الانقسام السني الشيعي هوة جديدة في الشرق الأوسط

2013-09-21 - 12:42 م

أوليفيا وارد، ستار دوت كوم ورلد

ترجمة: مرآة البحرين

يرى نصف المتدينين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الصراع الديني مشكلة جوهرية في بلادهم.

كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟ تكمن بعض الإجابات - وفقط بعضها - في البدايات البعيدة للإسلام.

في الماضي غير البعيد، كان سيناريو يوم القيامة يشكل "صراع حضارات" عنيف بين المسلمين والغرب العلماني.

ولكن الربيع العربي جلب تحولًا مزلزلًا في المشهد الطائفي. فقد امتدت الحرب الأهلية والفوضى السياسية إلى مختلف أرجاء المنطقة، وتغلغل الانقسام المميت في العالم الاسلامي نفسه.

في سوريا، لبنان، البحرين والعراق، يتنازع المسلمون السنة والشيعة على السلطة في حين يتصاعد التعصب الديني بعنف في مصر. وفي الوقت نفسه، تخوض دول الخليج السّنية معارك العمالة مع إيران الشيعية من أجل التفوق في المنطقة، في حين تشكل سوريا ذروة الصراع.

تقول جٍنَيف عبده،  الباحثة في مركز ستيمسون ومؤلفة دراسة عنوانها  الطائفية الجديدة: إن " العنف والوحشية مورِسا بحق  طوائف معينة " وإن "الحرب السورية أحيت صراعًا عمره قرون من الزمن."

في الشرق الأوسط وحتى في بلجيكا الهادئة، تُهاجم المساجد وتُقصف في أعمال الانتقام الطائفي بين المسلمين. فقد أصيب وقتل المصلون. و يُحقّر كلٌّ من الطوائف المتنافسة معتقدات الآخر ويُسلح الميليشيات لتصعيد حِدّة المعركة.

اليوم، يرى نحو 50 بالمئة من المتدينين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الصراع الديني مشكلة كبيرة لبلدانهم، وفقًا للمسح الأخير للعالم الإسلامي الذي أجراه مركز بيو للدراسات.

كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟

تكمن بعض الإجابات -  وفقط بعضها - في البدايات البعيدة للإسلام.

بدأ الانشقاق في العقيدة عندما توفي النبي محمد عام  632 ميلادي: فهو لم يترك وصية أو يحدد وريثًا ذكرًا. فاختارت الشيعة ابن عمه وصهره علي، كخليفة له. فيما يعتقد السنة أن صاحبه وأبا زوجته، أبا بكر، هو المرشح الأفضل المؤهل لذلك.

وأعقب ذلك مرارة شديدة وسفك للدماء. وأصبح الانقسام الطائفي مصيرًا محتومًا.

فقد تغلغل مفهوما الاستشهاد والتضحية في أعماق المذهب الشيعي، مترافقين مع إحساس بالظلم. إذ يعتقد أغلب الشيعة أن هناك 12 إمامًا، وأن الإمام الثاني عشر غائب، وسوف يعاود الظهور في نهاية المطاف ويحقق العدالة على الأرض.

وفيما يرى الشيعة أن قادتهم، آيات الله، هم ممثلون لله على الأرض، يركّز السنة على تعاليم النبي. وتباينت الممارسات الدينية لكل من الطائفتين لعدة قرون، إذ يتهم كل طرف الآخر بالابتداع أو التطرف.

ومع ذلك، تمكن المسلمون من تجنب المعارك الضخمة التي خاضها المسيحيون والتي استمرت لعقود، ونجحوا، ولكن بصعوبة، في التعايش والتزاوج. في خارج منطقة الشرق الأوسط، تخشى  أقلية من الفتنة الطائفية، وفقًا لاستطلاع  مركز بيو الأخير.

في الدول العربية، قد يكون ذلك آخذاً في التغييرالآن. ولكن، حتى في مرحلة ما قبل الربيع العربي، أثار الغزو الأمريكي للعراق انفجارًا مزق الهدوء النسبي الذي ساد في المنطقة بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية اللتين تعيشان في ظل أنظمة ديكتاتورية.

يقول عباس علي (المولود في بغداد)، وهو (مدير معهد الإدارية الدولية) في جامعة انديانا* في ولاية بنسلفانيا، إن "الحرب في العراق أدت إلى ترسيخ الطائفية".

وفي محاولة لإعادة توازن القوى في دولة ذات أغلبية شيعية كان قد هيمن عليها نظام صدام حسين السني إلى حد كبير، انتزع الاحتلال الأمريكي السلطة من السنة، مما أدى إلى قطع أرزاق الكثيرين ممن كانوا يتولون وظائف بيروقراطية ووظائف الطبقة المتوسطة.

انفجار العنف الطائفي الذي أعقب الغزو الأمريكي قسّم العراق إلى جماعات متعارضة وتسبب في وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص في هجمات ما زالت مستمرة حتى اليوم.

ولكن تسلم شيعة العراق زمام الحكم، وارتباطهم مع إيران نظيرتهم في الدين، غيّر أيضًا الجغرافيا السياسية للمنطقة.

في العالم الإسلامي، يشكل السنة نحو 80 في المئة من المسلمين. في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هناك 315 مليون مسلم وهم أغلبية كبيرة، باستثناء إيران والعراق والبحرين الصغيرة ولبنان. ولكن على الرغم من قوة عددهم، يخشى السنة من التخطيط الإيراني للتوسع الشيعي، ويرى الكثيرون في انتصار الشيعة في العراق نقطة تحول.

وكان الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، أول من دقّ ناقوس الخطر في منطقة الشرق الأوسط السنية محذرًا من "الهلال الشيعي" الذي من شأنه أن يجر حكومات وفصائل إلى داخل هذه البلدان من إيران والعراق وسوريا ولبنان والخليج العربي.

وارتفع حجم الخطر مع إضافة المملكة العربية السعودية ذات القوة الإقتصادية صوتها إلى المخاوف المتزايدة في مختلف أرجاء المنطقة. فقد ازداد القلق على مستوى القضايا الاقتصادية وكذلك الدينية: الصراع من أجل عبور النفط والأسواق.

ولكن الربيع العربي غيّر المشهد الجغرافي-السياسي مرة أخرى، وأطلق العنان للعداوات القديمة والجديدة.

في مصر، يشكل السنة ما يقرب من 90 في المئة من السكان، وليس للشيعة وجود يذكر، وتعرض المسيحيون الذين يشكلون 5 الى 10 في المئة من السكان لهجوم وحشي ودُمرت كنائسهم. واعتُدي أيضًا على الشيعة كما قُتل بعضهم في أعمال عنف غوغائية.

وأضافت الحرب في سوريا -مع نظام علوي مرتبط بالشيعة يخوض معركة البقاء ضد المتمردين السنة بشكل أساسي- هزات جديدة إلى المنطقة المضطربة.

وتقول عبده إن لحظة التأثير الشيعي" انخسفت الآن في جميع أنحاء العالم العربي، من خلال السعي السني المتزايد للهيمنة في المجالين الديني والسياسي".

وتؤكد إن الحرب الأهلية السورية قد أعطت حكام الخليج سببًا لقمع سكانهم الشيعة، والانتقاص من التظلمات المشروعة لأعضاء المعارضة.

وتضيف: "(الرئيس السوري بشار) الأسد سمح للحكومات السنية بالقول: انظروا ماذا يفعل الشيعة بالسنة".

وبرزت نقطة تحول خطيرة عندما اعترف زعيم حزب الله اللبناني الشيعي - المدعوم من إيران- علنًا أنه كان يرسل مقاتلين إلى سوريا. ويُنظر إلى حزب الله الآن على أنه مدافع عن الإسلام الشيعي في المنطقة، مما يؤكد شكوك السنة الذين يرون تدخل إيران في كل مكان.

كما أن التشدد السني يرتفع بشكل ينذر بالخطر، عندما تأتي الأموال الخليجية لتدعم الجماعات المتطرفة الأجنبية التي تدفقت عبر الحدود إلى سوريا.

المتطرفون الأكثر صخبًا في الشرق الأوسط هم السلفيون، السنة الأصوليون الذين يؤمنون بالتمسك الصارم بتعاليم النبي وسنته، ويشوهون سمعة أولئك الذين يختلفون معهم على أنهم غير مسلمين.

رسمياً، هم يعارضون العنف، وأقلية هم من قاموا بهجمات عنيفة على خصومهم الدينيين. في مصر، دعا رجل الدين المتشدد محمود شعبان إلى قتل الرموز المعارضة البارزة. فبعض أعضاء جماعات القاعدة من شمال أفريقيا هم أيضاً سلفيون.

ولكن حتى الإخوان المسلمون، وهو فصيل أكثر اعتدالًا، شددوا لهجتهم. في قطر، حكم الزعيم الروحي لجماعة الاخوان المسلمين "يوسف القرضاوي" على العلويين بأنهم "كفار"، ودعا السنة "الذين لديهم القدرة والتدريب على القتل" للانضمام الى المتمردين الذين يقاتلون نظام الأسد.

وتقول عبده إن " بعض رجال الدين (السنة) من داخل المساجد أيّدوا هذه الحرب، وصنّفوها في إطار الصبغة الطائفية.

أما في لبنان فاحتمال التطرف هو الأكثر إثارة للقلق. فقد أدى انفجار سيارة مؤخرًا الى مقتل 30 شخصًا في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت. وفي وقت سابق، أدى هجوم مماثل الى إصابة أكثر من 50 شخصًا بجروح. هناك اشتباكات مسلحة مميتة بين العلويين والسنة في طرابلس. ويخشى الشعب اللبناني مرة أخرى من عودة الحرب الأهلية المدمرة التي خربت هذا البلد الصغير لمدة 15 عامًا.

ويبدو أن تداعيات الحدث السوري أقل خطرًا في الأردن حيث تكاد الأغلبية السنية تكون مُطلقة - فعلى الرغم من أن سكانها المنقسمين بالفعل يتأثرون بشكل سريع باللاجئين السوريين بمن فيهم أعضاء معارضون قد يكونون هدفًا للانتقام السوري.

وهناك أيضًا مخاوف من أن يكون عدم الاستقرار السياسي معديًا. فالجارة تركيا، التي استقبلت ما يقارب 500 ألف لاجئ سوري، مزقتها الاحتجاجات المناهضة لحكومتها الاسلامية. والإجراءات الصارمة التي اتخذها الرئيس رجب طيب أردوغان فتحت جروحًا جديدة.

القلق واضح، خاصة في مقاطعة هاتاي التركية الخصبة الواقعة جنوب شرق البلاد. قال الصحفي التركي تامر يازر لصحيفة الغارديان إن: "أنقرة تبدي وبشكل متزايد موقفًا سنيًا يتماشى مع دول المحور السني الأخرى مثل المملكة العربية السعودية وقطر"، وأضاف إن: "الناس في هاتاي يدركون أن هذا انحياز لطرف في هذا الصراع الطائفي".

وبعيدًا عن هذا الصراع، تكافح الأغلبية الشيعية في البحرين من أجل حقوقها في ظل حكومة ملكية سنية متشددة مدعومة من المملكة العربية السعودية.

ما ينتظر المسلمين العرب في المستقبل غير مؤكد. فعلى الرغم من أن الدين يشكل فقط أحد عوامل الصراع على السلطة التي ظهرت عندما سقطت الديكتاتوريات، فإنه يبقى أحد العوامل الأكثر فعالية.

يقول علي: "الحكام يجدون  في الطائفية أداة للحفاظ على السلطة"، مضيفًا أن "الأمور لا تتحسن، ولكنها تصبح أكثر سوءًا".

هذه العداوة التاريخية التي عززها الحكام الديكتاتوريون والمتشددون لتقسيم الدول العربية قد تحكم على مستقبل المنطقة - فضلاً عن ماضيها الأسطوري، الذي يتلاشى الى خراب.

"التاريخ نفسه قد وَلّى".

 

6 أيلول/سبتمبر2013 

النص الأصلي 

 

*أوليفيا وارد: صحافية أمريكية تقدم تقارير عن الشؤون الخارجية وقد حازت على جائزة الصحيفة الوطنية.

* عباس علي: مدير معهد الإدارة الدولية في جامعة انديانا- بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus