وفد المفوضية في البحرين.. وتجاذبات المهام

وزير الحقوق البحريني يلتقي وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان
وزير الحقوق البحريني يلتقي وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان

2014-02-24 - 9:05 م

د. منذر الخور* 

وصل إلى البحرين يوم الأربعاء 19 فبراير الجاري وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان في مهمة طال انتظارها وكثر الإلحاح عليها من قبل النشطاء الحقوقيين والسياسيين حيث ستستغرق مهمته شهرين متتاليين.

هي فترة ستتيح للوفد الاطلاع عن كثب على مجريات الأمور الحقوقية على الأرض وخاصة في المواقع المعنية بمفاصل الأزمة الحقوقية التي هي إفراز طبيعي للازمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ ثلاث سنوات وتحديدا منذ انطلاقة الحركة الاحتجاجية الشعبية المطالبة بالإصلاحات السياسية التي واجهتها السلطة بالاستخدام المفرط للقوة بصورة لا تتناسب مع منهجية الحركة في النزوع إلى السلمية والتي كانت تتيح، نتيجة إتباعها هذا المنهج، مساحة واسعة للحوار والتفاهمات. كانت الحركة مهيأة للحل السياسي أكثر من غيرها من حركات التغيير السياسي التي اندلعت في سياق الحراك السياسي العربي انطلاقا من تونس.

إن هذا الوفد ليس كبيرا في بدايات مهمته إذ انه لن يتجاوز بضعة أشخاص من المسئولين والمختصين في المفوضية، لكنه سيكون امتدادا لمهمة وفد المفوضية السابق الذي زار البحرين في ديسمبر 2012 واطلع على الأوضاع الحقوقية اطلاعا واسعا وأجرى سلسلة من اللقاءات والمباحثات على جميع المستويات الرسمية وكذلك على مستوى منظمات المجتمع المدني الحقوقية والسياسية.

كان وفد 2012 كما هو حال الوفد الحالي برئاسة السيد فرج فنيش المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمفوضية وأحد اقرب المساعدين للسيدة "نافي بيلاي" المفوض السامي لحقوق الإنسان.

كانت مهام وتفويضات الوفد الحالي محور تجاذبات شديدة بين السلطة والمفوضية من جهة والحقوقيين البحرينيين والمفوضية من جهة أخرى إذ كانت تسعى السلطة لحصر مهماته في الشق الفني فقط بحيث يغطي جوانب التدريب والتهيئة والإعداد وبناء قدرات المكلفين بإنفاذ القوانين داخل الأجهزة الحكومية ذات الصلة بالقضايا الحقوقية كالقضاء مثلا، فيما ألح الحقوقيون بان مهامه يجب إن لا تنحصر في الجانب الفني فقط رغم كونه مطلوبا بل يجب إن تشمل نطاقات أوسع بحيث تغطي الجوانب الحقوقية وتكون مشروطة بإحراز تقدم على المسار الحقوقي.

في مقدمة التقدم على المسار الحقوقي، وقف الانتهاكات الجارية والمتصاعدة على جميع المستويات، وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي دون استثناء وفي مقدمتهم الذين يعانون من أوضاع صحية صعبة ويحتاجون لتلقي العلاج والتواصل مع أطبائهم، وكذلك النساء المعتقلات وفي مقدمتهن من لديهن ظروف عائلية تقتضي تواجدهن قرب أسرهن، وأيضا الأحداث من الأطفال المعتقلين الذين يفترض تواجدهم على مقاعد الدراسة لا داخل الزنزانات.

ومن المقدمات المطلوب تحقيقها، وقف إطلاق المقذوفات المشحونة بالغازات الخانقة التي تفتك بالصحة والبيئة، بحيث تتوقف كل الانتهاكات بصورة فورية ونهائية بدءاً من أسوأ أشكال الانتهاكات كالتي تفضي إلى الوفاة أو إلى إعاقات دائمة في الجسد أو تشوهات جسدية أو الاعتداء على العرض وصولا إلى آخر الانتهاكات والتي لا يمكن التهوين من خطورة أياً منها، لأنها تتساوي في حجم الأضرار والأذى الذي تلحقه جسديا ونفسيا وماديا بالإنسان. 

كما ارتأى الحقوقيون بان مهام الوفد في مجال القضاء يجب إن لا تقتصر على إعداد الكوادر القضائية في مجالات الحقوق بل يجب إن تتوسع مهامه لتشمل مهام حقوقية بحتة مثل مراقبة المحاكمات والتحقق من توافقها مع الاشتراطات العالمية للمحاكمات العادلة وحضور جلسات التحقيق مع الموقوفين وزيارة السجون للاطلاع على أوضاع السجناء.

كما ألح الحقوقيون على إن يسعى الوفد لفتح مكتب دائم للمفوضية بالبحرين لمراقبة الأوضاع الحقوقية عن قرب ومعالجة الانتهاكات وكذلك العمل على الدفع فورا نحو تنفيذ فعلي وجاد لتوصيات مجلس حقوق الإنسان الصادرة في مايو 2012 وكذلك توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق والتي تشير كل الشواهد بأنها لم تنفذ حتى الآن.

طوال الفترة الماضية الممتدة من الزيارة الأخيرة للوفد في ديسمبر 2012 حتى فبراير الجاري كانت مهام الوفد الممثل للمفوضية المزمع إيفاده الى البحرين موضع تجاذبات شديدة حول المهام التي سيكلف بها من قبل المفوضية وتبين الموقف الحقيقي للمفوضية منها من خلال اللقاء الواسع الذي جمع المفوض السامي السيدة "نافي بيلاي" مع مؤسسات المجتمع المدني في 12 مارس 2013 على هامش الدورة 22 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف والذي أكدته في سياق حديثها عن الوضع الحقوقي في البحرين.

لقد قالت نافي بيلاي "يجب إن نكون واضحين بأننا لن نريد تعاون فني فقط بل نراقب ونعالج قضايا حقوق الإنسان" مما عكس الموقف المبدئي للمفوضية من قضايا حقوق الإنسان في البحرين ورفضها أن تتستر السلطة وراء غطاء التعاون الفني مع المفوضية وتدريب كوادرها على مجالات حقوق الإنسان والظهور بمظهر المقبولية والرضا لدى المفوضية وأنها تسير نحو إصلاح حقوقي فيما تداس مبادئ حقوق الإنسان تحت أحذية كوادرها العاملة في أجهزتها الأمنية والقضائية والقانونية والإعلامية. 

لقد حاولت السلطة من خلال مشجب التعاون الفني مع المفوضية وبناء القدرات الالتفاف على التزاماتها بتنفيذ التوصيات المتعلقة بمعالجة الانتهاكات سواء توصيات جنيف أو توصيات تقرير بسيوني لان كلتا هاتين المنظومتين من التوصيات تهدفان أولا إلى كبح الانتهاكات الجارية ووضع حد لها والشروع في معالجة الانتهاكات وإزالة آثارها المادية والنفسية المدمرة وصولا إلى حالة حقوقية صحية تمهد لحل سياسي شامل للازمة السياسية، لان كلا الوضعيين السياسي والحقوقي متداخلين ومترابطين ولا يمكن فصلهما الواحد عن الآخر كما إن معالجة احدهما ستؤدي إلى معالجة الآخر أياً كانت أسبقية احدهما على الآخر في المعالجة.

هذه المهمة ستضع المفوضية على المحك لأنها مهمة علاجية، ومن واجبات مهامها إلا تقبل ما دون المعالجة الشاملة كالاكتفاء بالعلاجات المسكنة التي سرعان ما تعود بالآمها وأوجاعها ومضاعفاتها التي تفوق سابقاتها من الآلام والأوجاع خاصة إن الحالة البحرينية أصبحت مزمنة بعد مرور ثلاث سنوات من الانتظار عز فيها العلاج والمغيث.

 

*ناشط حقوقي بحريني.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus