إنها بطانة فاسدة يا جلالة الملك

2011-07-02 - 10:19 ص



مرآة البحرين (خاص):

ينصح متابعون للشأن البحريني الحرْص على استذكار ما حدَث في شهر أغسطس من العام الماضي، يوم ابتدأت القمعة الأمنيّة وأخذت الأجهزة البوليسية تُعيد حكايات البطش التّسعيني، وتزيد عليها. حينها، خرجَ ملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بخطابين أساسيين. الأوّل قُبيل القمعة، والآخر بعدها. في الأوّل دعا العاهل إلى انفتاحٍ على المعارضة في الخارج، مرحبّاً بها في بلادها لتُمارس نشاطها بحرّية. كانت المعارضة تُقيم ندوتها السّنوية في لندن بمناسبة ذكرى استقلال البحرين، وتحدّث فيها الأكاديمي عبدالجليل السّنكيس.

انتهى الخطاب الأوّل مباشرةً باعتقال السّنكيس من المطار، وابتداء رحلة العذاب في سراديب مبنى الحرس الوطني، ومنه تمّ إعداد الخطاب الثّاني – الذي صاغه المستشار محمد جابر الأنصاري بعناية - وأكّد فيه العاهل أنّه "عفا كثيرا"، وأنّه لم يعد مسموحا لأية معارضة تشوّش على مشروعه الإصلاحي، داعيا إلى طاعة أولى الأمر وضبط انفلات الخطاب الدّيني. في نفس الليلة، ردّ وزير الدّاخلية بخطاب "نحن طوْع أمرك، ونحن سيوف في يدك، وسنضرب من حديد". وهكذا كان الليالي المخزية في الطّوامير المعزولة عن العالم، وبأساليب جديدة استفادت من أشرس أجهزة التعذيب.     

في خطابه في مجلس الوزراء قبل أيّام؛ تحدّث الملك في "أشياء" إيجابيّة أعادت أجواء خطاب أغسطس الأوّل. المراقبون كانوا يتوقّعون خطوات أكثر جذرية، والمضي في حلول حاسمة للأزمة التي عصفت بالبلاد منذ عام، وليس منذ 14 فبراير الماضي. إلا أنّ هناك منْ يجد أن الإقرار الملكي بما بات يُعرف ب"لجنة بسيوني"، يُمثّل خطوة هامة ينبغي على المعارضة التّعاطي معها بإيجابيّة. أكثر من ذلك، بعض المتابعين يحثّ القوى السياسية المعارضة على وضْع برامج متكامل بخصوص تقديم الوثائق والمعلومات الخاصة بالانتهاكات، معتبرين اللجنة فرصة تاريخية يمكن أن "تقلب موازين الأمور"، ولابد من استثمارها إلى أقصى الحدود وبطريقة منظّمة وحرفية.     

في هذا الإطار، يشير بعض المحللين إلى أن ملك البلاد وصل إلى قناعة بأن "البطانة الفاسدة التي تُحيط به، تسبّبت في توريطه بما لا يُحتمل، وأن وقت إزالتها قد حان". يضيف هؤلاء أنّ "لجنة بسيوني" هي "وسيلة ذكية لجأ إلها الملك من خلال مستشاريه لتحقيق هذا الغرض"، وعلى المعارضة التقاط الإشارة بذكاء سريع.     

عند هذه المسألة، يُفضّل محللون تذكّر الآلية التي لجأ إليها الحكم في أغسطس الماضي. وذلك على النّحو التالي: يبدأ ملك البلاد، مدفوعا بالجناح المعتدل، لتقديم نظرة إيجابية، ومدّ اليد إلى المعارضين لبدء مرحلة جديدة واستكمال مشروعه في الإصلاح. تتقدّم، في الوقت نفسه أو بعد وقت قصير، الشخصياتُ التأزيميّة داخل الحُكم وتُقدِّم "معطيات ومعلومات طارئة" عن نيّة غير آمنة للمعارضين، أو للقسم المُراد القضاء عليه، ليظهر العاهلُ بخطاب آخر يجمع الوعيد بالوعد، مع الاحتفاظ بعصا "الإصلاح".     

مقتضى هذه النظرة أنّ الجناح الفاسد في النّظام استطاع التوغّل أكثر داخل مفاصل النّظام منذ أحداث فبراير، وهناك منْ يستند على "معلومات أكيدة" تفيد أنّ هذا الجناح "فرضَ" على الملك المضي في سياسة "الضرب من حديد إلى أقصى حدّ"، استنادا على حجم "المؤامرة التي تمّ اكتشافها، والتي أُوْهِم بها الملك طوال الفترة الماضية". محتوى هذه "المؤامرة المزعومة" غير خافية على الجميع، وبحسب "ما وراء" خطابات الملك، فإنّه غير مقتنع بها تماما، وليس ببعيد خطابه الذي تلاه على رجال الدين في شهر مايو الماضي، وأشار فيها بإيجابية إلى العلاقة المأمولة مع " الجارة إيران"، وهي مركز المؤامرة المُتخيّلة. كان الملك في جوّ متناقض تماماً مع التأزيميين الذين عبّر عنهم بوضوح المشير خليفة بن أحمد، القائد العام لقوة الدفاع، أكثر من مرّة، وتمّ الترويج لما يقوله عن "مؤامرة إيران وحزب الله" في كل الوسائل الإعلامية، حتّى أضحت "حقيقة لا نقاش فيها، ويتم الاستناد عليها في تقرير المواقف".

عبّر عن ذلك مؤخرا من خلال تنظيم قيادة الدّفاع لندوةٍ استضاف المشير خلالها الباحث الكويتي عبد الله النفيسي، الذي قدّم إعانات "تحليلية شديدة الخيال" لنظرية المؤامرة والإنزال الإيراني الذي كان على وشك الوقوع، وكان بمعية عادل عبدالله. والأخير، مُتهم بما يُعرف بتقرير "البندر"، وحسابه في تويتر يُقدّم "إثباتات" علنية على ضلوعه في توسيع نظرية "المؤامرة الكبرى" للجمهور العام. وهو الآن يُدير المشغل السياسي لبعض رموز التأزيم في الحكم، وقد كوفيء بتعيينه مستشارا سياسيا لأمين عام مجلس التعاون.     

البعض يرفض مقولة الأجنحة من أساس، وينظر إلى الحكم باعتباره فريقا واحدا، وتتوزّع بينه الأدوار. تبدو هذه النظرة متلائمة مع القائلين بالخيارات الراديكالية في معالجة الأزمة، أو تثمير الحراك الشعبي، وهي تجد في "تناقضات" خطاب عاهل البلاد مستندا وافيا. في جهة أخرى، يقترح سياسيون تفسير "التناقضات" تلك باعتبارها نتيجة طبيعة لحقيقة صراع الأجنحة داخل النّظام، وأنّ جناح الاعتدال الذي يُمثّله الملك ونجله ولي العهد تلقّى ضربات قاسية من الجناح الآخر، ولكن الجولات بينهما لم تُحسم بعد.  

بمعزل عن نظرية الأجنحة أو الفريق الواحد، فإنّ خطاب الملك الأخير يُعيد إلى الأذهان ما جرى قبل عام. انبرى وزير الداخلية وأكّد أن وزارته ستتجاوب مع دعوة العاهل لحرية التعبير والتظاهر، وأنه سيفتح كل الملفات للجنة التحقيق. ولكن تكرّر ما حدث سابقا، ووُجهت دعوة الملك بسخرية من الوزير التابع لجناح المشير، وبدلا من الأخذ بها عمليا، كان ما كان من قمع واسع يوم الخميس الماضي لاعتصام "تقرير المصير"، وعشية بدء الحوار وفي أول إطلالة "لجنة بسيوني". فهل سيتعامل الوزير بنفس الطريقة مع طلبات المحقق بسيوني؟ سؤالٌ يطرحه أولئك الذين يرون أنّ المرحلة المقبلة ستكون مفتوحة على صراعات مريرة داخل الجهاز الحاكم في البحرين.           

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus