جستين غينغلر: العلاقات الأمريكية البحرينية

2014-03-03 - 1:29 م

جستين غينغلر، مجلة بوليتيكو
ترجمة: مرآة البحرين


في 11 آذار/مارس 2011، أي بعد شهر واحد تقريبًا على اندلاع الاحتجاجات الحاشدة غير المسبوقة في البحرين، وصل وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس بشكل مفاجئ الى المملكة الخليجية الصغيرة في ما وصفته وزارة الدفاع الأمريكية، على نحو غير عادي، بالمهمة "الدبلوماسية". تخلت أميركا عن القادة في مصر وتونس في بداية ما يسمى الربيع العربي، ولكن البحرين تختلف.

رسميًا، على الأقل، كان غيتس هناك لإقناع أسرة آل خليفة الحاكمة بالتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض مع المعارضة البحرينية- تحالف متعدد لناشطين يسعون إلى مراجعة جوهرية لدستور البلاد المفروض من جانب واحد، لإعطاء المزيد من السلطة للغالبية الشيعية المحرومة في البحرين وغيرها من الجماعات المهمشة سياسيًا. وبعد يوم واحد من اجتماع غيتس مع الملك حمد، تمّ تكليف الإبن المصلح للحاكم، ولي العهد الأمير سلمان، بإجراء حوار واسع النطاق مع جماعات المعارضة. ولكن انهارت المحادثات في أقل من 24 ساعة، وبحلول صباح اليوم التالي، تمّ إرسال ما يقرب من ألفين من القوات البرية من المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الخليجية الغاضبة إلى البحرين. وسرعان ما تم قمع الاحتجاجات بكفاءة عالية الوحشية، حيث تم قتل العشرات وسجن الآلاف.

أثار التدخل المفاجئ بسرعة أسئلة حول زيارة وزير الدفاع الأمريكي. وفي حين وُصِفَت بأنها محاولة لتجنب سفك الدماء، بدت هذه الزيارة أشبه بالضوء الأخضر. اعترف مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية في النهاية بالحصول على إنذار مسبق عن هذه الخطوة السعودية، لكنهم أكدوا على أنه لم يتم "التشاور" معهم.

لماذا كانت الولايات المتحدة سريعة جدًا في تحييد المصري حسني مبارك جانبًا، وتبقى صبورة جدًا مع أسرة آل خليفة المستبدة على حد سواء؟ الجواب هو المملكة العربية السعودية. هذه المملكة تعتبر جزيرة البحرين، التي تقع على مرمى حجر فقط من المنطقة الشرقية المنتجة للنفط (وأيضًا ذات الأغلبية الشيعية)، كامتداد لأراضيها. تمويلات آل سعود تصل إلى ثلاثة أرباع الميزانية البحرينية عن طريق الدعم النفطي المباشر والرعاية الاقتصادية الأخرى.

بالتأكيد هناك سبب آخر وهو أن البحرين، والتي كثيرًا ما توصف بأنها أقرب حليف لواشنطن في منطقة الخليج، تستضيف القوات البحرية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد شكّلت موطنًا للأسطول الخامس منذ عام 1995. القاعدة الامريكية التي تحتل 80 فدانًا من الاراضي والتي ستبقى خمس سنوات إضافية، توسعت ثماني مرات منذ أن ورثها الأميركيون من بريطانيا في عام 1971، وخُصّص لها مبلغ يُقَدّر بـ 580 مليون دولار ومن المقرر أن يتم الانتهاء منها بحلول عام 2015. وعلى الرغم من حملة القمع، ضاعفت الولايات المتحدة من عدد جنودها هناك، من 3 آلاف جندي إلى 7 آلاف جندي منذ عام 2008.

لماذا؟ في الواقع، لقد شارك الأسطول الخامس ووحداته الداعمة في البحرين، التي كانت تُصَور عادة على أنها حصن استراتيجي ضد إيران، بشكل كبير في العمليات القتالية خلال العقد الماضي في العراق وأفغانستان. وجاءت إعادة تأسيس الأسطول في عام 1995 بعد أن تمّ اعتبار القوات البحرية في المنطقة غير كافية للعمليات القتالية الرئيسية خلال حرب الخليج الأولى، وشكل الأسطول الخامس المضاف جوهر القوة البحرية في غزو لاحق للعراق، وفي أوائل عام 2003 وصلت قواته إلى ذروتها لتشمل خمس مجموعات منفصلة من حاملات الطائرات (انخفض عددها اليوم إلى واحدة). في هذه الأيام، يتجول الأسطول في الممرات المائية في الشرق الأوسط انطلاقًا من مقره في البحرين، وهو بمثابة منصة للحرب الجوية في أفغانستان وحماية الممرات الملاحية لتجارة النفط العالمية. ولكن كما صرّح الأدميرال جوناثان غرينارت، قائد العمليات البحرية، مؤخرًا لصحيفة ستارز اند سترايبس، للأسطول الخامس "أهمية كبيرة ... فهو عامل ردع في حد ذاته، وهو يساعد على بناء العلاقات. "

وهكذا يفعل. فالبحرين واحدة من الدول العربية الأربع التي أمّنت اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وفقط خلال العامين الذين سبقا انتفاضة 2011، اشترت المملكة أسلحة أمريكية، معفاة من الرسوم الجمركية، بقيمة 288 مليون دولار. واستُخدِم بعض هذه الأسلحة، بما فيها الغاز المسيل للدموع والذخيرة-في المواجهات مع المتظاهرين، كما وثّقت البحرين ووتش وهي منظمة تعنى بالبحوث والدفاع. وفي أيلول/سبتمبر 2011، دفعت المخاوف حول احتمال وجود تواطؤ أمريكي في مقتل العشرات من المتظاهرين إلى تجميد صفقة أسلحة مزمعة بقيمة 53 مليون دولار. ولكن استُؤنفت المبيعات بعد ثمانية أشهر فقط، على الرغم من التقرير الناقد للجنة الدولية التي قامت بالتحقيق في الحملة التي شنتها الدولة، والتي وجدت أدلة على حدوث انتهاكات منهجية من قبل قوات الأمن، بما في ذلك حالات تعذيب أطفال معتقلين لا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا. وأكد مسؤولون أمريكيون أن الأسلحة لم تكن للاستخدام في "السيطرة على الحشود".

ولكن، ليس الغاز المسيل للدموع والأسلحة الأمريكيين اللذين ساعدا على استمرار الوضع الراهن السيء في البحرين. فالجاني الرئيسي هو الطبيعة المتقلبة للسياسة الأميركية، التي لم تكن داعمة بقوة ولا ناقدة بشكل بناء بما يكفي لممارسة ضغوط فعالة من أجل التغيير. و قد يعكس هذا جيدًا الخلاف الداخلي. وأخبرني أشخاص في السفارة الأميركية في المنامة بشكل خاص أن وزارة الخارجية بشكل عام أقل تفاؤلًا من البنتاغون حول قدرة البحرين على الحفاظ على الاستقرار السياسي ودرء الإصلاح من خلال استراتيجيتها الغبية الحالية. وأيًا كان السبب، كانت النتيجة التشجيع المتزامن- والبرود- بين جميع الاطراف، تاركة الولايات المتحدة دونما نفوذ سواء على الناشطين أو على الحكومة القمعية.

فقد معظم الشيعة البحرينيين منذ فترة طويلة الأمل من وفاء الولايات المتحدة بدعمها الخطابي للديمقراطية. واليوم، وبعكس ما هو متوقع، اكتسبت إدارة أوباما أعداء في أنصار النظام الملكي: مثل السنة الخليجيين الآخرين، لدى الموالين للحكومة في البحرين خوف واستياء عميقان من الولايات المتحدة التي مكنت الشيعة من الاستيلاء على العراق، وينظرون إليها على أنها بشكل عام إما متفرج أحمق أو أنها تخطط بشكل متعمد لزيادة النفوذ الايراني في المنطقة بأسرها.

والنتيجة هي أنه يُنظَر حتى إلى المراجع الفاترة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والتوتر الطائفي في البحرين كدليل على أن الإدارة الأمريكية قد انحازت، كما في العراق، الى المعارضة الشيعية- وهي رواية يدعمها بقوة الفصيل المتشدد داخل الأسرة الحاكمة. وفي تموز/يوليو 2011، صرّح وزير الدفاع البحريني خليفة بن أحمد آل خليفة، لإحدى الصحف اليومية الرائدة في مصر أن انتفاضة شباط/فبراير كانت "بكل المقاييس مؤامرة تشترك فيها إيران بدعم من الولايات المتحدة،" وأنهم يرونها كجهد أميركي "لرسم خريطة جديدة" في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى بيئة معادية وإجلاء دبلوماسي أمريكي --- موظف في مجال حقوق الإنسان أُرسل إلى وطنه في عام 2011 بعد تعرضه لتهديد من قبل المتطرفين السنة لاتهامه بالتعاون مع المحتجين- والعجز الفعلي للسفير الأمريكي الحالي توماس كراجيسكي، الذي حاول البرلمانيون الموالون للحكومة طرده مؤخرًا.

لم تكن التكاليف الدبلوماسية الحادة للانتقادات الأمريكية الصامتة لتأتي بأي من المكاسب السياسية الملموسة والمُعَزّية. فقد نفى مسؤولون أمريكيون مرارًا ليس فقط التفكير بأي تغيير في الترتيبات الحالية للأسطول الخامس بل وجود أي خطط طوارئ، مما يثير تساؤلات حول عدم وجود استراتيجية احتياطية ممكنة إذا آلت الحال في البحرين إلى الفوضى. (اتفاق التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والبحرين سيستمر حتى عام 2016، على الرغم من أن شروطه سرّية).

تدعّي البحرية الأمريكية، على الأقل، بأنها غير قلقة. فالقاعدة البحرينية، كما أكد جرينيرت للبحارة في تشرين الثاني/ نوفمبر، سوف تبقى "محور" وجود البحرية الأميركية في الشرق الأوسط في السنوات القادمة. وقد أقر بأنه "لا يوجد خطة بديلة جيدة حقًا" وأنه "ليس لدينا هذا النوع من العلاقة العميقة مع أي بلد آخر كالتي لدينا مع البحرين. "ولذلك فإن عائلة آل خليفة لا تحتاج حتى للاستنجاد بالخدع الأمريكية، لأنها استغنت عنها.

النص الأصلي
آذار/مارس ونيسان/أبريل 2014


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus