» رأي
المشير قد يكون متهما مرتين في انتهاكات حقوق الإنسان
عباس بوصفوان - 2011-07-13 - 5:59 م
عباس بوصفوان*
مع ترقب انطلاق عمل لجنة تقصي الحقائق "المستقلة" في انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، فإن أصابع الاتهام قد توجه صوب الجيش البحريني في الكثير من هذه الانتهاكات، التي تمت في إطار حملة عنيفة وغير مسبوقة نفذتها قوة الدفاع وقوات الأمن للتصدي لحركة احتجاجات واسعة مطالبة بالديمقراطية.
ويمكن للمراقب تسجيل محطات عدة، سيكون فيها الجيش مطالبا بإعطاء توضيحات عن مدى مسئوليته تجاه الانتهاكات الممنهجة والموثقة والمتواترة التي تمت ضد مواطنين عزل، والتي أدينت على نطاق واسع من منظمات مرموقة في مجال حقوق الإنسان، وأميركا والاتحاد الأوروبي، فيما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنها قد تكون مخالفة للقانون الدولي.
وفي الواقع، فإن القائد العام لقوة دفاع البحرين المشير خليفة بن أحمد آل خليفة قد يكون متهما في عدد من هذه الانتهاكات، بصفته، قبل إعلان حالة السلامة الوطنية، وبعد إعلانها باعتباره مكلفا "بسلطة اتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية اللازمة للمحافظة على سلامة الوطن والمواطنين"، على أن نتذكر دائما أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إن كنا نتحدث قانونيا وقضائيا.
وبحسب المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011م بشأن إعلان حالة السلامة الوطنية في جميع أنحاء مملكة البحرين، فإن التدابير اللازمة لـ "حفظ الأمن"، ستنفذ "من قبل قوة دفاع البحرين وقوات الامن العام والحرس الوطني واية قوات اخرى إذا اقتضت الضرورة ذلك". إذا، فإن الجيش مكلف، من قبل رأس الدولة، لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتصدي للاحتجاجات، فيما تخضع قوات الأمن، وقوات الحرس الوطني لمسئولية القائد العام نفسه، وكذا "أية قوات أخرى".
ولا يعرف إن كان المقصود بـ "القوات الأخرى" جيوش درع الجزيرة، أو المليشيات والقوات التي ظهرت بلباس مدني وشبه عسكري، والتي تم تحريكها خلال الفترة التي سبقت وتلت إعلان حالة الطوارئ.
أحداث 17 فبراير
لكن الاتهامات نحو الجيش، قد تبدأت قبل إعلان حالة السلامة الوطنية (الطوارئ)، كما يظهر من بعض الوقائع. في 15 فبراير 2011، وبعد اعتذار جلالة الملك عن مقتل اثنين من المواطنين (علي مشيمع 21 عاما، فاضل المتروك 31 عاما)، برصاص الشوزن الذي أطلقته قوات الأمن، ودعوته لتشكيل لجنة تحقيق برئاسة جواد العريض، سارت حشود غفيرة نحو دوار اللؤلؤة، منطلقين من مقبرة جدحفص، حيث دفن مشيمع، على وقع خبر استشهاد المتروك. وكانت قوات الشغب انسحبت من محيط الدوار، بعيد خطاب الملك مباشرة، الذي أذيع أثناء تشييع مشميع، على ما أذكر، وتابعه الناس عبر وسائل الإعلام الجديدة. وصل الألوف إلى الدوار، وباتوا ليلة واحدة مفجوعين بفقدان اثنين من أحبائهم، وما أن هبط فجر الخميس 17 فبراير 2011، حتى بدأت "عملية تطهير الدوار"، كما قال المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد طارق الحسن، في بيان رسمي، نقله أيضا تلفزيون البحرين.
وبحسب صحيفة الوسط، فإن الهجوم الدامي على المعتصمين النائمين أسفر عن استشهاد أربعة مواطنين، وهم محمود مكي 21 عاماً، علي خضير 58 عاماً، عيسى عبدالحسن 61عاماً، علي المؤمن 22 عاما، إضافة إلى نحو 250 جريحا. وعلى الأرجح، فإن قوات الأمن قد تكون متهمة عن مجمل تلك الحوادث العنيفة، خصوصا وأن عددا من "نواب من كتلة الوفاق النيابية وعدد من المحامين، تقدموا ببلاغ جنائي ضد كبار مسئولي وزارة الداخلية بما في ذلك الوزير والوكلاء وقائد قوات الأمن العام ومساعديه ورؤساء المناطق الأمنية بشأن المجزرة التي ارتكبتها قوات الأمن فجر الخميس (17 فبراير/ شباط 2011م) ضد المواطنين العزل في دوار اللؤلؤة"، كما نقلت الوسط.
بيد أن إعلان قوة دفاع البحرين البيان رقم (1)، في ذلك اليوم، قد يفتح بابا لاتهام الجيش عن مدى مساهمته في فض الاعتصام بالقوة، وحرق الخيم، وإصابة العشرات، ومقتل 4 مواطنين، على الأقل، وإن كانت الشبهات تحوم أكثر ضد الأمن. وجاء في بيان الجيش «إن قوات عسكرية من قوة دفاع البحرين قد أخذت في الانتشار في محافظة العاصمة بدواعي اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين والمقيمين، وتأمين حرياتهم وممتلكاتهم من أعمال العنف، واتخاذ التدابير الصارمة والرادعة كافة لبسط الأمن والنظام العام، وتحقيق الاستقرار حرصاً على مصالح الوطن ومقدراته». وإن كان من تساؤل حول مدى صحة توجيه اتهام للجيش في قمع المعتصمين فجر 17 فبراير، فإن دلائل قد تشير إلى أن الجيش قد يكون متهما بتوجيه رصاصه لعدد من المتظاهرين في 18 من فبراير، أثناء محاولتهم الوصول للدوار مرة أخرى، مع وجود شهود عيان وصور وفيديوهات تؤكد سقوط جرحى، وعلى الأقل واحدا، هو الشهيد عبدالرضا بوحميد (32 عاما)، الذي اصيب بطلق ناري في راسه، وسلم الروح في 21 فبراير.
قد يواجه الجيش أسئلة بالغة الحرج، في تهمة اتخاذه قرارا بإطلاق النار في هذه الساعات، التي أعقبتها دعوة ولي العهد للجيش بالانسحاب إلى ثكناته. ومع ذلك، فإن الانتهاكات الأبرز في هذه المرحلة قد توجه التهم فيها إلى وزير الداخلية، ورئيس الوزراء، بصفتيهما، أو أي مسئول آخر قد تظهره التحقيقات على أنه وراء إصدار أوامر إطلاق النار.
المسئولية في فترة السلامة الوطنية
الإشكالية الأكبر التي ستواجه الجيش، وقائده خصوصا، تتعلق بمجمل الانتهاكات التي سجلت فترة إعلان حالة السلامة الوطنية، من 15 مارس وحتى 30 يونيو 2011. في هذه الفترة، فإن قائد الجيش على الأقل، وليس بالضرورة أطقم قوة الدفاع، سيكون محل اتهام عن الانتهاكات التي قد يكون الجيش متورطا بها بشكل مباشر، أو الانتهاكات التي قد تكون تمت من قبل قوات الأمن أو الحرس الوطني أو أي قوات أخرى، أو القضاء العسكري. ولا أعرف إلى أي مدى يتحمل القائد العام مسئولية مجمل أنشطة الدولة، ذلك أنه لم ينصب حاكما عسكريا. وإن كان مجلس السلامة الوطنية، أشبه بمجلس وزراء عسكري يدير البلد.
ويرأس المجلس القائد العام للجيش، ويضم نائب رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، وزير الدولة لشئون الدفاع محمد بن عبدالله آل خليفة، وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، مستشار الملك الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، وزير المخابرات الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة، إضافة إلى عدد من العسكريين. ومع عدم وضوح المساحة التي تقف عندها اختصاصات اللجنة، فإنها ستكون خاضعة للمساءلة عن كثير من الأنشطة الواقعة ضمن اختصاصات لجنة تقصي الحقائق، خصوصا ما حدث في صبيحة 16 مارس 2011.
الهجوم الثاني على الدوار
على الأرجح، فإن الجيش قد يكون متهما، بشكل مباشر أو عبر دعمه لقوى الأمن، في الاستخدام المفرط للقوة في فض المعتصمين بالدوار، صباح يوم 16 مارس. وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC، فقد "قتل ثلاثة متظاهرين وجرح العشرات في عملية أمنية لفض اعتصام دوار اللؤلؤة. في حين حلقت الطائرات العمودية في سماء الميدان، وشوهدت الدبابات وهي تتجه الى المكان، بينما ذكرت بعض التقارير إن الجيش استخدم الجرافات لـ"تطهير" المنطقة".
وقد تواكب ذلك، مع حملة تكسير مئات السيارات، واعتقالات تعسفية طالت المئات، وتعذيب صار متواترا لرموز سياسية، وصحافيين، وأطباء، ومعلمين، ونقابيين، ومواطنين "لم يستخدموا القوة" في تصديهم لقوى الجيش والأمن. وربما تقع مسئولية القائد العام أيضا، على مجمل الانتهاكات التي طالت مركز السلمانية الطبي، بما في ذلك الاتهام بتعذيب جرحى، ومنع وصولهم لتلقي العلاج، على ما أوردت جهات حقوقية مشهود لها بالمهنية. وقد تم خلال فترة السلامة الوطنية هدم مساجد، وتصدّ عنيف لمواكب دينية، وتجمعات سلمية ذات طابع مطلبي، وسحب مئات من سيارات الأجرة والتيلرات، فيما اشتكى مواطنون من تعرضهم للإساءة والضرب والاعتقال خلال مرورهم بنقاط التفتيش التي كانت تأخذ تعليماتها من السلطات العسكرية.
وقد يكون قائد الجيش متهما عن جملة الانتهاكات التي قيل أن النيابة والقضاء العسكري مارسها بحق المتهمين، ذلك أنه "بموجب المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011، فقد جرى إسناد النظر في جميع الجرائم الخاصة بحالة السلامة الوطنية إلى محاكم خاصة تسمى محاكم السلامة الوطنية، التي تشكل بقرار من القائد العام لقوة دفاع البحرين، فيما أسند المرسوم ذاته للنيابة العسكرية بقوة دفاع البحرين إجراءات التحقيق ومباشرة الدعاوي الخاصة بحالة السلامة الوطنية".
إن أسئلة بالغة الخطورة ستكون مطروحة على الجيش البحريني، وقائده، الذي كان مسئولا عن تنفيذ تدابير حالة السلامة الوطنية. ومع ذلك، فإنه الجيش قد لا يكون مسئولا عن الفصل التعسفي مثلا، الذي قد تكون السلطات المدنية معنية به.
أو حتى عن إجراءت تعسفية أخرى قد تكون اتخذت من قبل السلطات المدنية، ولا أعرف مدى صحة هذا الاستنتاج. وإذ يتوجب على الجماعات الحقوقية والسياسية توثيق الأحداث، فإن رئيس لجنة تقصي الحقائق د. محمود بسيوني وأعضاء لجنته يبدون في وضع لا يحسدون عليه إزاء ذلك. وينتاب مراقبون الشك بشأن قدرة لجنة تقصي الحقائق في التعامل مع الجيش، في ظل حساسية الدولة من ذلك، فكل ما يتعلق بالجيش هو سري للغاية، فيما نقده يستوجب الاعتذار.
*كاتب بحريني.