الصورة الكبيرة في البحرين

2013-09-14 - 11:28 ص

جستين غينغلر: الدين والسياسة في البحرين

ترجمة: مرآة البحرين

 لا تزال "معركة كربلاء"  محتدمة بين الجانبين في الحاضر وفي المستقبل. وتدور رحاها في الروح، في الوطن، وفي كل مناطق الحياة والمجتمع. ويبقى الناس منقسمين، هم إمّا في معسكر الحسين أو في معسكر يزيد. فاختر معسكرك". 

 نظرًا لغيابي الطويل الذي استمر خلال شهري تموز/ يوليو و آب / أغسطس، ناهيك عن الأيام أو الساعات التي تفصلنا عن الحرب الجديدة التي ستخوضها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنه من المناسب أن نرجع خطوة إلى الوراء للتفكير في الصورة الأكبر التي ترسم -  أو حتى تحدد سلفًا – للتطورات في البحرين. وكما هو موضح في الخريطة المحدثة أعلاه،  الضغوط الإقليمية والدولية واضحة جدًا وانعكاساتها أيضاً جليّة.

غير أنّ هذا التسريب في الجغرافيا السياسية  -  وعلى نحو متزايد فيما يتعلق بسوريا حيث يبدو أن سياسات القوة العظمى تعطي معنًى جديدًا لتسمية " الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط " -  ذكرني ببعض الأسئلة الملتهبة والملاحظات حول التفكير الاستراتيجي الطويل الأجل لحكومة البحرين ( مسلّمين أن هذا النوع من التفكير موجود). وهذا  يتصل اليوم بشكل خاص بتوجه المشاركين في الجزء الرابع من القصة التي لا نهاية له  : الحوار البحريني مرة أخرى إلى طاولة النقاش (لا تقولوا التفاوض!) ، ولا شك بأنها ستقترح بسرعة حلّاً  للمأزق الحالي.

 جوهر المسألة هو ما أسميه "المشكلة الشيعية" في الدولة، أي إن وجود نسبة لا يستهان بها من المواطنين في البحرين والتي هي  غير متجاوبة بشكل ممنهج مع نداءات الدولة فيما يتعلق بالنفع الاقتصادي و / أو المشاركة في الهوية  الطائفية / القبلية لضمان الولاء السياسي (أو على الأقل لامبالاة) للمواطنين العاديين. وأن هذه، بشكل خاص "مشكلة شيعية" وليست مشكلة "إصلاح عام" أو "ليبرالية" وهي ترجع لحقيقة أن معظم أطراف الطائفة السنية في البحرين، حتى وإن كانوا يرون أنهم ​​ليسوا أفضل حالًا من الناحية المادية من نظرائهم الشيعة، وأنهم يفضلون من حيث المبدأ رؤية حرية سياسية أكبر في البحرين، يخشون فتح صندوق باندورا لمعارضة متمكنة ومُمَوّلة إيرانيًا، وهذا الوضع الحالي غير المرغوب فيه لا يزال أفضل من التغيير الذي من المحتمل أن يكون كارثيًا.

 الدولة، إذن، كما تبيّن خلال العقد الماضي، تواجه معضلة: ماذا تفعل مع هذا الشعب الناشط الذي لا يزال يواصل مطالبته بالمشاركة في الحكم، سواء على أساس الديمقراطية، أو الأغلبية، أو الأهلانية أو أي شيء آخر؟ ومن بين الاستراتيجيات المستخدمة حتى الآن، كان ما يلي:

 1. محاولة كسب تأييد السكان الساخطين من خلال الرعاية الاقتصادية (بما في ذلك المكرمات الملكية )، والإصلاح الاقتصادي، ووعود الإنعاش الاقتصادي"؛

 2. نشر المؤسسات الديمقراطية – البرلمان، والانتخابات، وما إلى ذلك – مع ضمانات تكفل أن لا تُفَوّض أية سلطة حالية،

 3. ونشر جهاز أمني قوي لقمع أولئك غير المقتنعين بالبندين 1 و 2.

 الآن، تم التخلي عملياً عن الاستراتيجية الأولى في أعقاب الانتفاضة مع تخفيض نفقات الإصلاح في سوق العمل وتهميش مجلس التنمية الاقتصادية وغيرها من المؤسسات المرتبطة بولي العهد الأمير سلمان. و فشلت الاستراتيجية الثانية فشلاً تامًا على مدى عقد من الزمن في تأمين المشاركة السياسية الرسمية لأقوى معارضي للدولة، الذين رفضوا هذه المؤسسات كونها شكلية وترقى إلى غايتها الانتقائية، و هي الآن في موقف مماثل حتى مع المعارضة المعتدلة، التي ترفض اليوم إعادة الانخراط في مشاريع الدولة إلى حين منح السلطة التشريعية وغيرها من الهيئات سلطات حقيقية. في النهاية، لا يشكّل القمع، في حال نجح في إحباط التغيير، حلاً طويل الأجل، وهو على المدى القصير يسدّ الفجوة التي يمكن أن تضمن فقط ثبات الأزمة والاضطراب. ما هي، بالتالي، بعض خيارات الدولة؟

 انتزاع أسلحتهم

 أولًا، يمكن للبحرين أن تحاول أن تضمن أنّ معارضيها، حتى إن كانوا قد حشدوا مئات الآلاف في الشوارع، لا يزالون يفتقرون إلى الأجهزة اللازمة للسيطرة الفعلية على الدولة. فالمشكلة هنا تكمن في افتقار الدول الاستبدادية إلى طريقة سهلة للتمييز بين المؤيدين والمعارضين المحتملين أو الفعليين، وبالتالي فهي تميل إلى حصر واجب (أو امتياز) الانخراط في الخدمة العسكرية بعدد محدود من السكان ممن يؤيدون المشاركة العرقية/ القبلية وفي ما يتعلق بالخليج العربي، باستيراد المغتربين. المشكلة، بالطبع، هو أن هذا الإقصاء يغذي بالضبط مشاعر النبذ والتمييز التي تشكل الكثير من أسس المعارضة السياسية في المقام الأول. لذلك لا يشكّل هذا حلاً في حد ذاته.

 وضع حد للأغلبية

 احتمال آخر، أو بالأحرى استراتيجية موثّقة فَعَّلتها البحرين جيدًا منذ عشر سنوات على الأقل، وهي التباحث في عملية إعادة التوازن الديموغرافي من خلال التجنيس الانتقائي، بهدف تخفيض عدد السكان الشيعة ليصبحوا أقلية. هذه الاستراتيجية ملفتة على نحو مضاعف لأنها تصيب عصفورين بحجر واحد، ذلك أن الدولة تحتاج بالفعل إلى رعايا أجانب للخدمة العسكرية على أي حال. والهدف هنا ليس ببساطة القدرة على قول أن "السنة يشكلون أغلبية في البحرين"، بل تمكين الدولة من المضي قدمًا في الإصلاحات السياسية االحالية- دوائر انتخابية أكثر عدلاً، انتخابات نزيهة، وبرلمان أكثر قوة – من أجل إضعاف حجة المعارضة بشكل جذري.

وهذا يعني، أنه إذا تم تهميش دوائر الوفاق الانتخابية عدديًا بحيث يستحيل على الجماعة، حتى في حال إجراء انتخابات حرة ونزيهة، الحصول على أصوات تؤدي إلى تأسيس أغلبية تشريعية، و اختيار الوزراء، وهكذا، فإنه يمكن للدولة التغلب على أقوى حجج المعارضة، وهو أن رأي الأغلبية ليس ممثلاً في الحكومة. في هذه الحالة، ستكون نشاطات المعارضة المستمرة أكثر عرضة لأن لا يعتبرها المراقبون مطالب غير مشروعة من أجل الإصلاح، بل احتجاجاً غير مبرر وغير ديمقراطي لأطراف غير مستعدة لقبول خسارة معركة انتخابية نزيهة. وأستطيع القول، انطلاقاً من رأي شخصي، أن هذا السيناريو هو مجرد همّ افتراضي لجمعية الوفاق.

 الخروج، رفع الصوت والولاء

 استراتيجية ثالثة تذكرنا بملاحظات هيرشمان* بأنه يوجد لدى الأعضاء المستائين من طائفة ما ثلاثة خيارات: الإعراب عن انتقاداتهم، البقاء رغم استيائهم خارج الشعور بولاء جماعي (أو هنا وطني)، أو الاستسلام والمغادرة. الآن، أنا لا أدعي أني أعلم بوجود خطة بحرينية تعمل على إخراج المعارضين السياسيين، أو الطائفة الشيعية ككلّ بأسلوب ممنهج، ولكن يمكن بالتأكيد التصور أنه،  نظرًا لصغر عدد سكان البحرين، سوف يؤدي نقص الفرص الاقتصادية و الفعالية السياسية إلى هجرة غير متناسبة لأولئك المؤيدين للمعارضة أو حتى أعضائها. بالتأكيد، كانت الحجّة التي تقول إنه "إذا كان الشيعة مستائين جداً هنا (في البحرين) فعليهم الذهاب إلى إيران" مألوفة حتى قبل الانتفاضة.

 من ناحية أخرى، بدت القصيدة المشهورة المناهضة للشيعة، والتي كتبها وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد عام 1995، كأنها ترسم مخططاً للتعامل مع مطالب الإصلاح للمعارضة في البحرين، يقول في مطلعها:

 عندي دوى أولاد شبر ومرهون

 يابو محمد يا بشير الحبايب

 تهجيرهم لحوار وجنان مع نون*

 ويتذكر المرء أيضًا المرسوم الملكي الأخير، الذي جاء ظاهرياً بناءً على طلب من البرلمانيين البحرينيين، والذي يشرح أسباب سحب الجنسية من أولئك الذين "يساعدون أو يخدمون دولة أجنبية" أو "يعرضون مصالح الدولة للخطر."

 بحرين سعودية

 وأخيرًا، الخيار الرابع، وهو الخيار الشهير الذي فشل العام الماضي، وهو دمج البحرين مع كيان سياسي أكبر جنباً إلى جنب مع مستشارها السياسي والروحي أي المملكة العربية السعودية. إضافة إلى "حماية" البحرين من التدخل الإيراني، فإنه يمكن لهكذا تحالف أو اتحاد، بالتطبيق الحكيم للنُّظُم الانتخابية (غير العادلة) والفريدة للمملكة العربية السعودية التي تُضعِف قواعد الدعم المحددة، أن يخدم ذات الهدف الذي يرنو إليه التجنيس السياسي في البحرين، أي أن يجعل الشيعة الأغلبية في البحرين مجرد أغلبية محلية، تماماً كالشيعة في المنطقة الشرقية. ويمكن للمرء أن يتصور، على سبيل المثال، برلماناً "مؤيداً" في ظل نظام تمثيل نسبي تكون البحرين فيه ممثّلة بعدد صغير نسبيًا من المندوبين المنتخبين من قبل المقترعين في المملكتين. ( لندع المزاح جانبًا، هذا في الواقع استخلاص معقول للنظام الحالي، انظر، على سبيل المثال، كراتشمارKraetzschmar*)

 ونستفيد من هذا السيناريو الأخير في إثارة قضية أكبر، وهو ما سأختم به كلامي هنا: إلى أي مدى يفيد الحديث عن استراتيجية سياسية طويلة الأجل لآل خليفة، بدلًا من آل سعود؟ بالتأكيد، تحتفظ العائلة الحاكمة في البحرين بالسيطرة الإسمية على شؤون الجزيرة، ولكن هل هذه الممارسة أقرب إلى السيادة أو أقرب إلى مجرد الحاكمية؟

 أعتقد أنّ هذه الأسئلة –الآن- مرتبطة إلى حد كبير بما وصفته ذي كريستيان ساينس مونيتور عن جدارة بأنه " من الغريب والصعب تأكيد القصة التي تعاد في نشرات الأخبار: بأن "المملكة العربية السعودية تحاول التملق إلى روسيا، بعيدًا عن حليفتها سوريا عبر تقديم العروض التالية: 1- التآمر على أسعار النفط ، 2- عقد صفقة أسلحة مربحة و مثيرة للاهتمام  3-  تقديم ضمانة بأن غاز الخليج لن يهدد موقف روسيا كمُوَرّدٍ رئيسي للغاز الى أوروبا، "ربما عن طريق الضغط على قطر".

 وقد ذكرت مصادر متعددة أن هذا العرض كان سيُطرح في 31  تموز/يوليو في منزل بوتين الصيفي الكائن خارج موسكو بين الرئيس الروسي ورئيس المخابرات السعودية بندر بن سلطان، لقاء يعترف الروس به ويؤكدون أنه اقتصر على مناقشات "فلسفية" - ربما لقراءة بوتين الأخيرة لكتاب ابن الطفيل "حي بن يقظان". وكما سأل أحد أعضاء مجلس الخليج G2K بامتعاض، "هل يعتقد السعوديون أن الأمير الجديد لقطر أكثر استعدادًا من والده للعمل مع الدبلوماسية السعودية؟" (وبالمناسبة، أوردت صحيفة وول ستريت جورنال أن بعضهم سمع مؤخرًا الأمير بندر وهو يصيح على الهاتف، "[قطر] ليست إلا 300 شخص... وقناة تلفزيونية، وهذا لا يجعلها بلدًا". بويا !) بيت القصيد هو التالي: إذا كانت المملكة العربية السعودية، بهدف إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، مستعدة للضغط على قطر في قضية صارمة ومهمّة وحتى وجودية، بالنسبة لهذه الأخيرة، على الرغم من قلة وسائل التأثير المباشر، فماذا يجب علينا أن نقول عن دورها في السياسة الداخلية في البحرين، البلد الذي يُمَوَّل بالكامل تقريبًا من قبل خزينة السعودية والذي يمثل، بحسب رأي الأخيرة، المدخل الأكثر خطورة للنفوذ الإيراني؟.

 

* في بداية الإنتفاضة التسعينية التي تخيل كثيرون إنها ستنتهي سريعاً ولن تستمر لأكثر من أسبوع أو أسبوعين،. كتب شاعر العائلة الخليفية محمد أحمد آل خليفة قصيدة بذيئة يقول فيهاوش عندهم ابناء شبر ومرهون ضجيجهم عالي بليا سبايب في كل يوم بالقرا يحرقون ومحد من الشرطة ولا الحكم هايب ان كان هم للحكم ياشيخ يبغون تراها علينا من كبار المصايب الحكم ما يصلح لهم لو يصرخون نحاربهم في حزة الضيق نايب.... (آلخ)فأجابه خالد بن أحمد آل خليفة الذي يتولي شئون البلاط  الملكي بكلام لا يقل عنه بذاءة: عندي دوا أولاد شبر ومرهون يابو محمد يا بشير الحبايب تهجيرهم لحوار وجنان مع نون أهل السمك يلقون فيها كسايب مع صارم يلمع وصقيل ومسنون ينثر دماهم من عليهم سكايب قرعان مازادوا ولوهم يزيدون اهل الخنا  ويا المكر والمصايب... (آلخ)

 * أدرك عالم الإقتصاد هيرشمان أن كفاءة أي نظام اجتماعي معقد قد تتدهور إذا سمح للناس بالرحيل (الخروج)؛ والحل الأفضل يتلخص في الاحتفاظ بالناس (الولاء)، وهو ما من شأنه أن يمنحهم الحوافز اللازمة للتعبير عن المطالب (الصوت) التي من شأنها أن تحسن من أداء النظام.

 * Hendrik Jan Kraetzschmar دكتورهندريك كراتشمار: محاضر في السياسة المقارنة للشرق الأوسط وجنوب أفريقيا.

 

 28 آب/ أغسطس 2013

رابط النص الاصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus