براين دولي: مانديلا، الولايات المتحدة والبحرين

2013-12-07 - 10:39 ص

براين دولي، هافينغتون بوست، هاف بوست وورلد

ترجمة: مرآة البحرين

عندما بدأت كلمات تأبين نيلسون مانديلا بالظهور بدأت معها اللحظة المثالية للتأمل في كيفية رد الولايات المتحدة على دعواته المطالبة بإنهاء سياسة التمييز العنصري.

كنت في أوائل الثمانينات أعيش بشكل غير شرعي في مدينة " بلاك أونلي"( للسود فقط) في مقاطعة ماداديني في أفريقيا الجنوبية. كان الناس في المقاطعات يدركون جيدًا أن الحكومة الأمريكية تدعم هذا النظام العنصري وأنها غير مستعدة لاستحضار العواقب المناوئة لهذه الدكتاتورية. لقد غذّت معاداة هذا الشعب للأمريكيين لأنهم شعروا أن الولايات المتحدة ليس فقط ليست الى جانبهم ولكنها كانت تتواطأ لقمعهم أيضًا.

بعد عدة سنوات غيّر الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس السياسة الأمريكية تجاه جمهورية جنوب أفريقيا، وأدانوا سياسة التمييز العنصري بما فيها من ضرر، وبدأوا بإصلاح سمعة الولايات المتحدة في ذلك البلد، وفي أنحاء القارة الإفريقية.

واليوم، كما في تلك الأيام القاتمة لسياسة التمييز العنصري، تعمل الأنظمة القمعية على سجن ومضايقة ناشطي حقوق الإنسان، الورثة الروحيين لمانديلا. وكما فعلوا منذ نصف قرن من الزمن، فإن لدى واضعي السياسات الأميركية اليوم الخيار: هل ستقف الولايات المتحدة إلى جانب الظالمين أو إلى جانب من يطالب بحقوقه الإنسانية؟

كسر الرئيس كارتر سياسة الولايات المتحدة المتوارثة وواجه بريتوريا، منتقدًا علنًا سياسة التمييز العنصري وداعمًا حظرًا كانت الأمم المتحدة قد فرضته على الأسلحة. ولكن عندما تولى ريغان الرئاسة، أعاد تنصيب سياسةً محترمةً وأعطاها اسم: المشاركة البناءة. كانت الفكرة أن الولايات المتحدة ستعمل من وراء الكواليس مع المعتدلين أصحاب السمعة الطيبة في حكومة التمييز العنصري وأن من شأن تلك العلاقات الاقتصادية أن تُحفز الإصلاح السياسي. ولكن فعليًا، لقد أعطت المشاركة البناءة الرخصة لنظام التمييز العنصري للقيام بكل ما يريد أن يفعله طالما أنه يؤيد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
في منتصف الثمانينات، عندما كنت أعمل في التشريعات المناهضة للتمييز العنصري مع السناتور تيد كينيدي، كثيرًا ما سمعت الأعذار المزعجة الصادرة عن مسؤولين في الإدارة الأميركية حول كون الانتقاد العلني لجمهورية جنوب إفريقيا فكرة سيئة. نعم، قالوا، أن جنوب أفريقيا في بعض الأحيان كانت حليفًا محرجًا، ولكنها قدمت الاستقرار وحمت المصالح الأمريكية، وأن الانتخابات الحقيقية قد تجلب ما هو أسوأ. وتحدثوا عن الحاجة إلى الاصلاح، ولكن بخطى بطيئة وحكيمة.


واصل الرئيس ريغان دعم نظام سياسة التمييز العنصري حتى عندما تصاعدت الضغوط المحلية والدولية، وحتى عندما ألقى رئيس جنوب إفريقيا بيتر بوتا "خطاب روبيكون" المخجل عندما قال أن حكومته لن تقبل أبدًا رجلاً واحداً وصوتاً واحداً. في عام 1986، اعترض ريغان على قانون مكافحة التمييز العنصري الشامل، الذي من شأنه فرض عقوبات اقتصادية على جمهورية جنوب أفريقيا، إلا إذا لبّت خمسة شروط. وكان الإفراج عن مانديلا واحدًا من هذه الشروط.

ولكن بعد ذلك حدث شيء غير عادي. هيمن الجمهوريون، بقيادة نانسي كاسيباوم عن ولاية كانساس، وانضم إليهم أعضاء من مجلس الشيوخ الديمقراطي لإبطال حق النقض الفيتو، واضعين سياسة الولايات المتحدة في مصلحة حقوق الإنسان. وكانت هذه هي المرة الأولى في القرن العشرين التي يبطل فيها الكونغرس حق الفيتو بشأن قضية تخص السياسة الخارجية.

وضع قانون مكافحة التمييز العنصري حكومة الولايات المتحدة في الجانب الصحيح من التاريخ وألغى بعض الضرر الناجم عن تحالفها مع الحكومة العنصرية في جمهورية جنوب أفريقيا. واليوم هناك حاجة ماسة إلى الإجراءات التي تدعم كل الناشطين الشجعان في مجال حقوق الإنسان وتحسين سمعة واشنطن في منطقة الشرق الأوسط التي رأى مواطنوها دعم الولايات المتحدة الطويل للطغاة.

وللأسف، عندما أتحدث مع بعض المسؤولين في إدارة اوباما عن البحرين أو المملكة العربية السعودية أسمع نفس الحجج - وحتى نفس العبارات. يقولون أنه من الأفضل ممارسة الضغوط من "خلف الأبواب المغلقة" لأن الانتقادات العلنية تأتي بنتائج عكسية، وأن تلك الحكومات "لا تستجيب للتهديدات. "حتى أنني سمعت البعض يستخدم مصطلح المشاركة البناءة لوصف نهجها في التعامل مع الحكام المستبدين اليوم. وعند بعض المسؤولين الأميركيين، لا تزال الفكرة المريبة- على نحو يمكن إثباته- التي تقول بأن العلاقات الاقتصادية القوية سوف تنتج الإصلاح السياسي عقيدة راسخة لديهم.


قد لا تكون المقاطعة الاقتصادية للأنظمة الاستبدادية دائمًا النهج الأفضل، ولكن التملق للطغاة هو دائما الأسوأ. ينبغي للمسؤولين الأمريكيين التفكير في مسلك مانديلا والتفكير في السجناء السياسيين اليوم. مثل مانديلا، فناشطو اليوم مُتهمون من قبل السلطات بأنهم إرهابيين. ومثل مانديلا، قد يأتي يوم ما ويصبحون قادة حكوماتهم.

لطالما استهزِئ َبالحركات المؤيدة للديمقراطية والكرامة الانسانية لأن رجلاً كمانديلا ليس في صفوفها. التقيت بمانديلا وأوافق الرأي القائل بأنه مع تألقه وتأثيره الأخلاقي الواضح، لا يوجد له شبيه. ولكن في مختلف أنحاء العالم هناك الآلاف من الناشطين الشجعان والمضطهدين الذين يستحقون الدعم من الولايات المتحدة.

 

5 كانون الأول/ديسمبر 2013
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus