وعيد الأمهات الفاقدات، قصّة أخرى

أم الشهيد حسام الحداد
أم الشهيد حسام الحداد

2013-08-09 - 8:39 م

مرآة البحرين (خاص): حاول البحرينيون الاحتفال بالعيد، ومقاومة الآلام، لكن الأحزان استطالت فصبغت يوم عيدهم بلونه. انتهت صلاة العيد، فخرجت مسيرة في سترة يممت نحو قبور الشهداء، جلسوا هناك، تذكروا الأحبة، سالت الدموع، غلب الحزن وصبغ الوجوه..

الأمهات في العيد قصة أخرى، قلب محترق يتشظّى، وألم لا يبارح الخاصرة مثل سكين، وعين متحجرة من الدمع، ودمع يشعل في الوجه خطوطاً ليست بفعل الزمن، بل بفعل القهر، وكأنهن كبرن في هذه الأعوام الثلاثة عشرات السنوات. 

اثنتان من الامهات البحرينيات لا يأتي لهما العيد إلا تأبيناً سنوياً. إحداهن تحل الذكرى الثانية لذبح طفلها منذ قتل على يد المرتزقة، والثانية تحل عليها الذكرى الأولى، ولا يمكن التفريق بين ألمهما، فالجرح نديّ لمّا يندمل. الأم الأولى هي أم شهيد العيد (علي الشيخ) الذي استشهد صباح عيد الفطر في جزيرة سترة، والثانية هي أم الشهيد (حسام الحدّاد) الذي استشهد ليلة العيد في العام الماضي في جزيرة المحرق.

شبكات التواصل الاجتماعي، بثت صوراً لأم الشهيد حسام، وهي جالسة في منزلها ووجهها غارق بالدموع. في الصورة تبدو الأم وكأن الخبر للتو وصلها عن قتل ابنها الجميل ذي العينين الملونتين، قتل بعد إصابته برصاص الشوزن الانشطاري، ثمّ الإجهاز عليه ضرباً حتى الموت من قبل المرتزقة، ومن قبل من باعوا وطنيتهم وضمائرهم. 

بكت أم حسام ليلة العيد ونهاره أيضاً، فقد جاء المرتزقة صباح العيد ليعتدوا على منزلها، ثم مزقوا "بنراً" عليه صورة الشهيد وشعر رثائي للشهيد، عادوا بعد عام لينكئوا الجرح الذي لا زال ينزف! أي عيد لهذه الأم، وكيف لا يصبغ الحزن لونه على عيد البحرين؟

أما والدة الشهيد علي الشيخ، الذي تحل الذكرى الثانية لشهادته، وقتله بطلقة مباشرة في الرأس بعد محاصرته، فقد سجلت كلمة بالفيديو، كلماتها اختلطت بالدموع، هذه المرأة التي نزلت سكناً جديداً مع زوجها وعائلتها، لا يبدو عليها أي فرح، كأنها جرح يصبّ دمه مباشرة.

في هذا الفيديو، تصف أم الشهيد علي الشيخ حالها ومشاعرها عن العيد "هذا عيد الدم، عيد الحزن، عيد الشهادة.. بعد عودته من المسجد قدم روحه هبة لله تعالى، أنا أم ولا أشعر بطعم العيد. أتخيله عائدًا من المسجد، أتخيله يوزع الحلويات على المصلين، أتخيله يقبل وجنتي، أفتقده في هذا اليوم، أفتقد بسمته، علي لم يمت، علي خالد، أتطلع لملابسه، أشم رائحتها، لا زلت ملابس عيده الأخير لديّ"

تضيف "أنظر لأخيه الصغير فلا أقدر، أشعر بالفاجعة، كل سنة سيكون هذا العيد عيد الدم، لا نستطيع كأسرة تذوق طعم العيد، إني أحتسبه قربانا لله تعالى"

تردف " ليس لدي عيد وعلي بعيد، عليّ ترك المكان خاليا... أعتبر عليّا هو كل الأعياد، اليوم الذي سفك فيه دمه كان عيده لأنه لقي الله تعالى، الحمد لله رب العالمين".

هاتان صورتان من يوم العيد في هذه الجزيرة المسكونة بالقهر والألم والفقد. هذا هو عيد الأمهات بين من فقدت ابنها، ومن اعتقل، ومن هاجر، ومن هو مطارد شارد هارب. هذه الصور تلخّص كل شيء. عيد بطعم الفراق. تقول أم أحد السجناء الذي حُكم على ابنها بأكثر من عشرين عاماً "لا يوجد لديّ ما أقوله سوى أنني أشعر بحزن عميق يأبى أن يفارق أعماقي"، قبل أن تضيف "كل عام وأنتم بخير"

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus