يوم في دولة رئيس الوزراء: الطفلة فاطمة.. كليشيهات دولة المؤسسات والقانون

2013-09-10 - 8:45 م

مرآة البحرين (خاص): "البحرين بلد قانون ومؤسسات"، هذه إحدى كليشيهات السلطة وإعلامها،  فكرة من الأفكار المبتذلة، التي تتكرر على لسان السلطة وأنصارها، من أكبر مسؤول حتى أصغر طبال للسلطة وسياساتها.

لو وضعنا عينة يوم واحد فقط، من أيام "بلد القانون والمؤسسات" في مختبر "المصداقية" فهل يصمد؟،  يوم 9 من الشهر الجاري، كان من أبرز الأحداث التي تعاطف معها الناس كل الناس، هو وفاة طفلة صغيرة اسمها فاطمة، وهي من الرفاع الغربي، بسبب خطأ طبي، كما نقلت الصحافة المحلية وأهل المتوفية.

لكن السلطة وأتباعها استغلت الحادث المؤلم، وراحت تُعطي للموضوع بعداً طائفياً   مقيتاً، ودون بحث، يكفي الاستدلال بما كتبه هشام الزياني وهو أحد كَتَبَة السلطة وندّابيها ومدّاحيها في صحيفة الوطن، تحت عنوان "الأيادي التي قتلت فاطمة ..تقتل وطناً!"، وهو مقال يستبق "القانون" الذي تتغنى به سلطة "بلد القانون" ويسبق "المؤسسات" في إصدار حكم مبرم، بل يعطي للموضوع بعداً سياسياً طائفياً يدعو من خلاله لتطهير مؤسسات الدولة ممن يراهم الزياني "انقلابيين".  مقال الزياني  لم يكن وحيداً لكنه كان الأبشع بين كل المقالات والتعليقات الصادرة في 9 من الشهر الجاري.

على صعيد المؤسسات، في يوم 9 أيضاً أكد الرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية (بهاء الدين فتيحة) في تصريح لصحيفة الوسط، أن لجنة التحقيق في شكوى المتوفاة الطفلة فاطمة التي تم تشكيلها هي اللجنة الوحيدة المخولة قانونياً لإثبات حدوث الخطأ الطبي من عدمه.

هذا كلام المؤسسات "يابتوع المؤسسات"، فالهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، هي المؤسسة الوحيدة المخولة بموجب قوانين ونظم البلاد، بأن تحقق في الموضوع بمهنية وجدّ وحيادية وترفع تقريرها للجهات المسؤولة في وزارة الصحة لتعلن بدورها نتائج التحقيق.

قال (فتيحة) إن اللجنة المختصة بالتحقيق في قضية الطفلة المتوفاة تم تشكيلها منذ أن تم تلقي الشكوى بتاريخ 28 أغسطس/ آب 2013،وأكد المسكين (فتيحة) بضرس قاطع أنه لن يعتد بقرار غير قرار اللجنة، والتي بدأت في إجراءات التحقيق منذ يوم تلقي الشكوى، مؤكداً أن التحقيق سيشمل جميع المسئولين الذين كان لهم علاقة مباشرة وغير مباشرة بالمريضة، وشدد على أنه لا يمكن تحديد نوعية المساءلة حالياً، إذ إنه لابد من اتباع الخطوات القانونية مع جميع المسئولين، وفي نقطة هامة أشار (فتيحة) إلى أنه "في حال أثبت وجود خطأ طبي سيتم اتباع الإجراءات التأديبية بحسب القانون".

نعم، بحسب القانون كما قال (فتيحة)، لكن لم يطل الوقت، ففي عصر يوم 9 نفسه، جاء رئيس الوزراء بقرار سوبرماني يناغي فيه أهل التطأفن والتحريض، ليكمل مسرحية تجيير مأساة إنسانية ويكمل تحويلها لقضية سياسية طائفية، فقد بثت وكالة (بنا) خبراً أعلنت فيه أن رئيس الوزراء أصدر توجيهاته "بإيقاف الطبيبتين المتسببتين بوفاة الطفلة فاطمة، ومنعهما من ممارسة المهمات الطبية إلى حين انتهاء التحقيق في واقعة وفاتها، والوقوف على حقيقة الأمر والتأكد من وجود أي أخطاء مهنية أو مخالفات في العلاج من عدمه ومساءلتهما مهنياً وتأديبياً في حال ثبوت أي خطأ".

الخبر المختص بقرار رئيس الوزراء بإيقاف طبيبتين عن عملهما، بثته عند الساعة الثالثة وإحدى وخمسين دقيقة، وكالة أنباء البحرين مرفقاً بصورة شخصية لرئيس الوزراء، يبدو فيه غاضباً وساهماً، وعند الساعة التاسعة و33 دقيقة مساء، دخل وزير حقوق الإنسان صلاح علي، على خط التغذي من الطائفية والبحث عن شعبية لدى قطاع معين من الناس، إذ صرح للوكالة الرسمية (بنا) تصريحاً قال فيه " إنه يجب محاسبة كل من تسبب في التقصير أو الإهمال الذي أدى إلى وفاة الطفلة فاطمة متى ما ثبت ذلك"، وقدم صلاح علي تعازيه لذوي الطفلة المتوفاة، ليختم ذلك التصريح بالكليشهة ذاتها الفكرة الممرغة بالكذب ذاتها، فقد أكد الوزير "ان مملكة البحرين كانت وستبقى وستستمر دولة القانون والمؤسسات وأن كل ذي حق سينال حقه وأن العدالة يجب أن تطال الجميع".

المضحك أن وكالة (بنا) ذاتها، بثت بعد دقيقة واحدة فقط من بثها تصريح صلاح علي، تصريحاً لوزير الصحة صادق الشهابي، الذي صحا من نومه أخيراً - بعد التشاور مع فاطمة بوعنق طبعاً، وبوعنق هي عسكرية من قوة الدفاع تم تعيينها لتكون الآمر الناهي في وزارة الصحة- الوزير في تصريحه لم يدافع عن أحد، لا عن الأداء الطبي في مستشفى السلمانية، ولا عن الأطباء والممرضين بالطبع، بل كان المضحك أن الوزير "ثمّن التوجيهات السامية من لدن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر بخصوص وقف الطبيبتين المتسببتين في وفاة الطفلة فاطمة رحمها الله، على ذمة التحقيق".

وأكد الوزير في بيانه المضحك المبكي "يأتي هذا التوجيه ليؤكد حرص سموه حفظه الله ورعاه واهتمامه الدائم بالخدمات الصحية التي تقدمها وزارة الصحة للمواطنين والمقيمين على أرض مملكة البحرين الغالية واهتمام سموه الدائم ومتابعته المستمرة للقطاع الصحي".

الأكثر إضحاكاً من الجميع، كان الملك الذي بثت له وكالة الأنباء ذاتها، خبراً بعيد عن مأساة الطفلة فاطمة، لكنه خبر ذو دلالة وذو علاقة ب"دولة المؤسسات والقوانين"، فقد استقبل الملك حمد بن عيسى ال خليفة في قصر الصخير، هذا اليوم سالم الكواري رئيس المحكمة الدستورية وأعضاء المحكمة الدستورية وذلك بمناسبة بدء العام القضائي الجديد، حيث تشرفوا بتسليم جلالته نسخة خاصة من العدد الأول من مجلة دراسات دستورية والتي تصدرها المحكمة". 

وصدر عن الملك تصريحاً بعد اللقاء أكد  فيه حرصه الدائم على استقلالية القضاء. نعم هو حريص على استقلال قضاء هو نفسه رئيس مجلسه الأعلى، قضاءٌ يأتي لديوانه كبار قضاته ليهدوه "مجلة"، ويؤكدون له الولاء كملك وكرئيس للقضاة أيضاً!.

اليوم التاسع من هذا الشهر، هو يوم واحد فقط لا تصمد فيه فكرة تمرغت بألف لسان للسلطة"دولة المؤسسات والقانون"، رئيس وزراء يتدخل في عمل لا يفقه فيه شيئاً، ويعاقب موظفين لا زالوا تحت التحقيق، ووزارة تقول إحدى هيئاتها أنه لا يحق لأحد إثبات أو نفي وجود خطأ طبي غير اللجنة التي شكلتها الهيئة، بينما رئيس الوزراء يصدر "توجيهاته" بمعاقبة موظفتين قبل التحقيق، فالتوقيف عن العمل هو عقاب بحد ذاته، وبين وزير يفترض أنه وزير للحقوق يتمسح برئيس الوزراء ويثني على مخالفة القانون من قبل رئيس الوزراء، ويدعو للعقاب أيضاً، وبين وزير للصحة لا يدافع عن موظفين في وزارته ولا عن استقلال أي شيء، بل يصدر بياناً ذليلاً يثمّن ويثني على ما قام به رئيس الوزراء، وبين ملك يعيش في كوكب آخر، ملك هو آخر من يحق له الحديث عن استقلال القضاء.

ما بين هذه (البينات) يأتي البين (الموت) على الدولة والمؤسسات والناس أجمعين.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus