النفاق "السيادة" في البحرين

2013-08-22 - 1:01 م

آلاء الشهابي، فورين بوليسي

ترجمة: مرآة البحرين 

السياسة المتنازع عليها في البحرين تتجاوز تقريبًا كل ما له علاقة بالهوية الوطنية، والسرد التاريخي، والخطاب الشعبي. الانتفاضة التي بدأت في عام 2011 هي محاولة لتقويض كل ما تفرضه الدولة، كل شيء بدءًا من أسماء الشوارع إلى الاحتفال "باليوم الوطني". فالمعارضة ولفترة طويلة دعت إلى الاحتفال بيوم 14 آب/أغسطس، اليوم الذي انسحبت فيه بريطانيا رسميًا من البحرين، كيوم وطني رسمي. غير أن العائلة الحاكمة قد جعلت " اليوم الوطني" الرسمي هو ذلك اليوم الذي جلس فيه الملك على عرشه في 17 كانون الأول/ ديسمبر. وبالتالي، ليس من المستغرب، اختيار يوم 14 آب/أغسطس يومًا لحملة " تمرد " المستوحاة من تمرد المصرية. فمن خلال تحليل الثورات من منظور مختلف، يمكننا أن نسأل أنفسنا هل إن ثورات الربيع العربي هي بحث عن السيادة الكاملة؟ وماذا تقول التدخلات الأجنبية المختلفة في الدول العربية كرد فعل للانتفاضات عن سيادة الدول؟

القول بأن النظام يخاف من الاحتجاجات المخطط لها لا يفي الحقيقة حقها. فقد تم تمرير مجموعة كبيرة من المراسيم الملكية التي تفرض إجراءات قمعية، من غرامات تصل إلى ألف دولار أمريكي مفروضة على أولئك الذين لا يحملون بطاقات هوية أو بالسجن لمدة 6 أشهر، إلى مقاضاة آباء المحتجين الأحداث، إلى سحب جنسية أولئك المدانين بتهم تتعلق بالإرهاب (وهي تهمة ألصقت بالمئات من السجناء السياسيين)، والقائمة تطول. ولكن الأخطر، هو التحرك الرسمي نحو الحكم العسكري. مجلس الدفاع الأعلى، الذي يسيطر عليه أعضاء آل خليفة بالكامل بما فيه ذلك الملك، يشرف اليوم على أمن الدولة والحرس الوطني. إنه فوق القانون ويواصل استخدام العنف.

الاحتفال (أو التمني) بيوم الاستقلال هو أمر محظور دستوريًا. ففي مطلع هذا العام، مازح الملك الجمهور البريطاني بالقول "من طلب منكم المغادرة ؟" وبعد ذلك أعلن منح الجنسية البحرينية لـ 240 بريطانيًا. بالنسبة لكثيرين لم تكن هذه نكتة مضحكة تقال على مائدة عشاء نظرًا لتاريخ التدخل البريطاني في الأمن الداخلي في البحرين. أزمة السيادة الدائمة في البحرين هي في قلب الصراع الحالي وتبلغ الذروة في 14 آب/ أغسطس. هذا السرد التاريخي المتنازع عليه يثير تساؤلات هامة حول سيادة البحرين: أين تكمن ولمن تنتمي البحرين؟

"السيادة" مفهوم يعتبر المدخل لفهم الصراعات الدولية. في الفكر التقليدي، السيادة الوطنية هي أن يكون للدولة الكلمة الفصل داخل حدودها ولا تعترف بأي سيد خارج تلك الحدود. سيادة البحرين متنازع عليها منذ أن غادرتها الأمبراطورية رسميًا في عام 1971. هذا المقطع الذي كتب في ذلك الوقت في مجلة شهيرة يقول: "بعد الإنكليز والأمريكان: الشعب البحريني لن يسمح بالوجود العسكري السعودي".

في عام 2005، في برقية لويكيليكس، لمح ولي العهد الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة إلى أزمة السيادة: "البحرين عملت بجد لكي لا تصبح تابعة للمملكة العربية السعودية، ونحن بالتأكيد لن نسمح بأن نكون تابعين لإيران". ولكن في 14 آذار/ مارس 2011 دخل البحرين جيش بقيادة السعودية عبر الجسر دون إعلان مسبق. درع الجزيرة التابع لمجلس التعاون الخليجي لا يزال اليوم في البحرين. الثورة المضادة قد أمسكت بقبضة خفية في استعراض للقوة الغاشمة وتم طرد المتظاهرين السلميين الذين احتلوا دوار اللؤلؤة وتدمير المعلم السياحي "النصب" من وسطه.

في البداية، بيان مشترك لعدد من الجمعيات المعارضة وصف دخول القوات بقيادة سعودية بأنه "احتلال" وإعلان غير رسمي للحرب على الشعب. في مقابلة تلفزيونية، قال إبراهيم شريف، رئيس حزب وعد، وهو حزب يساري ليبرالي، أنه إذا كانت القوات قد أتت إلى البحرين لقمع الاحتجاجات، فإنه ينبغي على البحرينيين النظر اليها كجيش من الغزاة. وبعد بضعة أيام، ألقي القبض عليه، وحرق مقر الحزب، وأجبر الحزب على إعلان الاعتذار. حكمت المحكمة العسكرية على ابراهيم شريف في وقت لاحق بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة ارتكاب جرائم ضد الدولة. وخرج قائد قوات درع الجزيرة اللواء الركن مطلق بن سالم الأزيمع ليقول: "من غير القانوني وغير الشرعي السؤال عن دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين" وكل من يعتبر أن قوات درع الجزيرة في البحرين بمثابة اجتياح، فهو "شخص يحمل أجندة وتوجهات معادية". الجمعيات المعارضة المعترف بها رسميًا تتجنب هذا موضوع الحساس جدًا. ولكن في الشوارع، تتردد هتافات "البحرين حرة حرة، درع الجزيرة بره" في الاحتجاجات شبه اليومية في جميع أنحاء الجزيرة.

كتب روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت، " البحرين لم تدع السعوديين لإرسال قواتهم، فهم تلقوا وانتهكوا دعوة قديمة " و " مملكة آل خليفة قد أصبحت مقاطعة كونفدرالية السعودية". ترداد لمخاوف ولي العهد التي أثارها قبل ست سنوات.

النظام البحريني ذهب أبعد من ذلك، فقد وجّه دعوات من أجل اتحاد لدول مجلس التعاون الخليجي ولكن لم تحظ دعوته بتأييد كبير بين الأنظمة الملكية القبلية، وفي وقت لاحق قلص هذه الدعوات ليدعو إلى إقامة كونفدرالية سعودية- بحرينية واتفاقية أمنية خليجية لإضفاء الطابع الرسمي على ترتيبات تقاسم السيادة في البحرين. وجاءت خطة مارشال لدعم الاقتصاد بـ 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع في البحرين وسلطنة عمان الدولتين ذاتي الموارد المحدودة. مواردها المحدودة، وحكم الأقلية، والتركيبة الجامدة والمركزية والضعيفة للسلطة أجبرت العائلة الحاكمة لتكون، حسب كلمات ولي العهد، "دولة تابعة" للسعودية.

العلاقات التي تربط العائلة الحاكمة بالمؤسسة البريطانية في أقوى حالاتها. فقد أحرز رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تقريبًا عقد بيع مليار دولار بطائرات تايفون البريطانية، وأعلن في العام التالي خططاً الاحتفال بالسنة الـ 200 من العلاقات الثنائية. غرد سفير بريطاني سابق بوقاحة بالقول إن توفير وظائف بريطانية أكثر أهمية من حقوق الإنسان في البحرين، وقد خلقت هذه رد فعل غاضبة على موقع تويتر، مما عزز الشعبية البريطانية في البلاد إلى ما لا نهاية. الأمن الداخلي في البحرين كان دائما اليد الطولى للبريطانيين في حين أن الأمن الخارجي تكفله الولايات المتحدة ( الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في البحرين). الولايات المتحدة تضمن أمن هذه الدول في مقابل الحصول على موارد النفط، وهو ما يفسر وجود العديد من القواعد العسكرية. وكان أول من عبر عنها الرئيس السابق جيمي كارتر في عام 1980 والذي أصبح يعرف باسم قانون كارتر: " أي محاولة لأي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سوف يعتبر اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وسيتم التصدي لهكذا اعتداء بأي وسيلة لازمة، بما في ذلك القوة العسكرية".

في ظل هذا "التحالف الاستراتيجي" العسكري والأمني والدعم اللوجستي للنظام البحريني في مقابل السيادة الخارجية، فإن إضفاء الشرعية يكون من خلال اعتراف الدول الأخرى بـ "السيادة". فالصمت الدولي حيال البحرين كان مقابل دعم دول مجلس التعاون الخليجي للقرار 1973 للتدخل العسكري في ليبيا في عام 2011. هذه التناقضات ( تتدخل دول الخليج في الدول الأخرى ولا تسمح للآخرين بالقيام بالشيء نفسه) هي بعض النتائج الفرعية للثورات العربية التي أظهرت نقاط ضعف ومخاوف حكام العرب. بالي ورنا (2012) يشيران إلى أن هناك تصورًا للسيادة السياسية العربية بأنها مشروطة وتعتمد على وضعية الدولة في التحالفات الإقليمية القائمة. هذه السيادة المشروطة هي سمة أوسع للنظام العالمي الحالي، وهي تتحدث عن القيود الحقيقية المتفشية حيال قدرة الدول الضعيفة في صنع قرارها الداخلي.

وبالتالي، أزمة السيادة تكون في عجز العائلة الحاكمة في توطيد السيادة الداخلية بالمعنى التقليدي للكلمة ( السلطة بشرعيتها الداخلية تحقق حالة من السيادة الداخلية التي تكمن وراء قوة النخبة الحاكمة وتخلق السيادة المطلقة للشعب) أو العجز في الدفاع عن السيادة الخارجية في وجه القوى العالمية، الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية. على مدى نصف قرن من الزمن، كانت هناك أربع فرص أساسية لحل الأزمة السيادية وتجنب الوضع الحالي عن طريق طرح دستور في الأعوام 1956، 1973، 2002، 2011، ولكن كل الفرص ضاعت لصالح الأنانية القبلية والاستعمارية. على البحرين اليوم التوصل إلى حل سيادي مع نفسها وشعبها، عندها ستنتهي الاضطرابات الدائمة. انتفاضة البحرين تلتمس التحرر والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية عن طريق السيادة الكاملة وغير المنقوصة للشعب. وهذا يعني أن الأنظمة المستقبلية يجب أن تحاسب محليًا، وكذلك دوليًا، وأن تقيم علاقات مع الغرب على قدم المساواة.

الانتفاضات العربية عمومًا تسلط الضوء على العديد من الأسئلة الأساسية فيما يتعلق بالسيادة: نزوع الدول الضعيفة، مثل البحرين، ذات الموارد المحدودة إلى دعوة الاحتلال، وشهية الدول القوية في التدخل في البلدان الغنية بالموارد لا سيما تلك التي تتعرض مصالحها فيها للخطر مثل ليبيا. فالكثيرون يرون في الانتفاضات العربية حدًا لفترة ما بعد الاستعمار إذا ما نجحت في إقامة دول مستقلة ذات سيادة حقيقية. بالإضافة إلى أن الانتفاضات تضع تصورات لمعنى السيادة الشعبية والداخلية. ومع نجاح الأمور في أنحاء العالم العربي، غير أن مفهوم كراسنر1999 للسيادة بأنها "نفاق منظّم" -- والمفارقة هي أنه على الرغم من وجود تفاهم غير رسمي حول سيادة الدول، فإنها من الممكن أن تتعرض للتدخل المستمر -- لا تزال هي الواقع. فمن التدخلات العسكرية في ليبيا وسوريا، إلى الصراعات غير المسلحة في البحرين، فقد أخرج ما يسمى الربيع العربي أمثلة عن "النفاق المنظّم" لكراسنر ولكن ليس هناك من شيء أكثر من التدخل السعودي ووجوده المتواصل في البحرين ليقاتل إرادة الشعب. وفي هذا السياق الدقيق ينبغى أن تفهم حملة "تمرد" البحرينية في يوم استقلال البحرين.

*الدكتورة آلاء الشهابي باحثة بحرينية وعضو مؤسس في مرصاد البحرين. حاصلة على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة إمبريال كوليدج في لندن وكانت سابقا محاضرة في معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية ومحللة سياسية واجتماعية في مؤسسة راند أوروبا. يمكن متابعتها على موقع تويتر @alaashehabi . وقد بحث هذه المادة المجلس العربي للعلوم الاجتماعية أثناء زمالة لـ (نيو برادايمز فاكتري) (مصنع المفاهيم الجديدة).

14 آب/ أغسطس 2013
النص الأصلي 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus