الربيع الصامت في البحرين: ماذا حلّ بـ" ثورة اللؤلؤة"؟

2013-09-25 - 10:46 ص

مارك أوين جونز، سي إن إن
ترجمة: مرآة البحرين

ملاحظة المحرر: مارك أوين جونز هو مرشح دكتوراه في الفلسفة في جامعة دورهام، حيث يجري دراسات حول الاستخدام الحديث والتاريخي للقمع في البحرين. يكتب في مدونة بانتظام، وهو عضو في مرصد البحرين، وقد أمضى جزءًا كبيرًا من حياته في الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين والسودان وسوريا.

(سي إن إن) - انتقلت أسرتي إلى البحرين في أواخر الثمانينات عندما كان عمري ثلاث سنوات فقط. وكالعديد من الغربيين الذين نشأوا في البحرين، كنت منعزلاً إلى حد ما عن السياسة المحلية.

لم يكن أحد من أصدقائي أو من عوائلهم قد تحدث عن السياسة، ومعظم الغربيين مثلي عاشوا في أمان، في مجمعات محاطة بالأسوار، منفصلة ومستقلة عن قرى البحرين.
حتى خلال انتفاضة التسعينات في البحرين، لا أتذكر أنني شهدت الكثير من المتاعب. سمعت الاشتباكات الغريبة، وصفارات الإنذار العرضية، ولكن عندما تكون طفلًا تميل إلى الاعتقاد بأن عناصر الشرطة هم أشخاص طيبون و أن الذين يسببون لهم المشاكل هم "الأشرار". أحياناً، كان الناس يناقشون "مشاكل القرى"، ولكن بخلاف ذلك، كان جهلي بالوضع نتيجة لامبالاة الشباب التي أوجدها نظام الفصل العنصري غير الرسمي.

وفي عام 2013، شكّل جهلي الشبابي مثالاً مفيداً للدرجة الخطيرة التي بلغتها اللامبالاة الغربية الواضحة للأزمة السياسية الجارية في البحرين.

ورغم النقص في التغطية الإعلامية، ما زال قمع الدولة متواصلاً منذ عامين. تحدث اشتباكات في القرى بين مجموعات من الشبان وشرطة مكافحة الشغب بشكل يومي تقريبًا، ففي الوقت الذي يُحرِق فيه الشبان الإطارات ويرمون قنابل المولوتوف، تقوم الشرطة برش القرى بالغاز المسيل للدموع، في تكتيك خبيث لدرجة أن إحدى المنظمات غير الحكومية اتهمت السلطات البحرينية بـ "التسلح بالمواد الكيميائية السامة."
الاشتباكات في القرى هي إرهاصات لقمع السلطات البحرين للمتظاهرين في مدة تجاوزت العامين. فالمطالب السلمية بالإصلاح السياسي والتي أثارها الآلاف من البحرينيين في أوائل عام 2011 قد تم تجاهلها، فيما قُمِعَت المحاولات المشروعة للاحتجاج بوحشية.

وقد دفعت الدعوات المتجددة للتظاهر في 14 آب/ أغسطس الحكومة إلى بدء تدابير قمعية جديدة واسعة. فقد أقر البرلمان البحريني، الخالي من المعارضة، مؤخرًا قوانين رجعية تحظر التجمعات السلمية في العاصمة البحرينية، وأقامت الشرطة نقاط تفتيش وحواجز وأسوار وأسلاك شائكة حول القرى لمنع الناس من الوصول الى الاحتجاجات.

وفي حرص شديد منها على فرض الرقابة على أي انتقاد، اعتقلت السلطات البحرينية عددًا من الناشطين والصحافيين، وفي الوقت نفسه، رفضت الحكومة دخول بعض المراقبين الأجانب الى البلاد. حتى أن الشرطة ألقت القبض على محام يمثل صحافياً مواطناً  لأنه أرسل تغريدة تتحدث عن حقيقة ما تعرض له موكله من تعذيب على يد الشرطة - كما لو أن الرسالة لم تكن واضحة بما فيه الكفاية. وقد أعلن رئيس الوزراء أن البحرين سوف "تحوّل إلى رماد كل أولئك الذين يسعون إلى العبث بأمنها واستقرارها."

ومن غير المرجح أن تصل احتجاجات "تمرد" هذه إلى أي نتيجة، خاصة وأن السلطات البحرينية قد أمضت العامين الماضيين وهي تعمل على قصم ظهر حركة المعارضة. في عام 2011، أُلقِيَ القبض على الآلاف وقُتِل وعُذِّبَ العشرات.

تعرض الأطباء الذين شهدوا التجاوزات الجسيمة لقوات الأمن للتعذيب والسجن بتهم زائفة. وأُلقِيَ القبض على العديد من قيادات الجمعيات السياسية، وعُذِّبوا، وزُجَّ بهم( وما زالوا) في السجون. وطُرِدَ الآلاف من وظائفهم بسبب مشاركتهم في إضرابات قانونية.

أظهرت وسائل الإعلام الحكومية الكراهية الطائفية، وأما الدعم السني والعلماني للحركة الشعبية فقد خففت من حدته الدعاية الحكومية التي زعمت، على الرغم من عدم وجود أية أدلة، بأن الحركة المؤيدة للديمقراطية كانت محاولة مدعومة من إيران لإرساء دولة دينية شيعية. كما وهدمت الحكومة عددًا من المساجد الشيعية من أجل إغضاب المحتجين الشيعة وتشجيعهم ليصبحوا عنيفين، وبالتالي سيتم التقليل من دعم المعتدلين للحركة.

وفي محاولة للحد من التعاطف الشعبي مع الحركة المؤيدة للديمقراطية، صوَرَت الحكومة الحركة على أنها معادية للأجانب ومتعصبة وذلك عن طريق المبالغة في وصف هجمات المحتجين على الأجانب المقيمين. وكان متحدث باسم الحكومة قد ألمح إلى مقتل 12 من المقيمين الأجانب على يد المتظاهرين في عام 2011. ولكن في الواقع، قُتِل اثنين من المقيمين الأجانب على يد المدنيين، فيما قُتل شخص على يد قوة دفاع البحرين. وهناك من المقيمين من تعرض للترحيل نتيجة تعبيره عن تعاطفه مع المعارضة. فمؤخرًا طُرِد مدرّس أمريكي من البحرين بسبب كتابته لمقالات تنتقد الحكومة.

بين القمع السافر في عام 2011 والتدابير الرجعية الأخيرة قبل 14 آب / أغسطس، كان هناك أيضًا هجوم غادر على حرية التعبير وضمان الحقوق في البحرين. فإهانة الملك على تويتر أو "التحريض على كراهية" قوات الأمن تؤول بك الى السجن، وفي الوقت نفسه يقضي ناشطون شهوراً في الاحتجاز قبل المحاكمة - من دون الاتصال بمحام في أكثر الأحيان.

هناك تقارير تؤكد استمرارية التعذيب وانتزاع الاعترافات قسرًا، ولم تتم مساءلة أحد عن أي من الجرائم المزعومة الرسمية التي ارتُكِبَت على مدى العامين الماضيين. وعلى العكس من ذلك، فقد ظهر رئيس وزراء البحرين مؤخرًا في شريط فيديو وهو يشكر أحد الجلادين المشتبه بهم على خدماته وواعدًا مؤيديه بالحصانة.

وتبدو آفاق الحركة المؤيدة للديمقراطية في البحرين قاتمة، لا سيما دون الدعم الغربي.فيما كانت دعوة أوباما الأخيرة لإصلاح ذات مغزى في البحرين غامضة بشكل مقلق، ففي خطابه في الأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر 2012، فشل أوباما في ذكر البحرين رغم تعبيره عن الحاجة إلى دعم الحرية في أماكن أخرى من العالم العربي.

وقد أمّنت الاضطرابات في البحرين أيضًا العديد من الفرص التجارية للشركات الغربية والأفراد. وقد بلغ مجموع مبيعات الأسلحة الأمريكية الى البحرين 1.4 مليار دولاراً منذ عام 2000، ودفعت الحكومة البحرينية أكثر من 32 مليون دولار إلى واشنطن وشركات للعلاقات العامة في لندن لتبرئتها من انتهاكات حقوق الإنسان. في عام 2011، استخدمت السلطات البحرينية الغاز المسيل للدموع الأمريكي الصنع على المتظاهرين، وذهب الرئيس السابق لشرطة ميامي، جون تيموني، إلى البحرين للمساعدة في "إصلاح" الشرطة. وقد تلقى البعض في الشرطة البحرينية حتى التدريب من الجيش الامريكي.

يمكن تفسيرموقف الولايات المتحدة الحالي بحقيقة أن الحكومة البحرينية تسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بقاعدة بحرية على الجزيرة - ومع استمرار التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ستبقى القيمة الاستراتيجية للبحرين عالية.

من سوء حظ الحركة المؤيدة للديمقراطية في البحرين أن الولايات المتحدة لن تخاطر بإزعاج الحكومة البحرينية بالضغط عليها للحصول على الكثير من الإصلاح السياسي "الهادف". هذا الدعم الأمريكي المتواصل لنظام وحشي يؤدي إلى تزايد استياء العديد من البحرينيين تجاه الحكومة الأمريكية ، فهم يشعرون بأن الدولة التي تدّعي دعم أولئك الذين يطمحون إلى مزيد من الحرية والديمقراطية قد تخلت عنهم.

14 آب \ اغسطس 2013
النص الاصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus