» رأي
المزيد من الأخطاء.. المزيد من الحمى
عادل مرزوق - 2011-06-20 - 11:12 ص
مرزوق: إن الدخول في مصيدة الحوار الوهمية هو انتحار سياسي لجميع الجمعيات السياسية في المعارضة
عادل مرزوق*
لم يكن مستبعداً أن تخرج دعوات الحوار بالجملة من مكتب رئيس مجلس النواب لتشمل من ليس له في الأمر ناقة ولا جمل، فالمُراد والمقصود هو أن تجلس المعارضة على طاولة الحوار أقلية. فتكون الملكية الدستورية والحكومة المنتخبة مجرد مقترحات تقدمت بها أقلية لم ترتضها أغلبية الشركاء في الحوار الوطني، فتم استبعادها. يضاف إلى ذلك نجاح السلطة – رمزياً وحتى خروج الأمين العام لجمعية وعد ابراهيم شريف – في احتواء جمعيات التيار الوطني، المنبر التقدمي سابقاً، والعمل الديمقراطي "وعد" لاحقاً. وسيكون على الوفاق – مرغمة – أن تتحدث باسم الطيف الشيعي من المعارضة، خصوصاً وأن النسخة الجديدة من "وعد" قد لا يزيد سقف مطالبها عن سقف ما أعلنه تجمع الوحدة الوطنية من مطالب معيشية وإسكانية.
وهكذا، يبدو أن مصيدة الحوار تلف حبالها حول عنق الوفاق جيداً. خياران أمام الوفاق وشارعها العريض، أن تذهب لحوار تعلم مسبقاً أن لا فائدة منه، فتصطدم بأغلبية مصطنعة، وترفض مخرجات الحوار لتكون الطرف الممانع عن التسوية والخارج عن الحاضنة الوطنية أولاً. أو أن ترفض الحوار في هذه الأجواء مطلقاً ومنذ البداية، وهو ما سيجعلها وحيدة في خيارها قبالة من يترامون على بوابة الاجتماع مرغمين أو طامعين ثانياً.
بكل المقاييس والتوقعات، إن الدخول في مصيدة الحوار الوهمية هو انتحار سياسي للوفاق ولجميع الجمعيات السياسية في المعارضة. وعلى الجمعيات السياسية أن تدرك أهمية استثمار المواقف الدولية الداعمة للتسوية ولإيقاف العنف والمحاكمات والانتهاكات التي تقوم بها الدولة في فرض شروطها ومرئياتها على التسوية المرتقبة. على المعارضة أن ترتكز وتتمسك وتستفيد من هذا الغطاء الدولي، وإذا كان للوفاق ان تمشي وحيدة في هذا الخيار فعليها أن لا تتردد في ذلك. فليس ثمة كلفة إضافية ستدفعها الوفاق أو جمهورها أكثر مما دفعت ودفعوا. أما بخصوص جمعيات التيار الوطني، فالمنبر التقدمي لم تكن في الأساس عبر خطاباتها وقراراتها طيلة السنوات العشر الماضية شريكاً حقيقياً في المعارضة، الذي قد يكون مؤثراً فعلاً هو موقف "وعد"، إذ لم يتفهم أعضاء وعد الحاليون أنهم منحوا الدولة، وهم طليقون، ما لم يمنحها إبراهيم شريف، وهو تحت التعذيب. قد يؤثر اصطفاف وعد الجديد على العملية الحسابية ككل، لكن للوفاق ان تلعب بأوراقها كاملة في هذا التوقيت، وعليها أن لا تتردد في ذلك.
وكما تذرعت الدولة بورقتي "الأمن" و"المصالح الاقتصادية" للدخول في الحوار ولذلك فرضت قانون الطوارئ، فعلى الوفاق ان لا تذهب لطاولة الحوار وقائمة المعتقلين في السجون قائمة، وعليها أن ترهن مشاركتها في الحوار الوطني بالإفراج عن جميع المعتقلين، وإعادة جميع المفصولين عن العمل والغاء محاكم التفتيش الطائفية في الوزارات والمؤسسات. فليس الأمن والمصالح الاقتصادية أولى أو أكثر قيمة من حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وضمان المواطنة المتكافئة مع باقي مكونات المجتمع البحريني. وللوفاق في هذا السياق، غطاء دولي من الحلفاء الاستراتيجيين للدولة، وعليها أن لا تفرط فيه، أو أن تستهين به. ويضاف لذلك حقيقة أكثر أهمية، وهي أن الشارع – بجميع أطيافه – لن يقبل بأي تسوية صورية حتى لو كانت الوفاق شريكة فيها، فجدية الحوار وإنجازه ضرورة لتحصيل القبول المجتمعي الذي قد يعصف بالمعادلات كلها. وبصريح العبارة: يخطأ النظام حين يعتقد أن الوفاق - التي لم تكن من دعت لمظاهرات الرابع عشر من فبراير - هي من تملك قرار إيقاف حركة الشارع. ويخطأ مرة أخرى حين يعتقد، أن إجبار الوفاق على القبول بتسوية ما، هو الطريق السريع لإنهاء احتقان الشارع.
لم تكن الجمعيات السياسية من قادت حركة المظاهرات في الرابع عشر من فبراير، ولم تكن حركة حق وحدها، أو الوفاء، أو أي تنظيم سياسي آخر. وعليه، فإن فهم المصالحة الوطنية والحوار الوطني بهذه الطريقة القاصرة والاعتقاد بأن لف حبل الحوار/ المشنقة على رقبة الوفاق هو الطريق لإنجاز التسوية هو مراهنة خاسرة، ستثبت الأيام حجم ما ستتسبب فيه من كوارث. لن تكون هناك تسوية دون مشاركة إبراهيم شريف وحسن مشيمع وعبدالوهاب حسين وكامل الرموز السياسية، في صياغة هذه التسوية، ولن يكون هناك قبول مجتمعي وآلاف الأسر بلا مصدر رزق بعد أن تمت إقالة الآف من العمال في شتى القطاعات. ولن يكون هناك تسوية وقبول مجتمعي دون إيقاف المحاكمات والإفراج عن جميع المعتقلين وإلغاء أحكام الإعدام ورد الاعتبار لجمهور المعارضة.
من يدير تفاصيل المشهد السياسي في البحرين اليوم هو مهندس سياسي فاشل، لم يع أسباب الأحداث ولا تفاصيلها. لم يحسب حجم الخسارات، لم يتجرع مرارة الظلم، ولم يعرف تعقيدات المشهد وموازين القوى. ولذلك، ها هو يقدم حلاً بدائياً للعلاج، حلاً مفضوحاً. حلاً لن يرتد عليه إلا بالمزيد من الحمى.
*كاتب بحريني
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق