من يعفو عن من؟
علي داوود - 2011-06-06 - 8:04 ص
علي داوود*
دأبت الصحف المحسوبة على السلطة في البحرين خلال الشهرين الماضيين على التشديد على مسألة عدم العفو، حتى باتت جزءاً من حملة التسعير ضد كل ما له صلة بالمعارضة، تزامنت معه حملة إعلانات في الشوارع تسخن النبرة تجاه ذات الشعار.كان الشارع المعارض حينها يواجه شوطاً جديداً من أشواط القمع التي وجدت لها مظلة شرعية تحت ما عرف بقانون السلامة الوطنية.كانت الناس والبيوت والقرى هدفاً لمختلف الأشكال من العقوبة الجماعية التي بدت وكأنها تسابق الوقت في تعميق الجراح وتوسيع دائرة الخسائر في الشارع الذي لم يشأ أن يغفو طيلة المدة التي بلغ فيها السعار الحكومي مبلغاً لم تكف الكاميرات المندسة في وصفه وسرد أحواله.والسؤال بعد كل ذلك هو: من يعفو عن من؟.
الذين شاهدوا فصول المعاناة أو كانوا طرفاً فيها يملكون في ذاكرتهم صوراً لا حد لها لأفعال التعدي على الإنسان، والصورة اليوم هي بمثابة الحكم المؤبد للحدث، حيث لا يملك أي حدث أن يسكن في زوايا النسيان.هؤلاء الذين أثخنت ذاكرتهم بالجراح سيتوسدون ذكرياتهم في الغد، لتصبح العقاب المؤجل لكل جرح لم يضمد بعد.
في خطاب المتسلطين بألسنتهم على رقاب الناس يصبح الاحتجاج في كل صوره جريمة، لذلك ستتسع قائمة المحمولين على جناح التهمة وستطير بهم إلى أوصاف ونعوت متكاثرة، طمعاً في تضخيم الصورة التي يراد لها أن تكون بالنتيجة مسوغاً لمشروع "اللا عفو"، وهو مشروع يتأسس على إعادة تأهيل معنى الوطن والوطنية، ليستحيل صورة من عباءة الحكومة المعصومة التي نالتها شفاعة الكتبة الحافظين، من أولئك الذين يملكون القدرة على تحويل كل قطرة دم في الشارع إلى مجرد حالة تمثيل، أو تهويل، أو بقايا كذب، حتى ينتهي كل المختلفين إلى مشاريع خونة وعملاء ورؤوس فتنة!.
يعنون أحد الذين تبللت حناجرهم بالصراخ ضد المتظاهرين مقالته بالقول " لن ننسى..بل لن نسكت على النسيان"، وتلوح أخرى بسبابتها في مقالة تالية " لانسيان ولا غفران" ، ويسبقها ثالث لم يمل من تكرار مفرادته بالقول " الشارع السني قلق من النسيان"، وفي كل ذلك رغبة لتعزيز ذاكرة بديلة، ذاكرة تمتلئ بالصراخ على أمل أن يجدي في زحزحة ذاكرة سخية في استذكاراتها.
ذاكرة المقهورين بطبعها لا تنسى، لأنها الملاذ الأخير في مواجهة أحجار السلطة، تستأنف الحياة وتلملم قواها لتصوغ منها معركة قادمة، وكان تجريف دوار اللؤلؤة يهدف إلى تجريف الذاكرة، وقطع الطريق على مثيراتها، لأنه سيصبح بمثابة مستودع الذكريات التي لا تنضب، بيد أن ارتعاشة الخوف التي استعجلت هكذا قرار لم تلتفت إلى أن الصورة كافية لإيجاد حضور دائم لهذا المعلم الغائب، فوظيفة الصورة الاستحضار، أي أن تجعل من الغائب حاضراً، وهذا ما لا يفهمه منطق الجرافات.
والسؤال الآن: هل يمكن وضع العنف الذي كان بين قوسين حتى يغيب عن الذاكرة؟الشهود العيان هم دائماً ذاكرة حية، وقد يرتفع الحزن والوجع بعد حين، غير أن الذاكرة ستقاوم الأفول، ستبقى ضمن آلية معقدة تستحضر أشياء وتطمس أخرى، لأنها ذاكرة غير تامة، تجد في التفسير ومحاولة الفهم إضافة متجددة حين تصوغ سردياتها الخاصة عن هذا التاريخ، ليصبح النسيان في النهاية بحاجة إلى مبادرات تخفف من كثافة هذه الاستذكار، حتى لا تكون هذا النحو من التذكر إرثاً ثقيلاً يحول دون استئناف الحياة وتوسيع المسافة ما بيننا وبين الماضي.
* كاتب سعودي
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق