كوين ماتشيم: صفقة الحكم المتصدعة في البحرين: التعبئة السياسية، ردود النظام، والطائفية الجديدة

2013-12-09 - 1:55 م

كوين ماتشيم، موقع آي إس إن
ترجمة: مرآة البحرين

في سياق الانتفاضات العربية في عامي 2011 و 2012، تعرضت صفقة الحكم الواهية والمثيرة للجدل في البحرين للضغط الشديد وتطورت بسرعة إلى مواجهة سياسية عالية الخطورة، تخللتها فترات من صنع القرار السياسي من جانب واحد ومظاهرات القوة المتعددة الأطراف. وعلى الرغم من أن البحرين قد شهدت ولفترة طويلة تناقضاً سياسياً بين النخبة الحاكمة السنية والمعارضة ذات الأغلبية الشيعية، فإن أحداث عامي 2011- 2012 برزت بسبب حدة التعبئة الشعبية واعتماد الدولة على القمع العنيف والتحول المتنامي من المظالم الاقتصادية والسياسية إلى الصراع الديني الطائفي. وفي الوقت الذي بقيت فيه السلطات الحاكمة في البحرين في السلطة في فترة لم يحالف فيها زعماء عرب آخرين الحظ، فإن المستويات الملحوظة للتعبئة الشعبية والتأطير الطائفي للصراع في عامي 2011 و 2012 قد غيرا بشكل كبير من طبيعة صفقة الحكم في البحرين .

وقد لاقت صفقة الحكم المثيرة للجدل في البحرين تحولًا مزلزلًا في سياق النشاط السياسي الإقليمي الأوسع، وذلك لعدة أسباب. أولاً، تاريخ الانقسامات الاجتماعية والدينية المتفاقمة في البحرين جهز السكان للتعبئة الجماهيرية المناوئة للنظام القائم، في حين انخفضت تكلفة القرار الجماعي. وقد أدى هذا إلى مستويات دراماتيكية من التعبئة الشعبية، بما في ذلك المستويات الأعلى لنصيب الفرد من الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي. ثانياً، خلقت تجارب الناس مع الإصلاح السياسي في العقد الماضي من الزمن إطاراً تأسيسياً وفكرياً يمكن من خلاله تأطير المطالب الشعبية المناوئة للنخبة الحاكمة، فيما فشل هذا الاصلاح في إتاحة التواصل الفعال وحل المظالم من خلال مؤسسات الدولة. وقد خلقت هذه توقعات غير منطقية للحوار السياسي الذي من شأنه أن يؤدي إلى رفض البعض لصفقة الحكم تمامًا. ثالثاً، لعب النظام استراتيجية مختلطة من التنازل والقمع، والتي عملت في وقت واحد على تسريع التوقعات الشعبية والمبالغة في المظالم الاجتماعية والسياسية. وقد أخفقت المتناقضات الاستراتيجية ضمن سلوك النخبة الحاكمة في خلق الثقة الشعبية بأنه لا يزال يُعمَل بالقواعد العادية للسياسة البحرينية. وأخيراً، صغر حجم البحرين والوضع الاستراتيجي بين السنة والشيعة المتناحرين على مراكز السلطة خدم المزيد من المشاركة السياسية الجماهيرية النشطة وزاد من المخاطر السياسية المتصورة لِما كان يمكن اعتباره على نحو مختلف اقتتالاً داخلياً .

منذ بدء الانتفاضة، استخدم النظام البحريني استراتيجية مختلطة من القمع والتنازل لاحتواء التحدي المتمثل في التعبئة الشعبية الجماهيرية. فقد عمل النظام نوعاً ما على قمع المعارضة بشكل ممنهج (إسكات وسائل الإعلام، القيام باعتقالات واسعة النطاق، منع الاحتجاجات واستخدام العنف ضد الناشطين السياسيين)، ولكنه قدم أيضًا عددًا من التنازلات المحدودة (إطلاق سراح السجناء السياسيين وإنشاء لجنة تحقيق مستقلة والدعوة للحوار) التي أظهرت رغبة الحكومة في العودة إلى شكل من أشكال صفقة الحكم التي تستند إلى الموافقة الشعبية بدل القمع. وقد كان لهذه الاستراتيجية المختلطة الشاملة ولكن القمعية بطريقة غير متناسبة تأثيرين رئيسيين على المعارضة البحرينية. فقد أدت إلى قطيعة كبرى بين الحكومة وقوى المعارضة-- الشيء المختلف نوعيًا عن النزاعات السابقة بين النظام ومعارضيه. وبالمثل، فقد قُسِّمت المعارضة بين أولئك الذين يستفيدون أكثر من تنازلات النظام (في المقام الأول المعارضة السنية) وأولئك الذين يعانون من أسوأ أنواع قمع النظام (جماعات المعارضة الشيعية الرئيسية) .

وقد اتخذ هذا التنافس السياسي في البحرين طابعًا طائفيًا متزايدًا مع مرور الوقت، على الرغم من الرغبة الصريحة لبعض الجماعات المعارضة الرئيسية في تأطير الصراع بإطار سياسي بدل الإطار الديني الطائفي. بعض أسباب هذه الطائفية المتزايدة هي بنيوية، وبعض الأسباب الأخرى تستند الى الخيارات الاستراتيجية لأعضاء النخبة الحاكمة. أما الأسباب البنيوية فهي تشتمل على الطابع السني الذي يغلب على قوات الأمن البحرينية، بما في ذلك وجود العديد من السنة الأجانب المُجَنّسين الأمر الذي استاء منه الكثيرون في الطائفة الشيعية في البحرين. وقد لعب التنافس السعودي الإيراني أيضا دورًا في تأطير الصراع بإطار طائفي. وعلى الرغم من أن المحتجين الأوائل قد تجنبوا الإشارة إلى الهوية الشيعية الأوسع، فقد أدى التنافس الإقليمي بين القوتين على البحرين ببعض المشاركين إلى فهم الصراع في البحرين ضمن هذا السياق الأوسع.

والأهم من ذلك، سعى النظام البحريني نفسه إلى تصوير التعبئة الشعبية على أنها تهديدٌ مستوحى من إيران ومناوئ للهيمنة السنية في المنطقة. وكان الانقسام الحاسم في ائتلاف الاحتجاج الأصلي واحدًا من تأثيرات التأطير الطائفي للصراع ، والذي أفقد الجماعات الشيعية عدداً من حلفائها السنة الأصليين. وقد سهّل هذا من بقاء النظام في السلطة على المدى القصير، ولكنه أدى إلى تمزق طويل المدى في صفقة الحكم والتي من الصعب للغاية إصلاحها. فالدعم المُمَنهَج للانقسام الطائفي على مدار عام 2011 حرم المعارضة البحرينية من بناء التحالف اللازم لإجبار النظام على الاستسلام، كما حدث في نهاية المطاف في تونس ومصر. وحتى ضمن الجماعات الشيعية، انقسمت المعارضة حول ما إذا كانت الأسرة الحاكمة قد فقدت مصداقيتها إلى الأبد من خلال دعمها للقمع العنيف، أو ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك دور مستمر لآل خليفة في الحكم. درجة الانقسام في المعارضة جعلت من الصعب تحقيق حل تفاوضي على نحو متزايد، ومكّنت النظام في الحفاظ على السلطة في ظل ظروف متوترة. وعلى الرغم من استمرار الضغط الشعبي، فقد سمحت الانقسامات في المعارضة للنظام بتجنب أي خطوات واضحة نحو حل تفاوضي.

نجا النظام الملكي البحريني حتى الآن من التحدي الشعبي الملحوظ ضد صفقة الحكم السائدة، ولكنه فعل ذلك من خلال اتخاذ قرارات قصيرة الأجل (قمع وتقسيم المعارضة) والتي من شأنها أن تجعل من الصعب جدًا الحفاظ على صفقة الحكم المتوارثة على المدى الطويل. فمن خلال زيادته لمستويات الغضب والخوف، عمّق رد فعل النظام على الانتفاضة الانقسامات الاجتماعية داخل البحرين، مما يجعل التحديات الاجتماعية والسياسية التي طال أمدها أكثر شدة مما كانت عليه. فاستخدام القمع قد جعل أيضاً الملك في مأزق، حيث أنه لا يمكنه الآن أن يتحول إلى استراتيجية تصالحية ويظل يحمي المصالح المحسوسة للأسرة الحاكمة. ولأن أحداث عامي 2011- 2012 قد زادت من المشاعر الشعبية المناوئة للنظام الملكي، فإن افساح النظام السياسي في الحقيقة سوف يضع حتمًا مطالب قاسية وغير مرحب بها على عاتق النظام الملكي. وفي نهاية المطاف، فإن حصول تقدم في البحرين يتطلب تنازلات سياسية صعبة تنشأ من خلال تصرفات أصحاب المصلحة المحلية معًا. وإذا لم يحدث ذلك من خلال القيادة السياسية المحلية، فمن المرجح أن يضطر أصحاب المصلحة الدوليون إلى تحديد شروط حل سياسي.

 

5 كانون الأول/ديسمبر 2013
النص الاصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus