معهد كارنيغي للسلام الدولي: العلاقات السعودية الأمريكية في ظل الربيع العربي

2011-07-10 - 9:37 ص


ترجمة: مرآة البحرين.

يبدو أنّ التوتر في العلاقات الأميركية السعودية أخذ في التصاعد مع استمرار الاحتجاجات في العالم العربي. والبعض يخشى بأن علاقات غير ودية بين الرياض وواشنطن ستضر بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
في سؤال وجواب (Q&A)،يعتقد كريستوفر بوك أنّ ردة فعل كل من الرياض وواشنطن تجاه الربيع العربي كانت متضادة، فالسعودية ترغب في بقاء الوضع على ما هو عليه ولكنها في الوقت نفسه تخشى أن تقوم الولايات المتحدة باختيار الإصلاح السياسي على الأمن والاستقرار والمصالح بعيدة الأمد.
ولكن وفي نهاية المطاف تبقى العلاقات الأمريكية السعودية متينة وقوية، ومصالح الدولتين تتقاطع عند إيران والإرهاب والنفط وعملية السلام.
  وفي هذا الصدد فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى البحث عن الفرص للعمل مع السعودية في مجالات المصالح المشتركة.

كيف كانت ردة الفعل السعودية على الربيع العربي ؟
على أكثر من صعيد يمكن القول إنّ الربيع العربي قد فاجأ السعودية. فهو ليس وضعا إيجابيا للسعودية أو سياستها الخارجية، فهي ترغب في استقرار المنطقة واستمرار الوضع فيها على حاله. وعندما ينظر الكثيرون في الرياض  إلى المنطقة فإنهم يرون الكثير من أصدقائهم قد رحلوا فعلا ، كما في مصر وتونس أو أنّهم تحت التهديد، كما هو الحال في البحرين.

وإذا كانت هناك أنظمة في المنطقة سيسعد السعوديون برحيلها كالنظام الليبي مثلا، فإنّ ذلك لا يمنع إحساس الرياض بتزايد عدم الاستقرار في المنطقة، كما هو الحاصل في اليمن والبحرين وسوريا؛ وذلك لا يخدم المصالح السعودية بشيء.

هل تحاول السعودية احتواء موجة التغيير في المنطقة؟  
منذ بداية الربيع العربي رأينا السعودية تتحرك لدعم أصدقائها وحلفائها في المنطقة، كما حدث في مصر قبل مبارك وبعده، وللملكيات في المنطقة العربية، وكما حدث في مجلس التعاون الخليجي تلك المنظمة التي تظم دول الخليج العربية الست.
فالسعودية تواجدت على الأرض في البحرين لدعم الحكومة هناك في سعيها لإنهاء الحركة الاحتجاجية.

وهي تعمل أيضا على توسعة منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ليشمل الملكيات في كلّ من الأردن والمغرب.
ولدعم سياستها والدفع بها إلى الأمام، تستخدم السعودية خليطا من الأيديولوجية الدينية وإنفاق الأموال. ولقد رأينا كيف أنّ الشبكات الدينية المرتبطة بالسعودية تحركت لإيصال رسالة مفادها بأن التظاهر ضد الحكومة غير جائز شرعا، ففي النهاية ما يهم السعوديون هو الحفاظ على الوضع القائم كما هو.

هل توجد خصومة سعودية متنامية مع إيران؟
وعلى صعيد المنطقة، فإنّ السياسات الخارجية للسعودية تنحكم بشكل كبير بالخصومة مع إيران والتنافس معها. فالعلاقات مع إيران تشبه اللعبة ذات المجموع الصفري، أي إنّه إذا ربحت السعودية خسرت إيران، وإذا ربحت إيران خسرت السعودية، فلا يوجد للطرفين مكان يمكن أن يربحا فيه كلاهما.

وقد بدا ذلك جليا في البحرين، إذ إن وجود ملكية سنية مهددة بواسطة محتجين شيعة أجبرت السعودية على دعم ومساندة هذه الملكية. وإذا تحدثت مع المسئولين السعوديين فسيقولون لك إنّه يستحيل عليهم أن يروا قيام حكومة في البحرين قد توالي إيران على حدودهم.

وبأي شكل فإنهم - أي السعوديين – لا يستطيعون أن يتحملوا وجود حزب الله على حدودهم، و كلّ المسافة الفاصلة بين العربية السعودية والبحرين ما هي إلا كيلومترات قليلة.

ما مدى استقرار النظام السعودي ؟
العربية السعودية ليست محصنة تماما من الاحتجاجات، ولن تنجو بالكامل من الربيع العربي. ولكنها ستتخطاه بشكل أفضل من أي دولة أخرى في المنطقة؛ لأنها مجهزة بشكل أفضل لاحتواء هذا الربيع بفضل مؤسستها الدينية ومواردها المالية.

فقد أعلنت السعودية عزمها على إنفاق 136 ميليار دولار على برامج الرعاية الاجتماعية ؛ وذلك من أجل أن تقضي على محفزات  الثورة،  سواء أ كانت اقتصادية أم اجتماعية. ولذلك كانت الاحتجاجات في السعودية صغيرة جدا، ومحصورة في المنطقة الشرقية وبعض المدن الكبرى.

فهي من خلال تواجد الشرطة الكبير، ودخول المؤسسة الدينية الرسمية على الخط، وإنفاق الأموال استطاعت احتواء هذا المد، وسيجعلها تتخطى هذا الأمر بشكل أفضل من أي دولة أخرى في المنطقة.

ومن الأهمية بمكان  النظر أيضا إلى ما أحدثته وستحدثه حركة الاحتجاجات في أسعار النفط. فقد حددت السعودية سعر 88 دولارًا للبرميل الواحد؛ من أجل الوفاء بالتزامات إنفاقها على برامج الرعاية الاجتماعية. وبمعنى آخر هذا ما يجب أن تكسبه السعودية؛ حتى لا يظهر عجز في ميزانيتها. وبالنتيجة بات من الأرجح أن لا تقوم السعودية بالعمل على خفض أسعار النفط، ولكنها ستحاول في الوقت نفسه أن لا ترتفع أسعار النفط بشكل هائل.

هل العلاقات السعودية الأمريكية آخذة في الانحسار؟
لقد رأينا بروز توتر متزايد بين الرياض وواشنطن على خلفية الربيع العربي؛ إذ  تعتقد السعودية أن واشنطن لم تقم بإدارة العملية بالشكل الصحيح، وأنها قدمت قضايا الإصلاح السياسي على قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة.

في هذا الجزء من العالم تعد العلاقات الشخصية والصداقة والولاء أكثر أهمية من أي شيء آخر، ولقد رأينا الولايات المتحدة تساعد في إزالة أصدقاء قدامى للسعودية، كالرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس التونسي بن علي، ويشعر السعوديون بأنّ ذلك لن يتوقف.

يكره السعوديون الغموض وعدم الاستقرار وهذا ما يرونه حادث الآن. تشعر الرياض بأن الأمريكيين مهتمون ببقائهم في الجانب الصحيح من التاريخ أكثر من اهتمامهم بالوقوف إلى جانب أصدقائهم وأكثر من اهتمامهم بالعمل على الدفع بالاستقرار في المنطقة؛ مما يشكل مصدر قلق كبير جدا بالنسبة للسعوديين.

تاريخيا، يختلف السعوديون والأمريكيون في قضايا الداخل السعودي، ولكن البلدين يتفقان عادة في القضايا الدولية والقضايا التي تخص المنطقة. ولكن وبشكل متزايد لم يعد الأمر بهذا الشكل؛ فبشكل مطرد تنظر السعودية في ما حولها فتجد أن مصالح السياسة الخارجية لها لا تتقاطع مع تلك للولايات المتحدة، ولا تتقاطع مع المصالح الأمنية لواشنطن. إنّ السعودية في موضع  البحث والتعقب لمصالحها الذاتية.

ورغم كل ما قيل فإن العلاقات السعودية الأمريكية تبقى قوية في نهاية المطاف. ففي المنطقة هناك العديد من العلاقات الأمريكية الخاصة، وواحدة منها تلك التي تربطها بالسعودية. فبالرغم من كل الصعوبات والتوترات تبقى العلاقات السعودية الأمريكية قوية ومتينة وستبقى كذلك. فلا يوجد بلد في العالم يمكن أن يعطي السعودية ما تعطيه لها أمريكا والعكس صحيح.

ولهذا السبب فإن البلدين سيجبران على العمل سوية، وما هو مطلوب - وخصوصا من الجانب الأمريكي - هو إدارة أفضل لهذه العلاقات. وعلى الولايات المتحدة أن تتعلم كيف تشرك السعودية بشكل مثمر للدفع بالمصالح المشتركة للبلدين، وليس فقط المصالح الأمريكية.

ما أهمية العلاقات الأمريكية السعودية ؟
تعدّ السعودية المنتج الأكبر للنفط في العالم، وتعدّ إحدى أركان الترتيبات الأمنية في الخليج، وتعدّ أيضا رقما أساسيا في العالم السني. السعودية تعد على نحو لا يمكن التقليل منه، إنّها مهمة جدا بالنسبة لأمريكا في عدد من القضايا، كالطاقة والدفاع وأفغانستان وعملية السلام.

وفي الوقت نفسه فإنّ أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على إعطاء الضمانات الأمنية التي تحتاجها السعودية. وتاريخيا، فإنّ السعودية فضلت في تعاملاتها أمريكا على دول أخرى تشتري منها النفط بصورة أكبر كالصين مثلا،  بالإضافة إلى أنّ السعوديين يرغبون في إرسال أبنائهم إلى الجامعات في الولايات المتحدة، وإقامة أعمالهم فيها.ولا يودون أن يقوموا بالأعمال نفسه وبالدرجة نفسها في أماكن أخرى.
 
كيف يمكن تطوير العلاقات الأمريكية السعودية ؟
في معظم الأحيان يرغب الساسة الأمريكيون الذهاب إلى السعودية رغبة في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية الخارجية، مثل المصالحة مع حركة طالبان أو عملية السلام. واشنطن تطلب من الرياض مساعدتها في تحقيق الأمور التي تريدها.

ونادرا ما يذهب المسؤولون الأمريكيون إلى الرياض ويقولون إنّ السعودية لها مصالحها الذاتية، وأمريكا لها المصالح نفسها، ومن ثمّ كيف يمكن للبلدين أن يعملا على تحقيق هذه المصالح المشتركة، كالذي حدث أثناء الثمانينات من القرن الماضي عندما عمل البلدان سوية لدعم الأفغان ضد الاحتلال السوفيتي. كلا البلدين كانت لهما المصالح نفسها، وكلاهما عمل على تحقيقها؛ ولذلك سارت العلاقات على أحسن ما يرام.

ولذلك فإنه على الولايات المتحدة تغيير اتجاه هذه العلاقات من التركيز في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية فقط بمساعدة سعودية إلى التركيز في العمل سويا لتحقيق أهداف البلدين.

فعلى سبيل المثال، ورغم كل التوتر فإن اليمن من الأماكن التي تتفق فيها مصالح البلدين، في أنهم يريدون نقلا منظما وسلميا للسلطة. وكلاهما أيضا يريد محاربة القاعدة بالإضافة إلى عدد من القضايا الأمنية، ولكن هناك الجانب الاقتصادي أيضا. وكونها أكبر منتج للنفط في العالم، فإن السعودية تود استمرار عملية بيع النفط، وفي المقابل لكونها واحدة من أكبر مستهلكي النفط في العالم فإنّ الولايات المتحدة تود أن تبقى أسعار النفط معقولة.

ومن ثمّ فإنّ هناك قضايا في الاقتصاد والطاقة والدفاع والأمن تتطابق فيها مصالح البلدين، وعلى واشنطن والرياض العمل سوية للدفع بهذه الأهداف والمصالح.

ما مستقبل الأمن في الخليج؟
يعدّ أمن الخليج مصدر قلق لكل من الولايات المتحدة والسعودية. وهنالك بالتأكيد السؤال عن كيفية تصرف الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم وهي تسحب قواتها من العراق، وبالتأكيد سيكون التركيز في المصالح الأمنية المستمرة في العراق، ولكن كل من واشنطن والرياض يتشاركان وجهة النظر نفسها بخصوص إيران والتطورات في الخليج والاستقرار في هذا الجزء من العالم.

كلا البلدين يريدان العمل نحو خليج مستقر والتخفيف من احتمال بزوغ  إيران قوةً نووية ومنافسًا على الصعيد  الدولي.

21-6-2011

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus