مارك ليفين: "تعالوا واقتلونا": الدساتير والسياسات البالية من مصر إلى البحرين

2013-12-14 - 11:01 ص

مارك ليفين، موقع الجزيرة الانكليزية

ترجمة: مرآة البحرين

رجب هو مؤسس مركز البحرين لحقوق الانسان، وهو يقضي الآن النصف المتبقي من مدة سجنه (فقد تبدلت مدة السجن الدقيقة لأن الحكومة قد أضافت وبعدها اجتزأت وقتًا إضافيًا) بسبب دفاعه القاسي وغير الحكيم على ما يبدو من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في بلده.

عبد الفتاح هو ناشط آخر، والده وأخوه ناشطان أيضًا، والده ساعد في تأسيس مركز هشام مبارك للقانون وأخته منى سيف مؤسسة حملة " لا للمحاكمات العسكرية". هو وزوجته منال، التي تعرضت للضرب على يد قوات الأمن عندما اعتقلوا علاء في منزلهما، من بين المدونين والناشطين السياسيين الثوريين الأكثر شهرة في مصر. تميز علاء بمضايقة نظام حسني مبارك له وسجنه، بالإضافة إلى مضايقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومحمد مرسي والآن يتعرض لمضايقة المجلس الاعلى للقوات المسلحة مجددًا.

أحد الأصدقاء على الفايسبوك وناشط في حملة "لا للمحاكمات العسكرية " رفع لافتة كتب عليها "الحرية لنبيل رجب وعلاء عبد الفتاح" بسبب تمديد عقوبة رجب، واعتقال علاء في نفس اليوم. ربما هذا التوقيت كان من قبيل الصدفة، ولكن العلاقة بين اعتقال واحتجاز الرجلين- وأعداد أخرى لا تُحصَى ولا يمكن التغاضي عنها، بما في ذلك أطباء وصحفيين ومواطنين عاديين أسماؤهم غير معروفة، ولكن تعرضوا لمعاملة أسوأ من ذلك حتى، بدءًا بالتعذيب مروراً بسحب الجنسية والقتل.

في الواقع، إذا كان 11 شباط/فبراير 2011 في ميدان التحرير قد سجّل ذروة ميثاق الربيع العربي، فإن 14 آذار/مارس في دوار اللؤلؤة في المنامة سجّل بداية انهيار طويل ودموي.

سوء تقدير فاضح

كنت في البحرين عندما توالى السعوديون، تحت ستار "قوة درع الجزيرة" لدول مجلس التعاون الخليجي، عبر جسر الملك فهد الذي يربط المملكة العربية السعودية بالمملكة الجزيرة الصغيرة. كان عمر المطالب السياسية في ميدان التحرير أقل من شهر. وعلى الرغم من أعمال العنف في الأسابيع التي سبقت هذا اليوم في البحرين، والشائعات التي لفت المنامة، شعر المتظاهرون أن عدالة قضيتهم، ما قضية نظرائهم المصريين والتونسيين، سوف تفوز رغم عنف ووحشية حكومتهم وحلفائها الأجانب ورعاتها.

ولكنهم كانوا مخطئين جدا في حساباتهم. فما هو أكثر إثارة للاهتمام إذا عدنا لمراجعة الأحداث، هو كيف أن الطبقة المتوسطة والعليا من البحرينيين السنة "الليبراليين" لم تدعم أو تدين قمع الحكومة للغالبية الشيعية سواء خلال الحملة وتدخل قوات دول مجلس التعاون الخليجي أو بعدهما.

بالنسبة الى أي شخص كان في البحرين آنذاك وفي مصر أيام تنحية مرسي، كان التشابه لافتًا بين اللغة المستخدمة من قبل الحكومة البحرينية ضد المعارضة -دعم وتمويل تتلقاه من الخارج، والعمل ضد مصالح البلاد، والتهديد الأمني والإرهابي الذي تشكله- وبين لغة الحكومة المصرية ووسائل إعلامها في الفترة التي سبقت وأعقبت الهجوم والقتل الجماعي ضد أنصار الإخوان. في الواقع، هذا الخطاب المناوئ للجماعات المعارضة قد سبق بفترة طويلة الانتفاضات العربية، كما بيَّن كلام رجب في عام 2009، فضلًا عن التاريخ الطويل من اضطهاد الإخوان من قبل الدولة المصرية.

بطبيعة الحال، تم تعريف الصراع البحريني في المقام الأول على أنه صراع طائفي، وفي الوقت نفسه فإن الغالبية العظمى من المواطنين في المصر هم من المسلمين السنة. ولكن ما هو مدى أهمية هذه الهويات البدائية الدينية أو المذهبية أو العرقية ؟ ، ففي نهاية المطاف، فإن الصراعات في كلا البلدين هي صراعات تجري في البلاد العربية - كنظرة عالمية لها، وهو صراع في واقع الأمر على السلطة والقدرة النامية للأقليات الصغيرة التي تسيطر على الاقتصاد والسياسة في مجتمعاتهم لخلق أجيال "أخرى" وخلق أعداء ولكن ليس من الجيران والأصدقاء وحتى الأقارب. على نحو ذي مغزى، ففي فصلهم عن الجسم السياسي المشروع، فإن النخب تجعل غالبية الشعب، الذين تؤخذ هذه الإجراءات ظاهريًا نيابة عنهم ، وبشكل متعمد يتواطأون في قمع مواطنيهم.

مناقشات عقيمة

وهنا تدخل مشكلة التكرار الأحدث للدستور المصري حيّز اللعبة. قبل عام واحد تقريبًا، كان العقلاء يناقشون مزايا الدستور الجديد الذي حلّ الآن مكان الدستور القديم. فقد دخل الخبراء المطلعين على القانون المصري والإسلامي و الدولي في مناقشات مكثفة وقاسية في بعض الأحيان حول مزايا المقترحات المختلفة - مدى قوة الإسلام في تشكيل نظام قانوني جديد يحمي حقوق النساء والأقليات بما فيه الكفاية، وميزان القوة بين السلطات القضائية والتشريعية و التنفيذية للحكومة، الخ..

ما كان واضحًا، هو أنه مهما كانت قناعات الفرد السياسية أو رؤيته الثقافية، كلما كان الدستور متأثرًا بهيمنة الإخوان المسلمين وحزبه حزب الحرية والعدالة، كلما كان هناك "وثيقة طويلة ومعقدة " من أحكام لا تعد ولا تحصى تعتمد على القوانين التي مُرِّرَت والثقافات القانونية والسياسية التي برزت في الوقت الذي توطدت فيه الحقبة الانتقالية، وكان يمكن أن تكون إما أساسًا لمزيد من الحرية والعدالة أو قناعاً لمزيد من القمع.

ولكن ما كان واضحا أيضًا لأي شخص أنه إذا كان النظام الجديد يُدار من خلال الاستخدام الروتيني للقمع والعنف ضد المواطنين وهو نفسه الذي اتسم به النظام القديم، فالدستور لا يساوي الورق الذي كتب عليه. هذه الدينامية، في الواقع، تجعل دستور 1971، والذي يقارن بشكل إيجابي مع كل من دستور عام 2012 والدستور الذي صيغ حديثا، مجرد وثيقة فارغة. وبالمثل، فقد ثبت في البحرين أن دستور 1973 والإصلاحات التي بدأت أواخر القرن الماضي دون معنى في نهاية المطاف، لأن النخبة الحاكمة لم تظهر أي نية لتقاسم الثروة أو السلطة فعليًا مع شريحة واسعة من السكان.

خطاب فارغ

اليوم الأمور أفضل الى حد كبير عما كانت عليه قبل عام في مصر. يمكننا أن نقبل صدق وتطور غالبية أعضاء الفريق الدستوري الذي صاغ وثيقة جديدة. ولكن هذا لا يعني شيء طالما يواصل هذا النظام قمعه وعنفه وطالما أن الأنظمة الأمنية والعسكرية تعمل إلى حد كبير خارج القانون، والغالبية العظمى التي من أجلها وجد الدستور - البحرينيون أو المصريون " الطيبون" و" الأصليون" - حاولت أن تدعم بصمت هذه الأعمال، فالديمقراطية عندها هي خدعة، ومجرد "منطقة حرة للاحتجاج" كما قال محافظ الجيزة، والذي مثًّل غيره من الشخصيات البارزة في النظام، يشير بشكل روتيني إلى أن قوانين الاحتجاج في مصر تًنسًخ أفضل الممارسات في الديمقراطيات المتقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا.

وأمام هذه الملاكمة من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، التي نزل من أجلها المحتجون إلى شوارع القاهرة والمدن المصرية الأخرى، ويواصل الناشطون كفاحهم في وجه الحكومة البحرينية من داخل القرى الشيعية المعزولة المحيطة بالمنامة.

وكما كانت الهتافات في احتجاجات القاهرة في الأسبوع الماضي تقول، "يريدون إسكاتنا، لكننا لن نسكت ... تعالوا وقتلونا، نحن لسنا أفضل من الشهداء. افرجوا عن رفاقنا. "

يتمتع علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر ونبيل رجب وثوار آخرون " مشهورون" على الأقل حتى الآن ببعض الحماية من الرعاة الغربيين لمصر والبحرين، أما المتظاهرون المجهولون الذين خاطروا أكثر بكثير وخسروا أكثر بكثير، فقد وضعوا أجندة النضال للجيل القادم. ومهما كانت الفترة الانتقالية بقيادة الجيش، فإنه من المستبعد جدًا أن يسكتوا. وسوف يكونون منارة لتحولات أوسع في ثقافات الاحتجاج في جميع أنحاء المنطقة والتي ستكون شرطًا لا غنى عنه لثقافة الاستعمار والتنمية السياسية. وهذا هو التطور الذي ينبغي على النخب أن يكونوا خائفين منه جدًا في الواقع.

 

*مارك ليفين هو أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا في إيرفين، وحاليًا هو أستاذ زائر مميز في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند في السويد ومؤلف كتاب سيصدر قريبًا عن الثورات في العالم العربي...

12 كانون الأول/ ديسمبر 2013

النص الاصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus