الحزام السلفي في الخليج

علي داوود - 2011-07-04 - 10:41 ص


علي داوود*

ليس أكثر حرارة من صيف هذه الأيام إلا حرارة الأصوات السلفية في البحرين، فهي حرارة مرتفعة شتاءً وصيفاً، وفي هذا الصيف يبدو الغبار والحرارة المرتفعة قريناً لهذا الوسط الذي وجد في الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين متسعاً للذهاب بعيداً في تسخين الأجواء، والدفع صوب إثارة كل الخصومات التاريخية التي لا تتجرد غالباً من رغباتها في قمع الآخر المختلف.

الريح التي عصفت بأجواء السياسة في هذا البلد، حملت في داخلها كل مفردات الجرب الفكري الذي يكفي لإصابة وطن صغير بالوباء المزمن، بات الخطاب السلفي وكأنه الفردة المدخرة لمحو كل خطوات العابرين في طريق المطالبة بالإصلاح، في مقابل الفردة الأخرى التي داس بها المشير على كل قيم الإنسان وحقوقه، وأعاد بها البلاد إلى زمن الجنون الذي حسب الناس أنهم طووا صفحته بالأمس، فكان صوت محمد خالد وجاسم السعيدي مرتفعاً كصوت الرصاص في الشوارع ضد كل الحركة الاحتجاجية قبل وبعد الرابع عشر من شهر مارس.

ستفتتح صورة السعيدي وهو يلوح بسيفه مرحلة الخراب التي تلت نزول البلطجية في مشهد المواجهة بين السلطة والمعارضة، وسترسم تصريحات محمد خالد المتكررة ضد "روافض البحرين" كما يصف ما تبقى من ملامح هذه الهبة التي تؤكد بأن ثمة غربان لا تكتفي بالنعيق في خرائب التاريخ، لكنها تريد أن تجمع كل حسابات التاريخ المؤجلة لمعركة كانوا دائماً يحلمون بصنع خاتمتها في البحرين.

مرايا البحر لا تعرف عادة هذه الوجوه التي تستعير جلافة الصحراء في خطابها، فسيرة الضاعنين في أطراف الخليج اعتادت أن تفتح أشرعتها للريح، وأن تقبل العابرين من هناك ككل الموانئ التي يكتب سيرتها الانفتاح، لكنها صنيعة الجار الكبير الذي شاء أن يصدر للجيران بضاعته الفكرية وهو يرسم خارطة لأمانه في المستقبل، شاء أن يستزرع أذرعه كالشوك في طريق التغيير، يتسلقون كل غيمة ليحبسوا المطر عن حياة الناس، لأن شاغلهم الآخرة التي لا يرون لها ثغراً إلا ثغراً واحداً سيلثم خدودهم في الغد.

الذين أبصروا الحياة أقليةً في وطن تحكمه سلفية فائضة يعرفون خطورة أن تضيق المسافة بين الحكم وبين أولئك، لأن جسر الوصول إلى هناك لا يمر إلا برمي المخالفين بالحصى، لتصبح السياسة فرعاً من سجالات الطوائف التي تحملنا إلى اصطفافات حتمية، نهايتها لا توصل إلا بالخراب، واستبدال أحلام الحياة الكريمة بالتمييز والإقصاء ونبش كل جراحات التاريخ تحت عنوان الدين الذي يسع كل شيء.

التمدد السلفي في البيئة السياسية الكويتية شاهد على هذا الممر الضيق الذي ينتظرنا كلما اختار الوطن أن يجتاز محطة أخرى باتجاه التغيير، وهاهم يؤكدون بين حين وآخر بأنهم قادرون دائماً على حبسنا في دوامة التنازع حول مفردات الصراع الطائفي، وعلى خلق طائفيات مضادة، وتعطيل الحالة المدنية للمجتمع، وهي المجموعات التي تستثمر دائماً تحالفاتها القبلية في تعزيز جبهتها السياسية، وقد كان واضحاً وفي المراحل المتقدمة على وجه الخصوص أثر السلفية السعودية ومرجعايتها الدينية  في توجيه هذه التجمعات والتكوينات السياسية التي أبانت بوضوح عن اصطفافها الطائفي في معالجة أحداث البحرين الأخيرة.

والحال أن السعودية ستبقى تراهن على تعزيز مواقع تلك المجموعات السلفية في الخليج من أجل ضمان خليج يشبهها ولا يفترق عن حدود تطلعاتها، وهذا الرهان يبقى غير ناجح معظم الوقت في البحرين، للاعتبارات الديموغرافية، والتركيبة السكانية، والذاكرة التاريخية لهذا البلد، لتبقى الأزمات وحدها البيئة الأكثر خصوبة لنمو هذه الأصوات الطفيليلة التي لا تعرف من السياسة إلا فضلاتها.

*كاتب سعودي

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus