آدم شاتز: السعودية وإسرائيل وجهان لعملة واحدة

2013-09-09 - 3:59 م

آدم شاتز

ترجمة: مرآة البحرين

تعمل كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل معاً ولكن بشكل منفصل، ينقل رسائلهما أصدقاء في مؤسسات الفكر والرأي في واشنطن والدوحة من دون أي حاجة للاجتماع وجهاً لوجه.

في إحدى أمسيات شهر يناير/كانون الثاني، في حانة فندق في مانهاتن، حاولت التملق إلى ضابط من بعثة البحرين في الأمم المتحدة. كانت منيرة ( وهو ليس اسمها الحقيقي) طالبة سابقة لصديق لي. كانت أيضاً مطلعة على أسرار النظام ومقرّبة من ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، أحد أكثر أفراد العائلة المالكة المهتمين بالإصلاح. فكّرت أنها قد تساعدني في الحصول على تأشيرة دخول إلى البحرين، التي أبعدت كل الصحافيين الأجانب منذ الحملة الصارمة في دوّار اللؤلؤة في فبراير/شباط 2011. لم أستطع أن أكون مُقنعاً جداً. وعدتني " سأدعم طلبك بكل طريقة ممكنة"، لكنها توقفت فجأة عن الرد على رسائلي الإلكترونية. ولم تتم أبداً إجابة طلبي لتأشيرة الدخول.

أخبرتني منيرة في تلك الأمسية أن المحتجين في دوّار اللؤلؤة لم يكونوا يقاتلون من أجل الإصلاح الدستوري أو الديمقراطية، كانوا عملاء لإيران ولحزب الله. حين نادوا بالجمهورية، عنوا بها جمهورية إسلامية بحسب المفاهيم الإيرانية، حيث يمنع شرب الكحول، وحيث يتوجب على المرأة العصرية أن تغطي نفسها. لحسن الحظ، تم إنقاذها  على يد قوات بلد يحظر شرب الكحول وحيث تجبر النساء مثلها على تغطية أنفسهن. بالنسبة لمنيرة، شكّل وصول أكثر من ألف جندي من المملكة العربية السعودية، عبر جسر الملك فهد بين المنطقة الشرقية والبحرين،  تدخّلاَ إنسانياً. وبفضل دعم جيرانها، والولايات المتحدة الأمريكية، التي يتمركز أسطولها الخامس في البحرين، وتسامحها العالمي، أحبطت المملكة الموالية للغرب مؤامرة حُبكت ضد النظام البحريني  في  طهران وضاحية بيروت الجنوبية.

كت قد ذكرت أن  الحكومة موّلت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في تقريرها إلى الملك حمد، حيث تم رفض الإدعاءات بتورط طهران في حركة الاحتجاج. وتقول منيرة إنه، سواء كانت تتم إدارة الاحتجاج من قبل طهران أم لا، فإن المحتجين مثّلوا محاولة للشيعة للحصول على السلطة، وبالتالي شكلوا خطراً على المملكة التي يقودها السنة.

والآن وقد شَهدَت منيرة "الإرهاب" في المنامة، وهو المصطلح الذي استخدَمَته للتعبير عن حملة العصيان المدني الواسعة واللا عنيفة، فقد فهمَت (منيرة) حاجة إسرائيل لاتخاذ تدابير صارمة. وكانت قد تجاوَزَت افتتان الشباب بالقضية الفلسطينية، خاصة أن إسرائيل قد أثبتت نفسها كصديقة للبحرين: "علاقتنا مع الموساد جيدة جداً". وتعمل إسرائيل مع دول الخليج، للدفاع عن المنطقة، ليس فقط بوجه إيران، بل أيضاً بوجه تأثيرات الربيع العربي التي لا تقل خطراً.

قد تكون منيرة بالغت في وصف الأمور لصالحي:  أي طريقة للكسب أمام صحافي أمريكي يهودي أفضل من أن تمدح الدولة اليهودية؟ مع ذلك، أكدت التغيرات الأخيرة في المنطقة –منذ سقوط محمد مرسي في مصر وحتى إعلان الضربة الوشيكة ضد سوريا- إنها تقول علناً ما يعتقده قادة كثيرون في الخليج.

ليس لإسرائيل علاقات ديبلوماسية رسمية مع دول الخليج، لكنهم قاموا بتوثيق العلاقات في العشرين سنة الماضية. بعد اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها عام 1993، رفعت دول الخليج الحظر عن الدول التي تتاجر مع إسرائيل، وبعد مرور بضعة سنوات، أقامت إسرائيل بعثات تجارية في قطر وعمان. ويبدو أن أعلى صادرات إسرائيل إلى دول الخليج- والتي تتم عبر أطراف ثالثة وشركات وهمية- هي معدات الأمن وأجهزة التكنولوجيا. عندما نشر ألوف بن تقريراً في صحيفة هآرتس  في الفترة الماضية من هذا العام عن مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى الدول العربية والإسلامية، صدرت عمليات إنكار قاسية من مصر وباكستان، لكن لم تصدر كلمة واحدة عن الإمارات العربية المتحدة حول شرائها طائرات دون طيّار.

في عام 2002، رعت السعودية مبادرة السلام العربية،  والتي اقترحت حل الدولتين المبني على حدود إسرائيل في عام 1967، مقابل التطبيع الديبلوماسي والاقتصادي الكامل. في ربيع هذا العام، أكدت الرياض عرض العام 2002، ووصل بها الأمر إلى قبول الحاجة إلى مبادلة الأراضي ، في مزيد من التنازلات لتل أبيب. لم ترد إسرائيل أبداً على الاقتراح. ولم تظهر أبداً أي تعاطف مع كرامة أصدقائها في الإمارات العربية المتحدة عندما اغتال الموساد رئيس  جهاز الأمن في حركة حماس في غرفة في أحد فنادق دبي عام 2010. لكن إسرائيل خفّفت لهجتها  في معارضتها لعملية بيع واشنطن الأسلحة لدول الخليج، كما شاركت معلوماتها الاستخباراتية حول السلاح النووي الإيراني، ذلك الهم الذي، إذا احتسبناه مع القوة الصاعدة للشعوب العربية، ساهم في إنجاز هذا التحالف.

وتعمقت هذه العلاقة منذ سقوط مبارك، لم يكن أحد أكثر غضباً من الإسرائيليين بعد خذلان أوباما وخسارته لحليفه الوفي- إلا السعودية. ليس فقط أن مبارك كان حليفاً مهماً ضد إيران وحماس، بل أنه حمى مصر من الأخوان المسلمين، المنظمة التي تنظر إليها كل من الرياض والإمارات العربية المتحدة كقوة تدمير في  جميع أنحاء الخليج. السعوديون متدينون لكنهم ليسوا عاطفيين.

وحين كان يتم إعطاؤهم الخيار بين حليف علماني ومتسلط يمكن الاعتماد عليه مثل مبارك وبين حركة شعبية إسلامية ذات طموحات إقليمية قد تتحدى طموحاتهم الخاصة،  كان السعوديون  دائماً يختارون الأول. منذ سقوط بن علي في تونس، حارب السعوديون موجة الحركات العصيانية بدعمهم للقوى الدينية المحافظة، وخاصة المجموعات السلفية، وبإثارة النعرات الطائفية.

إسرائيل أيضاً تفضل الجيران المتسلطين: مواجهة الحركات الشعبية العربية كانت ركيزة لسياستها الخارجية منذ عام 1948. وقد حاولت أيضاً إذكاء النعرات الطائفية في العالمين العربي والإسلامي، بدعمها لنفوذ الموارنة في لبنان وللحركات التحررية في كل من إيران والعراق. لكن قدرة إسرائيل على التأثير على السياسات الداخلية للدول العربية محدودة. لقد هللت للجنرال عبد الفتاح السيسي حين عزل مرسي، علّق الدستور واتهم حماس بمحاولة زعزعة استقرار مصر –اكتشف الأمريكيون عندما حاولوا عبثاً تقييد حركة الجيش المصري أن الجنرالات كانوا على اتصال دائم بإسرائيل خلال الانقلاب- ولكنها لم تستطع تقديم الكثير على مستوى الدعم المادي.

تُرِك للمملكة العربية السعودية وللإمارات العربية المتحدة أمر التدخل بعروض متطرفة للمساعدة، في حث السيسي على عدم إظهار أي رحمة للأخوان. في تلك الأثناء، وفي الكابيتول هيل، حاربت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل أي محاولة لتعليق المساعدات العسكرية للجنرالات المصريين. وقد وصف مسؤول أمريكي سابق ذات علاقات ممتازة مع السعوديين ب "لعبة حزازير، يتم التواصل فيها بين اللاعبين بالإيماء".

 لعب كل من الإسرائيليين والسعوديين اللعبة جيداً- أفضل بكثير من أوباما، الذي لم يحمه قبوله الانقلاب على مضض من  ذم مؤيدي النظام العسكري له. (الملصقات التي تظهر أوباما مع لحية  ذات طابع جهادي في القاهرة تشبه كثيراً الكاريكاتير العنصري ل"باراك حسين أوباما" الذي اعتدنا رؤيته في الصحف الإسرائيلية اليمينية). بالفعل، يمكن للمرء القول بأن إسرائيل والمملكة السعودية العربية هما أقرب الآن في وجهات نظرهم حول المنطقة من كلّ منهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فالدعم الإسرائيلي-السعودي للانقلاب في مصر يتحدّى إحدى الركائز الأساسية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة: أنّ استقرار الحكومة والسلام يرتكزان إلى  الديمقراطية.

لكن دعم الولايات المتحدة للديمقراطية يبقى طبعاً محدوداً، ويتوقف على المواءمة مع الأهداف الأمريكية ، فالولايات المتحدة أيّدت من حيث المبدأ دمج الأحزاب الإسلامية. لم يكن الأمريكيون في تعاون وثيق مع الأخوان، خلافاً للشائعات في القاهرة، لكنهم يخشون من أن يدفع انقلاب السيسي الإسلاميين في مصر إلى العنف، وأن  تصبح أمريكا هدفاً. وهذا ليس خوفاً لا مسبب له.

في سوريا أيضاً،  تعمل كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل معاً ولكن بشكل منفصل، ينقل رسائلهما أصدقاء في مؤسسات الفكر والرأي في واشنطن والدوحة من دون أي حاجة للاجتماع وجهاً لوجه. للوهلة الأولى، يبدو أن المعارضة السعودية-الإسرائيلية  لمعارضي الأخوان المسلمين (éradicateurs)* في دمشق تتناقض مع دعمها لهم في القاهرة: فالأخوان المسلمون يشكلون جزءاً رئيسياً من المعارضة داخل سوريا، والجنرال السيسي يعارض التحرك العسكري ضد الأسد، مدركاً أنه مستبد مشابه له.

لكن المملكة العربية السعودية تريد أن تخرج سوريا من أيدي إيران، وتتعاطف إسرائيل مع هذا الأمر في حال كان ذلك يعني إيقاف سوريا عن أن تكون خط إمداد لحزب الله، ولكن ليس في حال وقعت البلد بين أيدي المتطرفين السنة.

إنها أزمة، في الواقع، لكنها قد تكون مجرد ما تريده إسرائيل: احتلالها لمرتفعات الجولان لم يبدُ أبداً أكثر أمناً منه الآن.  وكما أوجز إدوارد لوتواك بصراحة وقحة في صحيفة النيويورك تايمز، فإنه "عن طريق إدخال جيش الأسد وحلفائه الإيرانيين وحزب الله في حرب ضد مقاتلي القاعدة المتطرفين، سيشارك أربعة من أعداء واشنطن في حرب بين بعضهم البعض مما يمنعهم من مهاجمة أمريكا أو حلفائها".

الإسرائيليون ليسوا متأكدين من أنهم يريدون الأسد أن يسقط حتى الآن، ولكنهم يريدون إخافة مؤيديه في طهران. إن هجوماً جوياً عقابياً، برأيهم، هو اختبار لرغبة أوباما بمواجهة إيران في المستقبل- أو أنهم سوف يكونون "مجبرين" على التصرف وحدهم، وهو تهديد ماثل في ذهن صانعي السياسة الأمريكية حين يتصورون الهجوم.

ومن خلال شن حرب صغيرة، قد يتصور أوباما أنه يمنع وقوع حرب أكبر، لكن لا أحد يجزم إلى أين يؤدي كل هذا، بمجرد استعادة أمريكا مصداقيتها. قد تمر الطريق إلى السلام في سوريا من طهران، لكنها ليست الطريق المعتمد في حال اختار كل من الإسرائيليين والسعوديين طريقهم.

 

3 أيلول/سبتمبر 2013

النص الأصلي

 

éradicateurs: وهي كلمة فرنسية استخدمها الكاتب للتعبير عن الحكم خلال فترة سياسية عسكرية. وكانت قد استخدمت في اللغة الفرنسية للتعبير عن  الحكام السياسيين العسكريين في الجزائر في التسعينيات. 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus