» رأي
زفرة دون كيشوت الأخيرة
علي داوود - 2011-06-08 - 9:44 ص
علي داوود*
سيتعب دون كيشوت**، بطل رواية القرن للأسباني سارفانتس من منازلة الطواحين وهو يتوهم بأنها جيش من العمالقة الضخام، لكن عقيل سوار لا يبدو على استعداد للتعب من مطاردة ما يسميه مشروع ولاية الفقيه في البحرين، وجعل كل فعل أو قول معارض للسلطة نشيداً مستعاراً من كونشرتو الولي الفقيه في قم، ليبدو اليوم الواصل الأول في سباق التنظير العكسي لولاية الفقيه في الصحافة البحرينية.
خارطة الكتابة لدى عقيل لم تتجاوز حدود جمعية الوفاق خلال السنوات الماضية، لم يسكن بيتاً في عموده اليومي بمثل ما سكن في أروقة الجمعية وقرارتها ومواقفها، حملها معه من صحيفة الإيام إلى صحيفة الوطن، حتى أصبح العزف جماعياً كلما استلزم الأمر، وحتى باتت المعادلة إما الوفاق، أو ذهاب الوطن في "ستين داهية".
ستصبح الوفاق تهمة قابلة للصرف حين تتسع دائرة التحالف بينها وبين باقي الجمعيات السياسية، ليحجز لكل فريق منهم مقاعد لاختبار منسوب "ولاية الفقيه" في مواقفهم، سيحذر كلما استدار قلمه من الانجرار وراء الوفاق، من الخطوات المشتركة التي تأخذنا إلى موعد من النار، لذلك سيفرغ حقيبة أفكاره وهو يرسم لوحة من الخيبة لانخداع
ابراهيم شريف ووعد والمنبر وسواهم في معركة يصر على أنها معركة "ولاية الفقيه".
يؤمن بأن الولاء للسلطة أكثر كلفة من البقاء في المعارضة، وهذا ما يحمله لتذكيرنا بين مقالة وأخرى بتلك الكلفة، التي تنحصر بين هلالي الاتهامات والشتم والازدراء. لا يرفض المعارضة كسلوك ابتداء، لكنه في المقابل يقترح القرع بأدب على باب السلطان، حين يدعو في مقال له احتجاجاً على تحركات ابراهيم شريف قبل سنوات إلى نصيحة السر في تعامل المعارضة مع الحكومة!.
"ولائي لأبي سلمان ملك الملوك"..يقول عقيل في مقالة له في عام 2007، بها يختصر المسافة على الباحثين عن موقفه من أي حدث لاحق أو سابق، ولاء سيجرى تمديد أطرافه ليتصل بالولاء لرئيس الوزراء أيضاً حين يتحدث في عام 2010 عن "موقع رئيس الوزراء في خصوصية البنية التاريخية للنظام البحريني السياسي"، ويعزز ذلك في مقالته الأخيرة التي طغت عليها روح الحماسة فحملت عنوان "إما خليفة يبقى.. وإلا تفوت أرواح!".
كان عقيل في الصف الأول من المصلين جماعة خلف الحكومة في الأحداث الأخيرة، كانت أزرة قميصه جاهزة لأي لقاء تلفزيوني أو إذاعي، يقاوم شيب رأسه وهو يتعقب الأخبار في الفيس بوك وتوتير والمنتديات، أخبار كثيراً ما أكملت الناقص في بناء مقالته اليومية التي دائماً ما يهمس في أذاننا من خلالها بأنه صاحب ذاكرة وأنه يعرف ما لا يعرف الآخرون، لكن هذه المعرفة لا تأتي إلا لتحمي تشخيصاته المكرورة التي تستريح غالباً على رصيف الثقة، وتصر على أن لكل حديث عن الوفاق يستلزم التكملة.
عبر عن حزنه غير مرة وهو النابت في حديقة المسرح من مشاهد الدراما المبتذلة التي يدأب تلفزيون البحرين على صناعتها منذ بداية الأزمة، من طريقة عرض الاعترافات والمحاكمات التلفزيونية، حاول أكثر من مرة أن يمرر تململه من الأداء الإعلامي لكنه ظل حريصاً أن لا يقترب شبراً واحداً من مواقف المعارضة، لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى تعسف السلطة ولا تجاوزت قوى الأمن، إلى أن كان لقاؤه الأخير الذي تجاوز فيه لعبة الغمز إلى الإفصاح، وهو يصف الحالة الصحافية في البحرين بالركاكة، وتلفزيون البحرين بالعين الواحدة، ويعلن عن غياب ثقافة حقوق الإنسان في الخطاب الإعلامي الرسمي ، ولأن الحزن على ما يبدو بات مضاعفاً لديه مع ولادة إعلام معارض وصفه بالمؤسسة السيئة التي يديرها كادر جيد، لم يكن ينتظر إشارة أحد ليحسب مرآة البحرين على جمعية الوفاق، ومركبة ولاية الفقيه الفضائية، فقد زفر زفرته في خاتمة البرنامج لأن طاحونة جديدة قد بانت في الأفق!.
* كاتب سعودي
** رواية (دون كيخوت) بطلها دون كيخوت شخصية مغامرة حالمة تصدر عنها قرارات لاعقلانية، وهو رجل نحيف طويل قد ناهز الخمسين، لم يتزوج لكثرة قراءاته في كتب الفروسية، كاد يفقد عقله وينقطع ما بينه وبين الحياة الواقعية ثم يبلغ به الهوس حدا جعله يقاتل طواحين الهواء، والنعاج، وانقض مرة على عرض دمى متحركة، فقطع رأس الدمى، متوهماً أنه قطع رأس الجنود.