شوكة الأطباء (الحلقة الرابعة): أطباء إرهابيون، بلطجية مسالمون

2011-07-10 - 12:42 م




مرآة البحرين (خاص): يعرض تلفزيون البحرين مشهداً لعدد من أفراد الكادر الطبي في وضع يبدو أنه احتفالي. يرددون أهازيج الصلاة على الرسول مع التصفيق ويهتفون: منصورين والناصر الله. مقدم البرنامج في تلفزيون البحرين يقول أن المشهد مأخوذ من مستشفى السلمانية الذي (يدعي) الأطباء أن بها عدد من الجرحى حسب قوله. ثم يشير إلى علي العكري ويصفه (بالإرهابي) (١). هذا في الوقت الذي لم يكن قد مضى على اعتقال علي العكري غير أيام، ولم يتم الانتهاء من التحقيق، ولم تجر محاكمته بعد، بل لا يزال حتى لحظة كتابة هذه المادة، رغم مثوله للقضاء العسكري،  لم يصدر في حقه حكم المحكمة العسكرية التي يجدها القانونيين غير شرعية.

المشهد ذاته يضعه أحد المنتديات الطائفية، ويقدّم له صاحبه بالتالي: "منظر مقرف للدكتور البلطجي علي العكري يصفق ويرقص ابتهاجا بتعيين الطائفي نزار البحارنة وزيرا للصحة بدلا عن فيصل الحمر الرجل الشهم الذي عاداه الرافضة لأنه سني". ثم يضيف "الإرهابي علي العكري حول السلمانية الى معتقل وساحة تعذيب واعتصامات وقاذورات ايرانية صفوية يرقص ويحتفل مع عدد من الاطباء الشيعة والممرضات الشيعيات بالانتصار ظهروا حقدهم وكرههم لاهل السنة بعد ان كشفهم الله عز وجل وجعل كيدهم في نحورهم". بهذا المستوى الركيك والطائفي والتخويني والتحريضي، تتعامل الأدوات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية للسلطة، مع كل من شارك المحتجين أو دعم مطالبهم أو عالج جرحاهم.

المشهد في حقيقته لم يكن مأخوذاً من مستشفى السلمانية أصلاً، بل من مركز الكويت الصحي الواقع في منطقة دار كليب. وهو المركز الصحي الذي تم تجهيزه في يوم المسيرة الحاشدة التي أطلق عليها بمسيرة الأكفان، والتي توجهت إلى قصر الصافرية بتاريخ السبت 12 مارس/ آذار 2011 (٢)، فقد كان التخوف كبيراً من تعرض هذه المسيرة لمواجهة قوات الأمن التي تواجدت قبل وقت انطلاقها بساعات. خاصة أن مسيرة اليوم السابق، وهي مسيرة الديوان الملكي في منطقة الرفاع، تعرضت لهجوم مكثف بمسيلات الدموع بعد انتهائها، فأثناء عودة المشاركين، تمت مباغتتهم بمسيلات الدموع من الخلف (٣).

يشرح أحد أفراد الطاقم الطبي من الشهود: "المشهد الذي تم عرضه والمزايدة عليه، كان بسبب فرحة الطاقم الطبي، أن انتهت مسيرة الصافرية بسلام ودون أية مواجهات، فقد كان التوجس منها كبيرا، ولبس الأكفان كان إشارة إلى خطورتها المحتملة".

آخر يعلق "تعودنا من الإعلام البحريني على اجتزاء الحدث، وتلبيسه سيناريو آخر، من أجل وصم المحتجين من الأطباء والمثقفين والمهنيين بأنهم خونة وصفويين، فقط لأنهم شيعة، يطالبون بإصلاحات".

في  هذه المسيرة، اقترح العكري  وجود الأطباء داخل سيارة الإسعاف، لسرعة معالجة الحالات الحرجة، بدلاً من انتظار وصولها للمركز الصحي أو المستشفى. رئيس مستشىفى السلمانية وليد  المانع، أكد في جلسات المحاكمة أن  الإسعاف  الذي خرج  في  هذه  المسيرة  كان  بتصريح، أي أن الأطباء لم يقوموا بهذا العمل دون إجراء إداري كما تدعي الروايات التي يتم ترويجها من قبل السلطة وإعلامها.
 
البلطجية
 
احمل العصا أو السيف ورافق الأمن..تكن صالحا

اليوم السابق (الجمعة 11 مارس/آذار 2011)، كانت مسيرة الديوان الملكي في منطقة الرفاع، بدأت من جهة منطقة عالي. المشاركون يحملون الورود ويتقدمون باتجاه (دوار الساعة) الواقع في الشارع المؤدي إلى ديوان الملكي. عند الدوار  يحتشد تجمهر مضاد يحمل السلاح الأبيض ويتهدد المشاركين مانعاً إياهم من دخول الرفاع باعتبارها منطقة (سنّية موالية) ولا يقبل أهلها دخول (الشيعة المحتجين). الأمن يباشر الجماعة المسلحة ويقف بجانبها ومعها. المسيرة الحاشدة تتقدم، على بعد حوالي 300 متر من دوار الساعة، يشكل الأمن سلسلة بشرية تمنع المسيرة من التقدم أكثر. المشاركون يتجنبون استفزاز الأمن أو التجمهر المضاد، يتوقفون، يرددون هتافات الوحدة، يسلمون الورود لرجال الأمن قبل أن يقرروا التراجع للوراء والعودة لنقطة البداية.
أثناء العودة يتفاجأ المشاركون بهجوم من الخلف من قبل الجماعة المسلحة بالأسلحة البيضاء وبالحجارة، الهجوم يحدث تحت مرأى رجال الأمن. الأمن يقوم بإلقاء مسيلات الدموع بكثافة، لكن ليس على المهاجِمين، بل على المهاجَمين (٤). سيتفاجأ المهاجَمين أيضاً بتحطيم عدد كبير من سياراتهم في المنطقة التي كانت محاصرة بالكامل من قبل قوات الأمن (؟) (٥).
المصابين يتم نقلهم إلى مركز عالي الصحي، مصادر تنقل أن عدد المصابين فاق القدرة الاستيعابية للمركز، قسم منهم نقل إلى مستشفى السلمانية، حالات ثلاث أدخلت الانعاش.


 
حفظ الممتلكات العامة و الخاصة
الجماعة المسلحة هنا، لم تكن تعمل لوحدها، تزامنت مع ظاهرة جديدة انتشرت فيالأيام الأخيرة قبل نزول قوات درع الجزيرة. يبدو أن الهدف منها هو التمهيدلهذا الدخول وتبريره. عصابات من المدنيين الملثمين يحملون أسلحة بيضاء، يهاجمون مناطق الشيعة، يعتدون على الناس ويحطمون سياراتهم وما يقع تحت أيديهم من ممتلكاتهم الخاصة. جرى تسميتهم (البلطجية)، على غرار التسمية التي أطلقها المصريون على العصابات التى هاجمت ميدان التحرير بالجمال والبغال والحمير وقذفوا الناس بالطوب والحجارة. وهي مجموعات مدفوعة الأجر، تقوم بأعمال عنف وتخريب ممتلكات خاصة، تحركها عناصر مدعومة من قبل السلطة، تهدف إلى زعزعة الأمن وإشاعة الذعر والفوضى، وإظهار أن الفوضى ناتجة عن هذهالحركة الاحتجاجية، الأمر الذي يبرر قمع النظام لها.

التسمية هنا تشابهت لأن الفعل تشابه، والهدف، كذلك النتيجة. الفرق أن المعتصمين في مصر كانوا يقومون بإلقاء القبض على (البلطجية) لتسليمهم إلى رجال الجيش. لكن في البحرين، كان هؤلاء يقومون بأعمال العنف والتخريب على مرأى رجال الأمن وتحت حمايتهم، وحين يتوجه المعتصمون بتقديم شكوى ضد أعمالهم التخريبية في مراكز الشرطة، لم تكن إجابة مراكز الأمن أكثر من "قدموا بلاغ".

هذه الجماعات سرعان ما عُمد إلى نشرها داخل المناطق والأحياء السكنية الشيعية. ففي الوقت الذي كان شباب هذه القرى يعتصمون في دوار اللؤلؤة، كان هؤلاء يشنون هجومات مسلحة على أهالي المنطقة.


مسلحون في المنامة
 

ثمة من يتساءل الآن، ما دخل هذه العصابات المسلحة، في ملف الكادر الطبي؟
باختصار، عدد من (الشيعة) تجري محاكمتهم الآن في القضاء العسكري بتهمة الاعتداء على آسيويين، عدد آخر من (الكادر الطبي) يحاكم أيضاً، بتهمة احتجاز مصابين آسيويين في مستشفى السلمانية كأسرى. كيف؟

في 17 مارس 2011، عرض تلفزيون البحرين مشهداً مصوراً لسيارة إسعاف، تقف وسط تجمهر كبير داخل باحة مجمع السلمانية الطبي (٦). يُفتح باب الإسعاف لينزل منه عدد من الآسيويين المقيدة أيديهم وسط جمهور يهم بالهجوم عليهم، ينقطع المشهد. التقرير التلفزيونى المصور يقول: "ان هؤلاء المجرمين والخارجين على القانون (يعني الكادر الطبي) حولوا سيارات الإسعاف بمجمع السلمانية الطبى والتى يفترض بها أن تنقل وتسعف المرضى لكى تصل بهم الى المكان الذى يتم فيه العلاج من الألم والجرح، كما أظهرت المشاهد المصورة، حولوها إلى وسيلة للإرهاب تنقل الأبرياء إلى المكان الذى سيتم تعذيبهم فيه. وتساءل تلفزيون البحرين فى تقريره المصور: "هل هذه الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية هى ما يدعيه هؤلاء الخارجون عن القانون من أصحاب المطالب المشروعة كما يزعمون؟"
 
السؤال الذي لم يطرحه هذا التقرير المصور، ولن يطرحه، هو ما الذي جعل هؤلاء المتجمهرين غاضبين بهذا القدر على هذه المجموعة من الآسيويين "نحن شعب تعايش مع الاسيويين طوال عمره، لماذا الآن بالذات الاعتداء عليهم؟ ما الذي فعله هؤلاء وتسبب في هياج الناس بهذا القدر الذي أظهره المشهد؟ ولماذا لم نشهد حادث اعتداء على الآسيويين قبل هذا الحادث أو بعده؟" يرد أحد شهود من الكادر الطبي. آخر يضيف " في المشهد المعروض كان من الواضح أن الكادر الطبي يقوم بعمل سلسلة بشرية لحماية الآسيويين من المتجمهرين الغاضبين، لكن التلفزيون كان يُخبر أن الطاقم هو من يقوم بالضرب وهذا يكذبه المشهد ذاته".



ما هي الحكاية المخفيّة في سياق هذا المشهد؟
   
شارك في الحدث مواطن مخلص وعسكري باكستاني!

في أحياء المنامة العاصمة (13 مارس/ آذار 2011)، يتفاجأ الأهالي بعد صلاة العشاء، بعدد من الآسيويين مندسين من خارج منطقة المنامة، يحملون الجنسية الباكستانية والبنغالية، ينتشرون في أزقة المنامة، ويهاجمون المارة بالأسلحة البيضاء والعصي والأسياخ والحجارة. سريعاً ما وردت إصابات متفاوتة إلى مستشفى السلمانية، حالات تعرضت لإصابات بأسلحة بيضاء.

فريق آخر من الآسيويين كان يلقي الحجارة والطابوق من أسطح بعض المباني "كنت أسير في أحد الأزقة برفقة إحدى قريباتي حين أُلقيت علينا حجارة من سطح أحد المباني، وقعت كسرة منها على قدمي" تقول إحداهن.
 
الرسائل النصية تم تداولها سريعاً، عدد من الشباب المعتصمين في الدوار غادروا نحو المنامة لردع الهجوم. أيضاً، الشباب من سكنة المنطقة خرجوا لحماية أهاليهم، سريعاً ما اشتعلت الاشتباكات بين الطرفين "كان لا بد لنا من الدفاع عن أنفسنا وأهلنا، لقد دفعوا لهم ليهددوا حياة الناس وليثيروا الرعب والفوضى، لم يكن ممكنا أن نتركهم يعيثون في مناطقنا السكنية ترويعاً واعتداء على أهلنا ونقف صامتين"، يضيف "الدفاع عن النفس ليس خروجاً عن السلمية".

يضيف آخر "لم يكن أمام شباب المنطقة سوى مواجتهم، عدد كبير منهم هم من رجال الأمن، لمن نشتكيهم إذاً؟" الاسيويون فروا للاختباء في بيوت المقيمين من الجنسية نفسها، الاشتباكات استمرت طويلاً. بعدها دخل  بعض الاسيويين من سكنة المنطقة نفسها على خط الاشتباكات.

وغاضبون في السلمانية

النداء في السلمانية أعلن عن وجود مصابين من الطرفين، سيارات إسعاف خرجت لنقل المصابين برفقة أطباء منهم غسان ضيف. أحدها عاد بالجرحى من أهل المنامة، وآخر نقل الآسيويين، إصابات بليغة ل12 ممن يحملون الجنسية الباكستانية، بعضهم عسكريون "بينما كان الطاقم الطبي يقوم بمعالجته، تفاجأنا بأحد الاسيويين يرتدي لباساً عسكرياً تحت ثوبه" يقول أحد الشهود.

إحدى الطبيبات خرجت في سيارة إسعاف من أجل إحضار الجرحى من الطرفين، تروي مشاهدتها: "عندما وصلنا كان الاشتباك بين الطرفين، الآسيويون كانوا يحملون الأسلحة البيضاء، الشباب تمكنوا من بعض الآسيويين وقاموا بتقييدهم كي يأمنوا ألا يعاودوا الهجوم عليهم، الإصابات كانت من الطرفين، نحن أيضاً تعرضنا لهجوم من الاسيويين، كانوا عنيفين ومخيفين. حملنا المصابين من الطرفين في سيارات منفصلة، صرت في إسعاف الآسيويين،كنت أقدم لهم الإسعافات الأولية عندما صرخ فيّ أحدهم أن أفتح رباطه، ارتعبت وخفت أن يهجم علي، لم أستجب له، قدمت لهم الإسعاف اللازم حتى وصلنا المستشفى".   
   
نقل الآسويين المصابين للسلمانية

الجماهير كانت احتشدت منذ سماعها عن هجوم مسلحين على المنامة وعدد من القرى الشيعية. مع توافد حالات إصابات من الأهالي بعد صلاة العشاء مباشرة. يروي أحد أفراد الطاقم الطبي "المتجمهرون كانوا في حالة هياج بسبب تزايد حالات الاعتداءات من قبل الجماعات المسلحة في مناطق شيعية مختلفة قبل الهجوم على المنامة. ما إن يعرف المتجمهرون أن هذا الإسعاف يحمل آسيويين حتى يهموا بالهجوم عليه. المشهد المعروض يظهر هذا الهياج الغاضب، الأطباء كانوا يحمونهم. سلسلة بشرية من الطاقم الطبي تفصل الجمهور عن المصابين الآسيويين. تلقينا بعض الركلات نيابة عنهم. يوشك المتجمهرون أن يهجموا على الطاقم الطبي. صار  اشتباك  بين  الطاقم  الطبي  مع المتجمهرين "الجمهور  هائج، بعضهم أهالي  المصابين والمفقودين، كانوا  يعنفوننا في الكلام، ونحن  نتحمل ونهدئهم ، كانوا  يريدون  الهجوم  على الاسيويين وضربهم  ونحن  نمنعهم" تقول إحدى الطبيبات.

تضيف إحدى الشهود "سمعت الطبيب علي العكري يصيح في الجماهير: وبعدين معاكم؟ نريد أن نعمل، نحن غير قادرين على أن نعالج مرضانا، أنتم تعرقلون عملنا"

المصابون تلقوا العلاج المبدئي فقط من أطباء الطوارئ، لم يلبث أن جاء اتصال من الداخلية: سننقلهم  إلى المستشفى العسكري ، تم  نقلهم في  الليلة  نفسها.

العصابات المسلحة لم تتوقف، ما يزال مسلسل الإرهاب يجتاح القرى، مسلحون ملثمون يحملون الأسلحة البيضاء والحديد والخشب ويهاجمون الأهالي. ثمانية من البانغلاديشيين يتم إسعافهم إلى  مركز  صباح  السالم. الحالات  كانت  متفاوتة، عندما أراد الأطباء نقلهم إلى مستشفى السلمانية  رفضوا،  قالوا  نريد أخذنا إلى المستشفى  العسكري .

غسان ضيف، الذي ركب الإسعاف بنفسه لينقذ المصابين الآسيويين، وتحمل توبيخ الجماهير الغاضبة عندما كان يحاول تهدئتها ليتمكن رجال الإسعاف من إنزال المصابين الآسيويين وإدخالهم غرفة الإنعاش، والذي قام بوضع رجل أمن عند باب الغرفة لحمايتهم من هجوم المتجمهرين الغاضبين، هو نفسه اليوم الذي تواجهه تهمة احتجاز رهائن من الآسيويين.

"دور الأطباء كان حماية الآسيويين من المحتجين  الغاضبين، لكن  هذا  الدور  استخدم  ضدهم.  لو أراد الأطباء إلحاق الأذى بهم، لكانوا تركوهم  في  الشوارع  بدمائهم. لماذا يتعنون  لهم  ويتكبدون  عناء مواجهة  الجماهير  الغاضبة؟ "


  1. مقطع يوتيوب تلفزيون البحرين يعرض مشهداً يصف العكري بالإرهابي
  2. مقطع يوتيوب مسيرة قصر الصافرية
  3. مقطع يوتيوب ضرب مسيرة الديوان من الخلف
  4. مقطع يوتيوب ضرب مسيرة الديوان وتظهر المسلحين  في حماية رجال الأمن ضد المحتجين العزل
  5. مقطع يوتيوب لمسلحين يقومون بتكسير سيارات المحتجين بمرأى من رجال الأمن  
  6. مشهد نزول الآسويين من أسعاف وسط تجمهر في السلمانية المعروض في تلفزيون البحرين

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus