البحرين في ظل الحراك السياسي في مصر

2013-10-02 - 9:50 ص

كريستين ديوان، أتلانتيك كاونسل

ترجمة: مرآة البحرين

كان الحراك الشعبي لإسقاط حكومة مبارك في مصر في عام 2011 بمثابة دافع لانتفاضة سياسية في البحرين. والآن، وبعد عامين ونصف العام من الاضطرابات السياسية والانقسام الاجتماعي، مهّدت حملة أخرى، مستوحاة أيضًا من حملة مصرية - حركة "تمرد" البحرين-، وبدون قصد، لتوسيع نطاق الإجراءات الأمنية التي تهدد بالحدّ من أنشطة جمعية الوفاق، التيار المعارض الرئيسي في البحرين، ومن أنشطة صاحب النفوذ رجل الدين الشيعي، الشيخ عيسى قاسم. هذا المنعطف الجديد يهدد الالتزام السياسي اللازم لوقف الزيادة المقلقة لتفجير القنابل، ما يثير مشهدًا قاتمًا في مجال حقوق الإنسان، ويهدد باحتدام الصراع الطائفي في المنطقة بأسرها.

محيط حملة "تمرد"

في 4 تموز/ يوليو، وبعد يوم واحد من انقلاب حركة تمرد المصرية العسكري على حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة، تم إنشاء صفحة على الفيسبوك تدعو إلى حركة "تمرد" في البحرين. اتهم الموقع عائلة آل خليفة الحاكمة بـ "تقويض عزم الشعب والسيادة لمصالحهم الشخصية،" وحدد 14 آب/ أغسطس يومًا لتنظيم الاحتجاجات من أجل تحقيق تقرير المصير في دولة مستقلة وديمقراطية. ودعا الموقع إلى مقاومة مدنية سلمية بما في ذلك إغلاق المحلات، ومقاطعة الأنشطة التجارية والمالية، وإطفاء الأنوار بعد الغروب، والهتاف بكلمة "الله أكبر" من فوق أسطح المنازل، فضلاً عن الأنشطة الأخرى التي خُطّط لتنفيذها بطريقة لامركزية.

نبعت الرغبة في الاستفادة من نشاطات 30 حزيران/ يونيو في مصر من الأزمات الضيقة التي وجدت المعارضة نفسها فيها؛ فانتفاضة 14 شباط / فبراير2011، والقمع الذي تلاها، والحملة التي قامت بها الدولة لتشويه سمعة المعارضة عوامل تركت البلاد مقسمة على أسس طائفية بشكل سيئ. ولم يكن للمبادرات السياسية التي أعقبتها-- القبول بلجنة مستقلة لتقصي الحقائق في البحرين، والبدء بحوار وطني- دور يُذكَر برأب هذه الانقسامات بل إنها لم يكن لديها أي دور في تحقيق أهداف المعارضة بإصلاح سياسي جوهري. وكانت جولة جديدة من محادثات الحوار الوطني والتي بدأت في شباط/ فبراير 2013 بمشاركة الجمعيات المعارِضة القانونية قد غرقت في خلافات جوهرية حول آلية هذه المحادثات والغرض منها.

ونجحت الإجراءات الأمنية المكثفة التي قامت بها الحكومة في حصر الاضطرابات السياسية في المناطق الشيعية إلى حد كبير. وقد شهد العديد من هذه المناطق معارك ليلية مع الشرطة لضبط الشباب المتمرد وهو يعمل على إغلاق مداخل القرى في وجه قوات الأمن. إن قلة التقدم السياسي وبيئة الحصار في القرى أعاقت عملية التواصل الوطنية، وشجعت التشرذم والعمل على توليد التشدد بنحو متزايد. وعليه فإن حركة "تمرد" البحرين كانت محاولة لإعادة تحفيز حملة المعارضة والتغلب على هذه العقبات.

ولكن بدلًا من التغلب على الانقسام السياسي وتدهور البيئة الأمنية، سقطت تمرد البحرين ضحية لهما. ففي تموز/ يوليو 2013، شهدت البحرين سلسلة من الهجمات على دوريات الشرطة ورميها بالقنابل اليدوية الصنع في القرى الشيعية. وفي تصعيد واضح، في 17 تموز/ يوليو، انفجرت سيارة مفخخة في موقف سيارات تابع لمسجد في الرفاع، مقر السلطة المتوارثة لعائلة آل خليفة الحاكمة. وفي اليوم التالي حظرت الحكومة التجمعات السياسية بما في ذلك تحرك ما قبل 14 آب / أغسطس والذي كان مقررًا من قبل حملة تمرد. وقد سادت مطالب لتوسيع حملة القمع التي قامت بها السلطة.

التدابير الأمنية الجديدة

بناءً على طلب الملك، اجتمع مجلس النواب ومجلس الشورى في جلسة مشتركة غير عادية في 28 تموز/ يوليو لمناقشة تشديد العقوبات على قانون الإرهاب لعام 2006. وقد دعا المجلس الوطني-الخالي من ممثلي المعارضة القانونية الذين استقالوا احتجاجًا على حملة القمع في آذار / مارس 2011 وقاطعوا البرلمان لاحقاً خلال الانتخابات-- لاتخاذ تدابير واسعة لتقليص الحقوق و تشجيع الحكومة على اتخاذ تدابير تمكّنها من التصرف لصالح الأمن. وقد ذهب المجلس إلى حد الترحيب بحسب الضرورة بإعادة تنصيب قانون سلامة وطنية جديدة شبيه بقانون الطوارئ الذي استعمل بعد انتفاضة 2011 .

وقد أصدر الملك في وقت لاحق مراسيم تستحضر سلطات جديدة وتفرض عقوبات جديدة تتماشى مع التوصيات الموجزة للمجلس الوطني. وقد شملت عقوبات أكثر صرامة على "المحرضين على الإرهاب"، بما في ذلك سحب الجنسية. وقد عدّل مرسوم ملكي آخر قانون التجمعات العامة ليحظر كل الاحتجاجات والمسيرات، والاعتصامات في العاصمة المنامة. وصدرت تعديلات أخرى أكثر تشدداً حول أنظمة التبرعات الخيرية والاجتماعية فيما تم فرض عقوبة على أولياء الأمور عند مشاركة الأطفال في الاحتجاجات.

قبل احتجاجات 14 آب/ أغسطس، وسعت قوات الأمن دائرة اعتقال واحتجاز النشطاء بمن فيهم المدون المعروف، محمد حسن. وقبل يوم من الاحتجاجات، أصدر رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة بيانًا شديد اللهجة ينص على عدم التسامح مع الاحتجاجات ومقاضاة كل من يُحَرّض عليها. وقد اتخذت السلطة تدابير أمنية وقائية، بما في ذلك نشر ناقلات الجند المدرعة في القرى الشيعية وتحصينها بالأسلاك الشائكة.

وعملت الإجراءات الأمنية الاستثنائية على إعاقة المهام المشتركة للمعارضة، فتحولت احتجاجات 14 آب/ اغسطس إلى تحركات صغيرة متعددة في القرى. كذلك، تعرقل التنسيق نتيجة تعدد الفصائل وكثرة الأوامر التوجيهية، ونتيجة قرار جمعية الوفاق التأكيد على حق العمل السلمي، بيد أنها لم تشارك رسميًا في احتجاجات تمرد. ومع هذا، فإن البيئة الأمنية المشددة في البلاد امتدت الى 14 آب/ أغسطس الماضي وفاقت مدى حركة تمرد البحرين المحدود.

توريط التيار الرئيسي المعارض

وفي حين فشل الناشطون السياسيين في البحرين في تقدير التوازي المربك للوضع في مصر مع الوضع في البحرين، اغتنمت حكومة البحرين الآن الظروف الأمنية الإقليمية الجديدة التي بشر بها المجرى القاتم للأحداث في مصر. و أربكت التوجيهات الجديدة الصادرة والإجراءات المتخذة فيما يتعلق بحملة مكافحة الارهاب في الأسابيع القليلة الماضية المعارضة البحرينية.

وكانت وزارة العدل والشؤون الإسلامية قد حظرت على الجمعيات السياسية لقاء الدبلوماسيين الأجانب وممثلي الحكومات أو المنظمات الأجنبية دون تنسيق مسبق مع وزارة الشؤون الخارجية في 4 أيلول/ سبتمبر. وبعد أقل من أسبوعين، اعتقلت الحكومة خليل المرزوق، نائب أمين عام جمعية جمعية الوفاق والوسيط الأساسي بين أمينها العام الشيخ علي سلمان والحكومات الغربية. وكان المرزوق معروفًا بمناصرته الدائمة للموقف الأميركي فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والانخراط مع الحكومة. اعتُقِلَ بتهمة "التحريض على جرائم إرهابية،" وظاهريًا بسبب رفعه علم ائتلاف 14 فبراير خلال كلمة ألقاها، مما يشير إلى رغبة جديدة للحكومة باستهداف السياسيين المعتدلين ضمن حملة جديدة شاملة لمكافحة الإرهاب.

وقد رفعت وزارة العدل والشؤون الإسلامية نفسها أيضا دعوى قضائية بحل وتصفية المجلس الإسلامي العلمائي وضبط موجوداته. وهو مجلس تأسس في عام 2004 من قبل رجل الدين الشيعي الأكثر نفوذًا في البحرين، الشيخ عيسى قاسم، المُقَرّب من القيادة السياسية لجمعية الوفاق. وفي الوقت الذي لم يعد يرأس فيه الشيخ قاسم المجلس، فإنه لا يزال يدعمه ويحترم أوامره. إن حقيقة أن الحكومة تسعى أيضًا لترحيل الشيخ حسين نجاتي، الفقيه الثاني الذي يمثل آية الله السيستاني في البحرين، قد كرس إحساس الطائفة الشيعية بأنها موضع هجوم.

خطر الطائفية المتزايدة

كان رد فعل الولايات المتحدة على الموجة الأخيرة من الإجراءات الأمنية الجديدة للحكومة البحرينية عرضيًا وصامتًا. وكانت البيانات متطابقة مع الموقف الدائم بأن حرية التعبير يجب أن تكون محمية، وأن العنف يجب أن يدان، وأن جميع الأطراف يجب أن تتشارك في حوار وطني للتوصل إلى إجماع وطني. وعندما اختارت المعارضة المُوَحَّدة تعليق مشاركتها في الحوار الوطني بعد اعتقال خليل المرزوق، تسبب ذلك بتوبيخً أمريكا لها. غير أن هذه السياسة التفاعلية قد لا تكون كافية لمعالجة التحول الكبير الذي يبدو أنه يطرأ على المشهد السياسي في البحرين، حيث يظهر أن المقام الحقيقي للمعارضة السياسية مُعَرّض للتهديد.

هناك بعض الفصائل داخل قيادة البحرين التي تنادي بطرد الشيعة من مواقع النفوذ. فحملة تمرد، والعلاقة الهشة التي رُسمت بينها وبين سلسلة التفجيرات الفظة، وفّرت بيئة مواتية لتوسيع الحملة ضد الإرهاب والطائفية السياسية. وكما في مصر، هناك استدراج لتفعيل هذه الميزة للقضاء على الحزب الإسلامي و"استئصال" التشيع السياسي.

حتى الآن، وفي المشهد البحريني حيث تسعى الأحزاب الشيعية لحماية طائفة محرومة، يرى معظم الشيعة في هذه الحملة هجوماً عليهم جميعًا. وهي لن تحقق الوحدة الوطنية التي تدّعي الحكومة الحرص عليها. إنها سوف تؤدي بالأحرى إلى تفاقم الإنقسام الطائفي الذي أتى على ذكره الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه في الأمم المتحدة باعتباره مدعاة قلق متزايد للولايات المتحدة. وينبغي لصُنّاع القرار أن يضعوا نصب أعينهم هذا المشهد الأوسع نطاقاً عند استعراضهم للبيئة الأمنية والسياسية المتغيرة في البحرين.

*كريستين ديوان هي أستاذ مساعد في الدراسات المقارنة والإقليمية في كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأمريكية. وهي تعمل في قسمي السياسة المقارنة والعلاقات الدولية، ومتخصصة بالسياسة العربية والإسلامية.

27 أيلول/ سبتمبر 2013 
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus