عمر المصري: كيف وجّه الربيع العربي ضربة قاصمة للأعوام الذهبية لكرة القدم في البحرين

2013-11-06 - 1:59 م

عمر المصري، موقع غول

ترجمة: مرآة البحرين

عام 2004، عام لا ينساه البحرينيون. في ذلك العام، استضافت الصين أكبر بطولات آسيا لكرة القدم. كان كأس آسيا وكانت البحرين، بجيلها الذهبي من اللاعبين، قد صدمت القارة بأكملها بوصولها إلى الدور النصف نهائي مخيبة بذلك آمال مُشَجّعي الصين واليابان.

ومع استمرار تقدم وصعود كرة القدم البحرينية، التي تضمنت ربح المباريات الفاصلة لكأس العالم لمرتين متتاليتين، لم يكن يبدو أن هناك ما يوقف هذا الزخم من التقدم. ولكن لم يكن ذلك هو الحال، فقد كانت تلك الدولة على وشك أن تُصاب بأكبر أزمة منذ حصولها على الاستقلال في عام 1971.

بعد السقوط المُوَفّق للأنظمة القمعية في تونس ومصر، أغرق الأنصار المناهضون للحكومة والناشطون السياسيون شبكات وسائل الإعلام الاجتماعية برسائل تدعو الى تنظيم احتجاج ومسيرة ضخمة مؤيدة للديمقراطية في 14 شباط/ فبراير 2011 في دوار اللؤلؤة، المُهدّم حاليًا، في البحرين.

ما بدأ أولاً كمسيرات سلمية تدعو إلى مزيد من العمل الحكومي والتحسينات، اتخذ منعطفًا قبيحًا نحو الأسوء. فبعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات، أطلقت القوات الحكومية النار على دوار اللؤلؤة فأسفر عن مصرع أربعة أشخاص و إصابة المئات، وهو اليوم الذي يُطلق عليه اليوم اسم" الخميس الدامي".

بعد تفاقم الأحداث، زاد المحتجون مطالبهم، داعين إلى إنهاء حكم آل خليفة للجزيرة - وهو المطلب الذي لا يأخذه مؤيدو الحكومة على محمل الجد، فنزلوا إلى الشوارع لتنظيم مسيرات مؤيدة للحكومة بالقرب من مسجد الفاتح، أحد معالم البحرين الأكثر شهرة.

وفي خضم كل هذه الاضطرابات والانقسامات، تورطت كرة القدم . وكانت الفيفا قد نادت طويلاً لعدم الربط بين السياسة وكرة القدم ،ولكن ليس في هذه الحالة.

كانت الصور والفيديوهات _التي تُظهر انضمام لاعبي كرة القدم المشهورين مثل علاء ومحمد حبيل وسيد محمد عدنان، وجميعهم شيعة، إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي طالت جميع المنتديات البحرينية ومواقع وسائل الاعلام الاجتماعية -- مثل النار في الهشيم، فقد أثارت غضب من أحبّ هذه الشخصيات ذات مرة ودفعتهم إلى وصفهم "بالخونة " و " المجرمين "، والمطالبة باعتقالهم.

وقد روى فيصل حياة، - وهو صحفي/ناقد رياضي بحريني ومضيف برنامج الأهجوة السياسية " شحوال" وهو من بين الذين ألقي القبض عليهم من قبل الحكومة البحرينية- لكاتب المقال أن "ما كان يحدث، ولا يزال، للرياضيين في البحرين، هو حملة مُنَظّمة من قبل النظام البحريني للانتقام من خلفية هؤلاء الرياضيين الذين شاركوا في الاحتجاجات السلمية المطالبة بالديمقراطية.

" نظرة واحدة على قائمة هؤلاء الرياضيين المحتجزين تكشف عن الانتقام الطائفي البغيض، لأن جميع هؤلاء الرياضيين ينتمون إلى طائفة محددة - الطائفة الشيعية، وهي الأغلبية الشعبية التي تضغط من أجل الإصلاحات الديمقراطية والتغييرات".

في غمرة هذا الغضب، كان علاء حبيل وابن عمه محمد حبيل، مع حارس المنتخب الوطني السابق، علي سعيد، من بين أكثر من 160 شخصية رياضية اعتُقِلَت بتهم تتراوح بين الخطف ومهاجمة عناصر الدورية، وحرق الإطارات، وتوفير الحماية للمطلوبين وقتل شرطي، وحرق منازل وتهم أخرى.

وأوضح فيصل حياة أن " العديد من هذه الشخصيات اعتقلت، واحتجزت دون أي دليل موضوعي ضدها " 

وأضاف أنهم " احتُجِزوا في ظروف تعسفية، وأخذوا قسرًا من ديارهم بغير حق وبدون مذكرة تفتيش، وانتزعت منهم اعترافات مريبة تحت القهر الرهيب و التعذيب النفسي والجسدي، وقد أكد تقرير بسيوني المصدق عليه من قبل النظام هذه الحقائق لاحقًا".

في هذه الأثناء، لجأ سيد عدنان، خوفًا على سلامته، الى أستراليا ، بعد أن قام ناديه السابق، نادي الخور القطري، بإنهاء عقده فجأة، وفي نهاية المطاف انضم الى نادي بريزبان روار الاسترالي. 

وقال عدنان في مقابلة مع صحيفة بريسبان تايمز - والتي وفقًا لمحررها الرياضي فيل لاتن، لم يكن عدنان راغباً في إجراء المقابلة في البداية، بسبب الوضع المشحون والمثير للقلق في الوطن- أن" هذا (الربيع العربي) لم يحدث أبدًا، جميع البلدان طالبت بإسقاط الملك أو الحكومة. كان حالنا صعبًا، كنا نريد إصلاح الحكومة فحسب. كلنا نريد حياة جيدة وهذا كل شيء".

وأضاف عدنان: " لم أذهب الى هناك لأقول:" لأنكم قتلتم ابن عمي، أنا أذهب للاحتجاج "، أذهب لأننا لا نريد أي مشاكل مع بعضنا البعض. لا يهم، سني، شيعي، مسيحي، لا نهتم. نريد فقط أن نعيش كما كنّا في السابق ونحترم الجميع".
بعد الضغوط التي مارستها الفيفا، أُسقِطَت التُّهم الموجهة ضد علاء و محمد، وشخصيات رياضية أخرى، وغادر علاء لينضم إلى نادي الطليعة في سلطنة عمان.

وصرّح علاء بعد اعتقاله في مسقط رأسه في سترة: " خدمت وطني بكل حب و سوف أواصل ذلك بقدر ما أستطيع. ولكن لن أنسى التجربة التي مررت بها، أبدًا. ما حدث لي كان ثمن الشهرة. والمشاركة في تجمع للرياضيين ليست جريمة ".

وكان إيذاء وتعذيب لاعبي كرة القدم والرياضيين البحرينيين مثل علاء موضع تساؤل مع استلام الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة رئاسة الاتحاد الآسيوي، والذي لعب ظاهريًا دورًا كبيرًا في إيذائهم. وقد فنّد الشيخ سلمان هذه الاتهامات.

وقد أوضح جيمس دورسي، خبير كرة القدم في الشرق الاوسط، أنّ "الادعاء هو أن مكتب الشيخ سلمان كان ضالعًا في تسليط الضوء على لاعبي كرة القدم الذين شاركوا في الاحتجاجات، وهو الادعاء الذي كان قد نفاه، ". وأضاف أنّ" تأكيده بأن الرياضة والسياسة شيئين منفصلين هو ضرب من الخيال وهو موقف اتخذه عالميًا المديرون الرياضيون التنفيذيون ويتم تحديه على نحو متزايد. ما هو أكثر صعوبة لمجابهته بالنسبة له هو فشله في التحدث علنًا باسم اللاعبين المعاقبين على خلفية تحقيق( تقرير بسيوني) المستقل المُصَدّق عليه من قبل الحكومة والذي خلص إلى وجود سوء معاملة".

واحتجت عدة منظمات لحقوق الإنسان، من بينها مركز البحرين لحقوق الإنسان وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، على ترشيح الشيخ سلمان في ضوء هذه المزاعم بما في ذلك تقليل رتبة نوادي الدرجة الأولى كالمالكية والشباب ووضعهما في الدرجة الثانية، وهما ناديان شارك بعض لاعبيهم في الاحتجاجات، إلى جانب نواد أخرى.

وعلى الرغم من الصعوبات، قدّم حبيل أداء محترماً خلال الفترة التي قضاها في عمان، حتى أنه تكلّم عن أفكار ساورته عن عودة ممكنة إلى الفريق الوطني في البحرين، عندما سألته عن ذلك صحيفة الشبيبة العمانية.
وقال حبيل:"من هو الشخص الذي لا يفكر بتمثيل بلاده؟ " وأضاف " إنه لشرف لأي رياضي أن يكون جزءًا من وطنه، بغض النظر عن الرياضة التي يلعبها. إلى جانب ذلك، لم أعتزل اللعب كما أفاد البعض. ولكن في النهاية ، الأمر يعود للمدير وعليّ احترام ذلك".

وللأسف، يبدو أن تلك الأماني لن تتحقق مع مرور الفريق بمرحلة انتقالية. عاد علاء مؤخرًا إلى البحرين وعاد الى نادي الصبا، سترة، حيث يُحتمل أن يُكمل ما تبقى من حياته المهنية. بينما عاد سيد عدنان- بعد النجاح الذي حققه في أستراليا وحصوله على مرتبة بطل المذهب واستراحة قصيرة أخرى في الكويت- إلى قطر لتوقيع عقد لمدة سنة مع نادي العربي.

وذكر جون دويردن، مدير قناة ESPNFC أن " اعتقال بعض أفضل لاعبيك ليس بفكرة جيدة، وبما أنّ البحرينيين كانوا يناضلون ليكونوا قريبين جدًا من نهائيات كأس العالم للعامين 2006 و 2010 ، فإن هذا الأمر زاد الطين بلة".
وأضاف دويردن أن"التأهل لنهائيات كأس العالم 2014 أكد أن الفريق يضعف إلى حد ما. ولم تفعل كأس الخليج 2013 شيئًا لتبديد ههذ المشاعر، وهناك طريق طويل أمام المنتخب الوطني. يمكن فقط لبحرين مُوّحّدة أن تحظى بفرصة للنجاح، وفي وقتنا الحالي، لا يزال البلد بعيداً عن ذلك ".

وعلى أمل أن يثبت الفوز الأخير على قطر في التصفيات وتوظيف المتألق أنتوني هدسون كمسؤول للمنتخب الوطني أنهما انطلاقة وبداية جديدة ومنصة اطلاق لمستقبل أكثر إشراقًا على الصعيد الوطني وعلى صعيد هذه الرياضة بشكل عام.

وقال هدسون لكاتب المقال: "أعتقد أن شباب البحرين شباب واعد. لديهم قدرة جيدة، وشخصيات بارزة وروح معنوية. يريدون أن يتعلموا ويتقدموا ".

وتابع هدسون إبداء رأيه الحماسي: "اعتقد أن للبحرين مستقبل عظيم. الشباب المنتصر مثير للغاية وبالتدريب الجيد و التوجيه الصحيح يمكنه أن يصبح متميزًا. هناك عدد من "القضايا" الصغيرة مثل أي بلد آخر، ونحاول دائما التحسن في جميع مجالات حتى يستمر العمل. نجاحنا في دول مجلس التعاون الخليجي كان رائعاّ، واللاعبون عملوا بجد، وأظهروا انضباطًا كبيرًا وتميزًا وكان من دواعي سروري العمل معهم."

لكن، في المقابل، فإن آمال وآفاق الإصلاحات السياسية والمصالحة - بحسب رئيس تحرير صحيفة الوسط منصور الجمري - في " مأزق" سياسي - وتبدو قاتمة وعالقة الى حد ما - مع حكومة تفرض حظرًا على الاحتجاجات وليس لديها كفاءة في تنفيذ " الإجراءات المترافقة " الموصى بها في تقرير بسيوني - لجنة البحرين المستقلة لتقصي الحقائق BICI - والمعطاة من عدد من المنظمات، بما في ذلك المنظمة الأمريكية لحقوق الإنسان والديمقراطية في البحرين ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، واعتقالها واحتجازها المتواصل والدؤوب لرموز المعارضة والمحتجين لقمع المعارضة حتى بسبب أكثر الاتهامات تفاهة.


2 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus