إلى "خوان مانديز": قل لوزير الخارجية البحريني ماذا فعلتم بأبناء "السميع"؟

المعتقلون من عائلة السميع
المعتقلون من عائلة السميع

2014-03-11 - 8:20 ص

"عباس وجهه منتفخ من التعذيب، وبه شحوب وعينه بها ضربة، كلهم الآن انتهوا من التعذيب، وتم إرسالهم لسجن الحوض الجاف، عدا ابني عباس وسامي مشميع، ما زالا في التحقيقات...  بصراحة عباس لم أعرفه حين نشروا صورته لقد تغير وجهه تمامًا، لقد أضروا به، حين رأيت صورته صرخت: هتفت ليت أمي لم تنجبني ولم أنجب أبنائي الذين يتعذبون وهم أبرياء".

أم المعتقل عباس السميع، المتّهم بـ"تفجير الديه"

 

مرآة البحرين (خاص): أمام العالم أجمع، ذكر مقرر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب اليوم في جنيف، اسم دولة واحدة فقط، لا تزال ترفض زيارته لها "دون أي سبب، وكأنه ممنوع من دخولها". خوان مانديز، الذي بات جميع البحرينيين يحفظون اسمه عن ظهر قلب، قال صراحة إن منعه من زيارة البحرين "يرفع مستويات القلق مما يعاني منه الموقوفون في المراكز والسجون البحرينية"!

وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، الذي حلّ مكان وزير حقوق الإنسان صلاح علي ممثّلا للنظام البحريني في مجلس حقوق الإنسان، قال الخميس الماضي في حضور مانديز، إن الحكومة نفّذت كل توصيات لجنة تقصي الحقائق، بما فيها طبعا وقف "التعذيب" الذي وصفه تقرير اللجنة بـ"الممنهج"!

مانديز، رد اليوم على وزير الخارجية البحريني، وتساءل أمام العالم "لماذا يمنعونني إذا؟". لم يدخل مانديز البحرين رغم مطالبات العالم كله بذلك منذ 3 سنوات، مع ذلك قال مانديز للعالم أجمع اليوم "هناك أدلة صلبة على استمرار التعذيب" في البحرين، الدولة الوحيدة التي ذكرها في خطابه.

سيد مانديز، وأنت ما تزال في جنيف، ربما تلتقي وزير الخارجية البحريني. ثمّة سؤال ملحّ هذه الأيّام تحديدا، يتقاطع مع خطابك الأثير: جميع البحرينيين هنا يريدون أن يعرفوا ماذا فعل النّظام بأبناء "السميع"؟

سيد مانديز، لا نشك أنه قد بلغك أن السلطات الأمنية اعتقلت المتّهمين في "تفجير الديه" خلال أقل من 24 ساعة! لكنّها لم تستطع منعه ولا منع شبيهاته من هذه الأحداث طوال 3 سنوات. لقد كان المتّهمون مجموعة من المطاردين المحكومين في قضايا أخرى، إنّهم أبناء عائلة "السميع" في منطقة السنابس. 

عباس السميع

عباس السميع

اعتقلت السلطات 9 من أفراد هذه العائلة من منزل واحد، في ليلة واحدة. لا نعلم لحد الآن ماذا جرى لهؤلاء، لأنّهم ببساطة منعوا من أبسط حقوقهم: لقاء أهاليهم، وتوكيل محام! 

لكنّنا، سيد مانديز، نعلم أن المتّهمين أنفسهم كانوا معتقلين سابقين حتى اندلاع احتجاجات فبراير/شباط 2011، حيث تسبّبت الثورة الشعبية الضخمة بضغوط على النّظام فرضت عليه الإفراج عنهم، رغم كل تهم الإرهاب الخطيرة التي ألصقها بهم في العام 2009 ضمن قضية "الحجّيرة" (تدريب عسكري في سوريا)، وفي العام 2010 ضمن ما عرف بـ"الأزمة الأمنية"، قضية قلب نظام الحكم (الرقم 1000). 

ليس هذا مربط الفرس سيد مانديز، ولكن ما تعرّض له هؤلاء المعتقلون في 2009 و2010، يكشف الحال الذي هم فيه هذه اللحظة، دون أدنى شك. سيد مانديز، يكفي أن تعرف بأن المحكمة قد أقرّت رسميا بتعذيبهم: تعذيب بالصعق بالكهرباء في الأماكن الحساسة، مع التعرية بالكامل وصب الماء البارد، والتوقيف عراة في غرفة باردة، مع الجلد بالأنابيب البلاستيكية (الهوز) بشكل عشوائي. 

سيد مانديز، ربّما يكون التفجير حقيقيا، ربّما تكون هناك جماعات بدأت تأخذ النهج المسلّح، الكثير من الـ (ربّما) ممكنة في هذه القضية، ولكنّ الأكيد حتما، هو أن أجهزة المخابرات في بلادنا، فشلت في أن تجد الجناة، هي لا يهمّها الأمن ولا تحقيق العدل، العدل في نظرها أن يكون هناك متّهمون (حتى لو كانوا أبرياء) من طائفة معينة، هي محل شبهة بأكملها!

وعليه، فالطريق السهلة لإيجاد الجناة الحقيقيين (أو غيرهم)، بنظر أجهزة السلطة، هي اعتقال كل من له سابقة (حتى لو كانت هذه السابقة ليست أحكاما بل مجرد اتّهامات كما هي الحال مع أبناء السميع)، الطريق السهلة هي اعتقال كل من سجن سابقا، كل من لفّقت له التّهم سابقا. الأدهى، سيد مانديز، أن بداية الاشتباه بكل أبناء "السميع"، كانت أيضا لـ"سابقة"، ولكن ليست لهم تحديدا، بل لأحد أفراد عائلتهم، الذي قتل في العام 1996 خلال ما قيل أنه انفجار قنبلة في صرّاف آلي!

هكذا، ومنذ 1996، لاحقت التّهم أبناء السميع، سيد مانديز، ووصلنا إلى اليوم. وكما قرأت في تقرير السيد بسيوني، فإنك بعد أن تحرز النصف الأول (اصطياد متّهمين)، يبقى النصف الآخر، وهو إدانتهم. وليس هناك طريق لإدانة أمثال هؤلاء سوى: التعذيب لنزع الاعترافات الباطلة!

لم تستطع ثورة 14 فبراير، ولا لجنة بسيوني، أن تنقذ أبناء عائلة السميع. وهم بلا أدنى شك، لا زالوا يعيشون حتى هذه اللحظة، أهوال الظلم والانتقام، كما عاشها كل معتقل سياسي منذ منتصف مارس/آذار 2011، وكما يترقّبها كل المحسوبين على الطائفة الشيعية أو المعارضة في البلاد!

نعلم أنك سيد مانديز، لا تملك أي حيلة لإنقاذهم. لقد حاولت كثيرا أن تحفظ آدمية الآلاف الذين دخلوا السجون البحرينية منذ 3 سنوات، لكنّك أيضا، لم تستطع! 

عباس السميع 2

عباس السميع- صورة نشرتها السلطات

قبل 3 سنوات، قتل في السجن 4 معتقلين بسبب التعذيب، خلال أقل من شهر. أحد هؤلاء عضو مؤسس في جمعية الوفاق وصحيفة الوسط ورجل أعمال معروف، والثاني مدوّن وناشط اجتماعي، والثالث رجل بسيط اعتقل من منزله خطأ، ولكن أهم هؤلاء هو الشخص الرابع. 

الشهيد علي صقر، شاب بحريني كعديدين شاركوا في الاحتجاجات السلمية ضد النظام الحاكم في دوار اللؤلؤة. سلّم صقر نفسه للسلطات بشجاعة بعد أن عرف أنّهم يلاحقونه ويهدّدون بالاعتداء على أهله. بعد أيّام ظهر صقر وهو يعترف على شاشة التلفزيون بأنّه شارك في قتل شرطي. وبعد أيام قليلة أخرى خرج صقر من السجن: جثّة هامدة!

جثمان صقر، كان أكثر الجثامين التي بانت عليها آثار التعذيب. كان هناك صحافي بريطاني قد دخل إلى مغتسل الموتى ورأى الجثمان بنفسه. حضر الصحافي لاحقا مؤتمرا لوزيرة حقوق الإنسان وقتها: فاطمة البلوشي، وعند سؤالها عن الحادثة، قالت البلوشي ببساطة: إنّها فبركة، فرد عليها الصحافي: لقد شاهدت ذلك بنفسي!

تلعثمت الوزيرة البلوشي طويلا واختلفت تعابير وجهها. اليوم وبعد 3 سنوات، شهدت صدور تقرير بسيوني، وتوصيات جنيف 156، وتقارير حقوق الإنسان الحادة خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية، لا تزال البحرين لا ترحّب بك، سيد مانديز، لأنّها لا تريد لموقف البلوشي أن يتكرّر!  

لم يحاكم صقر، اعترف في التلفزيون، ولاقى عقابه خارج نطاق القضاء، تحت التعذيب في المعتقل. ثبّت ذلك تقرير بسيوني. السؤال، سيّد مانديز، ماذا لو حوكم أبناء السميع، ونفّذ فيهم حكم الإعدام الذي بشّرت به مسبقا النيابة العامة؟!

يطلب رؤوس أبناء السميع وزير الداخلية البحريني، رئيس الأمن العام، رئيس جهاز الأمن الوطني، والنائب العام. كل هؤلاء اشتركوا في تعذيبهم وإجبارهم على الاعتراف، وكل هؤلاء ينتظرون الآن لحظة إعلان القاضي حكمه بإعدامهم. هكذا بسهولة يبسط الأمن وتحقّق العدالة في البحرين!

لم يعد السؤال لماذا تخش الحكومة دخول المقرر الخاص بالتعذيب إلى البلاد، التعذيب بالنسبة للنظام البحريني، قرار "سيادي": بالتعذيب تمكّن النّظام في 3 سنوات من استصدار مئات الأحكام القضائية، كل أدلّتها الاعتراف، وتمكّن من التعرّف على 5000 مجرم وإرهابي دخلوا المعتقلات. 

سيد مانديز... ربما لم يعد من المفيد أن تخاطب النظام البحريني، لا أنت ولا السيد بان كي مون. النّظام في البحرين فقد السيادة على أراضيه تماما، وهو لذلك لن يستطيع الخضوع إلى الشرعية الدولية، ثمة شرعيّة أخرى تحكم أراضيه هي: شرعية المملكة السعودية! 

سيد مانديز، نحن أكثر من يعرف بأنك لا تحتاج لأحد يذكّرك بما يجب أن تقول، وما يجب أن تفعل. هذا الخطاب هو للآخرين الذين لا زالوا يعتبرون إنسانيتنا محل نقاش، لقد تجرأوا أن يأتوا بقاض دولي يحقّق في جرائمهم، ورغم كل ما قاله عن "التعذيب" الممنهج في البحرين، لم يجعل ذلك الملك يطأطئ برأسه! (الفقرات 1230 – 1245

سيد مانديز، لقد اتّهم بسيوني القضاء والنيابة العامة بالتغاضي عن حالات التعذيب الواضحة. وقال إن هذه المعاملة المهينة وهذا التعذيب القاسي مورس بصورة عمدية، وممنهجة، وكان أحد أهدافه العقاب. لقد قال بسيوني إن قوات الأمن تصرّفت وكأنّها على يقين من الإفلات تماما من العقاب، وليس هناك احتمال لمحاسبتها. 

في فقرة أخرى، رأت لجنة التحقيق أن هذه القضية "مشكلة منهجية، لا يمكن معالجتها" بعد أن اكتشفت أن لجنة مناهضة التعذيب قد سجّلت ارتكاب العديد من هذه الانتهاكات في البحرين، منذ زمن بعيد. وقالت اللجنة إن معاودة ذلك يعني اتباع مجموعة الممارسات أو السياسات نفسها، وهذا يشير إلى وجود "مشكلة منهجية، لا يمكن معالجتها إلا على مستوى النظام (المستوى البنيوي)"!

"في ضوء هذه الثقافة، تشيد اللجنة بالشجاعة الهائلة التي تمتع بها ضحايا التعذيب وإساءة المعاملة في الإبلاغ عما تعرضوا له"، لم يحقق أحد هنا في التعذيب، سوى بسيوني، الذي تفاجأ بحجم هذه الانتهاكات وبحجم التبليغ عنها. بعد تجربة بسيوني، يعلم النظام اليوم إلى أي درجة تشكل أنت خطرا، يا سيد مانديز!

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus