خليفة بين سلمان والتعويل على الحلف الاستراتيجي السلفي الجهادي

2013-12-12 - 7:26 م

مرآة البحرين (خاص): وفق معايير السياسة، لا يمتلك رئيس الوزراء الذي شارف على العقد الثامن من عمره، أي سند شرعي في منصبه. لا يمتلك غير الإرث العائلي وقوته في إحكام القبضات الأمنية وفرض الإكراه والعسف كوسائل ناجحة تضمن بقاءه على سدة الحكم.

فموقف جميع الأطراف الأخرى الصريحة والمخفية هي أن الرجل لم يعد صالحاً للاستخدام، وعليه أن يسلم السلطة طوعاً ويرحل عبر صفقة الخروج الآمن، على غرار عبدالله صالح أو زين العابدين، وإلا فإن مصيره هو مصير قدوته التاريخية صدام حسين، وفي أفضل الأحوال زميله في العنف السياسي حسني مبارك.

قبل انطلاق ثورة 14 فبراير، كان خليفة بن سلمان يبحث عن دابة تعيد له سطوته ومجده المسلوب من قبل جناح الخوالد. ذلك الجناح الصاعد والمنطلق من الديوان الملكي، وبفعل تصاعد أحداث الثورة والرغبة السعودية في قمع الثورة والقضاء عليها تقاطعت مصالح الجهات الثلاث ( الخوالد/ خليفة بن سلمان/ نايف بن عبد العزيز) وتم تشكيل حلف استراتيجي مطعم برؤية سلفية جهادية قوامه مناهضة لأي تغيير ديمقراطي، أو إعادة ترتيب أوراق القوة في دول المنطقة.

 استطاع هذا الحلف أن يُنجز الجانب الأمني ويدفع بقوات عسكرية سعودية وقوة استخباراتية خليجية للسيطرة على البحرين وحصار ثورتها، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في فرض رؤيته السياسية، لا على قوى الثورة في البحرين فقط بل حتى إقناع الحلفاء والمشاركين في رسم السياسات الإستراتيجية كالولايات المتحدة الأمريكية وأوربا.

 التقارير والدراسات الخاصة بالخارجية الأمريكية تؤكد وبشكل قاطع على أن بقاء خليفة بن سلمان رئيسا للوزراء، والسماح للديوان الملكي بتعظيم نفوذه، يعيق أي تقدم ديمقراطي حتى على الطريقة الأمريكية، فضلا عن الحقيقة الديمقراطية التي تطالب بها قوى المعارضة البحرينية. 

في مايو 2011 ويوليو 2011 كتب (كنيث) تقريرين   سياسيين عن أوضاع وأفق الحل في البحرين، حمل فيها مسئولية التعقيد السياسي لبقاء خليفة بن سلمان في منصبه وذهب في توصياته إلى سحب الأسطول الخامس في المدى القريب إذا ما بقي الأخير في منصبه. 

خليفة

أما ولي عهد ملك البحرين فقد تلقى ضربة مؤلمة أطاحت به وبمشروعه المدعوم أمريكيا وغريبا، وفضل العزلة والعمل من تحت الطاولة علّه يستعيد بعضاً من بريقه الذي خطفه الأخ غير الشقيق ناصر، وسط تحذيرات واضحة لعزله وتسليم منصب ولاية العهد لناصر بن حمد بدلاً من سلمان بن حمد.

منذ يوليو 2012 والمفاوضات السرية تدور حول اجتراح حلول سياسية للأزمة في البحرين، برعاية السفارة البريطانية. وصلت في بعض فتراتها لمراحل متقدمة، لكنها مُنيت بالفشل كونها لم تقدم حلاً لبقاء منصب رئيس الوزراء منصبا محتكراً ووراثياً.

يسعى خليفة بن سلمان لتوريث المنصب لأحد أبنائه الذين يصطحبهم معه في الحل والترحال، عله يثبت أحد منهم كوريث سياسي لفرعه في العائلة الحاكمة المتضخمة عدديا ومطلبيا. 

قوى المعارضة تصر على تضمين أي اتفاق أو تسوية سياسية ما يخص تداول السلطة ورحيل رئيس الوزراء عن السلطة، في حين الرؤية البريطانية ومعها أمريكا، تؤيدان ترحيل هذا المطلب لمرحلة متقدمة من التسوية السياسية حيث يمكن البدء بإطلاق سراح المعتقلين وتعديل الدوائر الانتخابية بما يضمن تمثيل قريب من العدالة الانتخابية، وبذل مزيد من التمثيل الحكومي لقوى المعارضة، لفترة تتراوح بين 3-5 سنوات. بعدها يصار لتعديلات دستورية تتفق والتوافق على أسس تشكيل الحكومة شعبيا.

قوى المعارضة لا تؤيد هذه التسوية، لكنها لم ترفض النقاش حولها، وهو نقاش استمر لأكثر من أربعة أشهر، توقف الحديث عنها بعد قيام خليفة بن سلمان بشن حملة أمنية عنيفة ضد الحراك السياسي بجملته. وجاء تفجير الرفاع في يوليو 2013 كمدخل أمني يسطع فيه نجم رئيس الوزراء مجددا. 

وقتها قدمت حكومة رئيس الوزراء خطة أمنية شديدة العنف ضد كل الشخصيات المعارضة بما فيها الجمعيات السياسية، وفرض نوع من الأحكام العرفية قدمته لدول مجلس الأمن في الأمم المتحدة، تم فيها اتهام المعارضة الشيعية بالوقوف وراء التفجير. 

التسريبات الأمريكية والمخابراتية الأخرى كشفت أن من يقف وراء تفجير الرفاع هو جهة سلفية مرتبطة بالديوان الملكي، وأن تحميل المعارضة أو أي فصيل منها هو ضرب من التخبط السياسي والأمني، وهو ما دفع بأعضاء مجلس الأمن لرفض الخطة الحكومية في حصار وقمع الحراك السياسي. وبفعل تداخل المصالح العسكرية والاقتصادية نجحت الدبلوماسية السعودية في التوصل لصيغة أقل عنفا لكنها أكثر إحكاما، وتولى خليفة بن سلمان مرة أخرى قيادة المرحلة لإثبات أمرين أساسيين هما:

أولا: مقارعة جناح الخوالد بالتحديد، وإثبات عجزه عن إنهاء الأزمة التي سلّم ملفها إليه بقيادة المشير، حيث أكد رئيس الوزراء على أن الإجراءات التي سوف يقوم بها ستنهي التوتر الأمني نهائيا وتحاصر العمل السياسي بغية إضعافه وإجباره على لتراجع لما قبل 14 فبراير 2011.

ثانيا: الاستقواء بالحليف السعودي وإعطائه أوراق تفاوضية يمكن استخدامها في الساحات العربية مثل مصر وسوريا والعراق بالتحديد.

وخلال فترة قصيرة جدا أصدر الملك مرسوما باجتماع المجلس الوطني وإقرار القرارات التي تقدم بها خليفة بن سلمان، على شكل مراسيم ملكية وفي الوقت نفسه ترأس خلية إدارة الأزمة طوال الأربع وعشرين ساعة حيث يعقد اجتماعيا أمنيا في مبنى القلعة صباح كل يوم، يحضره القادة الأمنيون وممثلو القضاء، وذلك لوضع قرارات وأحكام كل يوم بيومه، بعده يتوجه لاجتماع مجلس الوزراء في مبنى الحكومة، وتقوم الغرفة الخاصة بالإعلام بإصدار البيانات والتصريحات النارية بشكل مباشر، تصل لثلاث تصريحات يوميا. 

خلال الفترة من أغسطس 2013 إلى سبتمبر 2013 صدرت أشد الأحكام القضائية منذ انطلاقة الثورة في 14 فبراير 2011 كما تمت أكبر عمليات اعتقال بعد اعتقالات مارس وأبريل 2011.

التعويل على الحل الأمني لم يؤت ثماره كما توقع رئيس الوزراء، بل أضاف فشلا على الفشل السابق والأسبق، لكن هذا الفشل احتمى بالدعم السعودي والقوة السعودية الضاربة في العمق العربي والعالمي في ظل تضاؤل الدور الأمريكي في المنطقة. 

هذا الاحتماء والاستقواء بالدور السعودي تعرض لضربة قاصمة بعد توقيع اتفاق جنيف مع إيران، نتج عنها خلخلة موازين القوة في المنطقة، ما دفع بأكثر من مسؤول سعودي أن يورد البحرين في خطابه الموجه لإيران، أو الإدارة الأمريكية والتشديد على اعتبار البحرين منطقة حمراء للدبلوماسية السعودية، وترويج أن أمن البحرين هو من عمق أمن السعودية.

كل هذه المعطيات سمحت لملف رئاسة الحكومة في البحرين أن يكون أبرز الملفات المطروحة في أورقة حوار المنامة، وأن تعاد مسألة المفاوضات بين المعارضة والقوى الدولية للوصول لحل شبه نهائي قبل إبريل المقبل، بما في ذلك تنحية خليفة بن سلمان وتأمين الخروج الآمن له مقابل أن تسلم أمور الحكومة لنائبه محمد بن مبارك لحين الوصول لتسوية سياسية. وقد علق البعض أن خليفة بن سلمان قد يحل ضيفا دائما على الرياض كما حل زين العابدين في حال قيامه بتسليم السلطة والرحيل عنها طوعاً.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus