فتيان البحرين المطلوبون

2013-08-16 - 12:13 م

كلو كيمز، ميدل إيست فويسز

ترجمة : مرآة البحرين

لم ينم محمود في منزله منذ ثمانية أشهر. وشقيقه الأصغر لم ينم هناك منذ سنة. شرطة مكافحة الشغب تواصل مداهمة منزل عائلتهم شهريًا، تحطم أبواب غرف نومهم للبحث عنهم.

محمود وشقيقه مطلوبان من قبل حكومة البحرين. فهما متهمان بأشكال مختلفة من المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي وضعت ولسنتين ونصف السنة الأغلبية الشيعية في مواجهة الأقلية السنية الحاكمة في المملكة. قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية تبحث حاليًا في القرى الشيعية عن أكثر من خمسمائة مطلوب من الشبان، وفقا لتقارير جمعها مركز البحرين لحقوق الإنسان. وقد تكثفت الاعتقالات والمداهمات في الأسابيع التي سبقت احتجاجات " تمرد " التي تحاكي التجربة المصرية، والتي تبدأ في 14 آب/أغسطس.

" أمس، داهموا قرية سترة لأربع ساعات"، يقول سيد يوسف المحافظة، رئيس قسم التوثيق والرصد في مركز البحرين لحقوق الانسان، في إشارة إلى العملية التي قامت بها الشرطة مؤخرًا. "هل تعرفين كم اعتقلوا؟ لا أحد. ولا شخص. لا أحد من الفتيان كان في منزله".

المطلوبون من الفتيان يرون مصلحة في التخفي. فالحكومة تتتبع أثرهم باستخدام المخبرين ومداهمة المنازل ليلًا، أينما وجد محمود، فإنه سيواجه خطر مخبري الحكومة ويعتقل على الفور. لا يستطيع العمل لأن الذهاب إلى وزارة العمل كفيلة بإلقاء القبض عليه وبنحو فعال. يقول إنه لا يمكنه العودة إلى الجامعة لأن تواجده في الحرم الجامعي من شأنه أن يجعله بارزًا للغاية. والزواج يتطلب منه فحص دم، والمستشفيات محظورة على المطلوبين. وإذا احتاج لأي نوع من الرعاية الطبية، فإن التماس العلاج في المستشفى يعني قضاء سنوات في السجن.

صناعة قضية

الجريمة الدقيقة المرتبطة بكل قضية "مطلوب" في أحسن الأحوال ضبابية. فالقضايا الكثيرة التي تنتجها الشرطة تتبع ما يسميه محامو حقوق الإنسان في البحرين دليل "النسخ واللصق" : فالجريمة والأدلة المسجلة في ملف كل مشتبه مماثلة للمئات من القضايا الأخرى المتزامنة الخاصة بالبحرينيين.

"الشبان الذين سجنوا بتهمة الاحتجاج ضد الحكومة، حتى عندما يطلق سراحهم، فإنهم يبقون في دائرة المشتبه بهم في "جرائم" مستقبلية " --- تقول كلو كيمز، باحثة في مجال حقوق الإنسان.

معظم الأسر لا تعلم سوى أن ابنها أو أبناءها مطلوبون في أول مرة يداهم فيها منزلهم. وفقا للمحامي محمد التاجر، فإن مداهمة المنازل غالبًا ما يكون بمثابة بديل عن مذكرة إحضار. وبعد كل جولة من الاشتباكات التي تحصل كل ليلة، فإن أهالي المشاركين يتوقعون الأسوأ. وتقول المحامية منار مكي أن ما لا يقل عن خمس أسر يأتون كل يوم إلى مكاتبهم ويسألون عما إذا كان ابنهم "مطلوبًا" من قبل الحكومة.

تنشئ الشرطة مجموعة من القضايا - التي سريعا ما تتحول إلى قوائم "المطلوبين" - بعدد من الطرق. فبعد اشتباكات عنيفة أو مسيرات سلمية ليلية، يتفرق المحتجون القرويون بسرعة. وإذا كانت الشرطة محظوظة، فإنها تتمكن من القبض على شاب واحد. تعتقله وغالبًا تعذبه ليعطي أسماء "إرهابيين" آخرين من أبناء قريته.

وإذا رفض المعتقل الكلام، تقول مكي إن الشرطة تكتب قائمة من إخوته وأبناء عمومته وأصدقائه، وآخرين من شبان قريته. الضابط صانع القضية يقدم هذه القائمة إلى المدعي العام طالبًا منه الإذن بالاعتقال، وفي أحد القضايا الحديثة في قرية بني جمرة غرب العاصمة المنامة، فإن قائمة العائلة والمعارف المنشأة تحتوي على أكثر من ثلاثين اسمًا. وكل شاب مكتوب اسمه على هذه القائمة هو الآن " مطلوب " بشكل رسمي. وبعدئذ، تبدأ الاقتحامات وفي كثير من الأحيان دون الحصول على إذن المحكمة.

إعادة تدوير المتهمين

حتى بعد أن يطلق سراح الشبان الذين سجنوا بتهمة الاحتجاج ضد الحكومة، فإنهم يبقون في دائرة المشتبه بهم في "الجرائم" المستقبلية. حسين *، فتى مطلوب من قرية الجفير، أحد أحياء ضواحي العاصمة، اعتقل وسجن في عام 2011 إلى جانب خمسة شبان آخرين من قريته بتهمة ترديد هتافات مناهضة للحكومة في العلن - عائلة حسين تدعي بأن المخبرين هم السبب. وبعد مرور عام تقريبًا، أضرم محتجو الحي النيران في سيارة تابعة لشرطة مكافحة الشغب في قرية حسين. وفي غضون أيام، داهمت شرطة مكافحة الشغب منزله عند الساعة 3 صباحًا مظهرة ورقة تبين اسم حسين كمشتبه رقم واحد في هذه القضية. حسين يدعي أنه لم يكن في الجفير ليلة وقوع الجريمة. و"المشتبهون" الخمسة الآخرون في القضية كانوا جيرانه الخمسة الذين اعتقلوا معه في عام 2011.

بعد أن أطلق سراح حسين من السجن عام 2012، واصل مشاركته في الاشتباكات مع شرطة مكافحة الشغب وألقي القبض عليه من جديد. سجن لمدة أربعة أشهر. وخلال هذه الفترة، أقدمت قوات الأمن على ضربه بشدة ليضطر إلى دخول المستشفى عند الإفراج عنه. وقد تم الاتصال بمحام لإخراجه من مستشفى حكومي في آذار/مارس 2013. واليوم، على الرغم من قضائه فترة السجن وبعد أن أفرج عنه بشكل قانوني، فإنه لا يزال مطلوبًا. يأتي إلى المنزل مرة أو مرتين في الأسبوع لرؤية والدته، قبل أن يغادر مرة أخرى إلى مكان مجهول. عندما يُسأل لماذا ما زلت مطلوبًا، فتجيب شقيقته الصغرى: " وزارة الداخلية لا تعرف كلمة -- انتهى"

وأمهاتهم؟

في المرات التسع التي دوهم فيها منزله، كان محمود في المنزل في ثلاثة منها فقط. عقب الليلة الثالثة، عندما دخلت شرطة مكافحة الشغب منزله عند الساعة 3 صباحًا، وخلال الفترة التي تطلبت من شقيقته وضع حجابها ومن والدته ارتداء ملابسها، كان محمود قد غادر المنزل. قال : " كفاية". ولكن شرطة مكافحة الشغب استمرت في مداهمة منزل عائلته وكذلك أقربائه المقربين.

يعيش محمود حياة شبه متشردة في محاولة لوقف الاقتحامات الليلية على والديه وأشقائه الأصغر سنًا. العديد من الرجال البحرينيون المطلوبون ينامون كل ليلة في أماكن مختلفة للتهرب من الشرطة، ولكن يعيشون وهم على علم دائم بأنهم يعرضون للخطر أي شخص عطوف بما فيه الكفايه ليفتح لهم أبواب بيته. تقول مكي أنه بدخول السنة الثالثة من المداهمات الليلية العنيفة، هناك شعور متنام بأن الفتيان المطلوبين أصبحوا وبوضوح "غير مرغوب فيهم" في منازل الأسرة.

أحمد * الفتى الأكثر حظًا بين الفتيان المطلوبين في البحرين: ينام في شقة مع ثلاثة مطلوبين آخرين من قرى بحرينية مختلفة. وعندما سئل كيف يمضي أيامه، أنزل نظره إلى الارض وهو على الأريكة وأجاب "... هذا. هذا ما نفعله ". هناك الكثير من القاعدون مطلوبون. عائلة أحمد لا تعرف الشقة حيث ينام، ولا حتى مكان وجودها. أحد " المتبرعين" المجهولين استأجر الشقة للشبان، وهو يدرك أنهم بدونها، سوف يواجهون التشرد نتيجة أنشطتهم.

وكما تقول أمهات هؤلاء الفتيان، فإن الجانب الأكثر ترويعًا كونك مطلوبًا في البحرين هو الخوف المستمر من العيش في الخفاء. لكن أحمد يقول إنه لا يخاف عندما يكون في الخارج، في الشارع، أو عندما يلعب كرة القدم. "[ أن تكون مطلوبُا ] أمر طبيعي اليوم. سأظل مطلوبًا حتى تنتهي الثورة ". مشيرُا إلى والدته وأخواته، يقول أحمد إنه يخاف جدًا عندما يعود إلى المنزل لتناول العشاء.

*أحمد وحسين ليسا اسميهما الحقيقين

كلو كيمز: ليس اسمها الحقيقي، إنها باحثة في مجال حقوق الإنسان ومصورة فوتوغرافية.

8 آب/أغسطس 2013

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus