توبي ماتيسن: الخليج الطائفي مقابل الربيع العربي

2013-10-19 - 12:02 م

توبي ماتيسن، فورين بوليسي

ترجمة: مرآة البحرين

كانت المرة الأولى التي زرت فيها المنطقة الشرقية في العام  2008، كنت في رحلة عمل ميداني. سافرت عبر السكك الحديدية التي بناها الأميركيون للملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، وذلك كرد جميل له مقابل حق استكشاف احتياطيات النفط السعودي. غادرتُ ناطحات السحاب البرّاقة والشوارع المزدحمة في العاصمة الرياض ووصلت إلى الهفوف  في واحة الأحساء، التي تشكل الى جانب القطيف مركزًا رئيسيًا للشيعة في المملكة العربية السعودية. في هاتين المدينتين والقرى المحيطة بهما، بعض الشوارع الفرعية فيهما بلا رصيف، والمراكز القديمة في المدن متفسّخة، ومستوى البطالة مرتفع بين الشباب. فعلى مدى عقود، اشتكى الشيعة أيضًا من التمييز الطائفي في الممارسات الدينية والوظائف الحكومية والنظام القضائي وكل منها تساهم في تعزيز الشعور بأنهم يُعامَلون كمواطنين من الدرجة الثانية.

وفي أوائل عام 2011، عند مواجهة التحديات السياسية المتزايدة، استنفرت دول الخليج – البحرين والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص – طائفيًا من أجل قمع المطالب الداخلية الداعية إلى الإصلاح، وهي استراتيجية أعمل على تحليلها في كتابي الأخير" الطائفية في الخليج: البحرين والمملكة العربية السعودية، والربيع العربي الذي لم يحدث". شاهدت بأم عيني كيف انكشفت رواية "التهديد الشيعي"، كنت واقفًا في دوار اللؤلؤة (المتهدّم الآن)في العاصمة البحرينية المنامة في منتصف شباط/ فبراير 2011. في البداية، تدفق عشرات الآلاف من المحتجين، والذين كان أغلبهم من الشيعة، (ومعهم أيضا بعض السنة) إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح السياسي. وبعد طرد المتظاهرين في المرة الأولى، تحول جزء من الحراك الاحتجاجي إلى تطرف، وصار يطالب بالإطاحة العائلة الحاكمة. يشكّل الشيعة الأغلبية السكانية في البحرين( ما بين 60% و 70%) فيما الأسرة الحاكمة من السنة، وبالتالي فإن الأسرة الحاكمة استخدمت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية في محاولة لتصوير ذلك على أنه انتفاضة " طائفية " لطائفة ضد أخرى.

وفي سياسة مشابهة لسياسة الرئيس بشار الأسد في سوريا، تسعى استراتيجية الاستقطاب الطائفي إلى نزع الشرعية عن المعارضة وتخويف أهل السنة الأقلية من نظام سياسي بديل محتمل وإلى تعزيز الولاء التّام للعائلة الحاكمة. وبعد شهر من بدء الاحتجاجات في 14 آذار/ مارس 2011، تدفقت القوات السعودية عبر الجسر الذي يربط المنطقة الشرقية في السعودية مع البحرين.وفرض ملك البحرين السلامة الوطنية، وبدأت حملة من الاعتقالات والتعذيب والفصل الجماعي و القتل التعسفي، وهي موجهة بصورة خاصة ضد أفراد الطائفة الشيعية.

وفي الوقت نفسه، أخذت وسائل إعلام الإمبراطورية السعودية، التي تسيطر على الكثير من وسائل الإعلام العربية، تسرد الرواية البحرينية وتتهم كل الشيعة في دول الخليج بالتخطيط لانتفاضة بإيعاز من إيران. وكانت هذه الرواية موجهة بشكل خاص ضد شيعة البحرين وشيعة السعودية الذين يشكلون ما بين مليونين الى ثلاثة ملايين يتركزون بصورة خاصة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط. ومتفاعلين عاطفيًا مع انتفاضة البحرين، بدأ الشيعة السعوديون احتجاجهم الخاص وكانوا السعوديين الوحيدين الذين خرجوا إلى الشوارع عندما دعت مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية إلى فصل السعودية عن الربيع العربي الذي عمّ المنطقة في آذار/ مارس 2011. وقد نزل سعوديون آخرون منذ ذلك الحين إلى الشوارع للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين ولكن حركة الاحتجاج في المنطقة الشرقية فشلت إلى حد كبير في الامتداد إلى باقي أنحاء البلاد.

وبدلًا من مواجهة المظالم الحقيقية لمواطنيها الشيعة أو إقامة بعض الإصلاحات السياسية، كما كان يطالب المحتجون البحرينيون، ردت دول الخليج بـ "قبضة من حديد"، كما وصفت وزارة الداخلية السعودية ذلك. وقادت دول الخليج ثورة اقليمية مضادة ونشرت خطاب الكراهية الطائفية البغيض الذي يُقَولِب خطاب وأعمال المتمردين في سوريا، وفي الوقت نفسه يمنع الشيعة والسنة في الوطن من التوحد في دعوات الإصلاح. وقد أدت شيطنة دول الخليج للشيعة إلى "خليج طائفي " افتراضي.  حيث يتم تهميش الشيعة المحليين (والشيعة الأجانب مثل شيعة لبنان أو الشيعة في جنوب شرق آسيا) بصورة جماعية، ووصفهم بأنهم طابور خامس. وقد أدى هذا إلى انهيار النسيج الإجتماعي الطائفي في منطقة الخليج وخارجها، فالعديد من الإسلاميين السنة في الخليج يمولون المتمردين في سوريا، بينما ينصب ولاء الكثيرين من الشيعة في الخليج لصالح نظام الأسد وحزب الله. وأصبحت سورية مركزًا لصراع آخر بالوكالة، وهو ما يشكل سابقة خطيرة للعلاقات بين السنة والشيعة في منطقة الخليج وخارجها.

إذا كانت دول الخليج حقًا تشعر بالقلق إزاء ولاء رعاياها الشيعة، فينبغي أن تقبلهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. وتُنَفّر سياسة التنميط والعقاب الجماعي الحالية الكثير من شيعة الخليج وتؤدي بمجموعات صغيرة من نشطاء المعارضة مرة أخرى إلى إنشاء علاقة مع إيران، وهي علاقة كانت قائمة بعد الثورة الإيرانية عام 1979 وتُوّجت إلى حد كبير بعد عودة معظم المعارضين الشيعة الخليجيين من المنفى خلال التسعينات. وفي حين أن إيران ليس لديها مثل هذا التأثير على الحركات السياسية لشيعة الخليج الذي كان لديها في الثمانينات، والشيعة في الخليج لا يحتجون بسبب التقارب مع إيران، فإن هناك دلائل على أن إيران وحزب الله في لبنان يحاولان مرة أخرى مد يد العون إلى نشطاء المعارضة الشيعية في البحرين والسعودية. إن إعادة اصطفاف بعض جماعات المعارضة الشيعية في الخليج مع الميليشيات الشيعية في إيران أو في المنطقة يأتي رداً على ثورة دول الخليج المضادة الطائفية وقمعها الشرس لأي شكل من أشكال المعارضة. وهذا من شأنه أن يكون نبوءة تحقق ذاتها وينبغي تجنبها.

 إن الاستراتيجية الطائفية لدول الخليج تسلط ضوءًا جديدًا على تغيير الخليج لعلاقته مع الإسلام السياسي و دعمه لانتفاضة جماعة الأخوان المسلمين في مصر. وفي الوقت الذي ترى فيه الحكمة الشعبية عادة دول الخليج كمُرَوّج للإسلام السياسي، فإن لديها علاقة غامضة جدًا مع الحركات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط،، وبخلاف قطر، لا يوجد دولة خليجية تدعم الجماعة العربية السنّية الرئيسية، الإخوان المسلمين، دون قيد أو شرط. وكانت بعض دول الخليج داعمة رئيسية للانقلاب العسكري الأخير ضد الحكومة التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون : وتعهدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت على الفور بمساعدة الحكومة الجديدة بمبلغ يُقَدّر بـ 12 مليار دولار. وكان هذا، في جزء منه، لأن الأجندة الطائفية المعادية للديمقراطية التي تراها هذه الأنظمة على أنها ضرورية لبقائهم لم تناسب الإخوان المسلمين ومؤيديهم القطريين. وكان ينبغي تجنب صعود أنموذج السياسات الإسلامية السنية البديلة مهما كان الثمن ويشبه خطاب الكراهية المُوَجّه ضد أنصار الإخوان المسلمين في مصر ومنطقة الخليج، وشجبهم كعدو، خطاب الكراهية الموجه ضد الشيعة.

ولكن إذا كانت دول الخليج جادة في سعيها للاستقرار الطويل المدى في المنطقة، فينبغي عليها إفساح المكان لإدراج الحركات الإسلامية المؤيدة للديمقراطية في العملية السياسية في الداخل وفي المنطقة على نطاق أوسع. وينبغي للغرب أن لا ينحاز في هذه النزاعات الإسلامية الداخلية (التدخل في العراق عام 2003  كان واحداً من الأحداث الرئيسية التي مهّدت الطريق للانقسام الطائفي الحالي). وبدلاً من دعم المتمردين الإسلاميين السنة في سوريا، وشراء حصص في رواية "التهديد الشيعي" المنبعثة من عواصم الخليج، يتعين على الغرب أن يحثّ حلفاءه في الخليج على الكفّ عن الخطاب الطائفي والتفاوض على عقد اجتماعي جديد. وإلّا، فإن الحرب الأهلية الطائفية التي تمتد الآن على نحو فعال من بيروت إلى البصرة قد تعود لتلاحق دول الخليج ومؤيديها الغربيين.

 

*توبي ماتيسن هو عضو باحث في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في كلية بمبروك بجامعة كامبردج. وهو مؤلف كتاب "الطائفية في الخليج: البحرين والمملكة العربية السعودية، والربيع العربي الذي لم يحدث".

8 تشرين الأول \ أكتوبر 2013 

النص الأصلي 

 



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus