البرلمان البريطاني لحكومته في 2013: تسمية البحرين "دولة مصدر قلق" إذا لم تحسن وضعها السياسي، والبريطانيون: الحكومة تدعم ديكتاتوريات الخليج

2014-01-11 - 7:22 م

مرآة البحرين (حصاد الساحات): لا يفتأ النظام البحريني يُحرج حليفه البريطاني، لم يبق للأخير ما يدافع به عن وجه الديكتاتور المبالغ في التعنت والاستعلاء، والمقاوم لأي خطوة حقيقية باتجاه الإصلاح. لا يزال النظام الحليف يتغاضى "في دعم واضح للمكاسب والمصالح، على حساب حقوق الإنسان"، هكذا يرى البريطانيون الغاضبون على حكومتهم، فيما حّذر البرلمان حكومته من "مخاطر فقدان المملكة المتحدة مصداقيتها إذا سمحت لنفسها أن تصبح مشتركة في المشاكل بدلاً من الحلول في تلك الدولة". 

البرلمان البريطاني، متمثلاً في لجنة الشؤون الخارجية، والتي قامت بالتحقيق في علاقات لندن مع كل من الرياض والمنامة، قرر في 2012 عقد جلسة استماع لمراجعة سياسات الحكومة البريطانية في منطقة الخليج، تحديدًا في السعودية والبحرين.

تتكون اللجنة من 11 عضوًا يمثلون مختلف الأحزاب البريطانية، دورها بحث العلاقة الثنائية بين بريطانيا والبحرين، وكيفية تعامل الحكومة البريطانية مع موجة الاحتجاجات الأخيرة في البحرين. الهدف هو التوصل إلى مدى فعالية الحكومة البريطانية في اتباع نهج متوازن يحافظ على مصالح المملكة المتحدة في الأمن والدفاع، والتجارة، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، وفيما إذا كانت السياسة البريطانية نحو الخليج قد نجحت في إنشاء شراكة استراتيجية في المنطقة ككل.

في يناير/ كانون الأول 2013، بدأت جلسة الاستماع الأولى فيما يخص الوضع البحريني. تواصل عمل اللجنة حتى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو تاريخ إصدارها للتقرير الختامي. 

ماذا حدث في وقائع الجلسات؟ وأي الشهادات تم استبعادها وأيها تم الاستماع إليها؟ وما هي خلاصة التقرير الختامي؟ وما ردود الفعل المحلية والعالمية حول التقرير؟ هذا ما نحصده في هذا التقرير.

أولاً: وقائع جلسات لجنة التحقيق:

في 22 يناير/ كانون الثاني 2013، عقدت لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس العموم البريطاني أول جلسة استماع لها، استمعت لشهادة مندوبي المؤسستين البحثيتين المرتبطتين بوزارة الخارجية (تشاتهام هاوس)، ووزارة الدفاع (روسي)، بالإضافة إلى اثنين من السفراء البريطانيين السابقين في البحرين، وهما: روجر تومكيس (كان سفيرًا بين 1981 و1984)، وروبن لامب (كان سفيرًا بين 2003 و2006).

أجمعت الشخصيات الأربع، على أن بريطانيا لن تنفع حلفاءها في الخليج إذا لم تكن صادقة معهم بشأن الحاجة إلى الإصلاحات. كما كشفت الإفادة التي قدمتها وزارة الخارجية أن حكومة المملكة أوصت في وقتٍ سابق بإلغاء 23 رخصة تصدير لمعدات مستخدمة في مكافحة الشغب وممنوحة لكل من الشرطة ووزارة الداخلية والحرس الوطني وقوة الدفاع البحريني، وأنه تم رفع اسم البحرين من قائمة التراخيص الثمانية عشر المفتوحة.  

وفي دورتها الخامسة، التي عقدت في 15 مايو/ أيار، استمعت اللجنة إلى شهادة مدير هيومن رايتس ووتش في المملكة المتحدة "ديفيد ميفام" ومدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية "وفيل لوثر".

برلمان

شارك في الجلسة أيضًا، النائب الوفاقي السابق والمستقيل علي الأسود، وعضو مركز البحرين لحقوق الإنسان مريم الخواجة، وعضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق نايجل رودلي. انتهت الجلسة إلى إجماع المنظمات والشخصيات على انتقاد سياسة حكومة المملكة المتحدة لفشلها في الضغط على البحرين بشكل كافٍ من أجل تنفيذ وعودها بالإصلاح، رغم الإمكانيات والصلاحيات الكبيرة التي تمتلكها بريطانيا في هذا الصدد. 

ففي إجابته عن سؤال حول مدى تنفيذ البحرين للإصلاحات، والدور الذي كان يفترض أن تلعبه المملكة المتحدة حيال ذلك، أجاب مدير هيومن رايتس ووتش ديفيد ميفام بالقول أنه "من الواضح أن الحكومة البريطانية تتحدث بشكل "مبالغ فيه" عن مستوى هذه الإصلاحات، وأن جهودها لإحداث تغيير لم يكن لها أي أثر حتى الآن، خاصةً فيما يتعلق بتعذيب المعتقلين وعدم المساءلة لأن هذين الانتهاكين ما يزالان مستمران".

من جهته أشار ممثل منظمة العفو الدولية فيل لوثر إلى وجود تراجع واضح، ومحاولات للتحايل في تنفيذ الإصلاحات، مستدلاً على ذلك باستخدام اتهامات جنائية في الاعتقالات التي تتم على أساس حرية التعبير، وإيجاد مراكز اعتقال غير رسمية يتعرض فيها المعتقلين لسوء المعاملة.

أما المتحدثان البحرينيان الأسود والخواجة، فقد اعتبرا أن ما تقوم به المملكة المتحدة في علاقاتها مع البحرين هو بمثابة "الضوء الأخضر" للسلطات لمواصلة ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ورفض الإصلاح. وقد جاء في مداخلة الخواجة: "إن خيار الدبلوماسية الذي تنتهجه المملكة في علاقاتها مع البحرين لن يجدي نفعًا وهناك حاجة إلى مزيد من الإدانة العلنية وإلى لعب دور الوسيط لتسهيل عملية الحوار مع السلطات البحرينية التي ترفض دائمًا هذه الفكرة".

كذلك أعرب عضو لجنة بسيوني نايجل رودلي عن قلقه من استخدام فكرة تدريب قوات الأمن لإعطاء الانطباع عن التغيير ولكن دون أن يحدث ذلك حقًا، ثم طالب المملكة المتحدة بالضغط على البحرين من أجل السماح للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب خوان منديز بدخول أراضيها للممارسة مهامّه، بعدما منعته السلطات الرسمية من ذلك. رودلي رأى في ملاحظاته الأخيرة أن دعم السعودية للمتشددين يقلص من مساحة التقارب بين المعارضة والنظام.

وفي جلستها السادسة، التي عُقدت في 18 يونيو/ حزيران، استمعت اللجنة إلى وزير الدولة لشؤون الأمن الاستراتيجي الدولي أندرو موريسون، وإلى وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت، اللذين أعطيا شهادتين متناقضتين تمامًا. ففي حين تحدثت وزارة الخارجية عن انتهاكات كبيرة لحقوق الانسان تُرتكب في البحرين، كانت وزارة الدفاع تتكلم عن علاقات مميزة ومتطورة معها، الأمر الذي دفع بأعضاء اللجنة إلى وضع الكثير من علامات الاستفهام حول هذا التناقض.

فعند الحديث عن الاتفاقية الدفاعية الجديدة التي وقعتها بريطانيا مع البحرين في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، رفض أندرو موريسون التطرق لمحتواها، متذرعًا بالسرية التي بموجبها تم التوقيع على الاتفاق. موريسون رفض أيضًا اتهام أحد أعضاء اللجنة للحكومة بأنها تخضع لرغبات دول الخليج التي تشتري الأسلحة، قائلاً "إن بيع الأسلحة جزء من العلاقات الاستراتيجية والتواصل مع تلك البلدان". ووجهت اللجنة سؤالاً فيما إذا كانت الأجهزة البريطانية قد استخدمت في قمع الأحداث في البحرين العام 2011، فأجاب الوزير أن "لجنة تقصي الحقائق شهدت بأن قوات درع الجزيرة التي تدربت أو استخدمت الأجهزة البريطانية لم تمارس قمعًا في الأحداث".

وفي المقابل حاول أليستر بيرت التهرّب من الإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تدين حكومته من خلال تمويه الأجوبة وتضييع المعنى. ردًا على سؤال عما إذا كانت وزارة الخارجية قد حققت التوازن بين التزامها بحقوق الإنسان والتزامها بالأمن والمصالح الاقتصادية في العلاقات مع كل من السعودية والبحرين، قال بيرت "إن مسؤولي الخارجية يبذلون قصارى جهدهم حول كيفية موازنة القيم مع المصالح، وإنه لا توجد طريقة محددة". وفيما يتعلق بإيران، قال الوزير بيرت إنه يعتقد أنها يمكن أن تشكل «تهديدًا خطيرًا» للبحرين، لكنه رفض الفكرة التي تقول بأنها حرضت على الحركات الاحتجاجية من شهر فبراير 2011، وانتقد الذين يريدون إلقاء اللوم على إيران بشأن كافة المشاكل الداخلية في البحرين.

رجب 9

ثانيًا: تساؤلات حول قائمة الشهادات

اللجنة، استبعدت شهادات عدد من المؤسسات والمنظمات والشخصيات البحرينية المعارضة للنظام والتي كانت قد تقدمت للشهادة، مثل جمعية الوفاق الوطني، كبرى القوى السياسية المعارضة والتي تحظى بقبول دولي واسع، كذلك تم استبعاد شهادة مركز البحرين لحقوق الإنسان الذي يرأسه الناشط المعتقل "نبيل رجب"، وشهادة مجموعة "بحرين ووتش" التي ترأسها الناشطة آلاء الشهابي.

كما استبعدت كذلك شهادة منظمة إندكس الدولية المدافعة عن حرية التعبير، وشهادة القيادي في حركة أحرار البحرين سعيد الشهابي، والمحامي محمد التاجر، والصحافي البريطاني "جون هورن"، والناشط التقني "مارك زاك"، والأستاذ السابق في جامعة البحرين "مايك ديبول".

بعض المراقبين اعتبر أن هذا الأمر مقصود ولم يأتِ صدفة، وأنه يُولّد قلقًا جديًا حول نتائج التحقيق، فالقائمة التي احتوت على 36 شهادة احتوت على 20 جهة مؤيدة للنظام مع أن بعضها لم يرقَ إلى مستوى المعايير المقبولة تمامًا.    

ورغم أنه لم تقبل شهادة شخصيات معارضة، إلا أن اللجنة قبلت شهادة أحد أفراد العائلة الحاكمة وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس الشورى خالد بن خليفة آل خليفة. ومن أبرز الجهات المحسوبة على المعارضة التي تم قبول شهادتها وتوثيقها، منظمة العفو الدولية، قناة اللؤلؤة الفضائية، والأستاذ "كريستيان ألريكسن" من منظمة تشاتم هاوس.

في السياق ذاته، أرسل اللورد "إيفبوري" خطابًا إلى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني النائب "ريتشاد أوتاواي" مبديًا انزعاجه الشديد وتفاجئه من هذا التصرف، ومنتقدا تجاهل اللجنة لشهادات المنظمات والجهات المؤيدة للمطالب الديمقراطية والمدافعة عن حقوق الإنسان في البحرين، وقبول شهادات منظمات "الغانغو" الحكومية في الوقت ذاته، مطالبًا بتوضيح.

يذكر أيضًا، أن عضو اللجنة النائبة البريطانية "آن كلويد" قد رفضت قبول هدية قدمتها لها سفيرة البحرين في لندن بمناسبة عيد الميلاد نهاية العام 2012، معتبرة ذلك بمثابة رشوة.

ثالثًا: ملخص التقرير الختامي

في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أصدرت اللجنة تقريرها النهائي، الذي خلص بوضوح إلى أن أجندة الإصلاحات في البحرين لا تعمل حاليًا، وأن التنفيذ البطيء لتوصيات لجنة بسيوني لتقصي الحقائق "مخيبٌ للآمال". اعتبر التقرير أن فشل الحكومة الشامل في تنفيذ القرارات الإصلاحية "لا يمكن تفسيره"، الأمر الذي يعني طعن اللجنة في الرأي الذي قدمته لها الحكومة البريطانية في شهادتها، والذي زعم أن البحرين "تسير في الاتجاه الصحيح في ظل ظروف صعبة ".

التقرير دعا الحكومة البريطانية لضمان أن لا يكون "الارتباط والدعم المقدم للبحرين غير مشروط في ظل استمرار الانتهاكات وبطء تنفيذ الإصلاحات". وحذر من مخاطر فقدان المملكة المتحدة مصداقيتها إذا سمحت لنفسها أن تصبح مشتركة في المشاكل بدلاً من الحلول في تلك الدولة. اعتبر التقرير أن بريطانيا محقة في مواصلة الانخراط مع البحرين والضغط من أجل إصلاحات معتدلة.

السلطات البريطانية كانت مُطَالَبة أيضًا في التقرير، بالاجتماع مع أعضاء المعارضة "كلما كان ذلك ممكنًا"، وبالعمل الجدي للسماح بوصول المنظمات غير الحكومية إلى البحرين، وبتسمية هذه الأخيرة كـ "دولة مصدر قلق" إذا لم يحصل أي تحسن في بداية العام 2014. ورغم إقراره بتعرضها لضغوط من "دول أخرى في الخليج”، إلا أن التقرير اعتبر أنه "لا يمكن أن يبرر ذلك استمرار حالة الجمود و بطء وتيرة التقدم في البلاد".

رابعًا: ردود الفعل حول التقرير

في اليوم الثاني لصدوره، حظي تقرير لجنة التحقيق البرلمانية بردود فعل واسعة داخلية وخارجية، قُراء "الغارديان” البريطانية، الذين تابعوا تغطية صحيفتهم للحدث، اتهموا الحكومة البريطانية بدعم الديكتاتوريات في قمع شعوبها من أجل المصالح والمكاسب على حساب حقوق الإنسان، كما انتقدوا في تعليقاتهم التي تجاوز عددها الـ 300 ما ورد في التقرير بأنه لا فائدة من إيقاف تسليح السعودية والبحرين، وربطوا ذلك بقمع المواطنين الشيعة في القطيف ومشاركة السعودية في قمع الانتفاضة في البحرين.

أما المعارضة في لندن، فقد اعتبرت ما انتهت إليه اللجنة بشأن البحرين، بأنها أكدت وجهة نظر المعارضة البحرينية وبرّأتها من تهمة ممارسة العنف حسب ادعاء النظام، لكنها انتقدت التأكيد على "العلاقات الودية" التي تربط المملكة المتحدة بنظام آل خليفة. 

الجمعيات والحركات السياسية المعارضة رفضت ما جاء في التقرير من تبرير لتزويد أنظمة دول مجلس التعاون بالسلاح والعتاد، ورغم اعتقادها بعدم جدية الحكومة البريطانية في ممارسة الضغط على العائلة الحاكمة، إلا أنها اعتبرت التقرير مدخلاً لفتح آفاقٍ جديدة أمام نشطاء حقوق الإنسان والسياسيين، من أجل قيام بحملات سياسية وإعلامية لوضع حد للانتهاكات الخطيرة في البلاد.

أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان علّق على محتوى التقرير: "لا عذر للحكومة البريطانية ولا لغيرها بعد هذا التحقيق إذا لم تعمل على الإيقاف الفوري للانتهاكات ودعم تحول فوري للديمقراطية في البحرين"، مضيفًا: "مع استمرار الثورة بسلمية سيحشر النظام في الزاوية أكثر فأكثر وسيفقد أي حليف على المستوى الدولي وسيقترب نصر الشعب".

أما حركة أحرار البحرين الإسلامية  فقالت في بيان أن "الحكومة البريطانية أصبحت في وضع صعب لأنها مطالبة بالضغط على صديق وفي يعتقد أنه محمي بشكل كامل من قبلها"، وأن هناك حاليًا "فرصة لممارسة المزيد من الضغوط الدولية لإجبار الحكم على تطبيق التوصيات الكثيرة التي فرضها المجتمع الدولي عليه"، مستدركة: "هذا لن يتحقق إلا إذا شعرت العائلة الحاكمة أن مستقبلها في الحكم مشروط بوفائها بالتزاماتها وتطبيقها تلك التوصيات".

من جهتها تساءلت جمعية العمل الإسلامي "أمل" في بيانها عن كيفية القول إن "السلطة تمارس صور الإصلاح للعالم بينما هي تمارس كل أساليب البطش على أرض الواقع وباسم القانون التي تملك كل مفاتيحه"، منتقدةً "تجاهل بريطانيا محاكمة آلاف المواطنين وإغلاق جمعيتها التي تعتبر ثاني أكبر الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين، واعتقال قياداتها وتهجير منتسبيها".

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus