شوكة الأطباء - الحلقة الثالثة

2011-07-04 - 9:18 ص




مرآة البحرين (خاص): بينما  راح  الإعلام  الرسمي  ينفي  استخدام  الجيش  للرصاص  في  قمع  المعتصمين  والمحتجين  السلميين،  كان  الأطباء  يعرضون  الأشعة  والصور  التي  تثبت  اختراق  الرصاص  لأجساد المحتجين  أمام  كل  العالم. وبينما  راح  الناطقون  باسم  السلطة،  ينفون  وجود  حالات  خطرة  في  أحداث  17 - 18  فبراير،  كان  الأطباء  ينقلون  للرأي  العام  العالمي  حقيقة  الحالات  في  مستشفى  السلمانية،  وبشاعة  الإصابات  التي  راح  ضحيتها  خمسة  من  المحتجين  خلال  يومين  فقط،  بالإضافة  إلى  أخرى  خطرة،  وإصابات  موجهة لأماكن  حيوية  من الجسم.

 شهادات  الوفاة  التي  أصدرها  الأطباء  تكشف  عن  هذا،  وهي  شهادات من شأنها أن  تدين  النظام  عالمياً، أيضاً بيانات  الأطباء  المنددة،  واعتصاماتهم  المستنكرة،  وتصريحاتهم  في  وكالات الأنباء  العالمية،  كلها  صارت  مصدر  إزعاج  للسلطة  التي  تريد  أن  تخفي  انتهاكاتها  عن  أعين  العالم. من  هنا  صار الكادر الطبي  وجوداً  يهدد  السلطة  بشكل  خاص، فهؤلاء  ليسوا  نشطاء  سياسيين معارضين،  بل  أطباء  يشهدون  بما  يرون،  وبطبيعة  الحال،  يتأثرون  إنسانياً  من هول  ما  يرون،  خاصة  أن  ما  يجري،  هو  على  أبناء  وطنهم  الذين  خرجوا  سلمياً، يطالبون  بحقوق  مشروعة.  
هنا، كان يجري التفكير في طريقة للتخلص من الكادر الطبي، الذي صار مصدر فضح مزعج للسلطة.

إحراج الوردة

 
السبت  19  فبراير  صباحاً، المتجمهرون  يتوافدون  على  مجمع  السلمانية  الطبي  منذ  الثامنة  صباحاً  للتبرع  بالدم  والتضامن  مع  الجرحى  والمصابين . صحافيون  أجانب  يقومون  بتغطية  الحدث  في المستشفى، إدارة  المستشفى  لا  تتعامل  مع  الجماهير  ولا  مع  الحدث،  كذلك  الوزير  فيصل  الحمر  الذي  كان  جزءاً  من  أزمة 17  فبراير.

تنتشر  رسائل  هاتفية  وإلكترونية  وفي  وموقع  التواصل  الاجتماعي (الفيسبوك)،  تدعو  لخروج  مسيرات  من  مناطق  السنابس،  النعيم،  المنامة  باتجاه  دوار  اللؤلؤة  عند  الثالثة  ظهراً. الهدف: (تحرير) الدوار  وفك  الحصار  المفروض  عليه  من  قبل  قوات  الجيش  وقوات  الأمن  الخاصة. الوسيلة : مواجهة  سلاح  الجيش  ورصاصه  بسلاح  الورد. هي  المرة  الأولى  التي  رفعت  فيها  الورود،  قبل  أن تصبح  الورود  علامة  الحركة  الاحتجاجية.

عند  الساعة  الواحدة  ظهراً،  يبدأ  ما  يشبه  الكر  والفر  بين  المتظاهرين  ورجال  الأمن، أعداد  من  المتجمهرين  يزحفون  من  منطقة  السنابس  نحو  السياج  الشائك  الذي  نصبته  قوات  مكافحة  الشغب على  بعد  نحو  نصف  كيلومتر  من  الدوار  من  جهة  منطقة  السنابس. زحف  آخر  يأت  من  جهة  منطقة  النعيم،  على  الطريق  المؤدي  من  السلمانية  للدوار. تواجههم  قوات  الشغب  بمسيلات  الدموع، لكن  ليس  بعنف  اليومين  السابقين. عدد  من  حالات  الاختناق  والإغماء  تنقل  إلى  مجمع  السلمانية  الطبي . جموع  أكبر  من  المتظاهرين  يخرجون  من  مجمع  السلمانية  الطبي  عند  حوالي  الثانية ظهراً، أيضاً  تتم  مواجهتهم  بمسيلات  الدموع.من جانب  ابراهيم  شريف  أمين  عام  جمعية  وعد،  يخاطب  رجال  الأمن  ويطلب  من  قائدهم  السماح  للشباب  العزل  بالاعتصام  السلمي، يبدي  الأخير  ردة  فعل إيجابية، ويخبر  أنه  بكل  حال  ليس  لديهم  أوامر  باستخدام  القوة .
 
الزحف ما يزال  مستمراً،  الشباب  يتقدمون  الآن  عند  السياج  الشائك  رافعين  الورود،  ومتشحين  بأعلام  البحرين. تبدأ  المناورات  السلمية  مع  قوات  الأمن، يمرر  الشباب  رسائل  الورد  عبر  الأشواك الشائكة  ليؤكدوا  سلمية  هذه  الحركة،  تتقدمهم  صبية  تحمل  وروداً  تهديها  لرجال  الأمن، الأمن  يمتنع  عن  استخدام  آلة  القمع، لكنه  في  الوقت  نفسه  مُحرج  أن  يقبل  الورد  الممدود  إليه  بسلام.

تحرير الدوار

في  ذلك  الوقت، كان  تلفزيون  البحرين  يعرض  خطاباً  لولي  العهد،  يأمر  بسحب  جميع  القوات  العسكرية  من  شوارع  البحرين  بأثر  فوري  تمهيداً  لإعلان  الحداد،  تمهيداً  لبدء  الحوار  مع  الشباب وجميع  القوى  السياسية  والمجتمعية. تبدأ  الآليات  العسكرية  وقوات  الأمن  بالانسحاب. يُعلَن  بيان الجيش  رقم 2: " انسحاب  القوات  العسكرية  من  العاصمة ".
   

يركب  رجال  الأمن  سياراتهم  وشاحناتهم، تنسحب  آليات  الجيش  بهدوء، الشباب  يسهلون  مرورها  وسط  تصفيق  حار  وتهليل  وفرح " قمنا  بإلقاء  الورود  على   سيارات  الأمن  وآليات  الجيش  تعبيراً عن  سلميتنا،  أردنا  أن  نقول  لهم  إننا  لا  نريد  التصادم  مع  أحد  في  هذا  الوطن،  وكلنا  للبحرين " يقول  أحد  الشباب  المشاركين .

دقائق  فقط،  كانت  كافية  ليزيل  الشباب  السياج  الشائك،  وليقطعوا  مسافة  النصف  كيلومتر  مشياً  على  الأقدام، مهرولين مرة وراكضين مرة أخرى، ليفتحوا  مجدداً  الدوار . الرسائل  الهاتفية  انتشرت  من  فورها : " تحرر  الدوار " ، " توجهوا  إلى  ميدان  الشهداء " تفاجأ  الشباب  عند وصولهم  أن  عدد  من  سيارات  الإسعاف  سبقتهم  للمكان، سبع  سيارات  مجهزة  بالطاقم  الطبي  ومستلزمات  العلاج  الفورية،  انتشرت  في  محيط الدوار  تحسباً  لأي  طارئ  محتمل.

كان  لوطء  العودة  رهبة  الدم  وحلاوة  النصر، تفاوتت  ردات  الفعل : البعض  خرّ  ساجداً  على  الأرض، البعض  خرّ  باكياً، البعض  راح  يتحسس  حرارة  الدم  الذي  سال  في  المكان  منذ  يومين، البعض راح  يكتشف  فعل  العنف  في  المكان،  يجمع  ما  امتلأ  به  من  الرصاص  المطاطي  وأغلفة  مسيلات  الدموع  والطلقات  المختلفة، البعض  راح  ينتشل  آثار  الناس: حذاء  هنا، ونعال  هناك،  دمية  طفلة  بقت تشهد  على  قسوة  الهجوم،  حذاء  طفل  لا  يتجاوز  الثانية  من  عمره،  قنينة  حليب  لرضيع  ثالث، جُمعت  كلها  في  معارض  صغيرة  هنا  وهناك . بعد  كل  مسافة  من  الأمتار  صار  ثمة  معرض  صامت يحكي . أطلقوا  عليه  من  حينها  " ميدان  الشهداء " سريعاً  ما  هبّ  الشباب  بعدها  لتنظيف  الدوار  والشوارع  المحيطة  به  وابتاعوا  حاويات  قمامة  من  أجل  ذلك، وبالأحجار،  راح  البعض  يرسم  لوحة على  الأرض  تقول: " نحب  البحرين  ونطالب  بمصلحة  كل  شعبها ".

الآلاف  توافدت  متخذة  من  خطاب  ولي  العهد  ضماناً  لحق  تجمعها  السلمي . الورود  صارت  زهوة  المكان، اختلط  الحزن  بالورد  والبكاء  بالفرح " كان  الناس  يضحكون  ويبكون  ويهتفون ويدهشون  مما  يرون  من  آثار،  كانو  يعيشون  حالات  ومشاعر  مختلطة،  لكنهم  جميعاً  كانوا  يشعرون  بالفخر،  أجمل  المشاهد  التي  شهدتها  بنفسي،  أحد  الشباب  يزرع  نبتة  ( بتونيا ) في  المكان،  وعندما سألته  لمن  هذه،  قال  لأرواح  شهداء  هذا  المكان " يقول  أحد  الشباب  الحاضرين  في  دوار  اللؤلؤة .

عدد  كبير  من  المحامين  والنشطاء  الحقوقيين  ورجالات  السلك  الدبلوماسي  البحريني،  توافدوا  أيضاً  إلى  الدوار. أيضاً،  عدد  من  الكادر  الطبي  ممن  انتهوا  من  نوبة  عملهم  عند  الثانية  والربع، جاؤوا  إلى  الدوار  يشاركون  المعتصمين  عودتهم،  ويؤكدون  أنهم  سيكونون  متواجدين  بشكل  طوعي،  وخارج  أوقات  دوامهم  الرسمي،  إلى  جانب  المعتصمين،  لتقديم  المساعدة  الطبية  لأي  طارئ  قد يحدث .


مخيم السلمانية

خلال  اليومين  التاليين،  كانت  مؤشرات  الهدوء  العام  بدأت  بالظهور، المعتصمون  في  الدوار  يعبرون  عن  مطالبهم  بسلمية  وأمان . أيضاً،  حاول  تلفزيون  البحرين  لبس  ثوب  الحمام  خجلاً  من  مبادرة ولي  العهد، لكن الأمر  لم  يطل. أقل من يومين ثم : " جاءنا  من  فوق  ( ؟ ) أن  أجهضوا  مبادرة  الحوار " حسب مصدر من تلفزيون البحرين .  سيكون للجهاز الإعلامي  الدور الأكبر في تأليب الشارع السني ضد الحركة الشعبية عموماً، وضد الأطباء خصوصا وستوجه لهم اتهامات غير مسبوقة في تاريخ الحركة الوطنية وتاريخ مهنتهم.
 
   
في  مجمع  السلمانية  الطبي  بدأ  جدل  آخر  يحتدم، بعض  الأطباء  يرون  أنه  " مادام  سمح  للشباب  بالعودة  إلى  الدوار  والاعتصام،  دعونا  نعمل  على  إنهاء  الاعتصام  الموجود  في  باحة  مجمع السلمانية  الطبي " لكن  شباب 14  فبراير  كانوا  يرون  خلاف  ذلك  " لا  بد  من  وجود  نقطة  تجمع  ثانية  غير  الدوار،  فإذا  ما  تمّ  ضرب  الأولى،  لجأ  الناس  إلى  الثانية " الأطباء  كانوا  باتجاه  إنهاء  كافة  الاعتصامات  في  موقف  السلمانية،  لكن " بعد  النقاش  الحاد  بين  الأطباء  وشباب  14  فبراير،  تفاجأنا  بمجموعة  من  الشباب  المتطوعين  يقومون بنصب  خيام  في  الباحة،  خيمة  للنساء،  أخرى  للشاي،  وثالثة  للمعرض  الذي  ضم  الأدوات  التي  استخدمها  رجال  الأمن  في  قمع  المحتجين،  ثم  وضعت  منصة  للخطابة "يقول  أحد  الأطباء " شخصياً احتد  بي  النقاش  مع  مسؤول  شباب  14  فبراير،  الكادر  الطبي  رفض  ذلك،  صار  المكان  محطة  التقاء،  بدأ  يتحول  إلى  مكان  تجمهر " يكمل .

سيكون هذا التصرف، أكثر ما خدم به المحتجون السلطة التي كانت تبحث عن طريقة للتخلص من (إزعاج وفضح) الكادر الطبي. صارت التهمة جاهزة، اختطاف مستشفى السلمانية من قبل الكادر الطبي والمحتجين الشيعة، وتحويله إلى وكر خاص.
 
 عدد من الأطباء وعلى رأسهم  الطبيب الاستشاري علي  العكري، يحاكمون اليوم في المحاكم العسكرية بتهمة التنظيم للاعتصام والتجمهر  ونصب الخيم داخل باحة السلمانية وتحويله مركزاً للعمليات بهدف قلب نظام الحكم، لكن شهادة  وليد  المانع،  الرئيس  التنفيذي  للمستشفيات، التي  أدلى  بها  كشاهد  إثبات  في  محاضر  الأمن،  يُخبر أنه بتاريخ  20 - 21  فبراير،  تم  وضع  الخيام  في  المستشفى  من  خلال  اللجنة  المنظمة  من  الدوار (لا من الأطباء)،  وأنه  قد  تم  الاتصال  بالوزير  الحمر  عن  طريق  الوكيل أمين  الساعاتي،  الذي أخبره أن  هذا  قد  يؤدي  إلى  الازدحام  في مواقف  المستشفى،  إلا  أنه  ( الوزير الحمر ) وافق  على  ذلك  وعلل  أنه  سيكون  لفترة  بسيطة . وهي  الشهادة  التي من المفترض أن تُخلي طرف  العكري  والأطباء،  وتضع  الوزير  السابق  في  الواجهة  بشكل  مباشر.  هل كان قبول الوزير الحمر لنصب الخيم في المستشفى مقدمة مقصودة لضرب الكادر الطبي؟


"لم أسمع علي العكري يقول يوماً بإسقاط النظام، في كل المسيرات التي تقدمها كان ينشد بلادي  بلادي بلادي لك حبي وفؤادي،  كانت هذه أنشودته التي يرددها دوماً. كذلك يكرر البيت المعروف إذا الشعب يوماً أراد الحياة، لم أسمعه  يطالب بإسقاط النظام” تقول إحدى زميلاته من الطبيبات.

مسيرات  الكادر  الطبي  بقت  متواصلة بواقع يومين في الاسبوع،  تخرج  من  السلمانية  بعد  انتهاء  الدوام  عند الساعة الثالثة وتتجه نحو الدوار.  هناك نصبت خيمة  طبية  للمساعدة  في  علاج  أي  حالة  طارئة،  تم  مدها  بالأجهزة  والمواد .
 
"في الخيمة  الطبية  لدينا استعدادات بسيطة، أسرَّة  المرضى والأوكسجين  تم إحضارها بتصريح  من  الوكيل أمين  الساعاتي، والأدوية  أُحضرت من  مركز  الرازي  والنعيم  بتصريح  من الوكيل مريم  الجلاهمة" تقول إحدى الطبيبات المتواجدات في الخيمة الطبية، وتضيف " تبرعات مادية كثيرة كان يحضرها لنا المعتصمون، وكانو يحضرون الأدوية التي لا يحتاجونها من بيوتهم، هناك صيدليات مدتنا بالأدوية أيضاً،  بعض  الأدوية  غير  المتوفرة  في  المراكز الصحية قمنا بشرائها" الحالات التي كانت ترد على الخيمة الطبية في (فترة الهدوء) بسيطة معظمها. حالات قليلة تم تحويلها إلى مستشفى السلمانية حسب الطبيبة "وجود  الأطباء  في  الدوار  لم  يكن  بهدف  الاعتصام، بل بهدف توفير الرعاية الطبية للمعتصمين، من المعروف  عالمياً  إن  أي  مكان  فيه  تجمع  لا  بد  من  مركز  طبي  لرعاية الحالات التي قد تحدث فيه" تضيف الطبيبة.
 

فخ مريم الجلاهمة
 
الوكيلان الجلاهمة والساعاتي...
ادانة الأطباء بعد شكرهم


 يتناوب الكادر الطبي حسب أوقات فراغه من عمله " ركب  العكري  فوق المنصة وقال للجميع:  لا  أحد  يترك  عمله  أو  يقصر  في  أداء واجبه ، لا  أحد  يترك  مقر عمله  ويأتي  معنا. الخروج في المسيرات  بعد  الدوام  فقط. إذا  وجدتموني  تركت  العمليات وخرجت  فذلك لأني في إجازة سنوية. وأحضر هناك  كعلي  العكري الشخص  وليس  كعلي  العكري الطبيب" تقول إحدى الممرضات.

الوكيلان مريم الجلاهمة وأمين الساعاتي عرضا على الكادر الطبي المتواجد في خيمة الأطباء  بدل مناوبة، لكن الكادر رفض معتبراً أنه يقوم بعمل إنساني لخدمة وطنه. مريم الجلاهمة أرسلت للكادر الطبي رسالة شكر حينها "الزملاء الأعزاء.. إن ما مرت به المملكة أظهر جلاء المعدن الحقيقي للكوادر الطبية والتمريضية وطواقم الإسعاف وجميع العاملين الصحيين الذين أبرزوا بجلاء صورة المواطن البحريني عند الشدائد. إننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نوفي هؤلاء حقهم وهم الذين بذلوا جهوداً جبارة طيلة الأيام الماضية في علاج المصابين مع تمسكهم بانتظام العمل في جميع مرافق وزارة الصحة فلهم ألف تحية" الرسالة كانت بمثابة الحافز، الآن تبدل الوضع، وصارت الجلاهمة تشارك في محاسبة الكادر الطبي والتحقيق معهم بسبب جهودهم التي كانت مشكورة، فصارت مأثومة.


تدشين شعار الاختطاف

في 26 فبراير، وبعد اعتصامات متتالية من الكادر الطبي تطالب بإقالة الوزير وطاقمه الإداري، يصدر أمر ملكي بإقالة وزير الصحة الحمر وتعيين نزار البحارنة وزيراً للصحة "شعرنا  أن عزل الوزير  انتصار  للحركة  الاحتجاجية، وكنا نطمح في عزل الوكيل عبد الحي العوضي أيضاً، فهو بؤرة فساد لوحده" يقول أحد الكادر الطبي.
لكن يبدو أن الإقالة كانت من أجل البدء في حملة إعلامية شرسة يراد تجنيب الوزير السابق الحمر من أن يناله شيئا منها. فمع تعيين نزار البحارنة وزيراً للصحة، بدأت الحملة الإعلامية تحت شعار (السلمانية المختطفة) من قبل الشيعة،  كان هو عنوان الحملة التي اشترك فيها صحافيو السلطة ورجالاتها وسياسيوها وخطباؤها، وبطبيعة الحال، تلفزيون البحرين.
 
التهم بدأت تكال إلى الكادر الطبي: إلحاقهم الضرر بالعمل الطبي في مستشفى السلمانية والمراكز الصحية، وانتقالهم إلى الدوار تاركين مرضاهم والمصابين دون رعاية ومتابعة في المستشفيات والمراكز الصحية.  الرسائل الهاتفية المجهولة المصدر وفي صفحات الفيس بوك وتويتر بدأت تشن حملتها مستهدفة الكادر الطبي والوزير الجديد. صار الدخول إلى مستشفى السلمانية يخضع لكشف هوية من قبل (المختطفين) من الأطباء وأهل الدوار، وأنهم يقومون بتفتيش الداخلين من المذهب (السني) والتحقيق معهم. وأن مرضى (السنّة) مهملون، وأن الطوارئ محتكر للمتجمهرين ويتأخر عن الحالات الطارئة، وأن هناك حالتي وفاة حدثتا بسبب تأخر الاسعاف وإهمال الأطباء، وأن الذهاب للطوارئ  يتطلب ساعتين من الانتظار بسبب الاعتصام والخيم، وساعتين إضافيتين من أجل الخروج.
 
كل هذا كان يجري تناقله عبر رسائل مجهولة المصدر تصل أبناء المذهب (السني) ليتناقلونه فيما بينهم، الهدف: تحويل القضية الاحتجاجية إلى قضية سنية شيعية، وإسقاط مصداقية الكادر الطبي.

قناة وصال الفضائية السلفية السعودية، والتي عملت جنباً إلى جنب مع الإعلام الرسمي البحريني في تأجيج طائفية الحدث، تلقت اتصالاً مستنكراً من (أم محمد) من الطائفة السنية، التي اتصلت بقناة وصال وكذبت كل ما يقال، وذكرت أنها ترددت على المستشفى أكثر من مرة خلال تلك الفترة، ولم يتم تفتيشها ولا سؤالها عن أصلها ولا فصلها ولا تعطيل وصولها، وأن قريبتها التي ترقد في المستشفى تحظى بعناية واهتمام من الكادر الطبي الذين عبرت عنهم أنهم من المذهب الشيعي، وأن كل ما يتم تناقله هو إشاعات مغرضة بهدف النيل من الوحدة الوطنية وشق الصف وإثارة الفتنة".*


الوزير البحارنة
وزير الصحة الجديد (الشيعي الأصل)،  لاقى منذ اليوم الأول رفض الشارع السني الذي مثّله (تجمع الوحدة الوطنية) الذي رأى في عزل الأول وتعيين الثاني تهديداً لوجوده. لهذا كان على (البحارنة) أن يتحمل ليس فقط تركة أخطاء الوزير السابق، ولا تركة الاحتجاجات واعتصام باحة السلمانية، بل عليه أن يتحمل تركة الإسقاط والتخوين والاختطاف التي صارت عناوين يوصم بها الكادر الطبي المطلوب الإجهاز عليه وعلى صوته. واجه الهجوم نفسه الذي واجهه الكادر الطبي، بل صار وفق الحملة الإعلانية مسؤولاً عنه ويجب محاسبته. في لقاء مع صحيفة الأيام بتاريخ 9 مارس، أي بعد أقل من أسبوعين من تعيينه، استنكر البحارنة حرب الإشاعات والتجييش المضرة بالوطن أولاً، وقال: "اتركونا نعمل، إن كان هناك أناس عقولهم صغيرة. فعلى الأقل لتعمل الناس المتفهمة والمحترمة مع بعضها البعض من أجل هذا الوطن" ثم اشتكى من الإعلام (الذي يعمل ليس على إجهاض الحوار الوطني كما وصله من فوق!، بل على إجهاض الوطن) قال: "تحدثت شخصياً إلى المعتصمين في السلمانية ووعدوني أنهم سيتركون مكان الاعتصام غداً، لكن بعد البرنامج الذي عرضه تلفزيون البحرين ووجه لهم أصابع الاتهام، أصروا على موقفهم وقرروا البقاء معتصمين. يجب أن نعمل مع بعضنا لنخرج من هذه الأزمة" قال ذلك منتقداً التأزيم الذي تعمده الإعلام وجهات أخرى كثيرة "منذ أول لحظة تم تعييننا فيه" **.

ماذا ينتظر الأطباء أيضاً؟ كيف سيعمل الإعلام على بث مشاهد مبتورة من سياقاتها وموجهة باتجاه الاتهامات المقصودة، وكيف سيعيش الأطباء لحظات أحداث المرفأ المالي وجامعة البحرين؟ في الحلقة القادمة.

* أم محمد تتصل بقناة وصال

** لقاء نزار البحارنة في صحيفة الأيام

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus