ليندا بيرسون: برقيات ويكيليكس تظهر كيف حازت الولايات المتحدة على حصانة جرائم الحرب

2013-11-09 - 12:27 م

ليندا بيرسون، موقع مجلة غرين ليفت الأسبوعية

ترجمة: مرآة البحرين

أنشِئت المحكمة الجنائية الدولية ICC لمقاضاة الأفراد الذين يُزعَم أنهم ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادات جماعية.

ومنذ بدء المحكمة الجنائية الدولية ICC، اعترضت الولايات المتحدة على احتمال أن يتعرض مواطنوها لنفوذه هذه المحكمة.

وشنّت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن حملة عنيفة لإقناع الدول بالتوقيع على "المادة 98" أو اتفاقات الحصانة الثنائية. ووافقت الدول، التي وقّعت على المادة، على عدم تعريض المواطنين الأمريكيين للمحكمة الجنائية الدولية ICC.

وبين عامي 2002 و2009، تم تنفيذ عقوبات بالدول التي رفضت التوقيع.

وجذبت هذه التكتيكات المستأسدة الإدانة العالمية، لا أقل من أن الولايات المتحدة كانت تسعى لتأمين الحصانة لموظفيها في حين شنّت حرباً غير شرعية وعدواناً على العراق.

وأشارت برقيات ديبلوماسية أمريكية نشرها موقع ويكيليكس إلى أن الجدل الدائر حول الاتفاقات على المادة 98 قادَ الولايات المتحدة الأمريكية إلى التفاوض وتوقيع الكثير من هذه الاتفاقات في الخفاء. ومع ذلك، احتاجت هذه الاتفاقات إلى تصديقها في البرلمان في عدد من البلاد لتصبح قانوناً.

وقد شكّل هذا الأمر مُعضِلة بالنسبة للبلدان التي تسعى إلى الحفاظ على سرية هذه الاتفاقات. وتظهر البرقيات، في بعض الحالات، وجود معضلة لدى الديبلوماسيين الأمريكيين القلقين من أن معارضة هذه الاتفاقات قد تهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.

البحرين

تكشف البرقيات أن حكومة البحرين وقعت اتفاقية سرية بخصوص المادة 98 مع الولايات المتحدة الأمريكية في شباط/فبراير 2003. وبحلول شهر أيار/مايو 2004، أبلغت برقية من السفارة الأمريكية في المنامة بأن خمسة مسؤولين في وزارة الخارجية البحرينية علموا بوجود الاتفاقية.

واستنتجت كل من السفارة الأمريكية والحكومة البحرينية أنّ البرلمان البحريني سوف يقوم برفض هذه الاتفاقية في حالة تقديمها للتصديق عليها. وكانت الحكومة البحرينية تواجه معارضة تزداد يوماً بعد يوم لسياساتها الموالية للولايات المتحدة، كما أن نشر صور جنود أمريكيين يسيئون معاملة السّجناء العراقيين عام 2004 جعل الأنباء عن اتفاقية حصانة سرية أكثر إثارة.

وذكرت برقية في أيار/مايو 2004 أن مسؤولاً في الحكومة البحرينية أخبر الولايات المتحدة أنه " نظراً لإشهار فضيحة سجن أبو غريب في العراق... فإن "حكومة البحرين" لا تملك أي رغبة بإعلام البرلمان أو الشعب بوجود اتفاقية المادة 98".

وذكرت برقية أُرسِلَت في حزيران/يونيو 2004 أن ملك البحرين وعد بإدخال الاتفاق حيز التنفيذ، لكن وزير الخارجية البحريني كان "يكافح لإيجاد طريقة لتنفيذ ذلك من دون التسبب بانفجار سياسي".

بناء على ذلك، دفعت الولايات المتحدة إلى إدخال هذا الاتفاق حيز التنفيذ "من خلال تبادل سري للملاحظات"- اتفاقية تنفيذية لن يوافق عليها البرلمان.

وتشير برقيات من دول أخرى إلى أن هذا التكتيك كان الرد النمطي للولايات المتحدة على مخاوف بشأن المعارضة البرلمانية. وأفادت برقية في عام 2005 عن تعليقات وكيل وزارة الخارجية للحد من التسلح والأمن الدولي، بأن "ثلثي اتفاقية المادة 98 دخل حيّز التنفذ عبر المذكرات الديبلوماسية".

ومع ذلك، قال بعض أعضاء الحكومة البحرينية أن هذه الطريقة ليست شرعية، وأن المفاوضات توقفت. وأبقت الولايات المتحدة على الضغط، رافضة استبعاد فرض عوبات على المساعدات العسكرية إذا فشلت البحرين في التصديق على الاتفاق. 

الضغط يسبب المخاطر 

حذر نائب رئس البعثة في السفارة الأمريكية في البحرين روبرت ستيفن فورد واشنطن من أن هذه التدابير يمكن لها أن تلحق الضرر بعلاقات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية مع البحرين.

وكتب فورد في برقية في آذار/مارس 2004 أن البرامج التي ستتأثر بالعقوبات، التدريب والتعلم العسكري الدولي ومساعدة التمويل العسكري الأجنبي، كانت "مفاتيح لدفع قابلية التبادل لدى القوى البحرينية مع القوى الأمريكية في مثل هذه العمليات".

وفي برقية لاحقة، ذهب السفير الأمريكي أبعد من ذلك، فكتب أنه يجب إعادة النظر بضغوط واشنطن من أجل التصديق الرسمي.

وكتب فورد: "أعتقد أنه يتوجب عليّ أن أخبركم، أنّه برأيي، فإن الضغط من أجل التصديق الرسمي، لديه إمكانات سياسية كبيرة على مضض لتحقيق مكاسب متناهية الصغر".

وقال السفير أنه يمكن الوثوق بالبحرين بعدم تعريض مواطن أمريكي للمحكمة الجنائية الدوليةICC،" لأن القيام بذلك سوف يكون مخالفاً للعلاقة الاستراتيجية الأساسية التي تدعم أمن وبقاء البحرين".

ومن خلال متابعة التصديق، فإن الولايات المتحدة سوف تنجز فقط "صيغة قانونية من دون أي تغيير جوهري حقيقي". ومع ذلك، فإن معرفة الجمهور بوجود هذا الاتفاق "قد تفجر مشكلة سياسية كبيرة، وتجر دعم البحرين لقواتنا العسكرية إلى وسط عاصفة محلية".

وحّر فورد أيضاً من أن "إساءة معاملة السجناء العراقيين في سجن أبو غريب جعلت من مسألة السلوك الإجرامي الأمريكي برمّتها قضية أمريكية ساخنة في البحرين... ومن شأن تسريب اتفاقية المادة 98 المُبرَمة في هذا الوقت وفي هذه الظروف أن يكون قضية مُصَمَّمة خصيصاً لتنزل المعارضة إلى الشارع. 

وكان هذا شيئاً لا يريد النظام البحريني القمعي ولا مؤيده الأمريكي القوي رؤيته.

وأعرب فورد عن قلقه من أن " كل هذا التركيز على العلاقة الأمنية سوف يغري المعارضين السياسيين ويدفعهم إلى محاولة توسيع النقاش ليشمل كل من تنازل عن حقوق البحرين في قضايا مثل اتفاقية التعاون الدفاعي. 

هذا الاتفاق، الذي وقّعته الولايات المتّحدة والبحرين في عام 1991، يعطي للجيش الأمريكي الحق في استخدام قواعد عسكرية بحرينية. وفي تمركز الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين منذ عام 1995، كما أن البحرين هي موطن للقيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية.

وتمّ تمديد اتفاقية التعاون الدفاعي سرّاً من قبل إدارة بوش من عام 2002 حتى عام 2016.

والخطر، من وجهة نظر السفير الأمريكي، هو أن الأنباء عن الاتفاقية السرية حول المادة 98 يمكن أن تجذب انتباهاً غير مرغوب به لهذا الاتفاق، الذي يؤمن الأساس لوجود قوات بحرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وأظهرت تجربة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أن الاتفاقية حول المادة 98 لا يمكن تمريرها بسهولة. فحين تم تقديم الاتفاقية مع الكويت للتصدق في نيسان/أبريل 2007، ذكرت برقية أن "البرلمانيين اعترضوا بشدّة".

وذكرت البرقية أن المعارضين للاتفاق قالوا أنه انتهاك لالتزامات المحكمة الجنائية الدولية تجاه الكويت، وأنه يضع الولايات المتحدة "فوق القانون". وقارن آخرون معاملة مواطني الولايات المتحدة في إطار هذا الاتفاق باحتجاز وتعذيب المواطنين الكويتيين المُعتَقَلين في سجن جوانتانامو. وأعلن المعارضون أنه يجب ألا ترضخ الكويت لبلطجة الولايات المتحدة.

وعندما قدّمت حكومة الأردن موافقتها على التصديق البرلماني في تموز/يولو2005، ذكرت برقية من السفارة الأمريكية في عمّان أن "مجلس النّواب صوّت بأغلبية ساحقة لاستبعاد المادة 98 من جدول أعماله". 

 وذكرت السفارة أنه لم يتم التصديق على الاتفاقية حتى العام التالي، بعد أن قرأ ملك الأردن "قانون مكافحة الشّغب" أمام البرلمانيين.

وعلى الرّغم من توصيات فورد، فإن الضغط على البحرين من أجل تصديق الاتفاق استمر على الأقل لعامين آخرين. ولا توضح البرقيات ما إذا كان الاتقاق على المادة 98 أُدخِل حيّز التنفيذ سواء في البحرين أو في الكويت.

باراغواي 

وواجه الديبلوماسيون الأمريكيون معضلة مماثلة في الباراغواي. إنهم يعتقدون أن السعي لتحقيق اتفاق بموجب المادة 98 يهدد "البيئة المتساهلة" التي تقدمها الباراغواي لتدريبات الولايات المتحدة العسكرية.

وكما البحرين، فإن حكومة الباراغواي أخبرت الولايات المتحدة أن الكونغرس لن يمرر اتفاقية حول المادة 98.

ووافقت الولايات المتحدة على هذا التقدير. وبدلاً من ذلك، دعت السفارة الأمريكية في أسونسيون الحكومة إلى تبادل المذكرات "التي من شأنها أن تعطينا حماية المادة 98 وتسمح ل"حكومة الباراغواي" بمواصلة القول أنها لم تُوَقّع اتفاقية المادة 98، نحن نبحث عن ترتيب ل"عدم الاتفاق" مفتوح على تفسيرات مختلفة".

في حزيران/يونيو 2005، تعرضت حكومة الباراغواي لانتقادات من وسائل إعلام محلية ومن بلدان مجاورة لمنحها الحصانة لجنود أمريكيين يشارون في تدريبات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة والباراغواي لمدة ثمانية عشر شهراً.

ونتيجة لذلك، وافقت كل من الباراغواي والأرجنتين والبرازيل والأوروغواي على إعلان في قمة "ميركوسور" السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية، يقضي بعدم توقيع أي من هذه الدول على اتفاقيات من شأنها تقويض الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدّولية ICC.

في هذه المرحلة، استمرت المفاوضات حول المادة 98 بين الولايات المتحدة والباراغواي على مدى عامين. وأظهرت برقيات أنه عندما أعلن الرئيس نيكانور دوارتي أن الباراغواي لن توقع اتفاقية المادة 98، أخبرت حكومته الولايات المتحدة أنها تبحث عن طرق لإعطاء الولايات المتحدة الحصانة التي تريدها. 

وذكرت برقية أُرسِلت بعد قمة ميركوسور بفترة قصيرة أن "محامي الباراغواي في مفاوضات اتفاقية المادة 98 نقل قلق الباراغواي من أن إعلان (قمة ميركوسور) قد يشكل عائقاً آخر أمام إبرام الاتفاق".

وحذّرت برقية أُرسِلَت في 7 تموز/يوليو القائد العام قائد القيادة الجنوبية الأمريكية (المسؤول عن خطط الطوارئ العسكرية الأمريكية لأمريكا الوسطى والجنوبية) "لتجنب مناقشة شؤون المحكمة الجنائية الدّولية ICC  مع محاورين من الباراغواي" خال زيارته المُرتَقَبة.

وقالت البرقية: " أنت تأتي في وقت حسّاس على نحو خاص، حيث تدعو الصحافة والنشاط السياسي إلى مناقشة جوانب مهمة من العلاقة العسكرية المتبادلة".

"إن البيئة المفتوحة والمتساهلة للتمارين ولنشاطات عسكرية أخرى هنا هي قيّمة للغاية ويُحتَمَل أن تكون ضعيفة أمام الضغوط المحلية والإقليمية". 

وكررت البرقية ذكر قلق السفارة من أن الدفع بالباراغواي إلى مفاوضات حول المادة 98 في أعقاب اضطراب حول الحصانات قد يعرَض للخطر "البيئة الأكثر تساهلاً للتمارين في المنطقة".

وقالت البرقية: "قد نحتاج إلى الانتظار إلى أن تتلاشى ضربات الصحافة غير المواتية لنحصل على جو عام لمعرفة ما هي أفضل الطرق للمضي قُدُماً".

وكانت الباراغواي قد تعرّضت للعقوبات لفشلها في توقيع اتفاقية المادة 98، ولكن، في العام 2006، ألغى الرئيس بوش هذه العقوبات ملوّحاً أنه " من مصلحة الولايات المتحدة القيام بذلك".

 

5 تشرين الثاني/نوفمبر 2013

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus