لماذا تقف الولايات المتحدة الأمريكية أمام قرار صعب في يوم استقلال البحرين؟؟

2013-08-18 - 10:45 م

أليكس كوكس

ترجمة: مرآة البحرين 

اليوم، توجه الشعب البحريني إلى الشوارع مرة أخرى للمطالبة بالإصلاحات الديمقراطية والمزيد من مساءلة الحكومة. وبعد أكثر من أربعين عامًا من تاريخ استقلال البحرين عن بريطانيا العظمى، دعا ناشطون وقادة في المعارضة إلى التظاهر في 14 من آب/أغسطس لتنشيط الحركة اتي بدأت منذ أكثر من عامين، حين قابلت الحكومة المظاهرات بحملة وحشية.

عندما انتقلت للعيش في البحرين في صيف عام 2010، لم يكن واضحًا في الأفق أي اضطرابات سياسية؛ فوالدي، الضابط في البحرية الأمريكية، كان معينًا للخدمة في الأسطول البحري الأمريكي الخامس الموجود في البحرين. وكونها مقرًا للأسطول الخامس، وللقيادة المركزية لقوات البحرية الأمريكية، إضافة إلى أنها مركز حيوي لتجمع العسكريين أثناء حربيّ الخليج والعراق، وحصنًا من القراصنة الصوماليين وإيران، أصبحت القاعدة الصغيرة، المعروفة باسم "حركة الدعم البحري في البحرين" (NSA Bahrain)، موردًا من دون أي قيمة بالنسبة للمصالح الأمريكية في المنطقة. عائلتي كانت سعيدة في البحرين: كانت تبدو أنها إحدى أكثر الدول تحضرًا في الخليج، تمتلك شعبًا على علاقة تاريخية طيبة مع الغربيين.

غير أنه في 14 شباط/فبراير 2011، تغيرت العلاقة بين البحرين والولايات المتحدة الأمريكية بشكل جذري؛ اتجه الناشطون السلميون إلى الشوارع البحرينية وطالبوا بالحريات الأساسية وبحكومة ذات نسبة تمثيلية أعلى، تأثرًا بالثورات التي قامت في مصر وتونس. تجمعوا للتعبير عن معارضتهم في دوار اللؤلؤة، محور رئيسي في المنامة، عاصمة البحرين. أما النظام، فكان رده وحشيًا خلَّف عشرات القتلى ومئات الجرحى. وبعد شهر من هذه الحادثة، دخلت قوى عسكرية متعددة الجنسيات إلى البحرين بقيادة المملكة العربية السعودية، وذلك بناءً على طلب الحكومة الملكية البحرينية لرد الثورة بالعنف. وفي خلال هذه الفترة، ارتكبت الحكومة البحرينية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كاعتقال الطاقم الطبي الذي قام بمعالجة الجرحى من المتظاهرين، وتدمير مساجد شيعية عمرها قرون، وتعذيب الناشطين المسجونين، الأمر الذي أدى إلى مقتل عدد منهم. ومنذ ذلك الحين، لم تنحسر حركة التظاهرات، ولازالت حقوق الإنسان تنتهك كل يوم تقريبًا، وفق ما أفادته جماعات حقوقية محلية.

وكغيري من أفراد عوائل العسكريين الأمريكيين االذين يقطنون في البحرين، التزمت منزلي في خلال المراحل الأكثر عنفًا من الحملة. أذكر نذير السوء الذي أحسسته وأنا أشاهد تلفزيون "الجزيرة" يعرض الدبابات السعودية وهي تدخل إلى البحرين، وعجزي عندما جلست على سطح منزلي ورأيت الدخان يتصاعد من دوار اللؤلؤة. وأتذكر أيضًا الريبة التي أحاطت بمصير الأسطول الخامس ومصير عائلتي. وكان الجيش الأمريكي قد طلب سابقًا من عوائل العسكريين الأمريكيين مغادرة البحرين، وامثالًا لطلب من البنتاغون، فر عدد من أصدقائي من البلد. وقررت عائلتي أخيرًا البقاء في البحرين أثناء الثورة، حتى انتهاء فترة عمل والدي في أواسط عام 2012. غير أن الأفراد في الخدمة وأسرهم المتواجدين في البحرين عاشوا تداعيات التظاهرات والسخط المنتشر في الدولة.

وفي ما يتعلق بردود الفعل العنيفة التي نفذتها الحكومة البحرينية في مواجهة المتظاهرين السلميين، تسلط الضوء على التجاذبات بين تعزيز حقوق الإنسان والمصالح الأمنية في السياسية الخارجية الأمريكية. فوجود الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين يمنح هذه الجزيرة الصغيرة حماية كافية من أي تهديد إيراني محتمل، ويدعم الاقتصاد منطقة الجفير. ولعل مدرسة البحرين التي تديرها وزارة الدفاع الأمريكية، والتي كنت أرتادها، هي على نفس القدر من الأهمية؛ وتفاخر هذه المدرسة كون ولي العهد أحد خريجيها، كما تلعب دور جسر التواصل بين القاعدة والمجتمع المحلي. وعلى هذا النحو، قد يستنتج الفرد أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس تأثيرًا ملحوظًا على البحرين وعلى نتيحة الحركة المؤيدة للديمقراطية. غير أن المسؤولين الأمريكيين غالبًا ما ينوهون بالعلاقات الأمنية كونها علاقة مهمة وتنأى عن الضغوطات من أجل أجندة إصلاحية موضوعية. وعلمًا بتردد الولايات التحدة في استخدام تأثيرها على الأسرة الحاكمة، بقيت حكومة البحرين عصية على على الانتقادات في ما يتعلق بانتهاكها لحقوق الإنسان، وفشلت في تنفيذ أي إصلاحات حقيقية تعكس إرادة الشعب. ونظرًا إلى انعدام الاستقرار في البلد والذي يتجه نحو الأسوأ، على الولايات المتحدة الأمريكية وضع مقاربات بديلة لعلاقاتها مع البحرين قبل أن يصل الوضع إلى مرحلة قد تهدد سلامة العسكريين الأمريكيين وأمنهم مع عائلاتهم، وتجعل الدفاع عن الأسطول الخامس متعذرًا.

وتمتلك الولايات المتحدة الأمريكية وسائل متعددة للضغط على حكام البحرين، سواءً كان هذا الأمر من خلال الدبلوماسية السرية، أو فرض حظر مستهدف على تأشيرات سفر، أو تجميد الأصول الخاصة بمنتهكي حقوق الإنسان، أو المطالبة العلنية. غير أن غياب رغبة الحكومة الأمريكية باستعمال كامل نفوذها، إلى جانب المواقف المتشددة للفصائل المعارضة للإصلاح في البحرين، جعلت من الصعب إدراك أي تغيير إيجابي ملحوظ في سلوكيات الحكومة البحرينية في العامين والنصف اللذين مضيا منذ بداية الثورة. ومن الواضح ضرورة وجود مقاربة مختلفة. ونظرًا إلى حجم المنافع التي تحصل عليها البحرين جراء وجود الأسطول الأمريكي الخامس، تلعب هذه القاعدة العسكرية دور المؤثر المنطقي للولايات المتحدة في محاولاتها الأخذ بيد الحكومة البحرينية نحو الإصلاحات الحقيقية.

ويجب على وزارة الدفاع تحديدًا، بالتنسيق مع وزارة الخارجية تكرار مخاوفها على مسامع مسؤولين بحرينيين في ما تعلق بالحاجة الملحة لإجراء إصلاحات سياسية موضوعية، وذلك استجابة للتطلعات القانونية للشعب البحريني الذي يطمح للحصول على مجتمع أكثر حرية وديمقراطية. وتزامنًا مع هذ الخطوة، يجب على الوزارة الدفاع إنشاء خطة طوارئ لنقل الأسطول الخامس في حال استمر الوضع الأمني في البحرين بالتدهور. وعلى الرغم من أن النتيجة الأمثل تكون في إبقاء الأسطول الخامس في البحرين، فإن على الجيش الأمريكي أن يكون جاهزًا لنقل أفراده إلى الخارج لضمان أمنهم، وضمان استمرار العمليات، وتحديدًا قوة الردع في مواجهة إيران. باختصار، إن عدم وجود خطة طوارئ في الوقت الحالي لمثل هذه الظروف، هو أمر غير مقبول.

 أما الأفكار المرتبطة بالخطة الثانية، فهي متوفرة بكثرة. ووفق ما قال القائد ريتشارد ماكدانيال، الضابط في البحرية الأمريكية، وزميل حديث في مؤسسة بروكينجز، الذي أطلق وثيقة سياسية حول المدخل الاستراتيجي الأمريكي إلى الشرق الأوسط، فإن ميناء "جبل علي" في دبي هو على رأس لائحة الأماكن المحتملة للمقر الجديد للأسطول. وتحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على علاقات أمنية وثيقة مع الإمارات العربية المتحدة، وعادة ما تقوم سفن البحرية الأمريكية باستخدام الميناء في المنطقة لتزويد المخازن وإجراء عمليات الصيانة الأساسية.

ومن الاحتمالات الأخرى التي طرحها القائد ماكدانيال وصادق عليها الأميرال المتقاعد دينيس بلير – المدير السابق للاستخبارات الوطنية – وهي نقل مقر الأسطول الخامس إلى عرض البحر، كما كان مقررًا قبل إنشاء القاعدة البرية في البحرين عام 1993. وهذا الخيار من شأنه إلغاء الاعتماد على الوضع الأمني لأي دولة مستضيفة، في الوقت نفسه الذي تسمح فيه للبحرية الأمريكية بالتواجد في الخليج. غير أن نقل عمليات الأسطول إلى البحر قد يجعل من الضروري التخفيض من عدد الأفراد، ولكن نتيجة لطبيعة عمليات الأسطول الخامس في الاستخدام المكثف للموارد ، والسعة المحدودة للبارجة؛ قد لا يكون هذا حلًّا قابلًا للتنفيذ، أو طويل الأمد.

مع الأخذ بالاعتبار التداعيات المالية، والتحديات اللوجستية لنقل القاعدة، فإن السيناريو الأمثل يكون عبر تجنب الظروف التي من الممكن أن تؤدي إلى نقل الأسطول الخامس. وفي هذا السياق، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبعث رسالة واضحة إلى حكومة البحرين تشير فيها إلى أن الاستقرار في المملكة هو أمر أساسي للمصالح الأمريكية، ويجب أن يتم تحقيقه عبر إصلاحات سياسية وحقوقية حقيقية. وإضافة إلى ذلك، على الولايات المتحدة أن توضح أن الوجود العسكري لا يمكن أن يبقى إلى أجل غير مسمى في حال لم يتم إعادة تحديد الوضع الحالي للعلاقات. ويجب على الحكومة البحرينية أن تضع حدًّا لحملتها ضد المتظاهرين السلميين والمصلحين الديمقراطيين. كما عليها أن تجري محادثات شاملة مع جميع أفراد المجتمع، بمن فيهم أعضاء من الأسرة الحاكمة. ويمكن تسريع هذه الإصلاحات بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق استخدام القاعدة العسكرية كمؤثر أساسي.

 

16 تموز/يوليو 2013

رابط النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus