الدبلوماسية البحرينية تحاول تحييد طهران في الصراع السياسي... وفوبيا إيران تختتم العام 2013 رغم سقوط بروباغندا الملك!

2014-01-13 - 9:52 م

"مملكة البحرين أفشلت مخططا خارجيا تم الإعداد له لمدة لا تقل عن عشرين أو ثلاثين عاماً استهدف البحرين حتى تكون الأرضية جاهزة لذلك، فلتهنأ البحرين بما أنجزته وليحفظ الله البلاد"

حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، 20 مارس/آذار 2011

مرآة البحرين (حصاد الساحات): كان آخر اتهام بحريني لإيران بالضلوع المباشر في أعمال مناهضة للنظام قد جهّز للنشر نهاية العام 2013، في سلسلة اتهامات لم يستطع حتى تقرير بسيوني أن يسدل عليها الستار!

كان 2013 عاما مليئا بالمتغيرات السياسية التي أقضّت مضجع النظام في البحرين، وجعلت من الدبلوماسية البحرينية تتحرك أكثر لتحييد إيران في الصراع السياسي الدائر منذ العام 2011 بين الأغلبية المعارضة والنظام القبلي.

لكن خاتمة 2013 كانت ادعاءً متكررا بوقوف الحرس الثوري الإيراني خلف تدريب ناشطين بحرينيين على تنفيذ تفجيرات في البلاد، وذلك إثر إلقاء القبض على مجموعة من المطاردين حاولوا الهروب من البلاد عبر البحر!

ورغم خطورة الاتّهام، لم تسحب البحرين سفيرها من إيران كما فعلت بعد مجرد تصريح من وزير الخارجية الإيراني في 15 مارس/آذار 2011، ولم تقم بأية إجراءات أخرى ولا حتى احتجاج!

جاء ذلك غداة الاتفاق الدولي بين إيران والعالم حول برنامجها النووي، والذي هزّ المعادلات السياسية في الإقليم وزاد من قلق النظام في البحرين على مصيره السياسي!

كيف اشتغلت الدبلوماسية البحرينية تجاه إيران على مدى 3 أعوام من عمر الثورة، ماذا يريد النظام البحريني من إيران، ولماذا يهاجمها ويتّهمها بتدبير التحركات السياسية المعارضة تارة، ثم يطلب منها الوساطة تارة أخرى؟

إيران: عبر التاريخ 

مرّت العلاقات بين البحرين وإيران بطورين مختلفين تماما في التاريخ الحديث والمعاصر، الأول كان الوقوف في وجه ادّعاءات شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي بتبعية البحرين لإيران، وبرلمانه الذي اعتبرها المحافظة رقم 14 في العام 1957، بحكم خضوعها الاسمي للدولة الصفوية والدولة الأفشارية فترة من التاريخ. انتهى هذا النزاع الذي كانت بريطانيا عاملا فيه، بإرسال بعثة تقصي من الأمم المتحدة في العام 1970 لاستطلاع رأي الشعب حول مصير البلاد السياسي.

لجأ حاكم البحرين وقتها عيسى بن سلمان آل خليفة إلى المراجع الدينية الشيعية في العراق لإقناع الشيعة في البحرين بدعم حكم آل خليفة ورفض التبعية لإيران في "الاستفتاء" المزمع، مطلقا وعوده للمرجعية بأن لا يظلم أي شيعي في البلاد. أراد البحرينيون الاستقلال، ليس حبا في حكم آل خليفة ولا ثقة به، ولكن لأنهم ببساطة لم يجدوا أنفسهم يوما تابعين لإيران، أو رعايا إيرانيين.

البحرين والشاه

الصحافي المصري محمد حسنين هيكل كشف في حديث متلفز نهاية العام المنصرم أنه كان أحد المفاوضين مع إيران حول "الجزر الإماراتية الثلاث"، مؤكّدا أن سكوت العرب عنها وبقاءها منطقة متنازع عليها جاء مقابل أن تبقى البحرين عربية تحت حكم سني رغم وجود أغلبية شيعية، طبقاً لمعادلة التوازن في المنطقة خلال الفترة التي سبقت الاستقلال.

ظلّت العلاقات ودية تماما بين البحرين و"شرطي الخليج" منذ العام 1970 وحتى سقوط نظام الشاه، كما اختفى الحديث عن مزاعم إيران بتبعية البحرين لها. تبادل النظامان الزيارات والتنسيق، وبينما زار أرفع الدبلوماسيين الإيرانيين البحرين، زار رئيس مجلس الدولة خليفة بن سلمان طهران في العام نفسه، كما زارها لاحقا حاكم البحرين عيسى بن سلمان، واستمرّ تبادل الزيارات حتى العام 1975، حين بلغت الاضطرابات السياسية في إيران أوجها!

وفي 1979 نجحت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة المرجع الديني الراحل آية الله الخميني، ليسقط نظام الشاه ويتأسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، الذي بات ينظر إليه على أنه الدولة الراعية للمسلمين الشيعة في أنحاء العالم، وهكذا منذ بداية الثمانينات، وفي عهد عيسى بن سلمان نفسه، لم تتوقف الاتهامات البحرينية لإيران بـ"تصدير الثورة"، ورعاية مخططات انقلابية ضد النظام الحاكم، وحوكم العديد من المعارضين الشيعة بتهم التخابر مع إيران وتهريب السلاح منها وتلقي أوامرها مباشرة أو عبر وكيلها في لبنان "حزب الله"!

لم تصدر عن النظام الإسلامي في إيران أية تصريحات رسمية تطالب بما كان يطالب به نظام الشاه في البحرين، وحتى على المستوى التنظيري لم يعلن عن أي مخطّط لدولة شيعية واحدة، أو حتى لاتّحاد شيعي، لكنّ اهتمام إيران بالشيعة في البحرين والسعودية ولبنان والعراق وغيرها من البلدان هو اهتمام مكشوف على الملأ، والتوجّهات التي تميل إلى التحالف معهم ودعمهم تلعب فيه الخلفية الدينية المشتركة دورا كبيرا.

وتاريخيّا، بعد جمود الحوزة الدينية في النجف الأشرف حين كان العراق تحت حكم حزب البعث، شكّلت الحوزة الدينية في مدينة قم المقدسة مقصد الكثير من البحرينيين الشيعة وباتت مصدرا تخرّج منه العديد من رجال الدين الشيعة في البحرين اليوم، وشكّل هذا عامل تلاق آخر استخدمه النظام للتشكيك في ولاء الشيعة في البحرين واتهام إيران بدعمهم، بل عمدت السلطات إلى منع البحرينيين المقيمين هناك من دخول البلاد خلال انتفاضة التسعينات.

مع ذلك، تؤكد الشواهد على أن النّظام حاول أن يحيّد إيران عن صراعه السياسي مع المعارضة الشيعية قدر الممكن، ومع تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران العام 1979 أرسلت البحرين سفيرا جديدا إلى طهران هو حسين راشد الصباغ، كما التقى وزير الخارجية البحريني السابق محمد بن مبارك آل خليفة بوزير خارجية إيران وقتها إبراهيم يزدي، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، وشكا له أن دول الخليج بما فيها البحرين متلهّفة على أن تكون لها علاقات طيبة مع النظام الجديد في إيران، إلا أنهم يجدون أنفسهم مهاجمين من النظام بشكل دائم، إذ وجّه لهم الاتهام بأنهم أمريكيون وصنائع الشاه، وأنهم يضطهدون الأقلية الشيعية، وأكد مبارك للوزير الإيراني أننا "لم نعد رجال الشاه بعد رحيله"! (محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله، ص 262). 

وساد الهدوء العلاقات بين النظام البحريني وإيران في فترات متقطّعة منذ العام 1979، وفي حين كان نائب رئيس الوزراء الإيراني صادق طبطبائي (1979) ووزير الخارجية الإيراني صادق قطب زاده (1980) أول مسئولين رفيعين من إيران الثورة يزوران البحرين، زار الملك البحريني حمد بن عيسى طهران في العام 2002، ليكون أول حاكم بحريني يزور إيران بعد سقوط نظام الشاه، وفي أحد تصريحاته أبدى الملك رغبته في تمتين العلاقات مع طهران في جميع المجالات، ورد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الزيارة بمثلها في العام 2003.

لكن وثيقة ويكيليكس مسربة تحمل الرقم 08MANAMA795، تاريخ 12 فبراير/شباط 2008، قالت إن القيادات البحرينية تركّز في أي محادثات ثنائية مع أمريكا على إيران، وتشير إلى أنه ليس هناك حب ضائع بين القيادة البحرينية والنظام الإيراني. ويرى الملك ووليّ العهد أن إيران تمثّل التهديد الأكثر جدية على المدى الطويل للبحرين والمنطقة. وبحسب الوثيقة "تبقى المسألة الشديدة الحساسية بالنسبة إلى الأسرة المالكة السنّية هي النفوذ الذي تملكه إيران لدى المعارضة الشيعية".

وثيقة أخرى لويكيليكس في 11/1/2006 كشفت أن الملك اشتكى من أنّ قطر أصبحت "ستاليت إيراني"، وأنه قال إن البحرينيين يجب أن يقيموا سلاماً حقيقياً مع الإسرائيليين "نحن جدّيون في الدفع في هذا الاتجاه، وفي لقاء الإسرائيليين... عندها يمكننا جميعاً أن نواجه إيران".

الباحثة الأسترالية في شؤون الشرق الأوسط زوي هولمان فسّرت السياسات البحرينية تجاه إيران باعتبار النزاع البحريني-الإيراني الحديث "ليس طائفيا بقدر ما هو استراتيجي".

فوبيا إيران ما بعد 14 فبراير

وفضلا عن مختلف التصريحات الرسمية التي اتّهمت إيران بالتدخل في البحرين أثناء احتجاجات فبراير/شباط 2011،  و"اختطاف الحراك السلمي والمطالب العادلة"، قال الملك حمد في حديث عقب قمع الاحتاجات بمساندة قوات سعودية وإماراتية "إن مملكة البحرين أفشلت مخططا خارجيا تم الإعداد له لمدة لا تقل عن عشرين أو ثلاثين عاماً استهدف البحرين حتى تكون الأرضية جاهزة لذلك، فلتهنأ البحرين بما أنجزته وليحفظ الله البلاد" واعتبر هذا التصريح اتهاما ضمنيا لإيران.

وبداية العام 2012 كشفت صحيفة إسرائيلية أن الملك اعتبر أن إيران تهديد مشترك للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من ناحية، وللبحرين من ناحية أخرى، في لقاء جمعه بنائب رئيس المؤتمر اليهودى العالمي.

بدا أن النظام من أعلى هرمه يتّجه بقوة إلى استخدام "الورقة الإيرانية" في تفسير الاحتجاجات التاريخية المناهضة له، والتغطية على جرائمه الواسعة ضد المحتجين. كان النّظام أول من بدأ بحرف مسار الأزمة السياسية عبر تصدير المشكلة الداخلية إلى الخارج، ووضع إيران والعالم في منتصف الصراع السياسي الدائر.

وبعد قمع اعتصام دوار اللؤلؤة منتصف مارس/آذار 2011، بلغ الأمر بالإعلام الموالي للنظام أن يتّهم أي جهة دولية تدعم مطالب المحتجين بأنها "صفوية" وموالية لإيران، في حين صرّحت الوكيل المساعد في وزارة الصحة مريم الجلاهمة أن أحد أفراد وفد منظمة هيومان رايتس ووتش كان إيرانيا مثيرة الشكوك حول حياديتها، وفي أحد أوضح التناقضات قبل الملك لاحقا بتعيين قاضية إيرانية في لجنة تقصي الحقائق التي رأسها البروفيسور شريف بسيوني!.

فوبيا إيران كانت على لسان كل صحافيي السلطة ومواليها، وكذلك البرامج التلفزيونية الحكومية، وخصوصا برنامج الراصد الذي انتقده تقرير بسيوني، وفي هذا الإطار برز مصطلح (الخونة) الذي كان يوصف به الشيعة البحرينيون إجمالا، باعتبار احتجاجاتهم خيانة للبلاد لصالح إيران التي يتهمون بموالاتها!.

وفبركت بعض اللافتات المحمولة في دوار اللؤلؤة لتظهر المحتجين كراغبين في استيراد الثورة الإيرانية، حيث استبدلت العبارة الحقيقية في إحدى اللافتات بعبارة "لا للعربي الخوّان... تحيا تحيا إيران"! وطالبت جهات موالية بغلق السفارة الإيرانية في البلاد في حين دعت غرفة التجارة والصناعة البحرينية إلى مقاطعة البضائع الإيرانية، ورددت شخصيات رفيعة من الموالاة أن ما يحدث ليس إلا "مؤامرة إيرانية أمريكية" ضد البحرين، الأمر الذي أثار استغراب وسائل الإعلام الدولية وقتها!.

وتعرّض معتقلون، بمن فيهم الأطباء، خلال فترة "الطوارئ" إلى التعذيب لإجبارهم على الاعتراف بأنهم كانوا على اتصال بالسلطات الإيرانية! أو أنهم عملاء إيرانيون، وأنهم جلبوا أسلحة من إيران، وكان المحققون يقولون لبعضهم أثناء التعذيب "إن الشيعة الخونة سيرسلون إلى العراق وإيران"، في حين هدد آخرون أحد المعتقلين بأنهم سيقتلونه ويقطّعونه إرباً ثم يرسلون هذه القطع إلى إيران، حسب ما ورد في تقرير بسيوني!.

درع الجزيرة

درع الجزيرة لمواجهة إيران، ودور الحرس الثوري!

وزعمت السلطات في شهادتها للجنة تقصي الحقائق أنها كانت قلقة بشأن احتمال تدخل إيراني مسلح في البحرين، وأن هذه المخاوف كانت من ضمن الأسباب الرئيسية وراء طلبها نشر قوات درع الجزيرة، مشيرة إلى أنها كان تخشى قيام وحدات من الأسطول الحربي الإيراني بمحاولة توصيل أسلحة للجماعات الشيعية المشاركة في التظاهرات! (التقرير، فقرة 1568).

وادّعت السلطات أيضا أن الدبلوماسيين العاملين بالسفارة الإيرانية بالمنامة كانوا على اتصال بزعماء وجماعات المعارضة البحرينية، وأنهم قاموا بتشجيع الزعماء على الاستمرار في التظاهرات وتصعيد المطالب، ما اضطرها لطرد أحد الدبلوماسيين. (التقرير، فقرة 1569).

واتّهمت السلطات 21 من زعماء المعارضة ضمن ما عرف بقضية قلب نظام الحكم (قضية الرموز) بأنهم (وعلى الأخص زعيم حركة حق حسن مشيمع) "تخابروا مع عناصر إيرانية" وسعوا "بأنفسهم" إلى حزب الله و"بعض العناصر من إيران" يستعدونهم ضد مملكة البحرين، وبحسب منطوق الحكم كان رد هذه الجهات أنها "شنت عبر قنواتها الفضائية الحرب العوان ضد مملكة البحرين"!.

وعادت السلطات لاحقا لتعلن على لسان وزير الخارجية البحريني تصديقها لرواية (شاكوري/مشيمع) التي روّجتها المخابرات السعودية، وزعمت أن أجهزة المخابرات كشفت ارتباطا مباشرا بين حسن مشيمع والضابط في الحرس الثوري علي غلام شاكوري، المسئول عن المخطط المزعوم لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عام 2011، إلا أنه لم تكن هناك أية تبعات قضائية حول ذلك، ولم تدخل هذه التفاصيل رسميا في محاكمة مشيمع. 

وفي أحد أهم زج "عملي" لإيران في احتجاجات 2011، كشف النقاب قبيل أيام من صدور تقرير بسيوني عن "خلية قطر" التي ضمّت مجموعة ناشطين قبض على بعضهم عند الحدود القطرية ثم اتهموا بالتخابر مع مسئولي الحرس الثوري في إيران للقيام بـ"أعمال عدائية ضد البحرين" كاستهداف المنشآت الحيوية والحساسة وضرب مقر وزارة الداخلية، وجسر الملك فهد، ومبنى السفارة السعودية، ورغم أن الاتهام جاء من قطر أساسا بحسب ما أعلنت السلطات في البحرين، فإن قطر لم تصدر أي تعليق رسمي، كما غابت محاضر التحقيق مع المتهمين في قطر، ولكن المحكمة قضت بسجنهم جميعا 10 سنوات، معتمدة على أدلة مثل حجوزات طيران إلى سوريا، مبالغ بالتومان الإيراني، وجهاز حاسوب يحتوي معلومات حساسة!.

سقوط البروباغندا الإيرانية على يد بسيوني

وجاء تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة البروفيسور شريف بسيوني صادما للنظام وللملك تحديدا، حين نفى أن يكون هناك تدخّل إيراني في أحداث 14 فبراير، لتسقط بذلك بروباغندا الملك التي عوّل عليها كثيرا في تفسيره لأحداث 2011.

وقال التقرير إن الدليل الذي قدمته حكومة البحرين للجنة حول تدخل جمهورية إيران الإسلامية في الشئون الداخلية لمملكة البحرين لا يقيم أي ربط مدرَك أو ملحوظ بين أحداث بعينها حدثت بالبحرين خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار 2011 وجمهورية إيران الإسلامية، وأن اللجنة لم تستطع التحقق أو التأكد من حقيقة الادعاءات الخاصة بوجود تدخل إيراني في هذه الأحداث (الفقرة 1584).

لقد اضطرت هذه النتيجة الصادمة الملك لأن يسارع في إلقاء خطابه التعليقي على التقرير في نفس اليوم، حتى لا يدع مجالا للمتربصين، حينذاك قال الملك معقبا على خطاب بسيوني: حين مددنا يد الأخوة الإسلامية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، رأينا في المقابل هجمة إعلامية شرسة في القنوات الإعلامية الرسمية الإيرانية تحرّض أبناء وطننا على التخريب وارتكاب أعمال العنف، مما أسهم في إذكاء نار الطائفية. وهو تدخل سافر لا يحتمل في شؤوننا الداخلية أدى إلى معاناة كبيرة لشعبنا ووطننا. وكما ذكرت بكل صواب، السيد رئيس اللجنة، فإن حكومة البحرين ليست في وضع يمكنها من تقديم أدلة على الصلات بين إيران وأحداث معينة في بلدنا هذا العام... ونأمل من القيادة الإيرانية أن تعيد النظر في مواقفها بترك السياسات التي تؤدي إلى العداء والفرقة .

لم يكن بسيوني أول من رفض هذه الادّعاءات وشكّك بها، فحتى المسئولون الأمريكيون لاحظوا أن أن السلطات البحرينية لم تقدّم أي دليل حسّي على وجود لحزب الله أو خلايا نائمة مرتبطة بإيران، بحسب وثيقة ويكيليكس مسرّبة تاريخها يرجع للعام 2008!.

ولاحقا رفضت هذه المزاعم من قبل لجنة التحقيق البرلمانية في السياسة البريطانية مع السعودية والبحرين، ورفضها أيضا وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس الذي أكد خلال تصريح في 15 مارس/آذار 2011 أنه لا دليل لديه حتى الآن على تورط إيراني في اندلاع الأزمة بالبحرين.

وهكذا توالت تصريحات المسئولين الدوليين والتي أكّدت أن لا أدلة على تدخّل إيراني في أحداث البحرين، وفي حين أكّد الوزير البريطاني السابق أليستر بيرت ذلك بوضوح، هوجمت تصريحات مخالفة للسفير البريطاني في البحرين إيان لينزي، لكنّه اضطر للتراجع عنها لاحقا، مؤكّدا أنه ليس لدى بلاده أي دليل على أن إيران دبرت الاحتجاجات التي شهدتها البحرين في 2011. 

حكاية "التدخّل الإيراني": مسلسل لا ينتهي

لم يسدل الستار على حكاية "التدخّل" الإيراني، وترك الملك عبر خطابه متّسعا للنظام إلى مزيد من الترويج لهذه البروباغندا ، دون حياء ولا خجل. وعليه استمرّت أبواق النظام وأجهزته الأمنية في كيل الاتهامات للجمهورية الإسلامية والكشف عن مزيد من المؤامرات والمخططات والتنظيمات العسكرية المدعومة من إيران!.

قائد الجيش البحريني المشير خليفة بن أحمد آل خليفة زعم من جهته في تصريح لصحيفة كويتية خلال يونيو/حزيران 2013 أن هناك "خلايا وميليشيات بغطاء إيراني في دول مجلس التعاون ودول عربية بعضها نائمة وبعضها يتحرك بحذر لتنفيذ أجندة طهران" واتهم المشير إيران بتدريب ما وصفها "مجموعات إرهابية" عبر سفيرها السابق في البحرين حسين أمير عبداللهيان!.

وزيرة شؤون الإعلام المتحدثة باسم الحكومة البحرينية سميرة رجب أدلت بدلوها هي الأخرى في أكثر من تصريح، قالت في أحدها إن بلادها أصبحت "ضحية لإيران عبر كم هائل من الفبركات والأكاذيب المختلقة". زاعمة أن إيران تحاول "العبور إلى شبه الجزيرة العربية عبر البحرين، لأنّها خاصرة ضعيفة" حسب وصفها.

طائرة تجسس

وفور إعلان السعودية القبض على "عناصر خلية تجسس، تعمل لصالح أجهزة الاستخبارات الإيرانية" في مايو/أيار 2013، زعم وزير الداخلية البحريني بشكل مفاجئ العثور على طائرة استطلاع إيرانية بدون طيار شمال البحرين، وقالت الناطقة باسم الحكومة سميرة رجب لاحقا إن الطيارة عثر عليها منذ أسبوعين!.

وفي تكذيب لهذه المزاعم التي ساقها النظام، نفت إيران بشدة أن تكون "أرسلت طائرة تجسس بدون طيار فوق البحرين"، وجاء في بيان للخارجية الإيرانية "بدلا من إطلاق مثل هذه الاتهامات التي لا أساس لها، سيكون من الأفضل للحكومة البحرينية أن تلبي المطالب المشروعة لشعبها".

مظاهرات 2

الدبلوماسية البحرينية تجاه إيران: البحث عن طريق عودة! 

وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة بدوره أطلق عددا كبيرا من التصريحات حول إيران منذ بدء الأزمة السياسية، تصريحات كثيرا ما كانت متناقضة، وكثيرا ما ارتفعت وهبطت بحسب الظروف والتطورات، وحين كانت الأحداث في أوجها خلال فبراير/شباط 2011 نفى الوزير أن يكون وراءها تدخل خارجي، ولم يتّهم إيران بأي شيء!.

أما بعد منتصف مارس/آذار فإنه لا يمكن أن تحصى عدد المرات التي زجّ فيها الوزير باسم إيران في مختلف المناسبات، خصوصا بعد التصريحات الشديدة التي صدرت عن مسئولين إيرانيين ضد التدخل السعودي في البلاد، وحملة القمع الحكومية.

وخلال زيارة للقاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، اتّهم الوزير إيران بأنها تتطلع إلى كسب تأييد الشيعية ساعية لنشر نظرية "ولاية الفقيه" في جميع أنحاء العالم.

وبعد الانقلاب العسكري في مصر، خرج وزير الخارجية من القاهرة في سبتمبر/أيلول 2013، ليزعم مجددا وقوف إيران خلف "عمليات إرهابية" استهدفت بلاده!.

ومن اللافت أن أغلب التنديدات المتشددة ضد إيران برزت على لسان وكيل وزارة الخارجية السفير حمد العامر، في حين حاول وزير الخارجية عدة مرات التخفيف على الأقل من حدّة الهجوم في توجّه دبلوماسي للحفاظ على طريق عودة للعلاقات مع إيران، وأكّد الوزير في إحدى تصريحاته العام المنصرم أن"العلاقات مع إيران لا تحتاج إلى وساطة لكنها تحتاج إلى تفاهم" متمنيا أن " تتطور العلاقة إلى الأفضل" حسب تعبيره. 

وقال أيضا إن البحرين "لا تبحث عن إثارة المشاكل مع إيران والتصريحات المسيئة بل ترد على الإساءات بالمثل"، داعياً طهران إلى تقديم "مبادرات بعيدة عن الإساءات".

وفي مقابلة مع صحيفة كويتية في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 قال وزير الخارجية البحريني "إننا نتطلع إلى خطوات عملية في تحسين العلاقة مع إيران، ونقول لهم إذا خطوتم خطوة سنخطوا خطوتين".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2013 أقامت سفارة البحرين في إيران حفلا بمناسبة العيد الوطني، ونشرت وكالة أنباء البحرين صورا من الحفل الذي قالت إن العديد من الشخصيات الإيرانية البارزة ورؤساء وأعضاء السلك الدبلوماسي، قد حضروه!.

وزير الخارجية يقترح عقد مؤتمر مناهض لإيران 

وأثارت تغريدة لوزير الخارجية البحريني ردود فعل إيرانية غاضبة، وذلك بعد أن اقترح في يناير/كانون الثاني 2013 عقد اجتماع مناهض للجمهورية الإسلامية تحت عنوان "أصدقاء إيران" - على غرار مؤتمر "أصدقاء سوريا" – الذي عقدته دول إقليمية وجهات معارضة لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.

وانتقد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست كلام وزير الخارجية البحريني معتبراً أنه مخالفة " للقواعد الدبلوماسية ولا تحتاج الى رد، وأضاف أن "أصدقاء إيران هم الشعب البحريني".

لقاءات بين وزير الخارجية البحريني ونظيره الإيراني

ورغم خفض التمثيل الدبلوماسي، والاتهامات الكبيرة والخطيرة التي وجهتها البحرين لإيران، لم تتوقف اللقاءات بين وزير الخارجية البحريني ونظيره الإيراني، حتى في العام 2011، وفي حين زار الوزير البحريني إيران، لم يزر أي مسئول إيراني رفيع البلاد منذ بدء الأزمة. 

وفي 26 سبتبمر/أيلول 2011 التقى وزير الخارجية البحريني بنظيره الإيراني علي أكبر صالحي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، ولاحقا صرح وكيل الخارجية حمد العامر أن الاجتماع لم يبحث القضايا الداخلية، وأنه كان بناء على طلب من الوزير الإيراني، الأمر الذي نفته إيران لاحقا!.

وفي سبتمبر/أيلول 2013، جمع لقاء آخر وزير الخارجية البحريني ونظيره الإيراني الجديد محمد جواد ظريف، واللافت أن ظريف صرّح رسميا أنه تباحث مع الوزير البحريني حول أوضاع المنطقة والبحرين، وكشف أنه نقل وجهة النظر الإيرانية عن الأحداث الجارية في البحرين والتحولات الجارية في المنطقة، دون أن تتّهمه السلطات في البحرين بالتدخل في شئونها هذه المرة أو تنفي تصريحاته!

وفي نوفمبر/تشرين الثاني وجّه وزير الخارحية البحريني دعوة إلى ظريف للمشاركة في منتدى "حوار المنامة"، لكن ظريف رفض تلبية الدعوة، وحضر عوضا عنه المستشار في الخارجية الإيرانية كاظم سجاد بور. 

دعوة ملكية لوساطة إيرانية "سراً"

وفي تحوّل درامي، كشف وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي في زيارة للأردن بداية شهر مايو/أيار، أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة طلب منه، على هامش اجتماع قمة زعماء دول منظمة التعاون الإسلامي في رمضان ما قبل الماضي، وساطة إيرانية للتفاوض مع المعارضة بحثاً عن حل سلمي لأزمة النظام.

أبدى صالحي يومها كل ترحيب، شرط أن تكون زيارته إلى البحرين علنية، إلا أن وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة طلب أن تبقى في إطار "سري" الأمر الذي رفضته إيران!.

وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة رد على تصريحات صالحي بالقول "لم أطلب من وزير خارجية إيران أن يزور البحرين سرا أو التدخل في شؤونها، وإن أحب أن يزور البحرين فليخاطبني رسميا"، مضيفاً  أن "البحرين لم ولن تطلب أبدا أية وساطة من أحد في شأن داخلي، وبالأخص من إيران".

لكن كلام صالحي أكده تصريح لاحق جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبداللهيان والذي لفت إلى أن المسؤولين البحرينيين "طلبوا من إيران مرات عدة المساعدة للخروج من الأوضاع الحالية، لكننا وبرغم إعلان استعدادنا لذلك لم نلمس الجدية من جانب الحكومة البحرينية".

الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أعرب من جهته عن استعداد بلاده المساهمة في إنهاء الأزمة بشكل عادل "على نحو شفاف وعلني وصريح استجابة لدعوة العاهل البحريني".

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus