جستين غينغلر: ولي العهد البحريني يبدأ تحركه

2014-01-25 - 11:04 ص

جستين غينغلر، فورين بوليسي

ترجمة: مرآة البحرين

في كانون الأول/ديسمبر 2013، تجاوزت السلطات البحرينية مسارًا سياسيًا كانت قد التزمته حتى في أحلك أيام الأحكام العرفية التي فُرِضَت في الأشهر التي تلت انتفاضة شباط/فبراير 2011، باعتقالها رئيس أكبر جمعية سياسية في البلاد ووجه المعارضة السياسية، الشيخ علي سلمان، بتهمة "التحريض على الكراهية الدينية ونشر أخبار كاذبة تضر بالأمن القومي." كثيرًا ما كان هناك انتقادات من داخل وخارج الحكومة تدّعي بأن خطبه الحماسية تشجع على بروز نوع من تكتيكات المقاومة العنيفة المتزايدة بشكل عرضي في البحرين، ومع ذلك، فإن أمين عام الوفاق قد احتفظ بالامتياز المشبوه بكونه زعيم المعارضة الرئيسية خارج السجن.

وبالتالي فإن اعتقاله غير المتوقع وحظره من السفر بانتظار المحاكمة، قد أظهر بأنه يعلن عن مرحلة جديدة في جهد ثلاث سنوات الآن في البحرين في إماتة النشاط السياسي، الذي لا تكون فيه الرموز الأساسية حتى - أولئك الذين قد يقوم بعض عناصرهم الأكثر راديكالية باتهام بجرم مغاير تمامًا لاختيارات الدولة- بمنأى عن ذلك. في الواقع، يبدو أن النظام قد استعد لينجح في تهديداته القديمة التي يكون فيها مصير الوفاق كمصير العديد من الجمعيات المعارضة الأخرى: حلّ بالجملة.

وبالتالي، لم يكن التغير في المشهد صغيرًا عندما وجد هذا المُحَرّض المزعوم على الكراهية الطائفية وتهديد الأمن الوطني فقط بعد ثلاث أسابيع نفسه ليس في غرفة الاستجواب، ولكن في ديوان القصر يجلس إلى جانب ملك البحرين المستقبلي. لقد جمع صوت الاعتدال الرئيسي في العائلة الحاكمة، ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة زعماء مختلف ألوان الطيف السياسي لبحث سُبُل إنقاذ "حوار وطني" وُلِد ميتًا، ولحسن الحظ، كان قد تمّ تعليقه قبل ذلك بأسبوع. فبعد ما يقارب عامًا من الاجتماعات التي كانت تُعقد كلّ أسبوعين، وافق المشاركون في الإجراءات الهزلية التي يرأسها وزير العدل على منهجيات هذه العملية حتى.

وبعيدًا عن النأي بنفسه عن رجل الدين الشيعي المُتّهم حديثًا، قدّم ولي العهد عرضًا لِما توصّل إليه في برنامجه السياسي. وللإعلان عن جهوده التفاوضية المُتجدّدة، نشر على حسابه الرسمي على تويتر صورة عن الجلسة تُركِّز بشكل مباشر على الشيخين. كانت الرسالة، إلى المتشددين داخل النظام بقدر ما هي للمجتمع، تنصّلًا واضحًا، وربما حتى تحديًا للاستراتيجية الأمنية الحالية التي تعتمدها الدولة للتعامل مع الاحتجاجات الجارية. وفي تقرير لها صدر قبل الاجتماع مع ولي العهد بيوم واحد فقط، وثّقت الوفاق 745 حالة اعتقال لمعارضين في شهر كانون الأول/ديسمبر 2013 وحده، بما في ذلك 31 حالة اعتقال تتضمن أطفالًا.

وصف بيان مشترك صادر عن الوفاق وأربع جمعيات معارضة أخرى المحادثات بأنها " صريحة وشفافة". وأكثر من ذلك، تمثّل مشاركة ولي العهد تنازلًا كبيرًا لصالح الكتلة، التي كانت شكواها الرئيسية في المفاوضات السابقة عدم وجود تمثيل رفيع المستوى للأسرة الحاكمة.

وبالإضافة إلى الكلمات المشجّعة من المشاركين، أخيرًا، فإن نطاق المحادثات المتجددة-نفسها- لقاءات ثنائية بدلا من مشاجرات متنافرة - يجب أن يُفضِي إلى تقدّم من وُجهَة نظر كلّ من الجمعيات السياسية والحكومة. فالأولى يمكنها أن تقدّم برامج متسقة بدلًا من النّضال للمشاركة في المحادثة، فيما تتجنب الدولة السيناريو الحرج بعقد مفاوضات سياسية جادة ثلاثية الاتجاهات مع الدوائر السنية والشيعية، والتي قد تجد نفسها في اتفاق مفاجئ.

ومع ذلك، تمثل مبادرة الشيخ سلمان شيئًا أكثر أهمية من العودة إلى حوار هادف، فمع هذه المبادرة، كان قد أعلن عودته-التي طال انتظارها- إلى الروابط الوطنية. ومن المفارقات، أن لقاءه الأخير مع علي سلمان - في آذار/مارس 2011 - الذي أثبت مشهد تراجعه السياسي، في الوقت الذي انهارت فيه محادثات التوصل الى تسوية للمظاهرات الجماهيرية عن طريق التفاوض في أقل من 24 ساعة، قد عجّل بانهيار مخيف في القانون والنظام. وفي صباح اليوم التالي،عبرت عدة آلاف من القوات البرية القادمة من المملكة العربية السعودية إلى البحرين ، وتُرك الشيخ سلمان في حرج كبير - ويُستهزأ به الآن حيث يُطلَق عليه اسم الأمير الساذج المستعد للمفاوضة على البلد - لأن أصحاب التفكير الأمني في العائلة المالكة قد دبروا حملة القمع الواسعة وحملة العقاب التي تلتها.

منذ ذلك اليوم، تم استقصاء ولي العهد بطريقة أو بأخرى عن السياسة، واضطر إلى مشاهدة عمه ومنافسه الرئيسي رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة يتعهد بعودة متعمدة إلى عقد من الإصلاحات الاقتصادية في العلامات التجارية والمؤسسات. وفي الوقت نفسه، يكتسب فصيل متشدد جديد في الديوان الملكي والوزارات ذات الصلة بالأمن نفوذًا غير مسبوق. وقد نجح جهد تدريجي لإعادة تمكين الشيخ سلمان، والذي بلغ ذروته عند تعيينه في منصب النائب الأول لرئيس الوزراء في آذار/مارس 2013، في إعادة مأسسة دوره في الحكومة، ولكن ليس هناك مرسوم ملكي يمكنه أن يعيد له ثقة زملائه من أفراد العائلة المالكة، ولا ثقة المواطنين البحرينيين.

السبب في أن ولي العهد الأمير سلمان قد اختار هذه الأيام لتجديد مزاعمه السياسية يرجع، ربما، إلى أسهمه المرتفعة أكثر من الانخفاض المُقَرّر في أسهم منافسيه. رئيس الوزراء، الذي يستمد قوته من شبكات المحسوبية الواسعة التي أنشئت على مدى فترة 44 سنة من حكمه، قد تورط مؤخرًا في فضيحة رشوة قديمة في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا). وتداعت قضية مكتب جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا في النهاية عندما رفض الشهود الإدلاء بشهادتهم، ولكن ليس قبل اعتراف الحكومة البحرينية في رسالة كتبها أحد نواب الشيخ خليفة أن المبالغ التي دُفِعَت للمسؤولين التنفيذيين في ألبا تمت بمعرفة وموافقة رئيس الوزراء. وتكشف دعوى منفصلة -تضم شركة ألكوا الامريكية لصناعة الألمنيوم ثُبِّتت في وقت سابق في كانون الثاني/يناير أيضًا- عن "عشرات الملايين من الرشى لمسؤولين في الحكومة البحرينية، بمن في ذلك كبار أعضاء العائلة المالكة في البحرين."

في الوقت نفسه، قلّل التقدم في معالجة المخاوف الخليجية والغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني من حماس المُحافظين في عائلة آل خليفة الذين قضوا السنوات الثلاث الماضية باستغلال وحتى زرع الخوف الشعبي من النفوذ الإيراني لإحباط أي مشاركة فعلية مع المعارضة التي يقودها الشيعة. في غياب هذا الحجاب الطائفي، فإن المطالب الدائمة لجمعية الوفاق وحلفائها -برلمان متمكن وتشكيل حكومة أكثر تمثيلًا ووضع حد لتجنيس لا رقابة عليه للأجانب للخدمة في الشرطة والجيش وبذل جهود جدّية لمكافحة الفساد- لا تبدو معقولة فحسب، بل تتماشى في الواقع إلى حد كبير مع الأهداف المعلنة للجماعات السنية "الموالية للحكومة " شكليًا .

بالتالي ليس من قبيل المصادفة أن يكون ولي العهد، في عودته السياسية، قد سلّط الضوء على تميزه المزعوم عن هذه الأعمال كالمعتاد. بعد أسبوع من تصدّر انهيار التحقيق الذي يتعلق بشركة ألبا في بريطانيا عناوين الصحف في البحرين، أحال الشيخ سلمان إلى النيابة العامة عددًا من القضايا المريبة من الكسب غير المشروع المُبَيّن في تقرير سنوي - رغم قلة احتمال التجاوب معه - صادر عن المكتب الوطني لمراجعة الحسابات. وكما أشار أحد مستشاري ولي العهد بإيجاز، فإنه "لم يكن يمكن لهذا الإعلان غير المسبوق أن يحصل على توقيت أفضل."

ويأتي تحركه أيضًا وسط تزايد التذمر الشعبي من تخفيض وشيك في الوقود والإعانات الأخرى في الوقت الذي تكافح فيه البحرين لتُوازن ميزانيتها المثقلة بالفساد. وكونه كوّن سمعته في بداية الألفية الثالثة كمُجَدّد اقتصادي، فإن عودة ظهور المزيد من الهموم المعيشية - بدلًا من القلق الضبابي من "التدخل الأجنبي" في شؤون البلاد -- تعطي الشيخ سلمان فرصًا لكسب تأييد المواطنين العاديين من جديد، وإن لم يكن كذلك، تأييد أصحاب الأعمال وأسيادهم في العائلة المالكة.

ومن المحتمل، بطبيعة الحال، أن ينضم هؤلاء إلى حلفائهم الذين يعيشون الإيرانوفوبيا (والمفسدين المتصورين ضمن المعارضة) في محاولة لعرقلة جهود ولي العهد، سواء من خلال النداءات الموجهة إلى الرأي العام أو أعمال التخريب المباشرة. ولكن، على نحو غير معتاد لهذا الجزء من العالم العربي، قد تكون الظروف الاقتصادية لمرة واحدة هنا في صالح الإصلاح السياسي.وكونه قد طُلِب منهم قبول اقتطاع مؤلم في أرباح الدولة، فإن البحرينيين من جميع الأطياف السياسية قد يوافقون على أنه قد حان الوقت لكي تقدم العائلة الحاكمة تنازلات من تلقاء نفسها.

20 كانون الثاني/يناير 2014
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus