افتتاحية: إميل نخلة: رئيس الوزراء البحريني تفادى رصاصة الفساد، حتى الآن!

2013-12-22 - 1:11 م

إميل نخلة-  آي بي إس

ترجمة: مرآة البحرين

ترك الانهيار الأخير لقضية مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني الجدية ضد فيكتور دحدلة سمعة رئيس الوزراء البحريني في الفساد سليمة. 

وقد غطّت وسائل الإعلام البريطانية القضية على نطاق واسع في تقاريرها، بما فيها الغارديان والفاينانشيال تايمز والإندبندنت. وقد غطّت وكالة رويترز هذه القضية بشكل مكثف أيضًا.

ومن دون الخوض في التفاصيل، يكفي أن نقول إن القضية انهارت قبل استدعاء أي شاهد، مُجَنّبة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة مشهد الحضور في المحاكمة، على الأقل عمليًا، كأكثر الوجوه فسادًا في البحرين. لقد نجا من ذلك في الوقت الراهن، لكنه انتصار باهظ الثمن. 

سوء إدارة مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني لهذه القضية، واعتراف الحكومة البحرينية بأن هذه الدفعات غير الشرعية لشركة ألبا للألمنيوم المملوكة من قبل الدولة تمت بعلم رئيس الوزراء وموافقته، والشهادة المتغيرة للشهود الرئيسيين، ورفض الآخرين الشهادة هي كلها عوامل ساهمت في عدم قدرة المدعي العام على المضي قدمًا ضد المدعى عليه.

ومع نجاة عمه ورئيس الوزراء من الإهانة العلنية، في المحاكم البريطانية على الأقل، لا يمكن للملك حمد أن يدعي أن كل أمور رئيس الوزراء أو بعض وزراء العائلة الذين لطّخت القضية سمعتهم، على ما يرام. فالاعتراف الرسمي لأحد نواب رئيس الوزراء -والذي قُدِّم في رسالة للمحكمة البريطانية بأن الدفعات البالغة ملايين الدولارات تمت بعلم آل خليفة وموافقتهم- ستكون لديه آثار جدية وطويلة الأمد على العائلة الحاكمة. 

ووفقًا لتقارير الإعلام، دعم هذا الاعتراف مزاعم المُدّعى عليه بأنه دفع كل تلك المبالغ استجابة لطلب رئيس مجلس إدارة ألبا في ذلك الوقت. وكان رئيس مجلس الإدارة، الشيخ عيسى بن خليفة، وزيرًا للنفط وقريبًا لرئيس الوزراء.

في الواقع، ووفقًا لوسائل الإعلام البريطانية، فإن قضية المحكمة ركزت على ثقافة الحكومة البحرينية: "الدفع مقابل اللعب" (Pay for Play) وعلى دور رئيس الوزراء في تكريس هذه الممارسات. بكل بساطة، على أي رجل أعمال يريد العمل في البحرين على مستوى واسع أن يدفع، وكلما كان العمل كبيرًا، كلما توجب عليه الدفع أكثر، وكلما علت رتبة المسؤولين المشاركين.

وبالرغم من أن المحمكة برأت المدعى عليه من كل التهم، إلا أن رئيس الوزراء البحريني ألقى بظلال الفساد على هذه القضية. سيخرج المتهم حرًا، لكن هذه القصة ستثقل كاهل رئيس الوزراء على مدى السنوات القادمة. فالشعب البحريني لا يحتاج إلى النظر في البرقيات الدبلوماسية المسربة لمعرفة حياة رئيس الوزراء الخاصة، فهي، كما أشارت رسالة نائبه، موجودة كاملةً في السجل العام. 

ويعتقد معظم المراقبين أنه لم يكن من سبيل لرئيس مجلس إدارة ألبا ليتلقى دفعات غير مشروعة من رجل أعمال عالمي من دون معرفة رئيس الوزراء خليفة بالأمر. فمعظم رجال الأعمال البحرينيين من السنة والشيعة الذين ينحدرون من عائلات عريقة بحرينية سنية وشيعية يعلمون بممارسات آل خليفة. 

واتفقوا جيمعًا أن خليفة قد حرّك ومارس واستفاد من ثقافة "الدفع مقابل اللعب" الماكرة. وقد اختلفوا حول تسميته "بالسيد الذي استفاد بنسبة 10% أو 30% أو 50%- فيفتي فيفتي".

أخبرني رجال أعمال على مر السنوات أن عدة أبنية مكاتب وفنادق تعرف بمباني "الشيخ خليفة". أما ادعاءاته حول ملكية الأراضي المستصلحة التي جرفت على نفقة الدولة، فهي قصة أخرى من قصص الفساد.

وفي النهاية، أضعفت القضية شرعية حكم آل خليفة خاصةً في هذه المرحلة عندما روج الملك لـ "فتح" العائلة للجزيرة منذ أكثر من 200 عامًا. 

إذا كان الملك يأمل الحفاظ على قدر قليل من المصداقية، فعليه أن يخلع رئيس وزرائه من منصبه وينظف ثقافة الفساد التي دعمت ممارسات العائلة الحاكمة التجارية في أعلى مستوياتها. ستبوء جهود الملك بالفشل وفي الوقت الذي يحاول به جاهدًا التقرب من الحكومة البريطانية  في ظل ازدراء واضح من واشنطن، فإن جهوده سيضعفها بقاء خليفة في منصب رئيس الوزراء.

لا يتغاضى القانون البحريني عن ممارسات "الدفع مقابل اللعب""، ولكن ممارسات المسؤولين رفيعي المستوى تجاوزت القانون وأسست نظامًا وهميًا من المعاملات المالية غير المشروعة. إذا كان الملك يأمل تشجيع رجال الأعمال العالميين على الاستثمار في بلده من دون خرق قوانين الفساد في بلادهم، فعليه أن ينظف النظام قولاً وفعلاً.

وينص قانون 1906 البريطاني لمكافحة الفساد، الذي غطى قضية دحدلة، أنه إذا استطاع المدعى عليه أن يبرهن أن الدفعات قد أجريت بعلم وموافقة كبار المسؤولين الحكوميين، فإنه يستطيع أن يُبَرأ من التهم. ومع ذلك، لا تسمح القوانين الجديدة لمكافحة الفساد في بريطانيا والولايات المتحدة للمتهمين المحتملين بترف مماثل.

ومن المثير للسخرية أن يتم إسقاط رئيس الوزراء بسبب الفساد وليس بسبب القمع وإساءة إستخدام السلطة. تقدم قضية دحدلة درسًا واضحًا للشركات  متعددة الجنسيات ورجال الأعمال ووزارات العدل في الدول الغربية وغيرها من الدول بألا تتغاضى عن ممارسات الفساد. ويجب أن يكون الدرس واضحًا بالقدر نفسه للملك البحريني. 

 

19 كانون الأول/ديسمبر 2013

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus