المعتقل الكفيف «علي سعد» ومعاناة ظلام مركّب وظلامة بدايتها الطفولة

2014-03-19 - 4:47 ص

مرآة البحرين (خاص): لا تبدأ حكاية المعتقل الكفيف علي سعد (29 عاماً) قبل سنوات فقط، فمسلسل استهدافه بدأ مبكراً جداً، عرف سعد أنه كتلة نشاط لا تهدأ منذ كان صبياً صغيراً، ولهذا فإن استهدافه لا يتوقف أيضاً، أعتقل منذ كان في الثالثة عشر من عمره. التهمة: كتابة شعارات مناوئة للنظام على الجدران إبان أحداث التسعينيات، تعرض للضرب المبرح رغم صغر سنه، ومن يومها صار اسمه مثبّت على رأس قائمة المطلوبين أمنيا، تعرض للتهديد بالتصفية الجسدية عدة مرات من قبل أطراف بوزارة الداخلية، نظام يعاقب الأطفال على كتابات مناوئة له على الجدران، كيف يكون غريباً عليه محاولة تصفيتهم كباراً؟ اعتقل وسجن مرات بتهم تتعلق بأعمال الشغب والتجمهر.

في العام 2005 تعرض سعد لطعنة في بطنه من قبل مواطن أمريكي. يومها قامت مجموعة من الشباب بالهجوم على وكر لبيع الخمور احتجاجاً وحدثت مواجهات، وعندما عرف (سعد) بأن صديقه المقرب معهم، أسرع إليه لينقذه، وهناك تلقى الطعنة وأدخل على إثرها المستشفى لإجراء عملية جراحية، وبدلاً من محاكمة الجاني، تم اعتقال سعد ومحاكمته بالسجن لمدة سنة واحدة.

الحادثة الأشهر في تاريخ سعد، ونقطة التحول الخطيرة، كانت الإنفجار الذي حدث في سيارته في إبريل 2009، تؤكد عائلته وأقربائه بأنه كان مدبّراً بهدف التصفية التي طالما وعد بها. يومها كان قاصدا الذهاب لشراء الحلويات للاحتفال بمناسبة دينية، اصطحب معه صديقه موسى جعفر(29 عامًا)، لم يكد يدر محرك السيارة حتى دوّى انفجار قوي هزّ المنطقة، أسفر عن موت صديقه، أما هو فقد استطاع الخروج من السيارة لكنه تعرض لحروق شديدة في وجهه فقد على إثرها بصره وظل في المستشفى قرابة شهرين.

«الكفيف»، هو اللقب الذي أطلق على سعد بعد هذا التفجير الغامض. يومها لم يفقد بصره فقط بل فقد ما تبقى من حريته، النظام البحريني أغلظ عليه في أشد اللحظات التي كان بحاجة فيها إلى عائلته ليتكيف مع وضعه الجديد ويتقبّل إعاقته الدخيلة، حُرم لقاء عائلته فضلاً عن عنايتها. أصبح (سعد) مطاردا ومطلوبا منذ ذلك الحين وعاش ظلاماً مركباً، ظلام البصر وظلام الحرمان والخوف. الظلام يكبر بالوحدة ويصير حفراً في الروح، حُرم (سعد) من أبسط حقوق تلقي العلاج.

علي سعد

بعد تلك الحادثة اتهم (سعد) بمحاولة صنع قنبلة محلية للقيام بأعمل إرهابية، إلى جانب أصدقائه موسى جعفر وعلي حسين، حكم بالسجن 10 سنوات إذ اعتبر المتهم الأول في القضية، لذا اختار الاختفاء كي يحمي نفسه من الاعتقال، لكن تمت ملاحقته والقبض عليه في إحدى مزارع بني جمرة. عذب (سعد) في التحقيقات وحرم من الاستحمام مدة 18 يوما، وعندما نقل إلى سجن جو أُبقي في عيادة السجن مدة 6 شهور وحيدا، وقد انعكس ذلك على نفسيته كثيرا فصار لا يتحدث مع الآخرين ولا يتفاعل معهم إلا بنحو محدود جداً.

وفي ثورة 14 فبراير 2011 أفرج عن (سعد) مع باقي المعتقلين السياسيين، لكن سرعان ما صار مطلوبا مرة أخرى بعد الهجوم على الدوار في مارس 2011، ليعيش بعدها حياة المطاردين مدة عامين آخرين حتى اعتقل من أحد منازل قرية الديه في مايو 2013، اختارت له وزارة الداخلية كتلة تهم أخرى إضافة لتهمة تصنيع المتفجرات؛ تأسيس جماعات إرهابية لقلب النظام، وإغلاق الشوارع في الاحتجاجات، وحرق الإطارات.

في سجنه الأخير تعمّد التعذيب الذي تلقاه في التحقيقات الجنائية على إهانة إعاقته أكثر، يتم تكبيل يديه وتعصيب عينيه التي لا يرى منها أصلا، مع التركيز على ضربه بالأحذية على أذنيه ووجهه قائلين له: سنفقدك السمع كما فقدت البصر! حرم (سعد) من الأكل والحمام والصلاة، وظل واقفا طيلة ثلاثة أيام، أما صنوف الإهانات اللفظية والمعنوية فلا تسل.

في يناير 2014 انتشرت له صورة بمواقع التواصل الاجتماعي أثناء تواجده في مستشفى السلمانية فترة الشتاء، كان يرتدي قميصا خفيفا لا يحميه من البرد، الصورة أظهرت جانباً من تعمّد الايذاء الجسدي الذي يعيشه سعد في السجن. تُكبل يدا سعد في كل مرة يؤخذ فيها إلى المحكمة، ويحرص على تحويطه من كل الجوانب منعا لرؤيته، يُدخل قاعة المحكمة ويُخرج على وجه السرعة. تؤكد عائلة سعد بأن الشرطة يتعمدون إذلاله أثناء إحضاره للزيارة، يقومون بتركه يصطدم بالجدران أثناء المشي أو تركه يتعثر بالمرتفعات دون إرشاده أو تنبيهه.

أكمل سعد 11 شهرا خلف القضبان، جدد له في 10/3/2014 مدة 30 يوما، وينتظر حكما بتهم من البؤس أن تُنسب إلى (كفيف) لولا أنها صادرة عن نظام بائس. ضابط التحقيقات قال له متوعداً: مستحيل أتركك تخرج بدون قضية!!

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus