مريم الخواجة و سامية الرازوقي: حذار من الأدوار النسائية الوهمية في العالم العربي

2013-10-31 - 12:30 م

مريم الخواجة و سامية الرازوقي

ترجمة: مرآة البحرين

لقد سمعنا كلّنا القصة من قبل: قد يكون لدى هؤلاء الديكتاتوريين العرب هوس بالسلطة، ولكنهم، على الأقل، في النهاية، يتعاملون مع النساء بطريقة أفضل من الإسلاميين. وينقسم العالم العربي بين دول تعامل النساء بطريقة جيدة وأخرى تعاملهن بطريقة سيئة، مع الإشارة إلى دول تمتد من المغرب إلى قطر لمعاملتها التقدمية المفترضة، عندما يتعلق الأمر بالقضايا النسائية. في الواقع، هذا التبسيط يخفي التفاوت الذي ما زال قائمًا في هذه الدول التي تسمى "تقدمية". هذه الحكومات الاستبدادية تخدع العالم من خلال التباهي بعدد قليل من النساء ذوات المستويات العليا كدليل على موقفها الليبرالي فيما يتعلق بقضايا النساء. ولكن هؤلاء النسوة هن الاستثناء، ولسن القاعدة.

خذوا على سبيل المثال، وزيرة شؤون الإعلام والمتحدثة باسم الحكومة في البحرين سميرة رجب، ففي نفس الوقت الذي يقمع فيه النظام الملكي في البحرين الانتفاضة الجارية، يشير إلى رجب ليؤكد على شموليته وتقدميته. منصب رجب داخل النظام البحريني يشكّل حالة عادية نظراً للطريقة التي تحتضن فيها الدول إجمالاً الأمور النسائية في منطقة الخليج. وبسبب دورها في الحكومة البحرينية، تتحدى رجب الصورة النمطية للنساء الخليجيات، التي تُرَكّز على السلبية الإجتماعية والسياسية والعزلة والخضوع لهيمنة السلطة الأبوية. وفي الوقت نفسه، منصب رجب كمتحدثة باسم الحكومة يمنحها إطلالة وطنية ودولية تستفيد منها أيضًا. ولجعل الأمور أسوأ مما هي عليه، لم تفعل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية شيئاً يُذكَر للوقوف في وجه هذه الرواية المواتية.

عرضت صحيفة ذي ديلي بيست مؤخرًا خيرَ مثال لهذا المبدأ في العمل عبر تقديم مفرط لرجب بقلم سعاد ميخنيت، كاتبة عمود. تتبنى ميخنيت خطابًا ليبراليًا فيما يتعلق بالحالة النسائية في الدولة حيث تعزز التصورات والإشكالية عما يمكن لامرأة عربية و"حرة" أن تجسده، وفي الوقت نفسه، تتجاهل واقع الامتياز والسلطة في بلد يسوده نظام ملكي بشكل مطلق. ومتمسكة بمقاييس التحرر المقولبة والناقصة، تقولب ميخنيت سميرة رجب في قالب المرأة "الشيعية " و"غير المنقّبة" التي تتولّى بيسر منصباً عالياً في السلطة في البحرين. وهي تُرَكّزُ على "صوت" رجب "القوي"، وتشير إلى أنها "مكشوفة الرأس" وأنها لا "تضع الماكياج و"لا تلبس الكعب العالي"." وتُعَلّق ميخنيت على تصور سطحي" لامرأة عربية متحررة" بنفس الطريقة التي تُذكَر فيها ميزات مماثلة لتمجيد شخصيات أخرى سابقة وحالية لنساء في مناصب عليا في المنطقة، مثل أسماء الأسد، وسيدة مصر الأولى سابقًا سوزان مبارك، والتونسية ليلى الطرابلسي والملكة رانيا في الأردن، ولالا سلمى في المغرب من بين نساء أخريات. وهذا هو بالضبط نوع الخطاب الذي يحبّ النظام البحريني أن يُسمِعَه للعالم الغربي.

ولكن الوضع الحقيقي للمرأة في البحرين يتناقض بشكل دراماتيكي كبير مع الصورة التي تهدف ميخنيت والحكومة البحرينية إلى إيصالها. فالآلاف من النساء البحرينيات لا يزلن ضحايا لدولة يوجد فيها تفاوت كبير في الدخل وهي دولة لم تُجرِ أي نقلة حقيقية لتحسين واقعهن اليومي. وعلى الرغم من تصنيف البحرين كبلد ثري، فإن الامتياز والسلطة لا يزالان يتوزعان على أساس طبقي. وقد أصدر مركز البحرين لحقوق الإنسان BCHR تقريرًا يَعرِض فيه مستويات الفقر التي تصيب المجتمع البحريني. ويسلّط التقرير الضوء على أنّ متوسّط دخل أغنى 5،200 شخص في البحرين يبلغ 4.2 مليون دولار. وفي الوقت نفسه، يعيش 200 ألف بحريني في الفقر، أي ما يوازي تقريباً نصف عدد سكان البحرين. ويأتي تفاوت الدخل في سياق لعبة كبيرة تسنّها دولة متسلّطة كالبحرين، حيث أن رؤوس الأموال يحتفظ بها أولئك الموجودون في السلطة.

وليست النساء في مأمن من هذا. فوفقًا لتقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان، والذي تم تقديمه إلى "لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة" (CEDAW) ، فإن النساء [في البحرين] كنّ ضحايا الصراع على السلطة، والاختلافات الطائفية، وسوء إدارة الحكومة، والتوزيع غير العادل للثروة والموارد الوطنية". وعلاوة على ذلك، فإنّهن كُنّ ضحايا القمع الذي تمارسه الدولة، والذي أسفر عن إصابات وحتى عن وفيات، مثل وفاة بهية عبدالرسول العرادي، التي قُتِلَت في 15 آذار/مارس 2011 على يد العسكر البحريني فيما كانت تقود سيارتها - ولم تتم محاسبة أي من المسؤولين عن هذه الجريمة. هذا بالإضافة إلى الاعتقال الحالي للنساء اللواتي يعارضن سياسات النظام، مثل نفيسة العصفور وزينب الخواجة. فالخواجة، على سبيل المثال، تقضي حكمًا في السجن بسبب احتجاجها سلميًا ضد النظام في مناسبات متعددة.

مثل هذه الحقائق تُسَلّط الضوء على أن ميخنيت قد مرّت مرور الكرام على المعاملة السيئة للنساء في دولة البحرين أثناء تصويرها لوزيرة الإعلام في البحرين. وتأتي إرادة صحفيين آخرين بتصديق الحقائق التي تشاركها الحكومة مع وسائل الإعلام بذات القدر من الخطورة. فلقد اكتسبت سميرة رجب سمعة سيئة باعتبارها شخصية تُسوّق الأكاذيب باستمرار وتسعى للدفاع عن القمع العنيف والوحشي للاحتجاجات الجارية في البحرين. وحتى الآن، فشلت ميخنيت في استجواب أي من التصريحات السياسة الرسمية لرجب. ولم تقم بمحاسبة رجب عن دورها المتواطئ في الانتهاكات المُرتَكَبة ضد البحرينيين. هي تُفَوّت الفرصة في فعل ما يُقَدّر للصحفيين فعله.

في مقالها، تشير ميخنيت إلى الخلفية الشيعية لرجب في محاولة للإشارة الى منصب رجب في الحكومة التي كثيرا ما توصف بأنها "حكومة بقيادة سنية." يتهالك النظام لتصوير المعارضة على أنها شيعية، بينما يصور نفسه على أنه منارة للتسامح المتعدد الطوائف. وإشارة ميخنيت مرارًا وتكرارًا إلى أن رجب شيعية أتاحت للحكومة في البحرين ربح نقطة أخرى لشموليتها - في الوقت الذي يكون فيه خطاب الحكومة العادي، في الحقيقة، لا يتقبل الاختلاف. هذا التضليل في الوصف يهدد بتوطيد انقسام سني- شيعي زائف في قلب الثورة البحرينية الجارية.

مقال ميخنيت حول رجب لم يشكّل مفاجأة منذ أن كان لمقالاتها عن البحرين أسبقية في تبني روايات الدولة من دون أي حرج. وبالتأكيد لم يغب هذا عن النظام البحريني، الذي كان قد منحها سابقًا مقابلة مع الملك، وبعد عدة أشهر، مقابلة مع رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة.

ولا تقتصر التغطية الصحفية المبالغ فيها لاحتلال نساء مراتب في الحكومة على البحرين. فالمغرب، على سبيل المثال، هو بلد آخر ذات حكم ملكي وصفته وسائل الإعلام الرئيسية بأنه "تهرّب" من النداءات الواسعة النطاق للتغيير والتي اجتاحت بقية المنطقة. وكالبحرين، اعتمد المغرب سياسات شمول الحكومة للجنسين، والنساء في صفوف الحكومة في كل مكان، فهنّ يتولّين مناصب في البرلمان وفي الوزارة. وقد برزت النساء المتحالفات مع الدولة كشخصيات مرموقة في الصناعات الرئيسية من القطاع الخاص، مثل سلوى أخنوش و ميريام بنصالح شقرون.

ومنذ زواجها من الملك محمد السادس، أصبحت سلمى بناني الوجه النسائي البارز للسياسات النسائية المغربية التي تعمل على تمكين النساء اللواتي في الطبقة الراقية على حساب النساء المهمشات والمحرومات من الطبقات الأدنى. وكزوجة للملك ورئيسة لمؤسستها الخاصة التي تُعنى بمرض السرطان، فإن بناني هي أول زوجة ملك يكون لها هذه الإطلالة العلنية في المغرب، وهي أيضا حاضرة بقوة في الخارج، فهي، على سبيل المثال، تحضر حفلات زفاف الشخصيات الملكية الرفيعة المستوى في أوروبا. و يفسح التركيز الإعلامي على سلمى بناني - باعتبارها امرأة" أنيقة" و"عصرية" - المجال لرواية شمولية تفترض أنه يمكن قياس مستوى التنمية في البلاد من خلال المناصب العليا للنساء فيها. ويخلق مثل هذا الافتراض مساحة للدول الاستبدادية مثل المغرب والبحرين، من بين بلاد أخرى، لاستعراض صورة مركّبة كواجهة تشوّه الحقائق الموجودة في الواقع.

إن أهمية الحفاظ على نهج نقدي تجاه روايات الدولة تبرز أكثر عندما تصبح التكلفة البشرية لتلك الروايات عالية، كما هو الحال في البحرين وأماكن أخرى في المنطقة. وبشكل أكثر تحديداً، يُصبِح من المستحيل تقريبًا معالجة حقوق المرأة عندما تُنتهك العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان الأساسية. وفي الوقت نفسه يتم تقديم زوجات الطغاة والمسؤولين الرفيعي المستوى كنماذج لهذه لاحترام هذه الأنظمة ل"حقوق النساء"، وتبقى هذه التمثيلات المعيبة دون رادع إلى حد كبير.


22 تشرين الأول/اكتوبر 2013
النص الاصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus