الثورة البحرينية والتغريد خارج السرب
2013-09-17 - 1:04 ص
إيمان شمس الدين*
باستقراء سريع لمآلات الثورة في مصر وتونس وليبيا وسوريا يمكننا، مبدئيًا، الخروج بتصورات عن نتائج تلك الثورات ومدى تناغم تلك النتائج مع أهدافها. حمل الثوار في تلك الدول شعارات أهمها الحرية والعدالة والدولة الديموقراطية، كمطالب سقط لأجلها كثير من الثوار، ولكن ما حصل هو امتطاء السياسيين للثورات؛ بتحصنهم بالثوار وشعاراتهم، ومن ثم ركوبهم موجهة الثورة، وتحالفهم مع قوى خارجية للوصول للسلطة. فكان هدف الوصول للسلطة حاكمًا على كل الأهداف، وكانت الوسائل لتحقيق هذا الهدف هي استخدام شعارات الثورة والثوار، من الشباب والشابات، وتجييرها كمطالب لهم في سبيل تحقيق السلطة، ومقايضتهم للخارج واستعانتهم به لنفس الهدف.
النتيجة الكبرى لكل تلك الثورات هي الفوضى، وإن بنسبٍ مختلفة، طبعًا كون تلك الدول غالبها جمهوريات أُسقطت فيها أنظمة الحكم، مع أن الواقع هو إسقاط الحاكم فيها وبقاء النظام في الدولة على حاله، إضافةً لحقيقة واقعية هي إخراج تلك الدول من قبل من وصل للحكم فيها من خيارات المنطقة الاستراتيجية في مواجهة خطط الاستعمار والصهينة، بل تورط بعضهم مع الصهاينة ضد مشروع الأمة المقاوم.
ورغم مرور قرابة 3 أعوام على تلك الثورات، إلا أنها إلى الآن لم تحقق من شعاراتها ومطالبها ليمكن اعتبار ما حدث فيها واقعًا كان ثورة أدت لقلب الموازين وتحقيق المطالب.
ولو قارنّا ذلك مع الثورة البحرينية، من ناحية الهيئة كمطالب وشعارات وآليات، مع وجود اختلاف في المادة، كون البحرين تختلف في نظام حكمها الملكي، لاستطعنا استكشاف حقيقة؛ وهي أن الثورة البحرينية غردت خارج سرب الثورات، من خلال أدائها، وما حققته من نتائج اليوم، فهي أكثر تنظيمًا؛ لوجود قيادة جامعة لكل الأطياف في البحرين، ولوجود آليات حراكية مدروسة ومرحلية، وللثبات على المطالب رغم محاولات خارجية عديدة لليّ ذراع المعارضة في التنازل عن بعض مطالبها، وإصرار المعارضة على المطالب، حفظًا لنضال شعبها ودماء شهدائها، الذين سقطوا على هذا الطريق، إضافة لعدم استعانتها بدول خارجية، وسلوكها طرق قانونية دوليًا في تجريم النظام البحريني، وتعرية ممارساته التعسفية ضد الثوار، وعدم لجوئها للعنف، واستمرار سلميتها، رغم وحشية النظام، وقتله للشعب، وممارسات التعذيب في السجون.
ثورة البحرين تتميز بأن رموزها وأغلب قيادتها موجودة في السجن، وهو دليل عدم امتطاء الرموز والسياسيين للثورة لأجل السلطة، وأن الهدف هو تحقيق المطالب وقيام دولة مدنية تعددية، تحقق الأمن والاستقرار للجميع.
الثورة البحرينية أبقت على خياراتها داخل حصن مشروع الأمة، وصنعت لها موقعًا متقدمًا في الخيارات الإقليمية المناهضة لمشاريع التقسيم والصهينة، وأبقت على وجودها في حاضنة الشعوب لا في حاضنة الأنظمة وقوى الشر.
لقد حافظت الثورة البحرينية على مبدئيتها وقيمها، رغم قدرة رموزها على المناورة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية في السلطة، والخاصة في الجمعيات، وهو ما ميزها بين الثورات، كون أي حراك لا ينطلق من ثوابت وقيم تحفظ له بعده المعنوي، فهو لا بد عرضة للضياع والتشتت والبيع والشراء. إضافة إلى أن وعي الثوار واقعًا شكّل حصانة تمنع أي محاولات ركوب ثورتهم، والتنازل عن مطالبهم، وتغيير وجهة مركبهم، وتميز الحراك المطلبي في البحرين بنقد ذاته، وإعادة تصويب حراكه وأدواته وآلياته، وفق متطلبات الراهن وتطورات الساحة ومعطياتها، وهو ما ساعد على بقاء حيوية الحراك وديمومته.
لقد غرّدت الثورة البحرينية خارج سرب ثورات الربيع العربي، وهذا ما سيكسبها موقعًا متقدمًا ستحقق من خلاله مطلب الدولة المدنية القوية العادلة، وإن طال بها الزمن.
* كاتبة كويتية.