكة الحديثة والدستورية"، التي وعد بها الملك حمد في العام 2002 (36) ، فإن التغيرات السياسية التي تمت خلال هذه الفترة، بما في ذلك إلغاء قانون أمن الدولة الوحشي، والسماح بعودة المعارضين من المنفى، وإعادة إحياء البرلمان الذي توقف طويلًا، لم تكن فارغة وكانت تحفها مخاطر كبيرة على الصعيد المحلي والخارجي إذ يتمتع معارضو التغييّر من "المحافظين"، لا سيما خليفة بن سلمان، بقوة نماها لثلاثة عقود مستلمًا منصب رئيس الوزراء ومشاركًا فعّالًا كحاكم مزودج إلى جانب الشيخ عيسى.

أمّا جارة البحرين المهيمنة وراعية السياسة والاقتصاد أي المملكة العربية السعودية فقد اعترضت بشدة على الإصلاحات وخاصة النقطة المتعلقة بإعادة البرلمان(37)،و هي التي أمّنت في عام 2002 67٪ من إجمالي الإيرادات في البحرين بتقديمها إعانة نفطية مباشرة. كان يجب أن يكون ثمة تعويض متوقع كمكافأة ذات شأن في مقابل مخاطرة الملك حمد بإبعاد المؤيدين وتعبئة المعارضين من آل خليفة و آل سعود. تلك المكافأة كانت توحيد قوته وقوة ابنه على حساب عمه.

لقد ورث الشيخ حمد الحكم في ظل أوضاع سياسية مضطربة وكان دوره خلال فترة ولاية العهد أي خمسة وثلاثين عاما "مراسيمية إلى حد كبير"(38)، وتركزت في المجال العسكري. لهذا فإن انعدام كفاءته السياسية انعكس ليس في قوة عمه فحسب بل في فقره النسبي في مؤهلاته كإداري. ترك المدرسة الثانوية في المنامة في سن السادسة عشرة، وتلقي سنة واحد فقط من الدروس الخصوصية في إنجلترا قبل إرساله للتدريب العسكري في بريطانيا. في خلال فترة التدريب، تم تعيين حمد من قبل والده للمساعدة في تشكيل قوة دفاع البحرين، التي أنشئت على عجل في شهر آب/أغسطس من العام 1968 عقب إعلان انسحاب القوات البريطانية من الخليج عام 1971. وأصبح القائد العام للقوات المسلحة بعد عامين أي في سن العشرين، ومن ثم غادر لمدة سنة إضافية للتدريب في الولايات المتحدة الأميركية. وبعد فترة وجيزة عاد، وكانت البحرين قد حققت استقلالها عن بريطانيا، وعيّن حمد القائد العام لقوة الدفاع.(39)

تعد ألقاب حمد الرسمية التي منحت له في أيام والده أوسع من حجم سلطته الفعلية. إذ لاحظ خلف أن الشيخ عيسى وخليفة بن سلمان هيمنا على "تسييرالشؤون اليومية السياسية والمالية للدولة"(40)، وأن ولي العهد الصغير "لا يحضر المشاورات المعتادة قبل أو بعد اتخاذ الأخوين للقرارات السياسية المهمة". وكذلك، فإن الأهمية السياسية لقوة دفاع البحرين، التي يصفها حمد "بأنها لا تشغل أكثر من مكتب واحد يقع في إحدى زوايا الديوان الأميري الخاص"(41)، تتضاءل كثيرًا إلى جانب الأمن الداخلي المرعب الذي يقوده رئيس الوزراء. أحد المؤشرات على الدور الهامشي لحمد في صنع القرار خلال هذه الفترة كان انشغاله بالأنشطة الترفيهية، بما في ذلك ركوب الخيل، وتربية الصقور، وقيادة طائرات الهليكوبتر، والغولف، فضلًا عن تأسيس العديد من المؤسسات الاجتماعية والثقافية. إلا أن البعض يعتبر هذه النشاطات الشخصية سببًا جزئيًا لعجزه السياسي. في كلتا الحالتين، يعتبر خلف أنّ عقب تعيين حمد قائدًا عامًا لقوة الدفاع أصبح دوره السياسي خلال العقود الثلاثة بين العام 1971 و1991 أكثر هامشية"(42).

انطلاقًا من هذه الخلفية إذن يجب تحليل استراتيجية الشيخ حمد السياسية  في آخر العام (1999) إذ هدِف حمد إلى إنشاء"قاعدة سلطة ذات مصداقية يمكنها منافسة سلطة عمه أو حتى تحييدها"(43)، فعمد إلى البحث عن حلفاء في العائلة الحاكمة وفي المجتمع البحريني وانتزاعهم من الفلك السياسي لرئيس الوزراء. وبما أن نفوذ عمه نتج عن شبكات الزبائن بعيدة المدى التي بنيت على مدى عقود من الزمن، عمد حمد في سبيل تحطيم هذه الشبكات إلى توزيع المنافع المادية والاقتصادية وغيرها، لذلك حاول عزل خليفة بن سلمان الموزع الرئيسي لسخاء الدولة.

لذلك عمد ابتداءً من العام 1999 وبعد الارتفاع الكبير في أسعار النفط، إلى إظهار سخائه بين أفراد العائلة المالكة والمواطنين العاديين على حد سواء. إذ قدم من بين جملة أمور منح الإسكان، وإعفاءً من القروض يصل إلى أكثرمن نصف مليار دولار، استفاد منها نحو 40٪ من الأسر البحرينية. وحصل أعضاء العائلة الحاكمة على زيادات في المخصصات الشهرية، وكذلك في تمثيلهم في المناصب الحكومية العليا. كما وازدادت مشاريع الأشغال العامة.(44)

ثم وضع أوسع مشروع إصلاح في إطار ميثاق العمل الوطني ولكنه كان جهدًا أكبر وعملًا منهجيًا متواصلًا لترسيخ مكانة الشيخ حمد إذ إنه عمل على مستويين منفصلين: تقديم الوعود بالتحرر السياسي وتحسين الوضع الاقتصادي ليتماشى مع تطلعات البحرينيين العاديين الذين- على الرغم من تساؤلاتهم حول مؤهلات زعيمهم الجديد – إلا أنهم لم يكرهوه كما كرهوا رئيس الوزراء، وفي حين حصل رئيس الوزراء على دعم النخبة الثرية وآل خليفة التقليديين، فإن الشيخ حمد حصل على دعم من المواطنين العاديين بالإضافة إلى أفراد داخل الأسرة الحاكمة المنفتحة على التغيير، بعضهم بسبب قناعاته السياسية الخاصة، والبعض الآخر بسبب موقفه الشخصي من رئيس الوزراء، سواء بسبب توجهاتهم السياسية الخاصة، أو عدم رضاهم عن خليفة بن سلمان.

إنّ الدليل الواضح على هذه الحقيقة كانت الاستعانة المباشرة بالرأي العام من خلال الاستفتاء غير العادي في 14 و15 شباط/فبراير من عام 2001، والذي كانت نتيجته موافقة بالإجماع تقريباعلى ميثاق العمل الوطني.

أمّا الموجة الثانية من الهجوم فيتمثل في الجوهر الفعلي لإصلاحات الشيخ حمد، ولا سيما جدول الأعمال الاقتصادي المكمل والمفوض لولي العهد الأمير سلمان. فبدلًا من الوقوف المباشر بوجه رئيس الوزراء والمستفيدين الأقوياء الآخرين من نظام الزبائنية السائد، سعى الشيخ حمد إلى تقويض النظام نفسه. إذ عمد إلى تعيين ولي العهد مديرًا لمجلس التنمية الاقتصادية، الذي أنشئ في 2002، إلى وضع تغييرات اقتصادية واسعة النطاق تهدف إلى تخفيف الاعتماد المالي الطاغي على الموارد الطبيعية بشكل عام وعلى النفط والغاز السعودي بوجه خاص. بالإضافة إلى جعل اقتصاد البلاد أكثر تنافسية وتنوعًا، وعملت هذه الاستراتيجية طويلة الأجل على الإضعاف التدريجي للخطوط السياسية-الاقتصادية التي يقوم عليها خليفة بن سلمان وآخرون.

بهدف تنويع مصادر إيرادات الدولة، توسلت البحرين السياحة الغربية من خلال تعزيز المناخ الاجتماعي التحرري(45) واستضافة الأحداث الدولية رفيعة المستوى مثل جائزة البحرين الكبرى. ثم تم إرساء قواعد سوق العمل الجديدة التي أدرجت في العام 2006 متضمنة ضريبة جديدة على توظيف العمال الأجانب (التي كانت غير مرغوبة من قبل أصحاب الأعمال)، هذه الضريبة لا تقدم فقط مصدرًا آخر للدخل غير النفط بل وأيضا تشجّع على توظيف المواطنين البحرينيين. نحت المبادرات اللاحقة منحى حساسًا هدف إلى  النيل من شبكات الزبائن التي رسخها كبار آل خليفة. شرع مجلس التنمية الاقتصادية في عام 2007 بتحقيق يهدف إلى مكافحة الفساد، وقد حظي بتغطية إعلامية مكثفة، ومن نتائجه البارزة عزل ابن رئيس الوزراء كرئيس لإدارة الطيران المدني(46).

لا يملك الشيخ حمد الكثير من الخيارات من الناحية السياسية إذ إنّ النزاعات بين آل خليفة على الإدارة السياسية والسيطرة على البحرين التي استحوذت على أغلب فترة القرنين من حكم آل خليفة منذ غزوهم البحرين، هذه النزاعات لم تكن تسوّى داخليًا، بل خارجيًا، من قبل طرف ثالث مهيمن، وهو بريطانيا العظمي. لكن الملك حمد في سبيل خلع عمه من منصبه الراسخ، كان عليه أن يخطب ود الشعب البحريني إذ إنّه لا يستطيع الاستعانة بسفن حربية بريطانية ولا بالمقيم السياسي البريطاني. 

وعلى الرغم من محاولاته المبكرة في تعبئة الرأي العام(47 ) لكنّ جوهر جهده تركز على تعزيز نواة الدعم داخل الأسرة الحاكمة نفسها. وربما ما ساعد الشيخ حمد في هذه النقطة هو منصبه في بداية العام 1974 كنائب لرئيس مجلس إدارة العائلة الحاكمة، وهو الهيئة الإدارية المكلفة بالتحكيم في المنازعات وهي في معظم الأحيان تنطوي على دعاوى الأملاك، بين أفراد الأسرة الحاكمة. لم تقدم له مشاركته الطويلة في المجلس ميدانًا للالتقاء بأفراد العائلة وتكوين الحلفاء المستقبليين فحسب بل، ووفقا لخلف، "جعلته يدرك بأن الأسرة هي الدائرة الانتخابية الأساسية لنظامه" وتتضمن "معينًا لأناس جديرين بالثقة لتعيينهم لإدارة مملكته"(48).

هنا نجد أنّ جوهر المسألة يكمن في العدد غير المتناسب من التعيينات لمسؤوليين إداريين ينتمون لجناح واحد من العائلة الحاكمة: أي خط الشيخ خالد بن علي والذي كان يومًا ما منفيًا(49). إذ احتل أعضاء الخوالد مراكز: القائد العام لقوة الدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة في قوة دفاع البحرين، ووزير الديوان الملكي، ووزير العدل والشؤون الإسلامية، ونائب رئيس الوزراء، ووزير الديوان الملكي لشؤون المتابعة، ورئيس اللجنة الوطنية لجهاز الأمن، ووزير دولة لشؤون الدفاع، ووزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، ورئيس المكتب العسكري لجلالة الملك حمد، ورئيس الجهاز المركزي للمعلومات المسؤول عن إدارة الإحصاء الرسمي للسكان. وحتى اللجنة العليا المؤلفة من خمسة وأربعين شخصًا بهدف صياغة مسودة ميثاق العمل الوطني كان يترأسها الشيخ خالد نجل عبد الله، والذي كان حينها وزير العدل والشؤون الإسلامية(50).

لقد حصلت التعيينات في أوقات وظروف مختلفة إلّا أن وتيرتها بالإضافة إلى  الثقل السياسي الذي تتمتع به حقائب هذه المناصب يشير إلى أنه تم وضع الخوالد جيدًا لخدمة الشيخ حمد.

أمّا أحد الأسباب التي تفسر غيابهم عن الساحة السياسة  في ظل النظام السابق هو رغبتهم في الابتعاد عن شبكات الزبائن التي أنشاها خليفة بن سلمان كالعديد من أفراد الأسرة الحاكمة، وقد أشار نخله في هذا المضمار إلى أن كلًا من عبد الله وسلمان بن خالد أظهرا الكراهية لرئيس الوزراء، كما أظهرا استياءهما من الفساد والمحسوبية. لم يكن الاثنان ببساطة معتزلين سياسيًا، ولكنهما توجها ضد منافس الشيخ حمد أي رئيس الوزراء. 

بالإضافة إلى ذلك، كان الخوالد ممثلين نسبيًا في أكثر مؤسستين كان الشيخ حمد على دراية بهما، وهما مجلس العائلة الحاكمة والجيش وهو الأهم. عبد الله بن خالد كان واحدًا من بين ثمانية أعضاء أصلين للمجلس المعين في عام 1974 مع الشيخ حمد(51). ثم زيد على المجلس خالد بن عبد الله بعد سبع سنوات، ما زاد عدد الأعضاء إلى تسعة وبقي المجلس على حاله حتى عام 1993(52). وكما سلف اهتمام الخوالد بالمناصب ذات التوجهات الأمنية، كذلك كانوا نشطين في المؤسسة العسكرية، بما في ذلك قوة الدفاع.

لقد أقدم حمد بعد ترقية  ابنه إلى ولي عهد، على تعيين خليفة بن أحمد وزيرًا للدفاع كبديل عنه. وتم ترقية خليفة بن أحمد وهو شقيق وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد إلى منصب القائد العام للقوات المسلحة في قوة دفاع البحرين في العام 2008، ويحمل حاليا رتبة المشير، ويعرف بهذا اللقب حالياً(53). ثم أصبح ابنا أخيه عبد العزيز بن عطية الله رئيس جهاز الأمن الوطني وسلمان بن عطية الله مدير مستشفى قوة دفاع البحرين.

إنّ القوات المسلحة لا تمثل فقط المؤسسة التي كان الشيخ حمد على دراية بها بل إنها السلاح الوحيد للدولة الذي لا يقع تحت رقابة خليفة بن سلمان. مفتقراً للنفوذ السياسي لإقالة رئيس الوزراء وأنصاره حاول الشيخ حمد تشكيل حكومتين  جديدتين في أيار/مايو من العام 1999 ونيسان/أبريل 2001 على التوالي لكن بيترسون يصفهما بأنهما " غير هامتين" و"ضعيفتان" إذ كان عليه ضمان ولاء المؤسسة العسكرية وتوسيع نطاق عملها السياسي. (54).

أشار بيترسون إلى أن إحدى التغييرات القليلة التي اتخذت كجزء من هذه التعديلات المحدودة هي اختيارالشيخ حمد 'غير المشجع' لرئيس جامعة البحرين ليصبح وزيرًا للتربية والتعليم، "وهو ضابط في الجيش عيّن لوضع حد لمظاهرات في الجامعة خلال اضطرابات عام 1990"(55). وكذلك تم تعيين ضباط سابقين في الحكومة. أما الشيء الأكثر ترابطًا  ووضوحًا فكان الاستيلاء الشجاع للشيخ حمد على الأمن والمخابرات المواليين لرئيس الوزراء، وعلى الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة. كما ونظّم مرسوم أيار/مايو 2002 تشكيل جهاز الأمن الوطني، برئاسة عبد العزيز بن عطية الله الذي عمل برتبة وزير(56).

وبالتالي فإن نجاح الخوالد في توسيع نفوذهم السياسي في عهد الملك حمد مدين لمزيج من العلاقات الشخصية، والخلفيات العسكرية المشتركة، والمصلحة السياسية. حتى لو أن بعض الطروحات تشير إلى أن الشيخ حمد تعرف على الشيخ خالد بن أحمد في سن مبكرة، إلا أنه لا يمكن إنكار علاقته مع رئيس هيئة الأركان خليفة بن أحمد. كما وأشار حمد في كتابه الصادرعام 1994 "الضوء الأول: البحرين الحديثة وتراثها" إلى دور خليفة بن أحمد في إنشاء قوة دفاع البحرين وقد تحدث عنه قائلا "أخي وزميلي" (57). وترأس بعد عقد من الزمن ليس شقيق المشير فحسب بل عمه وثلاثة من أبناء أخيه  مناصب أمنية بارزةً  مع أعضاء آخرين من عائلته المهمشة سابقًا.

ثم فضلًا عن رغبة الملك حمد بالتقارب من العسكريين(58)، لقد تقرّب الملك حمد من الخوالد لأنهم كانوا سياسيين غرباء ولذلك يشكلون طرفًا استشاريًا وإداريًا جيدًا بالإضافة إلى أنهم كانوا في أسوأ الأحوال، محايدين في الحرب ضد خليفة بن سلمان وأكثر من ذلك ربما كانوا سعداء بالعمل ضده لتمكينهم سياسيًا وكتعويض بعد الإذلال الذي عانوه في عام 1924. ولأن الملك حمد غير قادر على التعامل مع رئيس الوزراء وحلفائه مباشرة، زاد عدد الأعضاء العاملين في المجالات المختلفة بهدف إضعاف إن لم يكن القضاء على سلطة عمه(59). في هذا السياق، أدّى الخوالد دوراً فاعلًا لا غنى عنه على الرغم من أدائهم دورًا مناقضًا في نهاية المطاف.

هوامش:

(30) تلفظ حرفيًا "الخوالد": إنّ هذا المصطلح يستخدم للتعبير عن الازدراء خصوصًا في الأوساط المؤيدة للمعارضة البحرينية إذ يشير على نحو التحديد إلى الأخوين خالد أي وزير الديوان الملكي وخالد بن أحمد أي وزير الدفاع.

(31) للاطلاع على بداية حكم الملك حمد، راجع، خلف،"حصيلة فترة عشر سنوات من عملية الإصلاح السياسي في البحرين".

(32) ليفينسون، "شرخ في الخليج الفارسي يربك قاعدة البحرية الأميركية في الخليج"، وول ستريت جورنال، 21 شباط/فبراير من العام 2013. وعلى الرغم من الاتصال بين ولي العهد آنذاك الأمير حمد ويين شقيق خالد أي خليفة وعلى الرغم من انتمائه إلى االطبقة العليا من آل خليفة، يرفض عبد الهادي خلف هذا التاريخ ويعتبره خياليًا جدا.[المراسلات الشخصية، يناير 2013]
وصحيح أن خالد بن أحمد بخلاف أخيه، لم يذكر في كتاب الشيخ حمد حول البحرين وقوات الدفاع البحرنية إلّا أن ذلك يعود بكل بساطة إلى التركيز على الناحية العسكرية.

(33) آل خليفة، حمد، "الضوء الأول" (1994)،ص:82-33

(34) يمكن العثور على ترجمة القصيدتين كاملتين لدى مركز البحرين لحقوق الإنسان، "إنّ الشعر المكتوب من قبل العائلة الحاكمة يكشف الكراهية والتمييز الطائفي ضد الأغلبية الشيعية في البحرين"، مركز البحرين لحقوق الإنسان، أكتوبر 2006، لقد عدّل مركز البحرين لحقوق الإنسان في بعض الأماكن على بناء الجملة والأسلوب.

(35) خلف، "من أجل المصالحة الوطنية"، جاد وليام 2 مدونة، 10 أيلول/سبتمبر 2005.

(36) خلف، "حصيلة عشر سنوات من محاولة الإصلاح السياسي في البحرين" (2008)

(37) "آرامكو تطلق مشروع توسعة حقل أبو سعفة"، البوابة، 4 شباط/أغسطس 2002.

(38) خلف، "آل خليفة، حمد بن عيسى (1950)"، في موسوعة السير الذاتية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2007).

(39) آل خليفة، حمد،"الضوء الأول"

(40) خلف، "آلخليفة، حمدبنعيسى (1950)"

(41) آلخليفة، " الضوء الأول", ص:70.

(42) المراسلات الشخصية كانون الثاني/يناير للعام 2013.

(43) خلف، "أمير البحرين الجديد: يسلك الطرق الجانبية" (2000)، ص:13.

(44) خلف، "آلخليفة، حمد بنعيسى (1950).

(45) تحولت البحرين بعد أن فتحت نسبيُا على شرب الكحول والدعارة إلى ملعب تسلية لعرب الخليج الأغنياء. ذكرت صحيفة اليوم السعودية أن أكثر من 80000 وسيلة نقل ازدحم فيها جسر الملك فهد متجهة إلى البحرين بمناسبة رأس السنة للعام 2012. راجع "السعوديون يفرون من جفاف المملكة إلى البحرين بمناسبة رأس السنة الجديدة"، واشنطن بوست، 1 كانون الثاني/يناير 2013.

(46) كير، "البحرين تندفع نحو التغيير الاقتصادي"، فاينينشل تايمز،21 شباط/فبراير 2008.

(47) مهما اكتسب الشيخ حمد من الدعم الشعبي على أي حال خلال الفترة الأولى من توليه الحكم (1999-2001) بعد أن حقق بعض النقاط من برنامجه الإصلاحي فمن المؤكد أنّه خسرها بعد صدور الدستور (2002).

(48) مقابلة مع عبد الهادي خلف، كانون الثاني/يناير،2013.

(49) إنّ جناح سلمان بن خالد هو الذي خرج من العتمة في عهد الأمير والملك حمد. (راجع صورة رقم:2)

(50) "أمير البحرين يشكل لجنة عليا تتألف من 45 شخصية لإعداد الميثاق الوطني"، الشرق الأوسط، تشرين الأول/نوفمبر،2000.

(51) مملكة البحرين، "مرسوم أميري رقم :4 للعام 1974 القاضي بتأليف مجلس العائلة الحاكمة"، الجريدة الرسمية للملكة البحرين، 26 حزيران/يونيو 1974.

(52) مملكةالبحرين، "مرسومأميريرقم : 2 للعام 1981لتعيين مجلس العائلة الحاكمة"،الجريدةالرسمية لمملكة البحرين،2 آذار/مارس 1981.

(53) مقابلة مع عبد الهادي خلف، كانون الثاني/يناير 2013؛ مملكة البحرين، "المرسوم الملكي رقم 14 للعام 2002 القاضي بإعادة تنظيم وزارة الداخلية"، الجريدة الرسمية لمملكة البحرين، 8 ايار/مايو 2002.

(54) بيترسون، "خطوات البحرين الأولى نحو الإصلاح في عهد الأمير حمد "، الشؤون الآسيوية 33 (2002) ص. 225.

(55) المرجع نفسه.

(56) مملكة البحرين، "المرسوم الملكي رقم 14 للعام 2002 القاضي بإعادة تنظيم وزارة الداخلية"، 8 ايار/مايو 2002.

(57) آل خليفة، "الضوء الأول"، الصفحات من 3- 82. ثناء حمد على خليفة [بن أحمد]. كتب، "أود تمجيد الجهد الذي بُذل من قبل أخي وزميلي، رئيس هيئة الأركان، اللواء خليفة بن أحمد آل خليفة، الذي كان قائد المجموعة القتالية الأولى [في] وقت [ حرب تشرين الاول/أكتوبر 1973]... [و] كان متحمسا، مع ضباطه ورجاله، لتقديم أي تضحية لازمة للدفاع عن شرفنا وهيبتنا".

(58) ومن الممكن أيضا تصور أن الفئة المحافظة، والسمعة العسكرية للخوالد التي تعود إلى معارضتهم المسلحة للإصلاحات الإدارية في العشرينات ساعدت على استرضاء المزيد من الأعضاء ذوي التوجهات الأمنية من الأسرة الحاكمة الذين كانوا مترددين في ما يخص مشروع الملك حمد الإصلاحي.

(59) يشير خلف في حزيران/يونيو 2001، ان حسن فخرو، المستشار المنشق السابق الذي تحول إلى سياسي الذي " اتصل (كان يتصل ) بالمنفيين لضمهم إلى كنفه"، وادعى أن "هم، أي حمد ومستشاريه، لديهم حكومة ظل"، و" أن حمد كان جادا في الإصلاح [لكن] "نحن" يجب أن نفهم أن الأمر يتطلب بعض الوقت للتعامل مع الحرس القديم داخل الأسرة ". يفسر خلف، "فهمت أنه يعني بأن لديهم رجالهم داخل الحكومة وبين الوزراء النواب". [المراسلات الشخصية، كانون الثاني/يناير 2013.]

 

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus