زوي هولمان: لا تزال الحكومة في البحرين تقمع منتقديها

2013-11-19 - 12:34 م

زوي هولمان، موقع فايس
ترجمة: مرآة البحرين

في ليلة دافئة من ليالي أكتوبر في ضواحي المنامة، عاصمة البحرين، تجمّعت العائلات أمام أحد المكاتب المعاد ترميمها. أخذت تتجول بين متاهات الانفجارات المزيفة وجثث الشمع وغرف التعذيب التفاعلية في ما يسمى بـ "متحف الثورة "- معرض أقامه أعضاء المعارضة لتسليط الضوء على الحقائق الأكثر خطورة لانتفاضة وقمع استنزفا الجزيرة لأكثر من سنتين ونصف السنة.

بدأت الاضطرابات منذ شباط/فبراير 2011، عندما ثار المحتجون- المتأثرون بالربيع العربي في تونس ومصر، فتجمعوا في القرى القريبة من المنامة للمطالبة بمزيد من الحرية السياسية والمساواة للسكان الشيعة. ردّ النظام، الذي تقوده العائلة المالكة في البحرين، بالقوة-- في غارة دامية قبل الفجر على مخيم المحتجين، وقتلت الشرطة أربعة أشخاص وجرحت نحو 300. وهذا بدوره أدى إلى المزيد من دعوات الإصلاح ووضع حد لنظام الحكم الملكي. وبحلول آذار/مارس 2013، قُتل 122 متظاهرًا وفقاً لبعض التقديرات ، وتم سجن وتعذيب عدد كبير من المحتجين لمشاركتهم في أعمال مناوئة للحكومة.

وأوضح أحد حراس المتحف، الذي يتشح بكوفية ويعيد تمثيل مشاهد الاستجواب للجمهور:"نحن لا نسعى لتخويف الناس، وهذه المسألة ليست للترفيه"، وأضاف "نحن فقط نريد ان نعرّف العالم حقيقة الحملة التي يشهدها الشعب البحريني كل يوم."

بعد أقل من 24 ساعة على زيارتي، تم ضبط محتويات المتحف في غارة شنتها الشرطة. الحملة كانت جزءًا من غارة شنتها الشرطة على مقر جمعية الوفاق، أكبر مجموعة معارضة في البحرين (الأحزاب السياسية التي تعارض النظام محظورة عمومًا في البلاد). وقد زعمت الحكومة أن المتحف " يحرض على الكراهية " وفي وقت لاحق استدعت رئيس الجمعية، الشيخ علي سلمان، للرد على الاتهامات الموجهة اليه في إهانة السلطات.

وبعد استجواب استمر ست ساعات، اتهم بيان رسمي علي سلمان بـ " تحقير وتشويه سمعة وزارة الداخلية." وقالت الوفاق ردًا على الحملة التي شُنت على المتحف، بأنها ستقدم شكوى إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير.

وجاءت الغارة في نفس الأسبوع الذي يُفترض فيه بالحكومة والمعارضة - بما في ذلك الوفاق- استئناف" الحوار الوطني" التصالحي. الحوار الذي بدأ أصلاً في شباط/فبراير من هذا العام، كان من المقرر أن تُحرك محادثاته التي طال انتظارها برنامج إصلاح تعتبره العائلة المالكة السنية ردًا على الاضطرابات المدنية. ولكن بعد سبعة أشهر، أنتجت هذه العملية فتنة أكثر من الخطاب.

في أيلول/سبتمبر، وصلت هذه المحادثات إلى طريق مسدود، عندما انسحبت الجمعيات المعارضة احتجاجًا على اعتقال مساعد الأمين العام لجمعية الوفاق، خليل المرزوق، وبعد ان أمضى 38 يومًا في السجن بتهمة التحريض على العنف والإرهاب، تم الإفراج عن النائب السابق في البرلمان في أواخر تشرين الأول/أكتوبر في انتظار جلسة أخرى في 18تشرين الثاني/نوفمبر.

وبعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه قال المرزوق: " قضيتي برمتها هي قضية سياسية، والنظام لم يأخذ أي من مطالبنا في الحوار على محمل الجد، هم ببساطة يلعبون بالوقت ويستخدمون هذه العملية لمنع الانتقادات."
وتعكس هذه التهم الموجهة الى سلمان والمرزوق- الذي استقال من البرلمان عقب أعمال العنف التي مارسها النظام في أوائل عام 2011- معدلات السجن والأحكام القاسية والمظالم الأخرى المرتفعة والواردة في التقارير منذ بدء "الحوار ". وعلى الرغم من بعض الإصلاحات التي طالت قطاع الشرطة العام الماضي، تواصلت الحملة، واستمر حكام البلاد في تأجيل زيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب إلى البحرين إلى أجل غير مسمى.

واصلت السلطات البحرينية أيضا تحصين الدولة الجزيرة من وسائل الإعلام الأجنبية فرفضت دخول الصحفيين ورحّلت واعتقلت أطقم الأخبار العالمية وفي نفس الوقت كانت تنفق عشرات الملايين من الدولارات على شركات العلاقات العامة الغربية لتجميل سمعة النظام في الخارج. وكان العديد من الصحفيين والمدونين البحرينيين قد اضطروا الى الاختباء أو النفي أو خضعوا للتعذيب والسجن. وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش الاعتقالات الجارية واحتجاز الأطفال، الذين تحمل الكثير منهم ظروفاً مروعة أثناء وجودهم في السجن.

وقد تعرضت الحكومة أيضًا إلى انتقادات بسبب استخدامها السخي للغاز المسيل للدموع، فهي تتباهى بأعلى مستوى استخدام للغاز المسيل للدموع للفرد في العالم. وكانت هذه المادة مسؤولة عن الجزء الأكبر من الخسائر البشرية خلال الاضطرابات المدنية المستمرة، وكشفت وثيقة مُسَربة هذا الشهر أن وزارة الداخلية خططت لاستيراد نحو 1.6 مليون عبوة من الغاز، وعلى سبيل المقارنة، هناك فقط حوالي 1.3 مليون نسمة في الجزيرة. ووفقًا للمعارضة، فإن استمرار الاجراءات الصارمة التي تتخذها قوات الأمن تؤكد مدى انفتاح الحكومة غير الصادق تجاه "الحوار".

يقول المرزوق ، الذي جاء اعتقاله بعد كلمة روّج فيها لانتهاج السلوك غير العنيف بين الشباب المتطرفين ،" إنه " بصراحة لم يتغير شيء في موقف السلطات" ويضيف "إنهم يتعاملون مع الناس بلا رحمة ... أولئك الذين ينفذون التفجيرات وأعمال العنف الأخرى باسم الاحتجاجات هم أعداء الشعب البحريني والثورة، ولكن لا توجد طريقة يمكن للشعب بها إجراء حوار تحت هذا النوع من التهديد ".

يمكن بوضوح استشعار الحصار في القرى الشيعية المحيطة بالعاصمة. فالاحتجاجات تتواصل ليلاً، والغاز المسيل للدموع والإطارات المحترقة وقنابل المولوتوف هي جزء من الحياة اليومية. وفي جولة حول سترة، أحد مراكز الانتفاضة، أظهر لي أحد الناشطين المساحات الكبيرة من الجرافيتي (الرسم على الجدران)، حيث يستعيضون عن الشعارات مثل "يسقط الملك" و " هنا سقط الشهداء" بشكل دائم بدعوات أكثر تطرفًا تدعو إلى موت النظام الملكي ورفض أحزاب المعارضة الرئيسية مثل الوفاق.

يوضح المرزوق أن " الناس أصبحوا أكثر تطرفًا. لم يعد الكثير منهم يقبل بالإصلاح [الذي يترك النظام السياسي القائم على حاله] ، بل سيكونون راضين فقط بقيام جمهورية. "

وقد دعا وزراء في الحكومة - ودون تهكم كما يبدو- إلى "نبذ العنف" من قبل جميع الأطراف، زاعمين أن المحادثات تمضي قدمًا فقط إذا كان هناك إجماع حول "نبذ الطائفية، وخطاب الكراهية والإقصاء". وبالمثل، فإن الميثاق الرسمي للحوار الوطني يصف واحداً من أهدافه الرئيسية بأنها "بناء جسور اتصال جديدة بين جميع الأطراف و... إصلاح العلاقات المدمرة."

ورفع تعيين ولي العهد الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة صاحب الفكر الاصلاحي نائبًا لرئيس الوزراء بعد وقت قصير من المحادثات التي افتتحت في آذار/مارس من هذا العام آمال الكثيرين -- بما في ذلك أعضاء المعارضة مثل المرزوق- بأنه سوف يكون هناك شيء من التقدم. منذ أن اعترف ولي العهد -الذي رُحِّب بنفوذه المعتدل مقابل عمه خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء المتشدد- أن مشاكل بلاده تنبع، في جزء منها، من "قضية سياسية".

وأصر مسؤولون حكوميون آخرون - في ترديد لذات الأفكار- أن " الطريقة الوحيدة لجميع الأطراف هي من خلال الحوار". و أكد حلفاء البحرين الغربيون مجددًا دعمهم لجهود الإصلاح المفترض، والتي كان آخرها في اجتماع الشهر الماضي بين ولي العهد ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ. ولكن، مع الأسوار الواقعية التي يجري بناؤها لفصل الشيعة عن السنة في بعض الأحياء، ومع استمرار الحكومة في استهداف قادة المعارضة المعتدلين ومع الاعتقالات والمحاكمات، فإن الشك هو المزاج السائد.

وقال توبي ماتيسن - وهو عضو باحث في جامعة كامبردج ومؤلف كتاب نُشِر مؤخرًا عن الانتفاضات العربية ذات صلة بالربيع العربي في منطقة الخليج:" لا أستطيع أن أرى أي بوادر تقدم إيجابية في البحرين في الوقت الراهن، المتشددون في العائلة الحاكمة أصبح لهم مجدداً اليد العليا ولم يكن هناك ضغط كافٍ على السعوديين للقيام بأي شيء على نحو مختلف. ولم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات تخص البحرين، وأنا لا أرى أن ذلك يتغير."

لا يزال لدى ماتيسن بعض الأمل في غلبة الطابع السلمي للانتفاضة. "من المهم أن نرى أن الصراع لم يأخذ حقًا مسارًا عنفيًا"، قال لي إنه "بعد سنتين ونصف السنة، كان يمكن أن يصبح هناك حرب أهلية طائفية، ولكن من اللافت جدا أن المعارضة قررت إلى حد كبير عدم استخدام العنف".

في مناخ متزايد من العداء وانعدام الأمن، الهدف الأساسي الآن هو جلوس مختلف الأطراف إلى طاولة واحدة، ولكن - في الوقت الراهن - يبدو بشدة أن ذلك غير محتمل. وأضاف ماتيسن ان "البيئة الآن ليست مهيأة للحوار"وأضاف أن "استهداف الوفاق في الأسابيع الأخيرة يبعث على القلق حقًا. لقد قدموا مطالب معقولة حتى الآن، ولكن لن يقبلوا أن يُعتقلوا في الصباح ويذهبوا إلى الحوار بعد الظهر."


14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013
النص الاصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus