هؤلاء الشباب يخاطرون بحياتهم للتحدث دون وجل عن النظام الاستبدادي في البحرين

2013-08-27 - 10:45 ص

جاريد ميلريد، بوليسي ميك 

ترجمة: مرآة البحرين

في الوقت الذي يركز فيه العالم على الاضطرابات البعيدة أميالًا في مصر وسوريا، هناك مجموعة صغيرة متفانية من الناشطين الشباب خططت لجولة أخرى من الاحتجاجات ضد النظام الاستبدادي في البحرين الأسبوع الماضي.

الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في 14 آب/أغسطس -- بالضبط، بعد 42 عامًا على استقلال البلاد في عام 1971 - قسط آخر من النضال الطويل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلد عدد سكانه 1.32 مليون نسمة.

في كل عقد تقريبًا تنضم الأغلبية الشيعية إلى السنة في حركة احتجاج ضد العائلة الحاكمة. الانتفاضة الأحدث كانت في عام 2011، عندما ساد الربيع العربي أرجاء تونس ومصر وليبيا، وصولًا إلى الشرق الأوسط. ورغم المحاولات المتكررة للنظام الملكي في القضاء على هذه الحركة، يتظاهر مئات الآلاف من البحرينيين في محاولة لكسب مزيد من المشاركة السياسية والمساواة بين السنة والشيعة.

رد فعل قوات الأمن أدى إلى وفاة 100 شخص على الأقل وآلاف الاعتقالات والاحتجازات والاستجوابات، وحالات التعذيب والسجن..

كانت البحرين دائما مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة ودول غربية أخرى. قربها من إيران وطرق نقل النفط في الخليج جعل منها موطنًا مثاليًا للأسطول الأمريكي الخامس. وفي حين أن وزارة الخارجية الأمريكية أدانت مرارًا العنف الذي تمارسه الحكومة البحرينية وشجعت الإصلاحات الديمقراطية، لم تعتمد البحرين إلا تغييرات متواضعة فقط منذ بدء الانتفاضة في عام 2011. وبدلا من ذلك، واصلت الحكومة انتهاكها لحقوق الإنسان على مدى العامين الماضيين، بالاعتقالات والاحتجاز، واستجواب الأطباء والصحفيين والنشطاء وغيرهم من أفراد المجتمع المدني.

بعد سقوط الرئيس محمد مرسي في مصر، دعا الناشطون في مجال حقوق الإنسان في البحرين إلى تجديد الاحتجاجات. ورغم حقيقة أنهم يعرضون حياتهم للخطر من أجل النزاهة والحرية، إلا أن هؤلاء النشطاء غير معروفين على نطاق واسع، خاصة في أمريكا. وكانت مطالبهم -- الحريات الشخصية وانتخاب قيادة متحضرة - التي صيغت في وثيقة المنامة قد نشرتها خمسة أحزاب معارضة بحرينية في تشرين الأول/أكتوبر 2011. العديد من الناشطين هم من الشباب الذين يؤمنون بشعبهم رغم أنهم يقودونه في مسيرة هشة نحو الحرية.

أكثر الإصلاحيين شهرة هي مريم الخواجة، ابنة الناشط البحريني الشهير عبد الهادي الخواجة. عندما كانت في الثانية من عمرها، جاء بها والدها إلى الدنمارك وكان لاجئًا سياسيًا. فقد حرم من دخول البحرين نتيجة نشاطه في الثمانينات وقد وجد وعائلته ملجأ في أوروبا التي كانت منفى له ولبحرينيين آخرين. من هناك، شارك في تأسيس منظمة البحرين لحقوق الإنسان، التي تعرف الآن باسم مركز البحرين لحقوق الإنسان. وفي عام 2001، بعد أن سمح له أخيرًا بالعودة إلى البحرين، اتخذ عبد الهادي قرارًا مصيريًا: وهو العودة إلى وطنه.

في عام 2009 ، تخرجت مريم من جامعة البحرين ثم غادرت البلاد إلى جامعة براون بعد حصولها على منحة فولبرايت. عادت في عام 2010 ولكن لم تعثر على وظيفة نتيجة عدم رضا الحكومة المستمر عن والدها، لذلك سافرت إلى الخارج لنشر الوعي عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. ولم ترجع مريم إلى البحرين إلا في كانون الثاني/يناير 2013، لزيارة عائلتها في السجن والقيام بأعمال التوثيق.

في نيسان/ أبريل 2011، بعد أشهر من مغادرة مريم البلاد، اقتحم خمسة من رجال الشرطة الملثمين شقة عائلتها، ضربوا عبد الهادي حتى أغمي عليه، وأخذوه من منزله. وقد تعرض الناشط محمد المسقطي، زوج ابنة عبد الهادي، للضرب، أيضا، وكذلك زينب، أخت مريم الأكبر سنًا. تعرض عبد الهادي إلى تعذيب كانت نتيجته عدة إصابات منها تهشيم فكه.احتج على سجنه بالإضراب عن الطعام لمدة 110 أيام ولكن مرارًا كانت السلطات البحرينية تغذيه بالقوة. وفي 22 حزيران/يونيو 2011، حكم على عبد الهادي وثمانية نشطاء آخرين بالسجن مدى الحياة.

اضطرت مريم، ولأكثر من عامين، إلى رصد تطورات البحرين من منزلها في الدنمارك. وفي آب/أغسطس، وبطلب من الحكومة البحرينية منعت مريم من السفر إلى البحرين عبر الخطوط الجوية البريطانية، وقد كانت لحظة حاسمة بالنسبة لمريم: " أدركت أنني لم أعد في منفى اختياري"، " إنه منفىً فرضته الحكومة".

وكنتيجة لمعاناة شقيقتها زينب المسجونة وحالتها الصحية السيئة والعديد من الأصدقاء وأفراد العائلة والزملاء المحاصرين جراء الأزمة الجارية، تعترف مريم بأن تجربتها كانت مرهقة نفسيًا. ولكنها في النهاية، تهتم بحركة البحرين كما لو كانت عائلتها. " كمدافعة عن حقوق الإنسان، عليّ أن أتعامل مع القضايا المختلفة في البحرين على قدم المساواة، ولذلك فأنا أتعامل مع قضايا حقوق الإنسان في البحرين كما أتعامل مع قضايا أفراد أسرتي".

ومع استمرار الاحتجاجات في البحرين، لا تشعر مريم بالتفاؤل على المدى القصير: "لا أعتقد أن لدى حكومة البحرين الحافز لمعالجة أي من مطالب المحتجين"، " ليست هناك مساءلة، لا محليًا ولا دوليًا. في الحقيقة، ليس هناك حافز لوقف انتهاكات حقوق الإنسان".

في الواقع، إدارة أوباما أصابت مريم بخيبة أمل. فرغم إدانة وزارة الخارجية الأمريكية للعنف وإعرابها المتكرر عن دعم حق البحرينيين في حرية التعبير والتجمع، تواصل الولايات المتحدة بيع الأسلحة للبلاد. تعتقد مريم أن الولايات المتحدة تستطيع فعل المزيد من خلال التحدث علنًا في المحافل الدولية. وتقول: "حكومة الولايات المتحدة ترفض مساءلة حكومة البحرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو مجلس حقوق الإنسان" وأضافت: "إذا أردت أن تفهم حقًا مدى التزام حكومة ما بتصريحاتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، عليك أن ترى محاسبتها لحلفائها الوثيقين. ولسوء الحظ، الإدارة الأمريكية، لا تفعل ذلك مع حلفائها ".

ولكن، مريم مسرورة من رؤية المزيد من الأميركيين وقد أصبحوا على دراية بمشاكل بلادها. "عندما كنت في الولايات المتحدة في عامي 2009 و 2010، لم يكن معظم الناس يعرفون أن هناك وجودًا لبلد اسمه البحرين، عدا أن مايكل جاكسون عاش هناك، وأن سباق الفورمولا ون يجري هناك، ولكن اليوم [المزيد] من الناس يصفون النظام البحريني بالحكم المطلق والقمعي".

تأمل مريم بأن يتخذ الأميركيون الإجراءات نيابة عن البحرين. وتقول: " الشيء الذي يوفر الدعم لنا في الولايات المتحدة وبلدان أخرى هي القدرة على التأثير على صناع القرار" وتضيف: "كنت في العديد من اجتماعات الكونغرس، واجتمعت مع أعضاء في الكونغرس أخبروني بأنهم تواصلوا مع ناخبيهم وأدركوا بأنهم يريدون معرفة ما يحدث في البحرين".

وبينما لا تزال مريم في المنفى، يعمل على الأرض الناشط سيد يوسف وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان. فقد عمل يوسف على توثق الاحتجاجات وانتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها جميع أنحاء البلاد منذ عام 2007، وينشر ما حقق من نتائج على موقع تويتر والموقع الإلكتروني الخاص بمركز البحرين لحقوق الإنسان. تم القبض عليه ثلاث مرات بسبب هذه الأنشطة المناهضة للحكومة، بما في ذلك تهمة "نشر معلومات كاذبة على تويتر". في الشهر المقبل، سيحاكم بتهم قد تؤدي به إلى السجن مدى الحياة. يقول سيد يوسف: "حكومة البحرين لا تريد لأي ناشط التحدث إلى أي منظمة لحقوق الإنسان والأمم المتحدة، ووسائل الإعلام حول ما يحدث". ويضيف: "إنهم يريدون فقط الكذب على الناس وتضليل المجتمع الدولي".

مثل زملائه، يتلقى سيد يوسف بانتظام تهديدات عبر تويتر ووسائل الإعلام الأخرى الموالية للحكومة. يقول سيد يوسف: " يقولون بأنني جاسوس أميركي وأنني أعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية". و"لأنني أعمل مع هيومن رايتس ووتش وأتحدث إلى بعض وسائل الإعلام الأمريكية، يقولون: هذا الرجل جاسوس أمريكي." ولكن لا شيء يثنيه دون الإصرار على أنه لم يخطئ. "أنا فقط أتحدت إلى وسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان وأكتب تغريداتي. هذا كل ما أفعله يوميًا. شعبي يعاني، وأريد أن أقول للمجتمع الدولي ما يعانيه شعبي". وعلى الرغم من خسارته لوظيفته بسبب عمله مع جمعية شباب البحرين لحقوق الانسان، يقول سيد يوسف بأن أهل بلده - الكثير منهم تعرضوا للاعتقال والتعذيب، أو القتل - يعانون أكثر مما يعاني.
يعتقد سيد يوسف أن غالبية البحرينيين يبحثون عن التغيير، بما في ذلك أكثرية الشباب. ورغم نشر البحرين لقوات من جنسيات سعودية وباكستانية وسورية وأردنية، وجنسيات أخرى لقمع المحتجين، فإن سيد يوسف يعتقد أن الوضع على الأرض سيصبح أكثر تعقيدًا ووحشيةً في الأيام المقبلة. حتى المستشفيات تديرها الآن قوات أمن بملابس مدنية. "عندما يصاب أحد المتظاهرين، في غضون دقائق يصل الجيش إلى المستشفى. المريض مصاب والشرطة تستجوبه - بدلاً من أن ترى طبيبًا، ترى ضابط شرطة".

وأيضًا، محمد المسقطي يرى هذا الوضع المزري بشكل يومي. فمنذ 10 أعوام، وهو يشارك في العمل في مجال حقوق الإنسان في البحرين، وحاليًا يشغل منصب مدير جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان. ومثل سيد يوسف، ألقي القبض عليه في العام الماضي. الشهر المقبل سوف يحاكم بتهمة "تشويه سمعة البحرين" بسبب تحدثه عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين خلال اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف العام الماضي. ورغم ذلك، محمد لا ترهبه محاولات الحكومة لسجنه أو تعذيبه وهو واثق بأن العمل في مجال حقوق الإنسان سوف يستمر في بلاده - معه أو بدونه.

يقول:"منظمتنا لا تقوم على شخص. منظمتنا تقوم على مؤسسة"، " تعتقد الحكومة أن باعتقالها شخصًا ما، فإن عملنا سيخف، ولكنها مخطئة".

مثل مريم، محمد يعتقد أن الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى تستطيع فعل المزيد لدعم الحركة الشعبية في البحرين. ويعارض بيع الأسلحة للحكومة البحرينية ويعتقد أن على الحكومات الديمقراطية ممارسة ما تنصح به عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان والديمقراطية. وقال لي: "من المهم جدا أن تولي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الأهمية للمبادئ في البحرين، وليس للتجارة".

حتى مع التحديات التي تواجهها الحركة واحتمال السجن المؤبد، فإن محمد يستلهم من الشباب الآخرين الذين يرى مشاركتهم في الأنشطة التي تتعلق بحقوق الإنسان. قال: "هذا الجيل يعي ما يحدث على أرض الواقع"، "نحن بحاجة إلى مواصلة عملنا لمساعدة الناس للحصول على حقوقهم - في حرية التعبير، وحرية التجمع. وهذا ليس سهلاً".

بالتأكيد، الاحتجاجات ستستمر لبعض الوقت في البحرين، وكذلك انتقام النظام العنيف من خلال تشديد قبضته على شعب يتوق للحرية. ولكن حيوية ناشطين مثل مريم وسيد يوسف ومحمد يعطي الأمل للنشطاء. قال محمد: "أعتقد أن هناك مستقبلًا مشرقًا للبحرين". وبالنظر إلى أنه مستعد للمخاطرة بحياته من أجل البحرين، فإنه من الصعب أن لا نصدقه.

*جاريد ميلريد خريج جامعة نورث إيسترن في القانون، ولديه خبرة قيادية واسعة في قانون المصلحة العامة، والدعوة، والسياسة....


23 آب/أغسطس 2013
النص الاصلي 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus