آه من خدّك يا جعفر..

2014-02-28 - 6:05 م

مرآة البحرين (خاص): كان كل ما فيها في صراع بين أن تفقد كامل وعيها وأن تُبقي عليه. لم تكن اللحظة من تلك التي يمكن على أن تعيشها، أو أن تصمد أمامها، لذا كانت تريد أن تغيب عنها بوعيها، ولم يكن ممكناً أن لا تكون فيها، أن لا تنظر إلى حبيبها في لحظته الأخيرة، لهذا كانت تستجمع قواها ليظل شعور حواسها حاضراً. ببطء منهار تقدمت والدة الشهيد جعفر نحو جثمان ابنها، كأن رجليها ليست لها، وعيناها تغيب وتتوارى، تخالها تسير مغشياً عليها، وأنها لن تصمد حتى تصل إلى جعفر.

بمساعدة الأيدي الكثيرة وصلت، لا بمقدرة رجليها، مال كلها إلى الوراء وأسبلت عينيها للسقوط على الأرض، لكنها تذكرت أنها يجب أن تعود لجعفر. استجمعت بقاياها، وبلعت ريقها المر الناشف، وألقت نظرتها: شهييييييد شهيييييييد شهييييييد شهيييييد حبيبييي حبيبييييي.. 

عادت تستجمع أنفاسها التي بدأت تتقطع. طبعت قبلة على خده الباسم، رفعت رأسها ووجهها تعلوه ابتسامة هذه المرة، وكأنها شمّت ريح لم تشمّه من قبل، تنفسّت بعمق: آآآآآآآآآآآه.. كادت تنهار مرة أخرى، لكنها عاودت النظرة فعادت لها الابتسامة، قبل أن تهوي برأسها مرة أخرى، لكن هذه المرة وضعت خدها على خده، فهدأت. لحظات كأنها الدهر. ظننتها لن تقوم.

الوجهان متشابهان حد التطابق، حتى في مستوى الشحوب، فشحوب الموت وشحوب الحزن الباهض لا يختلفان كثيراً. لكن ثمة هدوء باسم ينعم به وجه الشهيد وروحه، جعل كل من يأتي لوداعه من عائلته يميلون إلى وضع خدهم على خدّه. كأن طمأنينة يهبها هذا الخد لكل من يضع خدّه عليه.

طالما كانت أم جعفر تكسو ابنها بحبها وحنانها وطمأنينتها، كان جعفر بحاجة لطمأنينة أمه وهو في قبضة القتلة، وهو يعامل مثل عدو، وهو ينازع لحظاته الأخيرة، وهو في حاجة إلى دواء وعلاج مُنعا عنه، لكنه الآن وصل إلى الطمأنينية الكاملة، صار قادراً على أن يهبها للآخرين الذين يحتاجونها.   أمه وعائلته في أمس الحاجة لأن تسري فيهم طمأنينته. كذلك الشعب المثقل بالهمّ والحزن.

ما إن وضعت الأم خدها على خده، حتى انسابت الطمأنينة من الروح الباردة إلى الروح الحارة،   فهدأت الأخيرة وسكنت. ربما سمعته يهمس لها: أمي.. أنا الآن طير حرّ في السماء.. طالما كنت أريد هذا.. 

رفعت رأسها، وكادت أن تسقط إلى الوراء مرة أخرى وأخرى، لكنها قاومت من جديد، عادت برأسها نحو طير ابنها الحر السعيد.. بعد أن أيقنت أنه وصل المكان الذي يليق به، قالت له كلمتها الأخيرة بيقين السلام: حبيبي.. حبيبي.. ادعُ لنا.. ادعُ للشباب.. ادعُ للأبطال…

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus