بين أوباما وروحاني... قضية البحرين نحو التدويل من باب المفاوضات النووية مع إيران في 2013

2014-01-14 - 12:39 ص

"إذا كان الأفق في البحرين هو الذي عشناه في 14 فبراير 2011 فإن الحل سيكون إقليميا ودوليا على حساب المحلي"

الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2013

مرآة البحرين (حصاد الساحات): رغم أن انتخاب الشيخ حسن روحاني كرئيس لإيران كان من المفترض أن يغيّر في العلاقات الإيرانية –الخليجية وفق ما بشرت به تحليلات سياسية، إلا أن قضيّة البحرين دخلت منعطفا تاريخيا في العام 2013 بتدويلها عبر البوابة الإيرانية، حيث ربطتها طهران بالمفاوضات الدولية حول برنامجها النووي، والتي انتهت باتفاق هزّ كل المعادلات السياسية الدولية، وتوّجت بتقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لأول مرة منذ 1979.

موازين القوى الدولية والإقليمية بدأت في التخلخل بشكل سريع، والقلق السعودي من تنامي النفوذ الإيراني والتعاطي الغربي المختلف معه ظهر إلى العلن، ليكشف أكثر عن التجاذب الإيراني السعودي حول قضايا الإقليم وخصوصا في البحرين.

المواقف البحرينية أخذت تتقلب لتساير جواً دولياً بدأ ينفتح على إيران، ولتماشي في الوقت نفسه تشدداً سعودياً في رفض أي انفتاح على جارتها "اللدودة". أما المعارضة فقد تبنّت لغة أخرى بعد 24 نوفمبر!

روحاني: نريد العمل لتحقيق السلام في البحرين

وقبل انتخابه أكد روحاني أن الاستقلال السياسي والوحدة الوطنية والأمن في البحرين تمثل عوامل هامة لاستقرار المنطقة وأمنها.

وعقب انتخابه، هنأ ملك البحرين وولي عهده ورئيس وزرائه روحاني، بدوره، تمنى وزير الخارجية البحريني من الشيخ روحاني فتح صفحة جديدة مع دول مجلس التعاون.

أهم تصريحات روحاني عن موقفه إزاء الأزمة في البحرين، كانت في خطاب ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر/أيلول، وقال فيه إن صناديق الاقتراع هي الحل في البحرين وسوريا، مشيرا إلى أن بلاده تريد العمل لتحقيق السلام في سوريا والبحرين.

وفي الشهر ذاته نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً لروحاني دعا فيه المجتمع الدولي إلى العمل على الدفع بحوار وطني في البحرين، مشددا على حق شعوب المنطقة في تقرير مصائرها. 

تركي الفيصل

الرياض: لن نترك البحرين لإيران!

التجاذب السعودي-الإيراني حول قضية البحرين وسواها بدا واضحاً في عدد من تصريحات وزير الخارجية سعود الفيصل وأخيه رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل، الذي طالب في ختام منتدى حوار المنامة، إيران بوقف "تدخلاتها في شؤون البحرين". 

وكان تركي الفيصل قد شنّ هجوماً غير مسبوق في أكتوبر/تشرين الأول على أداء الإدارة الأمريكية حيـــال ملفات الإقليم منتقداً سياسة "فتح الذارعين" لإيران، فيما شــدد على أن من يعتقد بقبول الرياض ما سماه استيلاء إيران على البحرين فهو واهم. وأضاف الفيصل أن السعودية ستقف بحزم ضد أي تدخل إيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية خاصة التي بها شيعة مثل البحرين والعراق والكويت ولبنان واليمن.

أما من الجانب الإيراني فقد برزت تصريحات عدة منذ دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، من أحدث هذه التصريحات ما أدلى به الدبلوماسي الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي قال "لا يمكن القبول بأن تدخل البحرين قوات بلد مدججة بمئات الدبابات والمدافع والجنود بذريعة حماية المنشآت العامة".

موقف آخر جاء على لسان عبداللهيان واصفاً مزاعم تدخل إيران في شؤون البحرين بأنه "كذب محض"، وفي إشارة إلى السعودية قال إن "ما يبعث على الأسف أن الذي أطلق مثل تلك المزاعم ما زال يحتفظ بآلياته وقواته العسكرية في البحرين، كما يدعم الحرب الإرهابية في سوريا بشكل علني".

وفي محادثات أجراها في العراق في مارس/آذار، انتقد عبداللهيان استمرار وجود قوات درع الجزيرة في البحرين، معرباً عن أسفه "للمساس بسيادة واستقلال البحرين".

ورفضت طهران في ديسمبر/كانون الأول اقتراحاً تقدم به تركي الفيصل في خطابه بمنتدى "حوار المنامة" لمشاركة الدول الخليجية في المفاوضات النووية مع القوى العظمى (5+1)، في حين لفتت شبكات إخبارية أمريكية في تقرير إلى أن "حوار المنامة" الذي عقد نهاية العام الماضي، وحضره ممثلون عن السعودية وايران معاً، كان "محاولة للبحث عن أرضية مشتركة" بين الدولتين.

نزاع في الرياض بين السفير البحريني ونظيره الإيراني 

السفير البحريني في السعودية حمود بن عبدالله آل خليفة قال في تصريحات غريبة لصحيفة "الحياة" إن "الإيرانيين سبق وأن احتلوا البحرين إلا أن الشعب تصدى لهم وطردهم"، محذرا إيران "من أن عقارب الساعة لن تعود للوراء" على حد تعبيره.

ورد السفير الإيراني في السعودية محمد جواد رسولي محلاتي على تصريحات نظيره، داعياً إلى "تجنب التصريحات الوهمية"، مؤكدا أن "تكرار مثل هذه الاتهامات لا تحل المشاكل الموجودة في البحرين وإنما ستعمل على تعقيدها".

وتابع قائلا إن "تصريحات السفير البحريني ناتجة عن ضعف معرفته التاريخية ومعلوماته الحالية، وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما زالت تعترف بسيادة ووحدة أراضي البحرين وتعتقد أن المشكلات الراهنة في البحرين لها حل بحريني - بحريني وأن الحكومة البحرينية بإمكانها التمهيد لإجراء محادثات جادة من خلال خطوات لبناء الثقة". 

أمواج الجيوسياسيا الإقليمية

موقف المعارضة البحرينية من الصراع السعودي الإيراني أوضحه الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان بقوله إن المعارضة لا تريد أن تكون البحرين محل لعبة إقليمية أو دولية، مشيرا إلى أن البحرين دولة صغيرة ليس لها القدرة على معاداة أيٍ من إيران أو السعودية.

وفي مناسبة أخرى، كرر القيادي في الوفاق خليل المرزوق الموقف نفسه إذ أشار إلى أن من بين التحديات التي تواجه الديمقراطية في البحرين هي التجاذب الإيراني-السعودي، مردفا  أن "البحرين أصغر وأضعف من الصمود أمام أمواج الجيوسياسيا الإقليمية".

قضية البحرين نحو التدويل

ولم يعد سرا أن قضية البحرين، التي قال عنها عبد اللهيان بأنها قضية مهمة بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية، في طريقها إلى التدويل من باب المفاوضات النووية بين إيران ودول 5+1، إلى جانب قضية سوريا طبعا.  

وفي فبراير/شباط أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشكل صريح أن إيران قد "تقدمت بمقترح حول ضرورة إدراج الأزمتين السورية والبحرينية على جدول أعمال مفاوضاتها مع مجموعة 5+1"، المزمع عقدها في كازاخستان، وبدوره قدم الطرف المفاوض مقترحاته بحسب عراقجي.

وتلقّت البحرين هذا الإعلان بصدمة كبيرة، عبّر عنها غضب وكيل وزارة الخارجية السفير حمد العامر، الذي دان حينها "سعي إيران لزج ملف البحرين في مفاوضات ملفها النووي"، وحذر من أن "البحرين لن تصمت إزاء هذه المحاولة البائسة"، وكشف العامر رسميا أن هذه لم تكن المرة الأولى لمحاول إيران تدويل قضية البحرين، حيث نوقشت قضيتها في اجتماعات في موسكو وبغداد، بحسب ما قال.

ورفض مجلس التعاون هذا التحرك الإيراني واعتبره "تلاعباً بملف المفاوضات الإيرانية مع مجموعة 5+1 عن طريق خلط الأوراق السياسية"

كاتب لبناني نقل عن مصادر غير معروفة أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بحث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في اجتماع علني بنيويورك، شؤون المنطقة ومن ضمنها البحرين لمدة 40 دقيقة، مؤكّدا أن البحرين كانت البند الثالث في المحادثات الأمريكية الإيرانية بعد النووي وسوريا. 

وجاء ذكر البحرين المفاجئ على لسان الرئيس أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور الرئيس الإيراني روحاني، ليعيد قضية البحرين إلى الواجهة الدولية بشكل علني من جديد، ونقلت صحافية في قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني عن مصادر غير معروفة أن مسئولين في مكتب الرئيس الإيراني تلقوا خبر إدراج البحرين في خطاب أوباما مسبقا من نظرائهم في البيت الأبيض، فيما اعتبر خطوة من عدة خطوات مهّدت للاتصال التاريخي الأول بين البلدين على مستوى الرؤساء منذ نجاح الثورة في إيران.

وزعمت هذه المصادر أن قضية البحرين ذكرت مجدّدا خلال الاتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني، عبر وعود من الرئيس الأمريكي في ضمّها إلى الحوار بين الدول الكبرى وإيران إذا ما نجحت المفاوضات في الملف النووي!

المواقف السعودية وجدت في نفوذ إيران المتنامي تهديدا لنفوذها، وتتكشف دقة هذه القراءة في اعتذار السعودية عن قبولها العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي رفضاً للانفتاح الأميركي على إيران والذي وجدت فيه السعودية منحاً لدور إيراني في قضايا المنطقة وخصوصا في البحرين.

وبلغ الأمر مدى بعيدا حين دخل رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنايمين نتنياهو على الخط، وذكر البحرين نصاً في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، متبنيا موقف النظام في أنها تتعرض لتدخلات من الجانب الإيراني، وقال نتنياهو "إن إيران تساهم في عدم الاستقرار في البحرين ولبنان واليمن ودول أخرى"، ولم يصدر أي تعليق من مسئولين بحرينيين حول كلمة نتنياهو في حين تسرّبت معلومات عن تقارب مشبوه بين دول الخليج ومسئولين في الكيان الصهيوني في سبيل البحث عن حليف بديل يشاركهم العداء لإيران!

وفي منتدى حوار المنامة كشف نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي السابق الشيخ محمد صباح السالم الصباح أن إيران طلبت رسميا مناقشة ملفي البحرين وسوريا خلال محادثاتها النووية مع الدول الكبرى.

النووي الايراني

قلق 24 نوفمبر: اختلال المعادلات السياسية 

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، اهتزّت المعادلات السياسية الدولية بشكل رسمي بعد إعلان نجاح المفاوضات الدولية مع إيران وتوقيع الاتفاق المبدئي بينها وبين دول 5+1 بشأن برنامجها النووي، ما أثار بشدّة قلق دول الخليج على مصير القضيتين السورية والبحرينية ومستقبل علاقاتهم مع الغرب بشكل عام.

شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية قالت في تقرير إن السعودية "غاضبة من الاتفاق النووي مع إيران، وقلقة بشأن زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة"، وأكّد التقرير أن الكثير من العرب يرون ما يحدث خيانة من الولايات المتحدة.

وعلى عكس الامتعاض السعودي الذي اتضح منذ البداية، سارعت البحرين للترحيب بالاتفاق الدولي على لسان وزير خارجيتها، وجدّد الوزير ترحيب بلاده بالاتفاق معلنا في تطوّر آخر أنه وجّه دعوة لوزير الخارجية الإيراني لحضور "حوار المنامة". 

وتوالت الترحيبات المفاجئة ومحاولات التقرب البحرينية من إيران، فمن جانبه قال نجل الملك البحريني ناصر بن حمد آل خليفة في لقاء صحفي إن "أيدينا مفتوحة إلى إيران للتعاون"، مشيداً بالاتفاق، لكنّه قال إن القضية ليست البرنامج النووي فقط، هناك "قضايا أخرى تتشابك، ولا بد من إيجاد حلول شاملة".

وفي حوار المنامة أكد وزير الدولة لشؤون الدفاع محمد بن عبدالله آل خليفة ترحيبه بالتعاون مع طهران وأنّه "ليس لدينا أية مشكلة في هذا الخصوص"، لكنّه لم يخف قلق السلطات في البحرين من هذه التطورات حين صرّح بأن الاتفاق الدولي يثير كثيرا من التساؤلات. 

رغم ذلك، لم تحظ محاولات التقرّب البحرينية بتجاوب إيراني، واستثنى وزير الخارجية الإيراني البحرين من جولته الخليجية، كما لم يلبي الدعوة التي وجّهها إليه نظيره البحريني لحضور منتدى "حوار المنامة" في مؤشّر آخر على تمسك السياسة الإيرانية بالقضية البحرينية ودعمها مطالب المعارضة.

وبموازاة ترحيبها بالاتفاق، لم تخف السلطات في البحرين قلقها وتخوّفها، خصوصا في ظل التجاهل الإيراني الواضح لمحاولات التقرّب، ورسميا طلب النظام على لسان وزير الداخلية من دول 5+1 تطمينات بأن الاتفاق الدولي لن يكون على حساب أمن أي دولة خليجية.

الإرباك والقلق الكبير دفع وزير الخارجية البحريني، للاجتماع بسفراء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا للاستماع إلى تطمينات بشأن ما تضمنه الاتفاق الإيراني- الغربي، في حين طالب الوزير بوقف البرنامج النووي الإيراني، وذلك في موقف جديد خلافا للاتفاق الدولي!

رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان، تعقيبا على ما يشكله الاتفاق الدولي من تهديد لسلطاته، لجأ إلى أسطوانة "الاتحاد الخليجي" مجددا، وقال في تصريح إن المتغيرات العالمية تجعل من انتقال دول مجلس التعاون إلى الاتحاد أمرا ملحا، ورأى في تصريح سابق أن هناك "استهدافا للمنطقة يبدأ بالبحرين".

المخاوف البحرينية والخليجية استدعت حضور وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل لـ"حوار المنامة"، ليكون أول وزير أمريكي يزور البحرين منذ تفجّر ثورة 14 فبراير، وطمأن هيغل حلفاءه الخليجيين مؤكّدا "أننا لن نذهب بعيدا".

المعارضة ما بعد 24 نوفمبر: لغة أخرى!

وفي موقف لافت، أمل عالم الدين البحريني الشيخ عيسى قاسم أن تؤدي الاتفاقية النووية الأخيرة بين إيران ودول 5+1 في إحباط ما سمّاه سعيا صهيونياً جاداً ومتناميا بإشعال حربٍ تحرق منطقة الخليج وتلهب فتنة طائفية فيها.

موقف المعارضة من تأثير الاتفاق النووي على قضية البحرين رسمه أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان في حديث متلفز بعد 3 أيام من تاريخ الاتفاق، أكّد فيه أن "الأرضية بدأت تتمهد لإيجاد حل سياسي" داعيا السعودية ودول الإقليم إلى أن "يكونوا جزءا من حل إيجابي في البحرين".

وقال سلمان إن السعودية من مصلحتها أن يكون هناك حل في البحرين، مبديا اعتقاده بأن السعودية لا تضع خطوط حمراء للحل في البحرين، بناء على ماقال إنها تسريبات. 

سلمان أعلن بشكل صريح أن الحل الإقليمي والدولي لقضية البحرين سيكون حاضرا على حساب المحلي "إذا كان الأفق في البحرين هو الذي عشناه في 14 فبراير/شباط 2011" مؤكدا تفاؤله بذلك بعد تذليل المعيقات التي كانت موجودة حسبما وصف.

وبشأن استعداد المعارضة للتفاعل مع أي دور سعودي أو إيراني، أكد سلمان أن المعارضة لم تغلق الباب على أحد و"أي من كان سيساهم في هذا الحل ستكون أيدينا ممدودة له".

وحول وجود توجه للمعارضة لعقد مؤتمر في جنيف من أجل حل في البحرين، لفت سلمان إلى أن البحرين "بحاجة إلى جلسة جادة، وهي بحاجة إلى أقل من مؤتمر في جنيف، هي بحاجة إلى جدية من بعض السفراء المهمين وستحل الأمور".

البحرين في الملف الدولي

وفي ظل الشائعات عن تسوية إقليمية ترعاها الولايات المتحدة بالتنسيق مع إيران، وتتضمّن أزمة البحرين، لا يعرف إلى أين يسير الملف الدولي بالقضية، وماذا سيكون عليه المستقبل السياسي للبلاد الذي يبدو أنه خرج بعيدا جدا عن الداخل البحريني!

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus