حوار على وقع الموت
إيمان شمس الدين - 2014-02-15 - 8:33 م
إيمان شمس الدين*
تمر الذكرى الثالثة للثورة البحرينية في راهن تحكمه متغيرات متحركة ومتلاحقة ومتطورة ومتداخلة، حيث خروج القضية من الداخل البحريني، وعدم تسوية الخلاف داخليًا، وإخراجها للفضاء الخليجي، ومن ثم الإقليمي، أدى إلى تعقيدات تراكمية أطالت من زمن الثورة من جهة، وراكمت الصعوبة صعوبات من جهة أخرى، مع ازدياد عدد الشهداء في صفوف الثوار، وازدياد عددالمعتقلين، والتهميش العنصري الممنهج لشريحة كبيرة من المجتمع البحريني وأصيلة تاريخيًا فيه، لا لشيء إلا لمطلب تحقيق الشراكة في تقرير المصير من خلال إحياء مبدأ الشعب مصدر السلطات.
وأبرز وآخر ما استجد قبل دخول الثورة عامها الثالث هو الدعوة للحوار، التي رافقتها اعتقالات للمتحاورين من المعارضة، وقتل لمواطنين معارضين، ومنع الشيخ علي سلمان من السفر، رغم شهادة العالم بسلمية هذا الرجل خطابيًا وسلوكيًا كأبرز المعارضين، ممثلًا لجمعية الوفاق، ذات الانتشار والتأثير الكبير في صفوف المعارضة. وأبرز حدث في جو الحوار هو إغلاق المجلس العلمائي، الذي يعتبر من أبرز المؤسسات الدينية المعتدلة، التي تنشر ثقافة التسامح والتعايش والمواطنة، وتدعم الحراك السلمي، وتحتضن تحت مظلتها طيفًا كبيرًا من الشعب البحريني، وتشكل ثقلًا فاعلًا في رسم الخريطة السياسية للشعب البحريني المنضوي تحت مظلتها، وهي خارطة سلمية تدعم قيام دولة مدنية عادلة وقوية، وترفض العنف والتدخلات الخارجية، وهو ما اعتبر دليلًا دامغًا على عدم جدية وصدقية هذا الحوار.
ونقف على ملابسات هذا الحوار وفق قراءة تحليلية للحدث الإقليمي الذي بات الملف البحريني مرتبطًا به وجوديًا، حيث يأتي الحوار ضمن تطورات إقليمية أهمها:
الاتفاق الأوروبي الأمريكي على محورية دور إيران الإقليمي، وعلى ضرورة القبول بإيران نووية من جهة، وإيران إقليمية بدور محوري وموجه للقرارات من جهة أخرى. هذا الاتفاق جاء على وقع التطورات الإقليمية في الملف السوري، الذي رجح كفته الميدان العسكري، نتيجة التفوق الذي حققه الجيش السوري وقوى الدفاع الشعبي على الأرض، حيث كانت الأدوار تتوزع وفق التالي: إيران بعد وصول الرئيس روحاني تلعب دورًا دبلوماسيًا جامعًا للآراء وداعمًا لوحدة الصف الإسلامي مترفعة على الخلافات وداعمة لمطالب الشعوب المحقة، سواءً في البحرين، أو في مصر، أو في سوريا، وروسيا تلعب دورًا دوليًا تمنع من خلاله أي اعتداء أممي على سوريا، بالتنسيق مع كل من الصين وإيران وسوريا، وحزب الله في لبنان يلعب دورًا عسكريا لوجستيًا في مواجهة الجماعات التكفيرية التي تحاول اختراق الأمن اللبناني وتفجيره مذهبيًا، لضرب ظهر المقاومة، التي استطاعت القيام بعمل تاريخي حينما هزمت الصهاينة وطردتهم من الأرض اللبنانية، ويحقق إنجازًا ميدانيًا واستخباراتيا بالتعاون مع الجيش اللبناني، مما قلّص كثيرًا من حجم الخسائر البشرية، ومنع حدوث فتنة مذهبية تقوض استقرار الداخل اللبناني.
وبسبب تدويل الملف البحريني، الذي قام به النظام من خلال شيطنة الحراك بمذهبته، ظنًا منه أنه بذلك يقتل الثورة ويحجمها، فقد بات اليوم موقع الحراك متقدمًا على طاولة كل المفاوضات، ومدعومًا دعمًا لوجستيًا من خلال تقدم محور الممانعة عسكريًا في كل من سوريا ولبنان، ودبلوماسيًا وسياسيا في كل من إيران وروسيا والصين.
لذلك بات الحوار ضرورة ملحة لتقليص الخسارة، خاصة مع الضغط الأمريكي الناعم في إنهاء خدمة رئيس الوزراء البحريني، والتصعيد لذلك منذ مدة بطريقة تحفظ مياه وجه العائلة الحاكمة من جهة، وسلطة الجارة للبحرين من جهة أخرى، ولعل ما حدث في قطر كان نموذجًا يراد له التعميم بعد التمهيد له في دول أخرى خليجية.
وكون العلاقات في جسد الأسر الحاكمة في الخليج هي علاقات مصاهرة ونسب وقبائلية، يدخل فيها الدين بالسلطة بالقبيلة، فتكون العملية أكثر تعقيدًا، خاصة بوجود النفط والقواعد العسكرية الأجنبية، وهو ما يعتبر ماسًا لأمن هذه الدول القومي، فأي اضطراب في المنطقة هو واقعًا يشكل لها هاجسًا أمنيًا قلقًا أيضًا لوجود إيران مجاورة لخليجها الأمني.
إلا أن الحوار باعتقادي هو حوار مراوغة لضرب عصفورين بحجر واحد، في ظل ما تشهده جنيف من مباحثات في الشأن السوري، وما تشهده الساحتان اللبنانية والسورية من تطورات ميدانية عسكرية تعزز من مباحثات جنيف، مع حركة دبلوماسية إيرانية روسية رفيعة المستوى، تعمل على ترتيب البيت الداخلي لدول المنطقة، لإعادة العاقين لمحور الممانعة لحضنها مجددًا، وهو ما يعزز الموقف السوري ويدعم خط الممانعة وحركات التحرر كافة.
فيأتي الحوار في هذه الظروف، لكنه حوار على وقع الموت في كل من سوريا والبحرين، يستمر فيه النظام البحريني بالقتل والقمع والاعتقال، فجناح في النظام يمارس دور من يحمل الجزرة، وآخر دور من يحمل العصا، ويتم إطالة وتمييع طاولة الحوار إلى حين تبلور الوضع الإقليمي ضمن محاوره الثلاث: مباحثات جنيف - الميدان العسكري وإنجازاته - الدبلوماسية الإيرانية الروسية، فمن جهة هي تمتص تحضيرات المعارضة للذكرى الثالثة للثورة، وتحاول تخفيف الاحتقان وكسب الوقت لتقليل الخسائر والظهور أمام المجتمع الدولي بشكل إيجابي محاور، خاصة بعد الإدانات المتكررة لانتهاكات حقوق الانسان، والمطالبة بتحقيق مطالب المعارضين، ومن جهة أخرى تكسب وقتًا إلى حين بلورة الموقف الإقليمي حول الصراع في سوريا ووضوح الكفة الأقوى.
وهنا لا يغيب الدور السعودي المحوري، والذي بدأ يضعف تدريجيًا بعد خسارتها لأوراق هامة في المنطقة مثل اليمن والعراق ولبنان، وتورطها بالوحل السوري بشكل فاشل، وهو ما دفع بعض المسؤولين السعوديين لتسريب تصريح حول دعم الحوار في البحرين وهو، إن صح، يكون دعمًا لتقليل الخسائر، وتحقيق أقل قدر من المطالب التي لا تؤثر على استقرار الممملكة فيما بعد، خاصة مع وجود غيوم في جو العلاقات السعودية الأمريكية، لاختلاف الطرفين على آلية إدارة الملف السوري لحساسية ارتباط ملفات أخرى به تمس أمن المملكة ومنها الملف البحريني.
وهنا يأتي دور المعارضة في عدم الانجرار لفخ الحوار، لا من خلال رفضه، بل من خلال استغلال الدعوة في قيادة دفة الحوار ووضع استراتيجية له، تقوم على أسس دستورية ميثاقية قادرة على أن تحرز حول محاوره إجماعًا وطنيًا يحرج السلطة من جهة، ويحقق المطالب من جهة أخرى، وفي نفس الوقت الحفاظ على سلمية الحراك واستغلال نقاط القوة الإقليمية بعد تدويل الملف البحريني، لتحقيق المطالب كافة، والتقليل من خسائر الشعب البحريني، بل والضغط بشكل أكبر باستمرار الحراك وتحقيق المطالب، خاصةً مع نجاح المعارضة في الخارج حقوقيًا وإعلاميًا، وقدرتها على النفاذ لكثير من شعوب المنطقة التي باتت مقتنعة بحقانية الثورة البحرينية.
فيكون العمل على صعيدين: صعيد داخلي بإعادة ترتيب الحراك وفق المستجدات الراهنة الداخلية ورسم محاور الحوار وقيادة دفته، وغلق كل الثغرات في جسد المعارضة، من خلال القبول بالتنوع واختلاف الآراء، مع وجود ثوابت متفق عليها لدى الجميع، وخطوط عريضة يقف عندها الجميع في جسد المعارضة، وصعيد خارجي، باستغلال نقاط القوة في تدويل ملف الثورة المطلبي ودفعه ليكون متقدمًا فوق كل طاولات التفاوض كورقة ضاغطة ومحورية، إضافة للضغط الحقوقي التوثيقي، والتغطيات الإعلامية المكثفة والجريئة.
*كاتبة كويتية.
echamseddin@gmail.com