مراسل تلفزيون ITN البريطاني يحكي قصته في السلمانية

2011-07-09 - 11:25 ص

زوجة الشهيد عبدالرضا بوحميد في لقاء الأحبة


مرآة البحرين (خاص):
كثر الحديث عن المفقودين في الساعات الأولى للسابع عشر من فبراير/شباط، فما كان منا إلا أن حاولنا الاتصال بعائلات أحد المفقودين بغرض تسليط الضوء على هذا الجانب من الثورة البحرينية التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير، وحدث أن رتبنا الموعد ظهر الثامن عشر من فبراير في منطقة جدحفص مع شقيق لأحد المفقودين. أنهينا المهمة وتركنا المنطقة في الوقت الذي خرجت فيه مسيرة باتجاه الشرق، سألنا فأخبرونا أنهم متوجهين إلى مستشفى السلمانية، لكن قيادة المسيرة يبدو أنها غيرت رأيها في اللحظات الأخيرة. كنا، أنا البريطاني الجنسية مراسل قناة ITN البريطانية،  والمصور من نفس الجنسية، الذي أعمل معه، والمنتجة البحرينية نتبع الجمع بالسيارة، عندما رأينا المسيرة تنحرف عن مسارها، بدلا من مستشفى السلمانية ذهبت باتجاه دوار اللؤلؤة، فنزلنا من السيارة أنا والمصور وتوجهنا على الفور سيرا على الأقدام مع المحتجين الذين فتحوا صدورهم للنار.

حدسي الصحفي أخبرني أنهم سيفتحون النار على المتظاهرين، الذين رفعوا أيديهم منادين بالسلمية وبالعودة للدوار، ونحن نجري لنتمكن من نقل الحدث، كان إطلاق النار قد بدأ، وبحكم أنني وزميلي متمرسان في تغطية النزاعات والحروب، أدركنا من خلال أصوت الطلق أن ما يحدث في تلك اللحظات هو إطلاق للرصاص الحي، تبعه مسيلات للدموع.

صورنا الجرحى الذين سقطوا على الأرض، والمحتجين الذين نقلوهم إلى سيارات الأسعاف، وتوجهنا بعدها إلى مجمع السلمانية الطبي لاستقاء المعلومة الكاملة، والتعرف على نوع الإصابات وإذا ما كان هناك قتلى، فقد رأينا الكثير من الدماء على الأرض، خصوصا ذلك الشاب الذي كان في مقدمة الفوج، الذي أصابه الطلق الناري في رأسه.

ونحن في طريقنا إلى السيارة لنتجه لمستشفى السلمانية كان الكثير من الشباب يسير نحو الدوار، فسألناهم إلى أين أنتم ذاهبون؟ قالوا: للدوار، فأخبرناهم أن الجيش لا يزال قابع هناك وأنه حدث إطلاق للرصاص الحي، لم يبالوا لما نقول وقالوا، من استشهدوا ليسوا أحسن منا، وأحدهم قال: وماذا لدينا لنعيش من أجله، وأكملوا طريقهم بخطى خفيفة نحو الدوار، ولا نعلم ما الذي حدث لهم بعد ذلك. في السلمانية، كانت أفواج المحتجين تملأ الساحات، يصرخون وينادون بالقصاص، وهم مذهولون بأن أول معركة يخوضها الجيش البحريني منذ تأسيسه كانت ضد شبان بحرينيين عزل، كل ما طالبوا به هو المزيد من الديمقراطية وحياة أفضل للجميع. توجهنا نحو وحدة العناية المركزة بعد حوالي ساعتين من الحادثة، وكانت في أشد حالات الإنشغال والقلق، الأطباء والممرضات متجهمين ويحملون علامات الأسى في قلوبهم، بعضهم راح ينادي، أي جيش هذا الذي يقتل شعبه.

أحد الأطباء أجاب على أسألتنا، 4 حالتهم خطيرة وقد تم تحويلهم إلى العمليات، أحدهم مصاب بطلق ناري في رأسه، وآخر في صدره، وأكد لنا أن لا قتلى حتى الآن. للتأكد من المعلومة، توجهنا نحو المشرحة قبل مغادرة المجمع، وأكد لنا من كان هناك ألا قتلى اليوم، فقط أربعة قتلى هم الذين سقطوا بالأمس. توجهنا للفندق لنتمكن من عمل مونتاج للمادة التي جمعناها، لإرسالها للقناة ليتمكنوا من نشرها في وقت متأخر من ليل اليوم وصباح الغد، وهذا ما تمّ.

في صباح اليوم التالي كان مطلوب منا متابعة القصة، فتوجهنا للمجمع مرة أخرى، وبعد السؤال عن الجرحى، تم إخبارنا أنهم يرقدون في قسم العناية المركزة في الطابق الثاني، وقادنا أحد الأطباء إلى هناك، وفي الطريق، تحدث الطبيب عن ما رآه في الدوار صباح الخميس (17 فبراير) قال إن الشرطة والجيش سمحوا لنا بالدخول إلى المنطقة في الساعات الأولى للهجوم، ولكنهم منذ الساعة السادسة أو قبل ذلك منعوا الإسعاف من المرور، وكنا نريد أن نتأكد من عدم وجود جرحى أو قتلى آخرين، كما تعرض أحد طاقم الاسعاف للضرب وإصابة في رأسه وساعده.

كما أكد هذا الدكتور على أنه تم السماح لسيارات الإسعاف بالمرور بعد الثامنة صباحا، بعد وقوع المزيد من المصابين بالقرب من منطقة القفول بسبب تواجد للمحتجين في هذه المنطقة. وصنا للطابق الثاني، حيث كان طبيبان، أحدهما استشاري، وكان أهالي الجرحى يقفون في الخارج أحدهما متأثر جدا، والدموع تفيض من عينيه.

بدأنا الحديث مع الأطباء، فأخبرونا أنهم تلقوا هذه الحالات مساء الأمس (الجمعة)، وأنهم أدخلوا للعمليات لعمل اللازم، ولكن أحدهم متوفى دماغيا، وهو المصاب بطلق ناري في رأسه، عبد الرضا بو حميد، شرحوا لنا مدى فضاعة ما رأوه من إصابات بالرصاص في الرأس والرجلين، فوجهت لهم سؤالا عن نوعية الرصاص أو حجمه، فكان الجواب: "لا نعلم، فنحن لم نخض حربا من قبل، ولم نحمل السلاح، ولم تواجهنا أي حالات كهذه في السابق"، كان الحديث مع الأطباء أما شاشات التلفزيون، حيث الإعلام الرسمي، فقد كانت تنفي استخدام الرصاص.

ثم أطلعونا على بعض الصور، والأشعة للمصابين، فتعرفنا أنا وزميلي على حجم الرصاص المستخدم. تحدثنا مع شقيق عبد الرضا الذي كان منهارا، وتحدث إلى الكاميرا بانجليزيته المكسرة، قائلا: "هل تعرف الملك حمد؟ إذا مات أخي فهو المسئول". وراح يجهش بالبكاء، وكذلك كل من حوله، والأطباء. سمح لنا الأطباء بالدخول إلى وحدة العانية القصوى لتصوير الجرحى، فكان منظرهم وهم مدثرون بأعلام البحرين يفطر القلب، كما سنحت لنا الفرصة بأن نجري لقاء مع الدكتورة نهاد الشيراوي، استشارية العناية القصوى، التي حاولت إنقاذ عبد الرضا منذ لحظة وصوله، كانت ملامح الحزن والقلق بادية على وجهها، رغم أنها بدت قوية وتؤدي واجبها على أكمل وجه، تحلت بالأمل رغم أنها تعلم أن أيام وساعات عبد الرضا محدودة. غادرنا المكان والجو العام هو الحزن والأسى، وفي اليوم التالي تلقينا خبر وفاة عبد الرضا.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus