انسحاب الوفاق...يقطع العلاقة بين الشارع والدولة

علي شريف - 2011-07-20 - 6:38 ص



علي شريف*
 

في مساء الخميس 24 فبراير/شباط الماضي، جاء الخطاب الأول للشيخ علي سلمان في دوار اللؤلؤة. مضت 10 أيام على بداية ثورة 14 فبراير، تصعّد فيها شعار الجماهير بشكل تلقائي ليبدو وكأنه يتجه على خطى الثورتين المصرية والتونسية إلى مطلب إسقاط النظام، فارتكب فيهم النظام مجزرة ثم عاد وتراجع. 

حين ارتقى سلمان المنصة، كان يتحدث في واد مختلف تماماً عن وادي الجماهير وشعاراتهم، لكن أحداً لم يسأل لماذا أطبق الهدوء على الدوار المكتظ بشكل غير مسبوق؟ ولماذا كان الجميع بلا استثناء يوجهون أنظارهم وأذهانهم إلى حديث سلمان باهتمام بالغ؟. 

إن أهمية حديث الشيخ علي لكل الجماهير (على اختلافهم، ورغم كونه يسير عكس تيار شعارهم تماماً) لم تكن لأنه يمثل الوفاق ذات الامتداد الجماهيري الواسع، فالصحيح أن الشيخ أيضاً كان يخشى امتدادات الأستاذين حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين، بل حتى امتداد حركات 14 فبراير الشبابية المجهولة القيادة، والتي كانت تحضر بشكل مستقل، خارج إطار جميع الحركات السياسية التقليدية. 

وليست أهمية حضور سلمان أيضاً في ضبط إيقاع الاحتجاجات، وكبح جماحها، فكل هذه باتت خارج السيطرة تماماً، وهو لم يفعل أي شيء من هذا في ذروة تصاعد الاحتجاجات. 

حديث سلمان اكتسب أهمية كبرى للجميع، لأنه الشخص التاريخي الذي ارتبط بالشارع، ويرتبط اليوم باتصالات مع أعلى شخصيات النظام الحاكم، بعد فترة من العمل السياسي المؤسسي المنظّم، والذي دخلت المعارضة على إثره البرلمان. 

ينظر الناس إلى الشيخ على أنه من بيده مفاتيح اللعبة، وأنه المفوّض (تقليدياً) لتمثيل الشارع في أي محادثات مع النظام في أعلى مستوياته، إذا كان لا بد منها، هذا التفويض ليس مقبولاً من الأطراف الشعبية فقط، إنه يحظى باعتراف النظام!  حضور الشيخ عند جميع المتظاهرين (بكل أطيافهم) يعني الإجابة على سؤال: ماذا يدور الآن بين المعارضة والحكومة؟ وما الذي سيحدث؟ لتترك الحرية بعد ذلك لردود الفعل، أما ما يحدث حقيقة، وما يجب أن يحدث، وكيف يدار، فعملياً لا أحد كان مؤهلاً للدخول في منافسة مع سلمان إذا كان الأمر يتعلق بالتفاوض والحديث مع النظام. 

سلمان يمثل مؤسسة المعارضة ذات العلاقة التاريخية مع الحكم، وجميع هذه الظروف تجعل دوره حكراً عليه، حتى فيما يتعلق بعقد التحالفات، وفضها، واختيار الوفود، وتبني تكتيك سياسي، أو رفض آخر. تظل المطالب بيد الشارع، ويظل سلمان (بما سيمثله من معارضة، وفاق، علماء، وقوى سياسية متحالفة) هو قناة الاتصال المعترف بها مع النظام لتحقيق هذه المطالب. 

إن حضور الشيخ بهذه الصفة يعني في الأساس أن الشارع لا يزال متمسكاً باستمرار العلاقة مع النظام بشكل من الأشكال أو صيغة من الصيغ، ولا يزال ينظر إلى حل ضمن هذه العلاقة، حتى لو رفع شعاراً معاكساً (كما حصل في التسعينات حين كان هتاف الموت لآل خليفة أيقونة إلا أنه لم يتحول إلى فكرة وتنظير)  في المقابل فإن عدم حضوره سيعني قطع هذه العلاقة وحدوث فراغ خطير بين الشارع (بكل أطيافه المعارضة دون استثناء) وبين النظام الحاكم في لحظة فارقة من تاريخ هذه العلاقة.

انسحاب الوفاق من الحوار وهو آخر ورقة تفاوضية، يعني سقوط الرهان على العمل المؤسسي، واللجوء للشارع مجدداً يعني فقدان الاتصال بالمعارضة!  لا يعني ذلك بالضرورة التهديد بترك الشارع لينساق وراء خيارات مطروحة كبديل، مثل خيار الأستاذين أو شباب 14 فبراير (وكلها خيارات مقدّرة)، لكنه يعني أن الشارع سيتجه بعد استنفاد كل الطرق مدفوعاً لصناعة تاريخ آخر مهما كلف الأمر من التضحية بالقناعات والأفكار وحتى التوافقات، دون أن يكون هناك داع لأي برنامج محدد الهدف والتنظيم. 

إن غياب الوفاق عن المشهد ومقاطعتها للعملية السياسية في هذا الظرف الخطير، لن تكون مثل مقاطعتها انتخابات 2002، والسبب في ذلك يعود إلى النظام نفسه، لأنه ارتكب أخطاء شنيعة فاقت ما فعله في التسعينات بمراحل، وفي وقت قياسي.  

كما أنه على عكس مخاض الميثاق، دخل في عملية تسوية دون حل تبعات الأزمة السياسية، وجعل المعارضة تستفيد من أوراق المعتقلين، المفصولين، والمنتهكين في الإبقاء على الزخم الثوري، والاندفاع الجماهيري، عند الشارع الهائج أساساً، فالنار تحت الرماد، والجمرة لا تزال تؤجج القلوب، والسخط والغضب بدأ يأخذ بعداً تاريخياً، بتراكماته، كما أن الجماهير على وعي شديد بأنها باتت تستطيع أن تدير أنظار العالم أجمع تجاهها في أي لحظة. 

فكل مظاهر وصور الاحتجاج التي أحرجت النظام دولياً في فبراير/شباط ثم في مارس/آذار الماضي، وأعطت للحراك السياسي السلمي بريقه، متهيئة للظهور بشكل أكثر صرامة وتحدياً، إنها حاضرة بنسق ضخم قد لا يتصوره النظام الحاكم جيداً، وهي تحتاج إلى شرارة البدء فقط، وعدم وجود ما يعرقل تقدمها مهما كان الهدف مجهولاً. 

وسيكون من الصعب جداً الوقوف في وجهها مرة أخرى، وهذا ما سيؤدي إلى كارثة لا أستبعد أبداً أن تأخذ أبعاداً خطيرة، قد تصل إلى عدم الاعتراف بالدولة ومحاصرتها عبر خيارات ستخرج عن سيطرة الوفاق وأي جهة أخرى. 

إن انقطاع الاتصال بالنظام، يعني أن تسير كل جهة في طريق، وأن لا تعترف كل منها بالأخرى، والنتيجة، أن سقوط النظام، والذي كان فكرة سخيفة وساذجة إبان تصاعد الحراك السياسي في دوار اللؤلؤة، ستكون نهاية حتمية لهذا الصراع، مهما كان ذلك غير متخيل، فالمحطات التاريخية الفاصلة دائماً ما تكون ضرباً من الخيال.  

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus