قدسية "الذات الملكية"!

2013-08-01 - 1:57 م

مرآة البحرين (خاص): يشير تقرير لـ"فرانس 24 ـ مونتو كارلو الدولية" وآخر لـ"البي بي سي" البريطانية إلى أن البرلمان الفرنسي صادق على تعديل قانون صدر عام 1881 كان "يعتبر شتم رئيس البلاد جريمة عقوبتها غرامة مالية"، وبذلك أصبح من يشتم رئيس الجمهورية في منأى من أي متابعة قانونية. جاء ذلك على خلفية أن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قضت في شهر مارس/آذار الماضي بأن "فرنسا انتهكت حُرية التعبير عندما غرمت رجلاً (30 يورو) شتم الرئيس السابق نيكولا ساكوزي بعبارة مفادها "اذهب إلى الجحيم!"، فرد عليه الرئيس بنفس العبارة، فيما جاء في قرار المحكمة الأوروبية بأن غرامة 30 يورو (20 دينارا بحرينيا) التي غرمت على الرجل "مفرطة".

أصبح اليوم شتم أي رئيس فرنسي مسموحاً، وحتى لو أثبت ساركوزي بأنه تعرض للقذف والتشهير، فإنه لن يحصل على شيء في إطار مبدأ صيانة واحترام حرية التعبير الذي أسقط بالدليل القاطع "قدسية حكام فرنسا وغير فرنسا!!".

في وسعنا الآن بالبحرين، ومن واجبنا المبدئي والأخلاقي أن نرفع الصوت عالياً، وبالصراخ أيضاً إن أمكن، لنتساءل مع المتسائلين: لماذا يُجرجر نشطاؤنا على شبكة التواصل الاجتماعي إلى المحاكم والمعتقلات؟ يعذبون ويسجنون و"كل ما في الأمر تغريدة" تنتقد، لا تشتم ولا تسب، مسؤولاً أو حاكماً تبيّن بالعين المجردة وبالدليل القاطع عدم قدرته حماية حقوق مواطنيه، فيما تعتبره غالبية الناس العظمى، أنه من أسوأ الناس انتهاكاً لحقوق الإنسان وأقلهم عناية بمصالح المواطنين، حيث كل سلطات وثروات الوطن في يده ويد أفراد قبيلته والمقربين من مشيخته الخليفية؟!

في 15 مايو/أيار 2013  أصدرت النيابة العامة في البحرين أحكاما بالسجن لمدة سنة واحدة مع التنفيذ بحق ستة أشخاص لنشرهم "تغريدات" على "تويتر" زُعم أنها تسيء لملك البلاد، حيث قال رئيسها، نايف يوسف، أن "المحكمة الصغرى الجنائية الثالثة أصدرت أحكاما ضد ستة متهمين بحبسهم سنة مع النفاذ ومصادرة المضبوطات في خمسة قضايا متفرقة عن تهمة إساءة استخدام حق حرية التعبير خارجة عن قيم وعادات وتقاليد المجتمع البحريني بحق جلالة ملك البلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي" في إشارة إلى "تويتر".

يوم السبت، 20 يوليو/تموز 2013 تنشر صحيفة "الوطن"، لسان حال الديوان الملكي، تقريراً مثيراً للجدل تشير فيه إلى أن "برلمانيين ونشطاء شددوا على أهمية إيجاد قوانين رادعة ضد المتجاوزين"، في إشارة إلى وجود فراغ تشريعي وراء استغلال شبكات التواصل بـ"الإساءة عبر القذف والسب والتشهير والافتراء في ظل التطور الحاصل والثورة الإلكترونية التي يشهدها العالم، مع اتجاه دول كبرى لتأطير العملية وتقنينها".

في هذا التقرير يقول النائب عادل العسومي "مع التطورات السريعة والمتوالية التي تعرفها تكنولوجيا الإعلام والاتصال، أصبح لزاماً تأطير العملية، وإصدار تشريعات وتعديل القوانين القائمة، لمواجهة الاستغلال السيء لشبكات التواصل الاجتماعي، وحماية الأفراد من القذف والسب والتشهير والافتراء والمساس برموز البلد، أو التشهير والإساءة بمن يختلف معهم بالرأي أو المواقف، دون أي رادع قانوني لهم، ما جعل بعض المواقع مرتعاً للمتجاوزين" لافتاً إلى أن "تلك الشبكات، يكون نطاقها عالمياً وواسعاً، إذ تقع ضمن فضاء مفتوح، ما يسيء لسمعة البلد". 

واضح، مما تقدم، أن ما يقوله المسؤولون، النواب، النيابة العامة، القضاء وكتبة السلطة ووعاظها من تصريحات تدخل في أرشيف كوميديا الحكومة، حيث المواطنون دائماً متهمين عندهم بأنهم "أساءوا لمستوى الحرية التي ينعمون بها، وبالتالي لم يراعو الآداب العامة"، وعليه ينبغي تجريمهم وتشديد العقوبة بحقهم، ولهذا نجدهم يستأسدون على مواطن ساهم بـ"تغريدة" في تويتر معبراً عن رأيه بشكل سلمي وفي إطار  مبدأ حرية التعبير والرأي، الذي لا زالوا يتبجحون بالتأكيد على أنه "حق كفله الدستور والقانون والمواثيق والعهود الدولية"، لكن السلطات الأربع (التتنفيذية والتشريعية والقضائية والصحافية) تصبح فجأة حملا وديعا عندما يكون المتهم أحد أفراد القبيلة الحاكمة أو أحد أحباب الشيوخ من عائلة آل خليفة الحاكمة، أو من "حرامية" المال العام وأمراء الفساد الإداري والمالي!

السبت، 27 يوليو/تموز 2013 يخرج علينا سفير البحرين في القاهرة راشد بن عبد الرحمن آل خليفة في مقابلة مطولة بصحيفة "اليوم السابع" المصرية ليحيب على سؤال للصحيفة عن "صحة ما يتردد من أقاويل كثيرة حول إصرار النظام البحريني على قمع أي مظاهرات ضد الملك"

يقول راشد بن عبد الرحمن "هذا الكلام غير صحيح ولا توجد مشكلة في البحرين مع الفعاليات السلمية وهي كثيرة ومرخص لها، لكن أن تتحول إلى مظاهر عنف وتهديد للسلم الأهلي وترويع للآمنين ومحاولة لشل الحياة الاقتصادية، فهذا لا يقبله أحد ولا يمكن السماح به".

عندما نستمع إلى أحاديث المسؤولين عن حق التظاهر السلمي، وحرية التعبير، وتنفيذ توصيات بسيوني وتوصيات جنيف نراهم يتقمّصون دور "أم العروس" في مديح جلالته، فالحكومة مع الحريات، لكنها تسجن الحقوقي العالمي نبيل رجب 3 سنوات على خلفية تغريدة ينتقد فيها رئيس مجلس وزراء جثم على صدر الشعب 42 عاماً واشترى المرفأ المالي بدينار واحد، وحين قال له نبيل: كفاية، تنح لعل الناس تدعو لك بالرحمة، تم عقابه لطول لسانه.

كذلك الأمر مع الحقوقي البارز عبد الهادي الخواجة الذي حكم بالمؤبد وكل جريرته خطب وتظاهرات سلمية، لم يحمل فيها ملتوفاً ولا سلاحاً ولا قنينة غاز لتفجيرها، ولم يدع لذلك في أي كلامه، وأضف إلى هذه القائمة ما تشاء من أسماء من بينهم الناشط الحقوقي ناجي فتيل، والستة المتهمون بالإساءة للملك لأنهم عبروا عن رأيهم سلميا، وغيرهم.

هؤلاء لم يصادروا 950 سيارة للمواطنين ولم يسرقوا ممتلكات المواطنين التي قدرت بعشرة ملايين دولار ثم باعوها في مزاد علني بالسوق الشعبي، ولم يهدموا مساجد ولم يغلقوا دوار اللؤلؤة لمدة 30 شهرا، ولم يتورطوا في القتل والتعذيب داخل السجون، ولم يعتدوا على الآمنين مثل ما يفعل زوار الفجر، ولم يختطفوا المارة على نقاط التفتيش، ويكبلونهم في الشوارع أمام الناس، ويعتدون عليهم في حرب معلنة تحت عنوان "السلامة الوطنية"!

ولأنهم نشطاء بحرينيون يستخدمون شبكة التواصل الاجتماعي منبراً لتوثيق انتهاكات تنفذها السلطات ضد المطالبين بالحقوق، فقد أصبح خطرهم أشد من فرسان الفساد وحرامية أملاك الدولة على البحر واليابسة.

على النقيض تماما من فرنسا، لقد أصبحت الذات الملكية في البحرين أهم من قتل مواطن خارج نطاق القضاء، أو هتك عرضه أو هدم بيوت الله أو حرق القرآن الكريم!

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus