حصاد السجون 2013: اقتحام العنابر وضرب السجناء وحرمان من العلاج والماء والثياب الشتوية

2014-01-28 - 11:27 م

"لا تعد الحكومة السجن مؤسسة لإعادة التأهيل، وإنما وسيلة لإنزال العقاب، لمعاقبتنا وشلّنا، حتى لا نتمتع من جديد بالقول والشجاعة لتحقيق أهدافنا".

نلسون مانديلا. في رسالة كتبها من سجنه إلى وزير العدل عام 1996.

 

مرآة البحرين (حصاد الساحات): في 25 ديسمبر 2013، سُرِّبت رسالة من المعتقلين السياسيين في سجن جو، تناولت الوضع الإنساني المقلق والمهين الذي يعيشون فيه، والذي "لا يخضع لأية مراجعة أو محاولة للتحسين" وفق قولهم. وأضافوا: "نعامل في السجن كأعداء، لا كسجناء، ولهذا يُمعن السجانون الذين ليس بينهم بحريني واحد، في التغليظ علينا والمعاملة المهينة لنا". 

ربما في رسالة سجناء جو، وفي مقولة مانديلا الذي كان يشبه سجناء جو في محنة المعاقبة والشلّ حينها، ما يختصر كل شيء، مع فارق الانتهاكات الكبير بين السجنين، لكن يبقى أن هدف السجن واحد: "لكي لا نتمتع من جديد بالقول والشجاعة لتحقيق أهدافنا".

العقاب والشلّ والمعاملة كأعداء، تختصر كل ما حدث ويحدث في السجون البحرينية من سوء المعاملة والانتهاك. في هذا التقرير نتعرض إلى الأبرز في العام  2013.

اقتحام العنابر وضرب السجناء

في نهاية شهر نوفمبر، اقتحمت قوات الأمن عنبر 1، وقامت بإغلاق الأبواب والاعتداء على السجناء بالضرب الوحشي بالهراوات وأعقاب البنادق، ووضعت 11 منهم في السجون الانفرادية، فيما ترك المصابون يواجهون مصيرهم دون علاج، رغم الكسور التي شملت مناطق مختلفة من أجسادهم.

تزامن ذلك مع حملة اعتداءات منظّمة على المعتقلين السياسيين في سجني "جو" و"الحوض الجاف"، في ظل أجواء أمنية مضطربة، في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر، قام عدد من المعتقلين بالإضراب عن الطعام على إثرها.

يلجأ المعتقلون عادة إلى الإضراب عن الطعام في حال استنفادهم كل الأساليب في توصيل معاناتهم إلى إدارات السجن، واستمرار الأخيرة في التجاهل، فيكون الإضراب عن الطعام احتجاجًا. أما إدارة السجن، فتقابله بالمزيد من التضييق، ومنعهم من زيارة الأهالي والاتصال بعوائلهم أو الشراء من (كانتين) السجن، وبدلاً من تعديل الوضع وتحسينه، تستخدم الضرب لإجبارهم على فك الإضراب.

خلال الأشهر الأربعة من مارس- يوليو، تعرض المعتقلون السياسيون في سجن "الحوض الجاف" إلى إهانات وانتهاكات عديدة، تفاوتت بين المنع من الخروج من غرفهم، والمنع من ممارسة شعائرهم الدينية، ومداهمة العنابر بهجمية، وإيقظاهم من النوم، وسرقة أغراضهم الشخصية، وإجبارهم على حلق شعورهم، والتنكيل بهم، إضافة إلى إخضاع ذويهم للتفتيش المهين. 

وأطلق سجناء في "الحوض الجاف"، في أغسطس المصادف لشهر رمضان، مناشدات لإنقاذهم من قبضة قوات النظام. أفادت المعلومات أن السجناء يتعرضون لأقسى حملة أمنية انتقامية، وتعرضوا إلى مداهمة العنابر مع إطلاق رصاص الشوزن الانشطاري داخل السجن، وكذلك إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة، وإغلاق المكيفات والنوافذ والأبواب.

الرموز: إما زي السجن أو الحرمان

ولعل ما حدث للقيادات السياسية الـ13، الذين اعتقلوا منذ مارس 2011، يظهر بوضوح جانبي الاستعداء الرسمي، والذي يهدف إلى (المعاقبة والشلّ)، فقد فُرض عليهم في مارس 2013 ارتداء زي السجن الرسمي، الذي لم يكن مفروضًا عليهم طيلة العامين السابقين. الرموز رفضوا ارتداء الزي كونهم معتقلين بسبب ممارستهم حرية التعبير، واعتبروه وسيلة جديدة لإذلالهم وتعريفهم على أنهم سجناء جنائيون، لكن الداخلية كانت لهم بالمرصاد وفرضت عليهم مجموعة أخرى من العقوبات بينها منع زيارات الأهالي لهم. 

واعترفت وزارة الداخلية  بـ"إرجاء مقابلة عدد من النزلاء لذويهم بسبب مخالفتهم للأنظمة المتبعة في إدارة الإصلاح والتأهيل" مشيرة إلى "مخالفات" تمثلت في رفضهم ارتداء الزّي المخصص بالنزلاء".

كما تم منع زعيم حركة حق "حسن مشيمع" من الذهاب إلى المستشفى  للعلاج من مرض السرطان لفترة طويلة، لرفضه ارتداء زي السجن. 

ومنع المعارضون الـ13 من الحصول على كل الأدوات الصحية لأكثر من شهرين، ودعا أهاليهم أبناء الشعب والجهات الحقوقية والدولية بالضغط للإفراج عنهم، فضلاً عن السماح بحقهم في لقاء عوائلهم. 

وفي 15 يوليو، قررت الرموز السياسية ارتداء زي السجن الرسمي بعد أكثر من 4 أشهر، من الامتناع والحرمان من الزيارات العائلية. وجاءت الموافقة بعد ضغط الأهالي والتشاور مع المحامين ودراسة الرموز للموضوع من جميع الجوانب، وذلك بعد تقوّي إدارة السجن وحرمانها لهم من الزيارات والعلاج والأدوية وكل احتياجاتهم الضرورية طوال 4 أشهر. 

سجناء

الالتقاء عبر الحواجز

يعاني كل من المعتقلين وذويهم صعوبة التواصل عبر الحاجز الزجاجي الغليظ، الذي عُمّم استخدامه، ليفصل بين المعتقل وذويه بشكل لا يمكنه من لمس أحد منهم أو احتضان أطفاله أو سماعهم بوضوح. وفي أكتوبر دخل "المعتقلون إضرابًا عن الطعام للمطالبة بحقهم بنزع الحاجز عند الزيارة ليلتقوا بأهاليهم مباشرة"، وجهوا فيها نداء إلى كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية من أجل تفقد أوضاعهم.

وفي فبراير ناشدت "الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان" النيابة العامة، بسرعة التدخل في مركز "الحوض الجاف"، للتحقق من ظروف احتجاز الموقوفين، بعد تنامي أخبار الانتهاكات التي تمارس ضدهم. 

اكتظاظ الزنازين

أشار سجناء جو إلى الوضع الانساني الصعب الذي يعيشون فيه وسط زنازين مكتظة بالمساجين، الذين يتزايدون يومًا بعد يوم. ذكروا في رسالة مسربة: "رغم أن الزنزانة الواحدة معدّة إلى 8 معتقلين بأصل 8 أسرّة، فإنها تشهد اكتظاظًا بالمعتقلين يصل بعضها إلى 15 معتقلاً، يقبعون في زنزانة صغيرة ليس بها متنفس مكان ولا هواء ولا مساحة للحركة".

وفي سجن "الحوض الجاف" تشير إحصائية (حسب مركز البحرين لحقوق الانسان) أن به 3000 سجين يتكدسون في زنازين صغيرة لا يوجد في بعضها نوافذ للتهوية على الإطلاق، وأنه على سبيل المثال "في عنبر رقم 3 في "الحوض الجاف" 10 زنازين تتسع كل منها لـ12 سرير، لكن ستة سجناء إضافيين يجبرون على النوم على الأرض بسبب اكتظاظ الزنازين التي لا يوجد في بعضها نوافذ للتهوية على الإطلاق".

سجون بلا ماء

مشكلة الماء في سجن جو مركبة الامتهان، بدأت تستشري خلال الشهرين الأخيرين من العام 2013، ولا تزال قائمة حتى ساعة كتابة التقرير. فمن جانب أن الماء المتوافر للشرب غير صحي وبه شوائب، و(كانتين) السجن لا يوفر كميات كافية من قنينات الماء التي يمكن لهم شراؤها على نفقتهم الخاصة، ومن جانب آخر تواصل انقطاع الماء المستخدم في قضاء الحاجة والاستحمام لفترات طويلة، مما يجعل البعض يقضي أيامًا دون استحمام. الماء لا يكفي الاستخدام اليومي لأعداد السجناء الآخذة في الازدياد يومًا بعد الآخر. ومع تغيّر الطقس ودخول فصل الشتاء أضيفت مشكلة ثالثة: عدم كفاية عدد السخانات لحاجة جميع النزلاء في السجن، إذ سرعان ما ينفد الماء الساخن في الوقت المخصص للاستحمام ويكون مصير الباقي الاستحمام في الماء البارد. 

بعض السجناء بدؤوا يشعرون بوعكات صحية غير مفهومة، وليس لها مقدمات سابقة. بعضهم تفاجأ بنزول مخاط دم من أنفه، وآخر يشعر بجفاف وآلام في مناطق مختلفة من الجسم، وآخر نقل أنه يشعر بألم شديد في عينه. عرض بعضهم على عيادة السجن، ولا تزال مشكلة الماء عالقة في مكانها دون حل حتى وقت كتابة هذا التقرير.

بلا ملابس شتوية

ومع دخول فصل الشتاء في نهاية العام، منعت إدارة كل من سجني "جو" و"الحوض الجاف" الأهالي من إدخال الملابس الشتوية لأبنائهم المحتجزين، وكذلك منعتهم من إدخال أغطية ثقيلة للنوم، في حين أن إدارة السجون لا توفر أجهزة تدفئة في الزنازين على الرغم من مطالبة المساجين المتكررة بذلك، ويُسمح للسجناء بأغطية خفيفة للنوم لا توفر لهم الدفء المطلوب، وهو ما يخالف قانون السجون. وقال الأهالي إن "التضييق الذي تستمر فيه إدارتا السجنين على حقوق المعتقلين الطبيعية والبديهية يشدد الحاجة إلى تدخل الصليب الأحمر والجهات الحقوقية من أجل إيقافها"، لافتين إلى أن "هذا التعسف والمخالفات التي تتم وسط سكوت المسؤولين يؤكد شراكتهم فيها". من جهتهم، أكد محامون مشاهدتهم معتقلين بلباس صيفي خلال محاكمتهم وهم يعانون من البرد في حين أن الشرطة كانت بلباس شتوي كامل.

السجن الانفرادي

هو وسيلة النظام لتغليظ العقوبة على المعتقلين، والإمعان في إذلالهم وكسرهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس أولها سجن الحقوقي نبيل رجب انفراديًا، وليس آخرها معاقبة بعض السجناء بين فترة وأخرى بالاختطاف من زنازينهم وأخذهم إلى أماكن مجهولة يتبين فيما بعد أنها سجون إنفرادية. توالت الأنباء عن بقاء العشرات في سجون في انفرادية في سجن جو، معظمهم تعرض للضرب من قبل الحرس وبينهم أطفال لأسباب انتقامية.

علي الطويل، المحكوم بالإعدام في تهمة قتل الشرطي المريسي في 2011، لا يزال يقضي في سجن انفرادي منذ صدور حكمه، وقد عرض عليه الشرطي تناول أقراص مشبوهة.

أما العسكري السابق فيصل العلوي (36 عامًا)، المتهم في قضية "خلية بوناصر"، فقد أضرب عن الطعام في مارس، احتجاجًا على سوء المعاملة التي يتلقاها في المعتقل، بسبب وضعه في زنزانة انفرادية تكثر فيها القوارض والحشرات، ولا يزال ممنوعًا من الحصول على أدويته، برغم اعتلال حالته الصحية، فضلاً عن التضييق عليه أثناء تأدية الصلاة

أما رضي القصاب، معتقل في قضية "5 طن"، فقد أوقف في السجن العسكري بالرفاع، ووضع في زنزانة انفرادية لأكثر من شهر، ومنع من الكلام مع أي فرد، وتعرض لتعذيب شديد تركز في منطقة البطن مكان إصابته في 2008، كما منع عنه الدواء.

تعذيب 2

الحرمان من العلاج

يعد الشهيد يوسف النشمي (31 عامًا)، أبرز ضحايا الحرمان من العلاج في السجن. توفي في 11 أكتوبر 2013، إثر تدهور حالته الصحية بعد ما لقيه من التعذيب في السجن، وبقي محرومًا من العلاج، ومنعت عنه أدويته التي يتعالج بها عن إنفلونزا شبه دائمة. أدخل المستشفى لاحقًا في حالة موت سريري حتى قضى.

أما حبيب أيوب المغني "23 عامًا"، المعتقل في أبريل 2012، والمتهم بقضية تفجير "العكر"، فقد أصبح يعاني من التهاب حاد في رجله والتهاب حاد في الدم، ولا يستطيع الحركة أو التنقل إلا باستخدام الكرسي المتحرك (ويل جير)، وذلك نتيجة للتعذيب الشديد الذي تعرض له في مبنى التحقيقات الجنائية على يد الجلاد عيسى المجالي، كما تعمدوا منعه من حضور جلسات المحاكمة الخاصة به.

الرياضي يونس الحاضر" 22عامًا"، حارس المنتخب الوطني للشباب، تعرض خلال الاعتقال للتعذيب الشديد بالتحقيقات في الثلاثة أيام الأولى، فضلاً عن كونه يعاني من مرض الصرع، سقط أمام والده في إحدى الزيارات، ومنع من العلاج مع طبيبه الخاص، كما منع من حضور جلسات المحكمة بسبب عدم قدرته على الحركة.

أحمد حسن المدهون "17 عامًا"،  تعرض لسوء المعاملة، وهو مصاب بالصرع ويحتاج إلى رعاية صحية دائمة، لكنه حرم من العلاج، مما أدى إلى تدهور خطير في صحته.

أما علي سعد (29عامًا)، والذي فقد بصره كليًا في تفجير غامض في بلدة الديه في نيسان 2009، وتم اعتقاله في مايو، فقد تعرض إلى المعاملة القاسية والمهينة الحاطة بالكرامة الإنسانية، ولم تراعى حالته الصحية وفقده لبصره، وقد أضرب عن الطعام في شهر يوليو بسبب منع العلاج عنه.

علي القصاب (18 سنة)، مصاب بمرض "السكلر" الحاد، اعتقل في يوليو بتهم تتعلق بالتجمهر وأعمال شغب، ومهاجمة بلدية كرزكان ، تعرض لسوء المعاملة ، ولم يحصل على ما يلزم من العلاج الطبي الكافي".

مصطفى عبد الجليل المقداد (17 عامًا)، معتقل في قضية ما يعرف بـ"هوزمان"، وحُكم عليه بالسجن 15 عامًا، ثم خفف الحكم إلى خمس سنوات، وفي المحاكمة الأخيرة إلى 3 سنوات، وهو يعاني من ضيق في التنفس، وإدارة السجن تمنع عنه العلاج.

وفي يناير2013 بدأ إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على سوء المعاملة من قبل إدارة السجن بحق المعتقلين، وحرم من إكمال دراسته.

وفي مايو في تعرض لتعذيب وحشي ونُقل إلى السجن الانفرادي، بعد اتهامه بالتحريض والاعتداء على شرطي، لتتضح بذلك الصورة التي حاولت وزارة الداخلية قلبها بعد فضيحة التعذيب الأخيرة، إذ عكست تأكيد رئيس "مركز البحرين لحقوق الإنسان" المعتقل نبيل رجب أنه رأى أطفالاً يُعذبون

أسوأ السجون سمعة في العالم

وفي نوفمبر أكد موقع "رصيف 22" أن سجن "جو" في البحرين هو من أسوأ السجون سمعة في العالم، وأوضح الموقع، في تقرير عن السجون الأسوأ سمعة في العالم، أنه "إذا ما قارنا سجون "جو" بعدد سكانها، تسجن البحرين عددًا من الأشخاص أكثر من أي بلد آخر في العالم العربي، من كل مئة ألف مواطن بحريني يقبع 275 في السجن

وحيال الانتهاكات المستمرة في سجن جو أبدت دائرة الحريات بجمعية "الوفاق" قلقها الكبير إزاء الأنباء التي تتحدث عن تعرض المعتقلين بسجن جو إلى سوء المعاملة، إلى جانب افتقار بعض المباني فيه إلى الخدمات الأساسية مثل الماء للشرب والوضوء والاستحمام. 

في حين استغرب"المرصد البحريني لحقوق الإنسان" الموقف الحكومي بعد رفض الشورى السماح لجمعيات حقوق الإنسان بزيارة السجون بعد وعوده لمجلس حقوق الإنسان بالتوقيع على البرتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي لمناهضة التعذيب 

ولم تتوقف الحكومة عن زعمها بأن المشهد الحقوقي في مملكة البحرين شهد تطورًا متناميًا على صعيد البرامج والمبادرات والاتفاقيات التي التزمت بها المملكة، وأنها وقعت على اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان لم تنضم إلى بعضها كبريات الدول، وتأتي مزاعمها في وقت تتزايد فيه إفادات معتقلين أمام القضاء البحريني بشأن تعرضهم للتعذيب، واستمرار منع البحرين زيارة مقررة للمقرر الخاص بالتعذيب خوان منديز.

ونظرُا لتزايد شكاوى انتهاكات السجون البحرينية، فقد أقامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أكتوبر ندوة لمناقشة الرعاية الصحية في أماكن الاحتجاز في البحرين، حيث أوضح رئيس البعثة الإقليمية للجنة جيرار بيترينيه  في بيان قوله: "نتطلع للعمل مع السلطات سعيًا إلى تنفيذ التوصيات التي تصدر عن الندوة".

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus