فايننشال تايمز: البحرين.. محاصرون في جزيرة

2011-07-14 - 8:21 ص



رولا خلف وسيمون كر - فايننشال تايمز:
ترجمة: مرآة البحرين  

يبدو الأمر كما لو أن دوار اللؤلؤة لم يكن موجودا أصلا. فالمكان الذي حوله المحتجون الشيعة في فبراير/ شباط الماضي إلى نسختهم الخاصة من ميدان التحرير بالقاهرة، قد أزيل من الخارطة، والقصد هنا أنه أزيل واقعا لامجازا. فقد تمت إزالة  النصب الموجود في وسطه، والشوارع المحيطة أعيدت هندستها على شكل تقاطع مروري، وتم تغيير اسم المكان من دوار اللؤلؤة الى تقاطع الفاروق. 

وسط العاصمة البحرينية أيضا عاد مرة أخرى ليشهد الإزدحامات المرورية وعادت المطاعم الفاخرة في العدلية تزخر بمرتاديها. وتزينت مختلف أنحاء المدينة بلوحات إعلان وادعة تصور شبابا في مقتبل العمر كتب عليها شعار"بحريننا وحدتنا" وهو الشعار الذي تم اختياره للحوار الوطني الذي اطلقته عائلة آل خليفة الحاكمة في  الأسبوع الماضي.

وقد علق أحد رجال الأعمال على ذلك بثقة قائلا:إن عملية التعافي في البحرين قد بدأت.  

ولكن تحت هذه القشرة التي توحي بعودة الأمور الى طبيعتها، تبقى الدولة الخليجية ذات الستمائة ألف نسمة في أزمة جدية وعميقة، وقد تضررت من حملة القمع والكراهية الطائفية التي اجتاحتها. والسؤال فيما إذا كانت ستتعافى البحرين من جراحها أم لا، أمر غير مؤكد. وستكون نتيجة الصراع فيها، له تداعيات أبعد من هذه الجزيرة المتناهية في الصغر. فالاضطراب في البحرين أدى الى جر القوى الإقليمية وأقلق الولايات المتحدة التي تعتبر البحرين حليفا استراتيجيا، والمصالحة بين العائلة المالكة والشيعة ضرورية للاستقرار في الخليج الذي تبدو إيران على ضفته المقابة كبيرة.   

هذا الأمن جعل من الملك حمد بن عيسى آل خليفة يخاطر بعدد من الخطوات  التصالحية. فعلى سبيل المثال أمر بتشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة تتكون من قانونيين وخبراء دوليين  في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، وقام أيضا بتحويل محاكمات النشطاء من محاكم عسكرية إلى محاكم مدنية. 

ولكن ومع تزايد الشكوك بشان الحوار الوطني المثقل بالموالين للسلطة وما إذا كان سيقود الى تحول ديمقراطي ذي مصداقية – خصوصا وأن الحزب الشيعي الرئيسي المشارك في الحوار قد هدد بالانسحاب - فإنه من غير الواضح تماما ما اذا كان امن النظام سيستمر بشكل دائم. وحسب تصريح أحد المسئولين الامريكين الكبار فإن البحرين دولة مقسمة تحكمها عائلة مقسمة.

إذ ان  الاحتجاجات التي قام بها الشيعة أغضبت الأقلية السنية الكبيرة التي تقطن الجزيرة مما جعلها ترمي بثقلها خلف صقور العائلة المالكة وباتت أقل استعدادا لإعطاء الشيعة مزيدا من الحقوق. يعكس ذلك قول أنور عبدالرحمن رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج الموالية للسلطة: "الملك حمد هو أكثر ملك ديمقراطي وصل الى العرش في العالم العربي"، ومضيفا بأن  "المعارضة تريد ان تجر البلد نحو الهاوية".  

وفي داخل النظام نفسه، اتسعت الهوة بين الإصلاحيين الذين يقودهم ولي العهد سلمان-41 عاما والمتعلم في أمريكا-  وبين مجموعة أخرى تتحلق حول رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة. وكانت الغلبة في النهاية للمحافظين من العائلة، بعد محاولة التفاوض الفاشلة بين ولي العهد والمعارضة، والتي تم إفشالها من قبل المتطرفين من الجانبين، حيث قام المحتجون بمطاردة الشرطة وشلوا العاصمة المنامة من جانب، ومن جانب آخر قامت القوات السعودية بالدخول إلى البحرين.  ويقول أشخاص مقربون من ولي العهد بأنه قام بإبعاد نفسه عن الحوار الوطني لأن السنة ربما يعتقدون بأنه ميال للمطالب الشيعية. فيقول عبداللطيف المحمود رئيس التجمع الوطني للاحزاب السنية إن  "ولي العهد أعطي الفرصة للتفاوض ولكن المعارضة رفضت"، ويضيف قائلا: "اليوم يجب أن تقود الحوار الوطني مجموعة من الأشخاص وليس شخصا واحدا". 

وفيما يستمر المحتجون في صب جام غضبهم على رئيس الوزراء- رجل الأعمال الذي ينظر إليه كرمز لتجاوزات العائلة الحاكمة - فإن الموالين للشيخ خليفة قاموا بلصق صوره على كل المحلات التجارية بالمنامة، وهم بذلك يؤكدون على أنه رجل البحرين القوي. 

ورغم أن انتفاضة البحرين لم تلق نفس التغطية التي حظيت بها بقية الثورات التي اجتاحت الشرق الأوسط خلال الأشهر الستة  الماضية، فإن اشتعالها كان هو الأكثر توقعا من بين هذه الثورات، والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية .  حيث أن الشيعة فيها ساخطون من عقود من التمييز ومبعدون من أكثر المناصب العليا و أجهزة الأمن التي تستقدم السنة من أماكن أخرى بالمنطقة ولكن نادرا ماتوظف الشيعة، وكذلك فإن التوتر كان يغلي أيضا لعقود. وكانوا قبل اشتعال الثورات، في مواجهات مع النظام الصيف الماضي عندما أقدم على اعتقال عدد من زعماء المعارضة واتهمهم بالتخطيط لقلب نظام الحكم. 

وجزئيا وبسبب ظروفها الخاصة - فقد كانت ثورة شيعية في منطقة سنية يرى الحكم فيها يد إيران مع أول وهلة للاحتجاج - فإن الانتفاضة البحرينية تم التعامل معها بشكل مختلف من قبل وسائل الإعلام في الشرق الأوسط وحتى من قبل الحكومات الغربية. فما إن اشتعلت الاحتجاجات في 14 فبراير/ شباط الماضي، حتى تحولت إلى مواجهة بين الرياض وطهران وحوصرت الولايات المتحدة ـــ التي تربطها علاقات عسكرية مع المنامة وتضم قاعدة الأسطول الخامس وتعتبر من حلفائها الاستراتيجين ـــ في هذا النزاع. وهنا اندمجت النزاعات التقليدية في الشرق الأوسط مع التحدي للربيع العربي، حيث قامت السعودية بإرسال قواتها الى البحرين في منتصف مارس/ آذار الماضي، وانضمت إليها قوات من دول الخليج الأخرى لمساندة ودعم آل خليفة.
 
وفي واشنطن فإن ادارة الرئيس باراك اوباما وجدت نفسها أمام أصعب قرار سياسي يخص الثورات العربية، فحاولت جاهدة إيجاد توازن بين حلفائها في المنامة والرياض من ناحية وبين تعهدها بمساندة شعوب العالم العربي في سعيهم نحو الحرية من ناحية اخرى. 

والآن تشعر عائلة آل خليفة السنية بالأمن بعد تحديها من قبل المحتجين، وشعورهم هذا مستمد من استقوائهم بجيرانهم وعلى رأسهم السعودية، وبحملة قمع طالت المئات من زعماء المعرضة والنشطاء والأطقم الطبية ببسبب مداواتهم للمحتجين، وأيضا بموجة من التسريحات طالت آخرين.   ويعترف أحد المسؤولين الغربيين قائلا: إن استقرار نظام ال خليفة هو من مصلحتنا، ولكنه أضاف: "إن  استمرار هذا الاستقرار لن يعمر طويلا ما لم يتم معالجة مظالم الشيعة ولكن الآن هناك الكثير من الجروح وتم إحداث ضرر كبير".  

ففي الوقت الذي اجتمعت فيه 300 شخصية في مركز الشيخ عيسى الثقافي في أولى جلسات الحوار الأسبوع الماضي، كانت الهيلوكبتر تحوم فوق قرية السهلة الشيعية التي تبعد عن المنامة 10 كلم. إنه اليوم الثالث بعد تشييع مجيد أحمد محمد (30 عاما) الذي قتل من جراء إصابات في الرأس ا=أصيب بها أثناء الحملة الامنية في شهر مارس/ آذار الماضي. 

وخرج المئات من الشباب والشابات من المقبرة وهم يحملون صورا له وبنرات كتب عليها" لا للحوار"، ويهتفون صارخين: "يسقط حمد" . 

وخلال دقائق، تمت مواجهتهم باعداد من رجال الشرطة الذين قاموا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع. وحالما وصلت تعزيزات إضافية من الشرطة، بدأ المتظاهرون بالتفرق. وبذلك وفي مهدها، أجهضت خطة المتظاهرين بالانضمام إلى متظاهرين اخرين من قرية مجاورة.  الشباب البحرينيون الذين قادوا الحركة الاحتجاجية  ـــ أخذوا اسمهم من 14 فبراير/ شباط وهو أول يوم بدأت فيه الانتفاضةــ ـ لم يستسلموا بعد، فمازالوا يخططون للمسيرات وينددون بالحوار الوطني الذي لم تتم دعوتهم  إليه أصلا، بل ويعتبرونه فاشلا.
 
ويتساءل في هذا الصدد محمد المسقطي رئيس جمعية الشبيبة البحرينية لحقوق الانسان قائلا: "إذا كان الهدف من الحوار هو ايقاف الاحتجاجات، والمحتجون ليسوا ممثلين في هذا الحوار، فكيف ستتوقف هذه الاحتجاجات إذا؟". ان امتعاض الشيعة تمت مضاعفته بشكل كبير بحملة القمع هذا العام والذي يرونها عقابا جماعيا. ويتساءل احد الناشطين: "كيف لنا  ان نتوقف الان؟  هذا صراع وجود متعلق بمعاملتنا بالتساوي كمواطنين.

ولكن حملة القمع هذه كانت انتقامية والهدف منها شيطنة الشيعة في البحرين، و انه من غير المقبول ان يجعلوننا نشعر بوجوب إثبات ولائنا  لوطننا".  ولكن ومع وقوف السلطات في البحرين وكل دول مجلس التعاون الخليجي الست ضدهم، فإن خيارات الحركة الاحتجاجية تبقى محدودة. فقد حطم القمع والاضطهاد حركة 14 فبراير/ شباط الوليدة، فاعتقل القادة واتجه المنظمون نحو العمل السري. وبعد خمسة أشهر، فإن الحكومة استطاعت ان تحصر الاحتجاجات في القرى، ونصبت نقاط التفتيش حول المناطق الشيعية وفي الطريق الى المنامة لسد الطريق على أي تجمع يهدف الى  حدوث تظاهرات مماثلة لما حدث في دوار اللؤلؤة.  ومن وجهة نظر النظام، فإن حركة 14 فبراير/. شباط هي حركة راديكالية ربطت نفسها مع هؤلاء الذين تجرأوا على حمل شعار" الجمهورية"، الكلمة التي يقرا المسئولون منها مباشرة الجمهورية الإسلامية الايرانية، وبالتالي فإنه يجب عزل هذه الحركة. 

وقد قامت الحكومة ـــ بدلا منهم ـــ باختيار الوفاق التي تعد أكبر الاحزاب الشيعية الممثلة في البرلمان واكثرها اعتدالا  كمحاور لها. ودخلت الوفاق الحوار على مضض وعلى الرغم ان اثنين من برلمانييها تم اعتقالهم بتهمة نشر أخبار كاذبة. وبعد اسبوع من الحوار، بدأت الوفاق تفقد ثقتها فيه، والمسئولون فيها بدأوا يتنبأون بالانسحاب منه عاجلا وليس آجلا. 

من ناحية اخرى، يرى المسئولون الحكوميون انه اذا تم التوصل الى تفاهم مع الوفاق، فان العناصر المتشددة من المعارضة  سيتم تهميشها. ويصرون كذلك انه مهما كان تمثيل المعارضة صغيرا على طاولة الحوار فسيتم النظر في  مطالبها. وفي هذا الصدد صرح أحد المتحدثين باسم الحكومة ويدعى عبدالعزيز بن مبارك ال خليفة قائلا: "سواء كان هناك عضو واحد او خمسة اعضاء من المعارضة، فسيتم الاستماع اليهم ومقترحاتهم سوف توضع فوق طاولة الحوار". 

ولكن التغيير التي تنشده الوفاق هو مجلس تأسيسي لكتابة دستور جديد الهدف منه تمكين البرلمان وتشكيل حكومة تعكس نتائج الانتخابات. وهي مطالب لن يتبناها الملك قريبا.  إصلاحات محدودة هي الأكثر احتمالا. اذ يقترح بعض المقربين من الحكومة اصلاحات من قبيل  اعادة رسم الدوائر الانتخابية والتي رسمت حتى لايزيد عدد المقاعد التي تفوز بها الوفاق عن 18 مقعدا من مجموع 40 عدد اعضاء البرلمان، وصلاحيات اكثر للغرفة المنتخبة في البرلمان مع احتمال توزير بعض أعضاء البرلمان، ولكن إقالة رئيس الوزراء هي خط احمر. 

ويقول الشيخ علي سلمان رئيس حزب الوفاق: "لاندري ان كنا سنستمر في هذا الحوار ام لا"، واصفا اياه ب"التجمع الاجتماعي حيث صوت الموالاة هو الأعلى". ويضيف: "انا لست مستعدا لمساندة اكاذيب ستؤدي بنا الى المشاكل مجددا".و وصف مايقال عن اخذ الشيعة للاوامر من ايران بانه "كذب صريح". وعند اخباره بان السعودية لن تسمح باقامة ملكية دستورية في البحرين، تساءل قائلا: "ألا يعد هذا تدخلا في الشان البحريني؟ بالاضافة الى ذلك فلديهم ايضا الجنود والسلاح" . 

ويشيع بين اعضاء المعارضة بان الحوار سوف يفشل، وسيؤدي هذا الى ان يكون ولي العهد  في الصورة مجددا، ويقوم بعقد جولات من المفاوضات اكثر اقناعا مع الوفاق. وصرحت منيرة فخرو زعيمة وعد العلمانية المعارضة والتي حكم على زميلها ابراهيم شريف بخمس سنوات بتهمة التامر لاسقاط الملكية في البلاد، صرحت قائلة: عندما يفشل الحوار سيتدخل ولي العهد وستبدا جولة ثانية من المحادثات. 

وعلى كلا الجانبين، يتفق الجميع على ان الاشهر الخمسة القادمة ستكون مصيرية لمستقبل البحرين السياسي، مع استمرار الحوار الوطني وانتظار نتائج لجنة تقصي الحقائق واستئناف محاكمة النشطاء والسياسين والاطباء. 

ولانها وضعت املا ضئيلا في التغير من القمة، فان الحركة الشبابية مقتنعة بان ضغط الشارع هو من سيجبر الحاكم على الاستماع لمطالبها، مذكرين بوعود الاصلاح قبل عقد من الزمن، وما تحقق منها كان اقل بقليل من المتوقع. ويقول احد الناشطين الشباب: اننا ملهمون ونشعر بالقوة وسنجد طرقا  اخرى لتحدي الحاكم. واسترسل قائلا: الادوات نفسها التي استخدمت في الماضي لن تقود الى الاستقرار في البحرين والاستقرار في البحرين هو ضرورة للعالم بأسره، وان دوار اللؤلؤة كان مصدرا للقوة نعم، ولكنه كان مجرد موقع وهناك الكثير من المناطق التي قد نتجمع فيها مستقبلا.   14
 
يوليو/ تموز 2011        

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus